حنا لحود «القابض على الجمر»

روزانا رمّال

يعلو صوت المدافعين عن السيادة ومبدأ إدارة الظهر عملاً بأهمية إبعاد لبنان عن أي عاصفة أو لهيب حرب «عبثية» تستعر من هنا أو هناك على أرض بلادنا العربية، وربما تعلو أصوات تشرح هذا الموقف وفيها بعض الصدق والكثير من المغالاة في تقديم اعتمادات لدول تخوض حرباً على الإنسان والإنسانية قبل الخصم السياسي أو العدو المستهدف، لكن يستحيل على اصحاب النفوس التي ارتقت الى مصاف القديسين الذين رفعوا النفس الإنسانية والروح الى أعلى الدرجات والمقامات ان ينأوا بأنفسهم عما يتعرّض له الإنسان في أي بقعة من بقاع الأرض.

النأي بالنفس عن مدّ يد العون الى أولئك الذين ينزفون لذنب لم يرتكبوه لا يروق لاصحاب القلوب والعقول الحية، ولا يروق لشجعان نذروا أنفسهم وقدّموا أرواحهم فداء للإنسانية أولئك اليوم مثلهم كمثل القابض على الجمر الذي لا يستطيع تسويق ما يجول في باله من معايير وقيم ولا يستطيع أن يشرح أن الشر الذي ينخر الجسم البشري ويطغى على ضمائر بعض الناس تفوّق في هذا العقد من الزمن على الخير الموجود في كل رجل وامراة وولد. أولئك الذين تعبوا من الشرح والكلام وقرروا أن يذهبوا بأنفسهم ليصبح الكلام فعلاً وليصبح الإنسان قيمة ولتصبح الروح تساوي روحاً أخرى تفديها برموش العيون، هؤلاء القديسون الجدد مثلهم كمثل شهيدنا البطل «حنا لحود» شهيد لبنان الذي أبى الا أن ينصر إخوانه في الإنسانية اهل اليمن.

«حنا لحود»… كم درس ودرس قدّم لأبناء بلده وللعالم والإنسان؟ كيف يمكن النظر لسيرة حياة شاب اختار أن يموت من أجل الآخرين؟

كيف يمكن أن لا تصغر باقي القضايا أمامه؟ كيف يمكن أن لا يكون عبرة لمن يعتبر؟ كيف يمكن أن لا يكون حنا قديسنا الجديد؟ كيف يمكن أن لا يكون درساً بعنوان هكذا يحيا الضمير.

كم هي صغيرة تلك النفوس التي لا تعرف الفرق بين الإيمان والإجبار وبين الإنكار والوقوف جهاراً لكلمة حق تُقال في زمن انعدام المشاعر.

ربما لم يكن أحد يسمع بهذا الاسم، لكنه اليوم وسام على صدر كل لبناني، حريّ بنا تسمية شارع باسم هذا الشاب العظيم منه الى توزيع اسماء بالمجان لغير اللبنانيين الذين لا يتفق معهم كل أهل البلد، من هو الذي لا يتفق معك يا حنا؟

لقد ذكّر حنا اللبنانيين بأن فيهم مَن يخرج لنصرة أخيه وفيهم مَن لا زالت دماؤه حية، لقد ذكر حنا اللبنانيين ان الانتخابات النيابية وبث الفرقة الذي صار هدفاً لكل مرشح لن يوصل اللبنانيين الى صوت الضمير، ولن يحكي عنهم في كواليس العالم وفي منابر الأمم على حد سواء، لقد ذكّرهم حنا انه سبقهم بكثير وأنه وحده من رفع اسم لبنان عالياً في شهادته.

منذ أيام نعى الصليب الأحمر الدولي أحد أعضائه الشاب اللبناني حنا لحود الذي استشهد برصاص مسلحين مجهولين في تعز باليمن. المنظمة الدولية قالت إن ما جرى عبر هذه الجريمة التي أفضت الى خسارة لحود المحبوب من الكل والمفعم بالحياة لا يمكن تبريرها.

وفي التفاصيل فقد استشهد حنا عندما كان في طريقه لزيارة «سجن» صباح يوم الجريمة، بعدما تعرّضت سيارة اللجنة الدولية التي كان يستقلها لهجوم من مسلحين مجهولين في ضواحي تعز. وعلى الفور حسب معلومات صحافية تم نقل الشاب اللبناني الى المستشفى، حيث ما لبث أن فارق الحياة متأثراً بجروحه.

من عام 2010 ولحود يعمل في هذه المؤسسة الإنسانية. وفي تلك السنوات ما يكفي من تقديم أجمل سنوات العمر وشبابه من اجل «الإنسان» كيف لا ودلالات استشهاده على أرض غير أرضه تحمل الكثير من المعاني؟

قد تحضر في الأذهان فوراً أشكال أخرى من النضال والقتال ضد الظلم. ربما يحضر في هذه الحالة الى اذهان اللبنانيين مقاتلون لبنانيون من المقاومة والجيش مدّوا يد العون لأولئك الذين عانوا من منظمات الإرهاب الذي تفشى في العالم العربي وكاد يصل الى عمق بيروت، فلا مجال للنأي بالنفس عندما تنادي الإنسانية ولا مجال لتجاهل المشاعر. يجتمع حنا لحود اليوم مع الشهداء والقديسين وأئمة الشرف والوفاء لقضايا الشعوب ونضالاتها، أولئك الذين صاروا تحت التراب اليوم هم أمثلة حية أمام العالم على نفحة ضمير، ربما تعتاش عليها هذه المعمورة.

حنا لحود اسم لا يقلّ أهمية عن ضباط في الجيش اللبناني وقادة قدموا أرواحهم من أجل لبنان، لكنه ربما يرتقي لما هو أعلى بكثير بعد أن صار هدفه الإنسانية جمعاء، ودرس عدم النأي بالنفس هو أكثر ما يمكن لتجربة حنا أن تعطيها وربما تصلح المقارنة أكثر من أي وقت مضى عن نصرة الأخ والجار وقت الضيق. وعن أولئك الذين يرفضون القتال في سورية والتعاون بين الجيش اللبناني والسوري أو أي جهة ترغب في دحر الإرهاب تحت عناوين واهية.

الرئيس ميشال عون نعى وكرّم لحود قائلاً «ليس لأحد حب أعظم من هذا وهو يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه».

حنا لحود تفوّق على نفسه وحلق عالياً وساماً من جبال الأرز على صدر الإنسانية وفوق جبين كل شريف في هذا العالم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى