وجه بعلبك لا ينفصل عن تاريخها المقاوم… و«القومي» ضابط إيقاع موثوق

تحقيق ـ عبير حمدان

يكفي أن تجول في شوارع وأزقة مدينة بعلبك لتدرك أن وجه هذه المدينة لا ينفصل عن تاريخها المقاوم والرافض أي احتلال ولو تستّر بهيئة الدبلوماسية، وقبيل الوصول إلى قلب المدينة تطالعك صور مرشحين للانتخابات النيابية وعبارات تستبطن وعوداً بالإنماء والخدمات.

وعلى ذكر الإنماء، فإن بعلبك كما مناطق لبنانية عدة لا تحظى بالإنماء المتوازن الذي نصّ عليه اتفاق الطائف، وما تحصل عليه من خدمات وإنماء، هو بجهود نوابها وأحزابهم، وهذه حقيقة لا ينكرها أهل المنطقة.

هذه المنطقة قدّم أبناؤها تضحيات كثيرة ولم يتلقوا في المقابل سوى وسمهم بصورة نمطية مسيئة واتهامهم بأنهم خارجون عن القانون، حيث تبنّى جزء كبير من الإعلام هذا الطرح لتشويه صورة المنطقة وأهلها. والمفارقة أن بعض القوى التي يدور في فلكها الإعلام الذي أساء لبعلبك وأهلها، تترشّح عن هذه المنطقة، وتسعى للحصول على أصوات مَن أساءت إليهم.

في مدينة بعلبك وبالقرب من قلعتها الأثرية هناك ساحة شهيرة عُرفت بساحة الأحزاب ولم تزل تحمل هذه التسمية، رغم أن معظم هذه الأحزاب تبدّلت عناوينها. وحده مكتب الحزب السوري القومي الاجتماعي لم يغادر الساحة وبقي شاهداً منذ سبعينيات القرن الماضي على نبض الشارع البعلبكي لكونه جزءاً أساسياً من نسيجه الحيوي. ولعل بين حجارة المبنى التاريخي الكثير من الحكايا التي تختصر واقع بعلبك بعيداً عن الخطابات الانتخابية والبيانات السياسية.

«البناء» وخلال جولة لها في مدينة بعلبك، استطلعت آراء مواطنين وفاعليات ومسؤولين حزبيين، وكانت هذه اللقاءات حول الاستحقاق الانتخابي:

جمال ياغي: رفع منسوب الشحن المذهبي وضخ الأموال لن يحرفا تاريخ أهل بعلبك

يشير جمال ياغي مسؤول الماكينة الانتخابية للحزب السوري القومي الاجتماعي في دائرة بعلبك ـ الهرمل إلى أن «بعض الجهات والقوى ترفع منسوب الشحن المذهبي وتُرصد أموالاً طائلة في هذه الانتخابات لحسابات وارتباطات معروفة، غير أن أهل منطقة بعلبك ثابتون على قناعاتهم والتزامهم بالمقاومة نهجاً وخياراً، ولن يتأثروا بخطابات التحريض والزيارات المشبوهة لهذا المسؤول أو ذاك السفير».

ويضيف ياغي في إطار متصل: «يلعب الحزب السوري القومي الاجتماعي دوراً أساسياً في مواجهة الشحن المذهبي، ويقوم بالخطوات المطلوبة لترسيخ وحدة أهل هذه المنطقة بكل شرائحها، ولهذا الدور أثر إيجابي كبير نلمسه من خلال عمل ماكينتنا الانتخابية».

وقال «نحن وحلفاؤنا في قوى المقاومة نتحمّل مسؤولياتنا بالوقوف مع الناس وتحسّس مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية، ومن خلال نواب المنطقة وأحزابهم، ونحن منهم، جرى تقديم خدمات إنمائية كبيرة، ولكن هذا لا ينفي أن الدولة تقصّدت تغييب هذه المنطقة عن خريطة الإنماء المتوازن لعقود، وهي تغيب عن معالجة أبسط الأمور، فهل يُعقل أن إبن بعلبك إذا أراد أن ينجز أي معاملة رسمية عليه الذهاب إلى زحلة.. أضف إلى ذلك عدم استثمار معالمها السياحية بشكل مدروس من قبل الوزارات المعنية وتظهيرها كأنها بؤرة للخارجين عن القانون، باختصار الدولة تجلد بعلبك وقراها. وهذا التعاطي من قِبلها لم يعُد مقبولاً».

فادي ياغي: أهل بعلبك أوفياء للدماء التي دافعت عنهم في وجه الإرهابيين

أما مدير مديرية بعلبك في الحزب السوري القومي الاجتماعي فادي ياغي فتحدّث عن الحضور التاريخي للحزب في بعلبك وكل نسيجها الاجتماعي، ويشير إلى أن «الحزب القومي متجذّر في مدينة بعلبك وله بصماته، وهناك الكثير من الأسماء التي يحفظها هذا المبنى التاريخي. فهذا المكتب شهد الرعيل الأول من المناضلين أمثال الأمين مصطفى عبد الساتر والأمين عباس ياغي والأمين علي شرف الدين، ولا ننسى خسارتنا الموجعة في ظل غياب العميد صبحي ياغي.

وقال: في العام 2006 تحوّل مكتبنا خلية نحل، وقد سهر القوميون على أمن الناس. وهذا المكتب مفتوح للجميع لكوننا حزباً لا طائفي هدفه نشر الفكر النهضوي وترسيخ الوحدة.

ويضيء ياغي على الأولويات والتي يدرجها مرشح الحزب القومي ضمن الأولويات. وهي: «العمل على مسألة ضم وفرز الأراضي وتفعيل دور الجامعة اللبنانية، بحيث لا يضطر الطالب إلى مغادرة مدينته لعدم توفر كل الفروع فيها، وتفعيل القطاع الزراعي والتجاري والسياحي لتحسين الواقع الاقتصادي والحد من أزمة البطالة».

ويختم ياغي بالتأكيد على أن أهل بعلبك أوفياء للدماء التي دافعت عنهم في وجه المجموعات الإرهابية ولن ينجح المال السياسي والتجييش المذهبي والجولات الدبلوماسية الخليجية في تغيير قناعاتهم والتأثير على خياراتهم.

الرفاعي: العلة في الطائفية والدواء في الفكر القومي العلماني

يرى زكريا الرفاعي تاجر أن العلة في الطائفية التي تسيطر على العقول وتزيد الانقسام بين الناس، مشيراً إلى أن عدم مبالاة مَن هُمْ في السلطة تنسحب على كل لبنان. ويقول: «كما ترين بعلبك منطقة على الهامش بالنسبة إلى مَن هم في موقع السلطة.

نحن نبحث عن فكر يناقض هذه التركيبة الطائفية، ولعل الحزب السوري القومي الاجتماعي هو المثال لكونه يحمل فكراً نهضوياً ولا يسأل أي مواطن عن معتقده الديني إنّما يتعاطى مع الناس، بعيداً عن الخطاب المذهبي بناء على عقيدة قومية واضحة، ويسعى لإيصال صوتهم وتظهير معاناتهم ومتطلباتهم».

ويعتبر الرفاعي أن الناس تتأثر نسبياً بالخطاب المذهبي التحريضي، حيث إن كل فئة تعتبر أن هذا المسؤول الذي تختاره وتمنحه ثقتها سيحميها من باقي الأفرقاء. وهذا المشهد عام وليس مرتبطاً بمدينة بعلبك فقط.

ويبقى الأمن هو المطلب الأول لأهالي بعلبك وفق تعبير الرفاعي: «نريد من الدولة تفعيل دور مؤسساتها الأمنية بالدرجة الأولى، الوضع الأمني المستقرّ يؤثر بشكل إيجابي على الحركة التجارية والسياحية للمدينة، وبالتالي يساهم في تحريك العجلة الاقتصادية».

شبشول: لن نكون خنجراً في خاصرة المقاومة

لا يُخفي جهاد شبشول متعهّد حفلات غضبه من الواقع المزري الذي تعيشه بعلبك منذ عقود. ويقول: «حين يرتبط الأمر بالحرمان، فإن بعلبك تتفوق على باقي المناطق اللبنانية، والمؤسف أن الصورة النمطية لهذه المنطقة المهمّشة مسيئة وبعض الإعلام يساهم في الترويج بأن أبناء البقاع، وتحديداً قضاء بعلبك وقراه، خارجون عن القانون وتجار مخدرات ولصوص. وهذا أمر مرفوض. بعلبك ينقصها الكثير على صعيد الطبابة والتأمين الصحي والخدمات الاجتماعية كافة والتعليم وفرص العمل والتفعيل الجاد للقطاع السياحي لمدينة اقترنت آثارها بالتاريخ».

ويؤكد شبشول أن المال السياسي لن يؤثر على وجه بعلبك المقاوم، فيقول: «نحن أهل المقاومة بعيداً عن أي تأطير حزبي. وهذا هو وجه بعلبك ولن يتغيّر مهما حاول البعض أخذها إلى موقع آخر، ولن يكون أهل بعلبك الخنجر الذي يريد هذا البعض غرسه في خاصرة المقاومة».

العطار: بعلبك حصن المقاومة

يركّز ناجي العطار رئيس المركز الثقافي الروسي والعضو المؤسس في اللقاء اللبناني الوطني ضد التطبيع على الوجه الثقافي لمدينة بعلبك، والذي لا يمكن سلخه عن الفكر القومي المقاوم لكل محاولات تسلل العدو إلى العقول بهيئات مختلفة، فيقول: «بعلبك وقبل أن نتحدث عن مقاومة التطبيع اليوم قدمت هذه المدينة أول ضابط شهيد وهو الشهيد محمد زغيب بطل معركة المالكية. بعلبك لا تزال الحصن الحصين للمقاومة بكافة أشكالها، وهي من المدن القلائل التي لا تزال تحافظ على طابعها المقاوم في وجه العدو الصهيوني الغاصب. وهي فعلاً خزان المقاومة، وخلال الحرب الأهلية لم تكن ضمن دائرة الاقتتال والتقسيم. واليوم هي تواجه كل محاولات التسلل التي يقوم بها العدو الصهيوني، ولعل المحطة الأبرز محاولة تسلله إلى قلعة بعلبك تحت غطاء المهرجانات. وهنا أريد الإشارة إلى حجم الدور الذي لعبه الوزير علي قانصو في مواجهة كل مَن دافع عن الفرقة الفنية الآتية من حفل في الكيان الصهيوني لتقف على مسرح بعلبك، بحجة أن الفن لا علاقة له بالسياسة. ونحن ضمن اللقاء الوطني اللبناني ضد التطبيع نواجه كل خطط العدو الهادفة إلى تسميم العقول وتدمير مجتمعاتنا بهيئة فنية سواء أكانت سينمائية أو موسيقية أو حتى عبر بعض الجمعيات المشبوهة. وهذا اللقاء انطلق من مدينة بعلبك واستطعنا خلال سبعة أشهر تشكيل الفرق وتحقيق الإنجازات الكبيرة على صعيد لبنان بالتعاون مع شرفاء الوطن وعلى رأسهم الحزب السوري القومي الاجتماعي وباقي الأحزاب الوطنية. ونحن اليوم نحضر لمسابقة مدرسية في ذكرى النكبة حول رواية غسان كنفاني «رجال في الشمس» في محاولة لبث الحس الوطني والقومي في نفوس طلاب المدارس. والمشروع الأهم هو مشروع الوثيقة التربوية التي تدعو إلى عدم التطبيع مع الكيان الغاصب وإعادة محور القضية إلى المنهاج الدراسي الذي تمّ تعليقه من قَبل أحد الوزراء».

ويضيف العطار: «هوية العدو لم تضع في بعلبك، ورغم بعض السلبيات والنتوءات إلا إن العدو واضح بالنسبة للبعلبكيين. وإذا كنتِ تشيرين إلى مهرجانات بعلبك واللجنة التي تمّ تعيينها بمرسوم جمهوري عبارة عن شركة تجارية بعيدة كل البعد عن الطابع الاجتماعي للمدينة. وفي قانون التجارة تسقط كل القضايا المبدئية. وهذه ملف شائك بحاجة إلى بحث جاد وفعلي من قبل كل المعنيين في السلطة».

وفي ما يتصل بالواقع الإنمائي للمدينة يقول العطار: «بعلبك ـ الهرمل منطقة منسية. وهناك تقصير من الدولة على صعيد المشاريع والخدمات العامة والأمن. هذه المدينة التاريخية تملك وجهاً حضارياً وإرثاً ثقافياً ومسؤولية الدولة حمايته والحفاظ عليه وهذا أضعف الإيمان».

عرار: الحديث عن الحرمان مفتعل

والتقت «البناء» منفذ عام بعلبك في الحزب السوري القومي الاجتماعي علي عرار الذي أكد بأن خيارات أهل المنطقة واضحة، وتصب في خانة المشروع الوطني المقاوم، مشيراً إلى أن «مع اقتراب موعد الانتخابات نجزم بأن أهلنا في منطقة بعلبك ـ الهرمل سيعبرون عن خياراتهم الوطنية والتزامهم بالمشروع المقاوم. فنبض الناس هنا، نبضٌ مقاوم، ويرفضون كل الممارسات التحريضية التي يرمي أصحابها إلى كسب أصوات بعض المواطنين تحت عناوين متعددة، لكن كل ما يطرحونه من عناوين تلتقي عند نقطة واحدة هدفها استهداف الخيار الوطني المقاوم».

وفي ما يتصل بالغمز من باب الإنماء، يؤكد عرار أن: «الحديث عن الحرمان مفتعل وغاياته معلومة، وبالنسبة لنا العملية التنموية ليست حالة لحظوية تأتي في مواسم الانتخابات ثم تغيب، بل هي مسار وتتطلب عملاً دؤوباً، يؤدي إلى أن تتحمل الدولة مسؤولياتها، ولذلك ارتكز مشروع حزبنا الانتخابي على أولوية دولة المواطنة والعدالة، ونحن وحلفاؤنا منسجمون ومتفقون على هذا الطرح لأننا حريصون على تحصين البنية الاجتماعية، لأنها بنية تؤمن بمشروع المقاومة.

وأكد عرار أننا وحلفاءنا ونواب هذه المنطقة قاموا بالعديد من الخطوات الإنمائية والخدماتية، لكن الإنماء الكلي هو مسؤولية مؤسسات الدولة التي عليها القيام بواجباتها كاملة، تطبيقاً لمبدأ الإنماء المتوازن الذي نص عليه اتفاق الطائف».

وختم عرار قائلاً: منذ بدء الحراك الانتخابي، بدأنا نسمع من البعض كلاماً متصاعداً عن الحرمان في هذه المنطقة، إلا أننا نعتبر هذا الكلام مفتعلاً، وغاية مطلقيه لا تمت بصلة الى مصالح أهل هذه المنطقة وتوجهاتهم. لذلك ندعو أهلنا في بعلبك الهرمل إلى إجهاض محاولات البعض الرامية الى موطأ قدم في هذه المنطقة لمن هم في الضفة المناهضة لهوية أهل هذه المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى