استحقاقات «أربعة» كبرى تتوضّح بعدها صورة المنطقة

ليس عادياً ان تترقب «إسرائيل» تطورات زاخرة كتلك التي تنتظرها في شهر ايار المقبل. وهذه التطورات تتفاعل معها قوى كبرى على اساس إعادة التوازنات الى نقطة يمكن رسم تداعياتها على أساسها، فلا يمكن اعتبار ما كان قبل هذه المحطات كما قبلها. وبالتالي صار لزاماً الدخول في فصل جديد من عمر المنطقة تتوشّح على اساسها موازين جديدة ربما صار البعض منها واضح الاتجاهات والبعض الآخر يتصل على طريقة الصلصة المتصلة التي تصب في آخر الكوب. وهو نهاية المطاف الذي اقترب.

الحديث عن تسويات تتمحور ضمنها الازمة السورية والازمة اليمنية صار اقرب من اي وقت مضى، لكن الاكثر صعوبة من الإنجاز هو موقع القوى المتصارعة وهالتها التي انكسرت في اكثر من موقع، خصوصاً بالميادين المتقابلة. فجزء من السيطرة الأميركية بالمنطقة يتعلق باستحالة تخطي مفاعيل حضورها وحضور قواعدها العسكرية ليصبح هذا غير مجدٍ باستخدام صواريخ إيرانية قادرة أن تطال عمق الأمن الحيوي لحلفائها من ضمنها الرياض وتل أبيب على سبيل المثال اضافة الى قدرة الصواريخ الإيرانية على تكبيل الخيار الأميركي بالتحرك نحو حرب تستهدف طهران كانت منشودة منذ سنوات طويلة بدون ان تصبح واقعاً، لان شيئاً لن يحمي الرياض او تل ابيب او انقرة او اي حليف للأميركيين، وربما تصبح مسألة حرب إقليمية غير محسوبة مستحيلة طالما ان للأميركيين قواعد عسكرية في الخليج. وحده التخلي عن هذه المراكز او القواعد يجعل من حرب إقليمية ممكنة مع مسلمة أخرى وهي رفع اليد عن الامن الإسرائيلي ومغادرة المنطقة. وهذا أبعد من المستحيل.

عملياً تنتظر الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» ومعهما المملكة العربية السعودية استحقاقات أربعة للبناء على الشيء مقتضاه. وما تأخر التسويات الا جزء من مفاعيل هذه المحطات التي تحمل الكثير.

أولاً: اقتراب مهلة إعادة التوقيع او الالتزام بالملف النووي الإيراني الموقع كاتفاق بين الدول الغربية الخمس زائداً واحداً، كما عرفت وإيران ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية التي تنتظر لرفض الالتزام من جديد أم إعادة تأكيده، لكن الإحراج الكبير الذي تسببه لحلفائها الذين يشتركون فعلياً ومصلحياً كـ»إسرائيل» والسعودية صار اكبر من اي وقت مضى بعد سلسلة الصفقات والأموال التي قدمتها السعودية لواشنطن لتفوز في مقعد الحليف السني الأول في المنطقة. فما كان من ترامب الا أن جمع زعماء الدول الاسلامية في الرياض لدى زيارته لتتويج السعودية المرجعية الاساس ولتتعزز العلاقة أكثر لقاء مطلب سعودي يتمثل بنقض الاتفاق او التخلي عنه وتقويض إيران ما يضعف حلفاءها ويعيد الحروب الى نقطة الصفر على اساس ان إيران هي الأصيل والباقي وكيلاً في هذه المعارك التي تحوي كل ما يهدد الأمن الحيوي الإسرائيلي أخصها حركات كحزب الله والحشد الشعبي في العراق وأنصار الله في اليمن.

لا تبدو واشنطن حتى اللحظة مستعدة للتخلي عن الاتفاق بسهولة ويشير التردّد الى الكباش بين البيت الابيض والبنتاغون في خيار مصيري من هذا النوع يقف عند حدود مصالح حلفاء واشنطن أيضاً وبالأمس، وخلال اتصال طويل بين الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كانت الرسائل المباشرة تفيد أن الرئيس الفرنسي العائد من البيت الأبيض لا يزال متمسّكاً بالاتفاق مع إيران وكان التواصل مع الرئيس روحاني يحمل نوعاً من الطمأنة ليتكفّل الأخير برفع السقف والتذكير أن القرار غير قابل للتفاوض بأي شكل من الأشكال كما تطرح واشنطن.

ثانياً: نقل السفارة الأميركية الى القدس. وهو الحدث الذي قد يندلع إثره انتفاضة فلسطينية شعبية وانتفاضة مسلّحة أيضاً لا شيء يمنع ذلك في لحظة مشاعر ووجدان من هذا النوع إضافة الى ان هذا القرار قد يكون فرصة لتدخّل إيراني عبر ربط حركات المقاومة ببعضها. وهو الأمر الذي اعلن عنه مسوؤلون في حركة حماس لـ «البناء» بعدم ممانعة تلقي أي نوع من الدعم ولو جاء من إيران يُضاف الى ذلك العلاقة الجيدة بين طهران وحركة الجهاد الإسلامي كحليف لم يتأثر بمتغيرات الحرب بالمنطقة بالأخص سورية.

ثالثاً: الانتخابات التشريعية في العراق. وهي اول انتخابات بعد الاستحقاق الاكبر وهو القضاء على داعش بجهود الجيش العراقي والعامل الجديد المتمثل بـ«الحشد الشعبي» المدعوم من إيران. والنتائج هذه تجعل الترقب السعودي على مستوى الخليج والأميركي على مستوى المنطقة، شديد الدقة، خصوصاً لجهة طبيعة الوجود الأميركي وحيثيته وتوجه العراقيين النفسي والسياسي في المرحلة المقبلة، وكلها أمور قد تضع الوجود الأميركي في المنطقة على المحكّ في كل لحظة يتصاعد فيها النفوذ الإيراني في ملف من الملفات أو بالحد الأدنى إعادة النظر بالسياسات.

رابعاً: الانتخابات التشريعية في لبنان التي تبدأ بعد أسبوع لترسم شكلاً جديداً من الأكثرية النيابية، فبعد تسع سنوات من أغلبية نيابية أعطت حلفاء واشنطن فرصة التفوّق المحلي بحكومات أقرب الى الحلف الخليجي الأميركي بغض النظر عن إمكانية التعطيل والعمل السياسي الفريد في لبنان إلا أنها كانت بطريقة أو بأخرى مرحلة جسدت استكمالاً لما بعد اغتيال الحريري وإضعاف النفوذ السوري الإيراني ليصبح اليوم التحدّي أكبر بتفوق لحزب الله بدا قبل الانتخابات هاجساً سعودياً اقتضى على أثره احتجاز رئيس الوزراء سعد الحريري أياماً قبل ان تدخل الوساطات لتقنع المملكة بالنزول عند أمر واقع مر بدأت مفاعيله مع انتخاب ميشال عون حليف حزب الله ومرشحه رئيساً للجمهورية.

اربعة استحقاقات ستحدد مصير المنطقة وتكمل عملية احتساب النفوذ والنقاط وتستكمل عد الإنجازات والاخفاقات لدى الاحلاف وتعقلن المفاوضات أكثر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى