ترامب يستعين بماكرون للنزول عن شجرة التصعيد في الملف النووي الإيراني بروكسل يفشل كمرجعية للحل في سورية… ويكتفي بقيود على عودة النازحين

كتب المحرّر السياسي

بدت القمة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، رغم الخطاب المستمر في التصعيد على التفاهم النووي من إيران من جانب ترامب، بمثابة استعانة أميركية بصديق للمساعدة في النزول عن شجرة التصعيد نفسها. فالكلمات المتبادلة بين الرئيسين حملت تأكيدات واضحة على السعي للبحث عن بدائل للخروج الأميركي من التفاهم من جهة، وعلى الحفاظ على تماسك التحالف الأميركي الأوروبي تجاه كيفية إدارة العلاقة بإيران. وجاء تصريح ماكرون عن البحث بصيغة تدعو إيران لتفاوض منفصل عن التفاهم ينطلق من العمل بأحكامه، بهدف الوصول لاتفاق مكمل أو موازٍ، يجيب عن أسئلة مصير المشروع النووي الإيراني بعد نهاية مدة التفاهم عام 2025، ويطال الأسئلة الغربية حول الصواريخ البالستية الإيرانية والدور الإقليمي لإيران، وكأنه المشروع الذي تم التفاهم عليه بين ترامب وماكرون على أن يجري التداول بمضمونه مع شركاء التفاهم الآخرين قبل عرضه على إيران. ما يعني التمهيد مع روسيا كشريك حاسم في تفاهم الخمسة زائداً واحداً، لجسّ نبض إمكانية العودة للصيغة التفاوضية نفسها تحت عناوين جديدة بالتوازي مع تأكيد السير بمضمون التفاهم الحالي، وما يعنيه من استكمال رفع العقوبات.

الحيرة الأوروبية الناتجة عن الشعور بالضعف والعجز عن انتزاع دور مفصلي في أحداث العالم، والتي حوّلتها باحثاً عن أدوار هامشية على فتات المائدة الأميركية، حضرت في مؤتمر بروكسل المنعقد تحت عنوان «دعم مستقبل سورية والمنطقة»، حيث السعي لبلورة مرجعية موازية لأستانة رداً على بيان الثلاثي الروسي التركي الإيراني الذي قال إن صيغة استانة أثبتت أهليتها كمرجعية للحلّ في سورية، وفيما يعرف الأوروبيون الذي جمعوا معهم دول الخليج كحلف المهمّشين في الحرب السورية، أن الأموال هي السلاح الوحيد الذي يملكونه، جعلوا من تمويل قضية النازحين والإعمار، مصدراً لربط عودة النازحين والمساهمة في الإعمار بتلبية شروط الحل السياسي التي يتبنّاها الأميركيون، ويمكن أن يمنحوا المؤتمر ومنظميه دوراً سياسياً بناء على خدماتهم في السعي لتعطيل المشروع الذي يتبناه الثلاثي الروسي التركي الإيراني. وفيما تحضر تركيا كدولة تسعى للحصول على النصيب الأكبر من المعونات تحت عنوان النازحين، تُعرَض على لبنان المشاركة بالفتات ضمن شروط أهمها تعطيل كل مشروع لعودة النازحين، والتزام بدمجهم في سوق العمل.

الوظيفة السياسية للمؤتمر وبيانه الختامي كشروط تمويل لإيواء النازحين ستكون مواضيع نقاش لبنانية مع نهاية المؤتمر الذي جرى تسويقه في بيروت كمؤتمر دعم للبنان، بينما تكشّفت كواليسه والخطابات الافتتاحية للمشاركين فيه، أنه مؤتمر سياسي بامتياز تنقض المشاركة فيه مبدأ النأي بالنفس الذي يفترض بالحكومة الالتزام به.

لبنانياً، وعلى مسافة عد تنازلي لأيام ما قبل موعد الانتخابات، رد رئيس مجلس النواب نبيه بري على منتقدي التحالف الثنائي بين حركة أمل وحزب الله ووصفه بالطائفي بقوله، أن هذا الثنائي يقوم على مبادئ وطنية وهو موضع افتخار، كما ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، بينما تأجّل ملف النظر بالمادة التاسعة والأربعين من الموازنة لمجلس النواب الجديد، بناءً على ما سيخرج به المجلس الدستوري الذي تلقى طعناً نيابياً بالموازنة قدّمه النائب سامي الجميل بالنيابة عن عشرة نواب وقعوا الطعن، ما أجّل النظر برسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمجلس النواب التي يطلب فيها إعادة النظر بالمادة التي تنص على منح حق الإقامة الدائمة للأجانب مقابل تملك عقارات بقيمة معينة في لبنان.

الطعن بالمادة 49 يُفرمِل رسالة عون بانتظار الدستوري

في حين بقيت العيون شاخصة إلى يوم السادس من أيار موعد الانتخابات النيابية في مختلف دوائر لبنان على أن تُنجز المحطة الأولى منه عبر اقتراع المغتربين في الخارج يومي الجمعة والأحد المقبلين، يحجب مؤتمر «بروكسل 2» الأضواء ليومين فقط عن وقائع المسلسل الانتخابي من إشكالات أمنية ومشاحنات سياسية وطائفية ومذهبية باتت تهدّد الوحدة الوطنية مقابل حصد مقعد نيابي إضافي.

وعشية انعقاد مؤتمر دعم الدول المضيفة للنازحين في بلجيكا، عادت المادة 49 من قانون موازنة 2018 الى الواجهة من بوابة الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى المجلس النيابي عبر رئيس المجلس نبيه بري، طالباً إعادة النظر في نص المادة 49 من قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2018، التي تقضي بـ «منح اقامة الى كل عربي او أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان بالشروط التي حدّدتها المادة المذكورة»، بحسب ما أوضح المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية.

ولم يكد رئيس المجلس النيابي يتسلّم الرسالة للاطلاع على مضمونها ووضعها على السكة الدستورية كان رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل وتسعة نواب آخرون من الكتائب والأحرار وسيرج طورسركيسيان وعضوا تكتل التغيير والإصلاح سابقاً جيلبرت زوين ويوسف خليل، يقدّمون طعناً أمام المجلس الدستوري بالمادة 49 من قانون الموازنة وبالموازنة برمّتها لمخالفتها قانون قطع الحساب.

وفرمل هذا الطعن النيابي رسالة الرئيس عون الى المجلس النيابي وفرض تشاوراً بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي اللذين قرّرا «التريث في إعطاء المجرى الدستوري للرسالة، ريثما يبت المجلس الدستوري بالطعن المقدّم ليبنى بعد ذلك على الشيء مقتضاه»، وفق ما أشار مكتب الإعلام في الرئاسة في بيان ثانٍ.

فما هو المآل الدستوري للطعن المقدّم وما هي الخيارات المتاحة أمام المجلس الدستوري؟ وهل سيردّ الطعن أم يقبله بالمادة 49 فقط دون قانون الموازنة؟ وهل يعتبر الطعن في قانون الموازنة برمّته قانونياً في ضوء تعليق رئيس الجمهورية العمل في المادة 83 وإجازته إقرار الموازنة من دون قطع حساب الموازنات السابقة؟ وكيف سيؤثر قرار الدستوري على مسار رسالة رئاسة رئيس الجمهورية الى البرلمان وكيف سيحسم الأخير النزاع القائم حول المادة محل الخلاف؟

مصادر سياسية ودستورية أوضحت لـ «البناء» أن «المجلس الدستوري سيبتّ في الطعن في غضون أيام وهناك احتمالان: الأول يرد الطعن شكلاً وأساساً وفي هذه الحالة يعتبر قانون الموازنة قانونياً ودستورياً وبالتالي تسلك رسالة رئيس الجمهورية مسارها الدستوري في المجلس النيابي الذي يعقد جلسة بناءً على دعوة رئيسه لإعادة النظر في المادة مضمون رسالة الرئيس عون، ويمكن أن يلغي المادة أو يدخل تعديلات عليها، أما الاحتمال الثاني فهو إبطال المجلس الدستوري إحدى مواد قانون الموازنة أو المادة 49 من دون قانون الموازنة، وحينها المجلس النيابي ملزم بالتعديلات أو بالملاحظات التي يطلبها الدستوري».

وبرأي المصادر، فإن «المجلس النيابي في كافة الاحتمالات سيعيد النظر في المادة 49 فقط بمعزل عن قرار المجلس الدستوري، فإذا قبل الأخير الطعن فإن المجلس النيابي سيعيد النظر بمواد الطعن، وإذا ردّ الطعن، فإن المجلس النيابي سيعيد البحث برسالة رئيس الجمهورية، وبالتالي هو الجهة الصالحة للبتّ بقانون الموازنة ومواده».

واستبعدت مصادر سياسية أن «يسمح رئيس الجمهورية بتمرير المادة 49 في ضوء اعتراض بكركي والمكونات المسيحية عليها، متوقعة تسوية سياسية في المجلس النيابي لحل هذا الخلاف».

«بروكسل 2»: استثمارات مشروطة بتوظيف النازحين

وعلى وقع الارتباك الدستوري الداخلي إزاء بلورة موقف موحّد من المادة 49 يعقد اليوم مؤتمر دعم الدول المضيفة للنازحين في بروكسل بمشاركة نحو 85 حكومة ومنظمة غير حكومية، وسط توقعات بدعم مالي يتلقاه لبنان حوالي 5 مليارات دولار، وأشارت مصادر وزارية مطلعة ومواكبة لعمل الأمم المتحدة في ملف النازحين، إلى أن «الهدف الظاهري لمؤتمر بروكسل مساعدة الدولة اللبنانية، لكنه الهدف الباطني دمج النازحين السوريين في لبنان في المجتمع اللبناني، وبالتالي يحمل مشروعاً مشبوهاً بدأته الدول المانحة والأمم المتحدة منذ 4 سنوات»، وكشفت المصادر لـ «البناء» بأن «المؤسسات الدولية، لا سيما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كانت تأتي الى لبنان باقتراحات ومشاريع ملغومة لتثبيت النازحين من خلال منحهم إقامات وفرص عمل»، موضحة أن «مشروع التوطين في مراحله الأولى لن يأخذ طابع منح الجنسية، إنما التوطين الواقعي والقانوني أو المقونن من خلال تمديد إقامتهم في لبنان الى أمد طويل»، ولفتت إلى أن «الحكومة تسير في المشروع من حيث تعلم أو لا تعلم والدعم المادي مقابل استيعاب النازحين ودمجهم في السوق الاقتصادية اللبنانية»، موضحة أن «الأموال التي يمكن أن تُرصَد للبنان ستكون مشروطة بإنشاء استثمارات في مشاريع وتوظيف النازحين فيها».

وميّزت المصادر «بين العامل السوري الذي يأتي من سورية ليعمل وفق القانون الذي ينظّم ويرعى عمل العمال الأجانب ويحصر عمله في قطاعات محددة، وبين النازح الذي في حال وجد عملاً وإقامة سيبقى في لبنان مع عائلته وتصبح إقامته دائمة بعكس العامل السوري الذي يأتي ليعمل ويعود إلى عائلته الموجودة في سورية».

كما أوضحت المصادر أن «لرجال الأعمال السوريين أو العرب الذين يأتون من سورية وأوروبا ودول عربية الحق في شراء شقق سكنية وفي العمل في مشاريع مختلفة، لكن الخوف يكمن في اتخاذ المادة 49 في قانون الموازنة غطاءً شرعياً لإعطاء قروض من الدول المانحة للنازحين لتملك شقق بطرق ملتوية ثم الحصول على إقامة».

وتشكك المصادر بشكل وآليات تسليم الأموال، مذكرة بأن «الأموال الدولية السابقة لم تأت الى الدولة اللبنانية مباشرة بل إلى الجزء الأكبر منها كان يأتي عبر الأمم المتّحدة ومؤسسات غير حكومية مرتبطة ببعض الجهات اللبنانية وسفارات بعض الدول العربية والأجنبية، كما كانت تأتي بعض الأموال من الدول مباشرة الى مؤسسات دينية، وبعضها من دول عربية مباشرة إلى مخيمات النزوح في عرسال».

ما يطرح التساؤلات التالية: ما هي الضمانة بأن تصل الأموال الى الدولة اللبنانية وأن لا تتسرّب الى جهات دولية؟ ومن سيراقب صرفها على النازحين في لبنان؟ وهل ستخضع التوظيفات في المشاريع الى القانون اللبناني الذي ينظم عمل الأجانب؟ وما هي شروط التوظيف وهل ستقتصر فقط على العمال السوريين أم على النازحين أيضاً؟

على صعيد آخر، يعقد مجلس الوزراء الخميس المقبل في بعبدا جلسة على جدول أعماله واحد وستين بنداً، وبحسب معلومات صحافية فإن ملف الكهرباء ببنوده الثلاثة عشر سيكون مطروحاً في الجلسة.

اقتراع المغتربين

على صعيد آخر وعشية انطلاق الانتخابات في 6 دول عربية بعد غد الجمعة، وفي أوروبا وأفريقيا واميركا الأحد، يوجّه الرئيس عون في الثامنة من مساء اليوم، رسالة الى اللبنانيين المقيمين والمنتشرين عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة يعرض فيها أهمية المشاركة في العملية الانتخابية في ظلّ القانون الانتخابي الجديد.

إلى ذلك، تتواصل التحضيرات في وزارة الخارجية لمواكبة وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية العاملة في لبنان لعملية الاقتراع، بحيث يتمّ تجهيز الغرفة التي تعتمد عادة للاجتماعات في الوزارة لوضعها في خدمة الإعلاميين، فيتابعون من خلال شاشة كبيرة في القاعة الرئيسية لقصر بسترس الاقتراع، وتمّ تشكيل لجنة مشتركة من وزارتي الخارجية والداخلية لتطبيق دقائق أحكام الفصل الحادي عشر من قانون الانتخاب رقم 44/2017، المتعلق باقتراع اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية.

كما أصدر وزير الداخلية والبلديات 4 تعاميم الأول يتعلّق بوجود مندوبي المرشحين أو اللائحة بعد ختام عملية الاقتراع، والثاني يتعلّق بشأن مندوبي المرشحين أثناء فرز صناديق اقتراع الموظفين والناخبين المقيمين في الخارج لدى لجان القيد الابتدائية، والثالث يتعلّق بالإجراءات المعتمَدة لحاملي بطاقة الهوية من دون صورة أثناء العملية الانتخابية والرابع يتعلق باحتساب حالات اوراق الاقتراع خلال عملية الفرز.

بري: «الثنائية» و»الثلاثية»مناعة لبنان

وأكد الرئيس بري: «أننا نفتخر و نخجل مما يسميه البعض ثنائية شيعية، لكنها في الحقيقة هي ثنائية وطنية، وهي تشكل المناعة الوحيدة المتبقية لحماية لبنان الى جانب ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة».

وأضاف خلال استقباله في دارته في المصيلح وفوداً شعبية» «نحن نخجل من أي ثنائية لو كانت ضد الوحدة الوطنية وضد عروبة لبنان وقضاياه القومية وفي الطليعة قضية فلسطين». وتابع: «طالما أن هذا التحالف هو تحالف وطني طائفي، فمن الطبيعي والمتوقع أن يكون هدفاً دائماً لسهام الطائفيين والمذهبيين في الداخل والخارج وتحالفاً مزعجاً ومقلقاً للعدو ا سرائيلي. وطالما أن العدو على هذا القدر الكبير من القلق وا نزعاج فسنعمل على تعزيز هذا التحالف وتمتينه ولينزعج مَن ينزعج وليقلق من يقلق».

اتصال بين جنبلاط وأرسلان

إلى ذلك وبعد تصاعد السجال الانتخابي بين الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني والذي انعكس توترات أمنية على الأرض لا سيما في الشويفات، أعلنت مفوضية الإعلام في الاشتراكي ومديرية الإعلام في الديمقراطي أنه «جرى اتصال مساء الإثنين بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني وزير المهجرين طلال أرسلان تناولا فيه الظروف السياسية الراهنة». وأكدا التعاون المشترك لتهيئة المناخات الهادئة لخوض الاستحقاق الانتخابي بهدوء وبعيداً عما يمكن أن يشكل توتراً على الأرض وفي القرى والبلدات المختلفة بمعزل عن الخلافات السياسية والتباين في وجهات النظر حيال عدد من القضايا والملفات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى