الكاتب المسرحيّ يوسف رقّة: المسرح في خبر كان

حاورته: رنا صادق

حاضن الفنون والفنانين، فنان مسرحي لا يمكن تجزئته، فخارجه كباطنه، وباطنه كخارجه، شفّاف وصادق وعفويّ، استمتع بدورانه في فلك العالم المسرحي الذي وضعه ضمن إطاره الإبداعي الخاص.

الكاتب المسرحي يوسف رقّة أعمق من أن نعرّفه، محبوب في الوسط الثقافي والفنّي، ووجود أمثاله في الحقل الفنّي نادرٌ.

ناشطٌ اجتماعي، ثقافيّ ومفعم بلغة الفنّ، لا حدود فنّية له. عمل كممثّل في مسرحيات عدّة خلال فترة شبابه. كان يعتلي المسرح من دون إعطاء علم للأهل الذين كانوا يخافون من تأثير المسرح على تحصيله الدراسي، ثم شاءت الظروف أن يتشارك في كتابة نصّ مسرحي يأخذ الطابع الوطني أو الثوري في ذلك الزمن، أي زمن الاندفاع القومي.

قام بإخراج العمل في باحة مدرسة، حيث طلبوا من عمّال البناء إحضار بعض الأخشاب من ورشهم لبناء منصّة مسرح في ملعب المدرسة.

ثم اختار معهد الفنون في الجامعة اللبنانية لدراسة المسرح وتخرّج عام 1981. بعد ذلك، كتب مسرحيّة «الشاطر» المستوحاة عن نصّ لكاتب ألمانيّ هو برتولت برشت، وأخرج هذا العمل على خشبة «المركز الثقافي الألماني»، وهناك اكتشف نفسه ككاتب، حين طلبت رئيسة المعهد من أحد مساعديها مقارنة ما كتبه مع النصّ الأصلي، فوجد أنه شرع إلى كتابة نصّ جديد مستوحى من النصّ الأصلي .

ثم كتب مسرحية «33 صلاة في جوف الحوت» الذي أخرجته المخرجة الكندية آليس رون فارد وفاز بجائزة وتقدير «اتحاد كتّاب الدراما» في مونتريال، بعد ذلك كتب «أحلام يومية»، النصّ الذي لفت اهتمام الهيئة التحكيمية في «هيئة المسرح العربي» في الشارقة، واختارته من بين عشرين من النصوص العربية، من أصل 140 مشاركاً في مسابقة التأليف المسرحيّ لعام 2015.

«البناء» التقت المؤلّف المسرحي يوسف رقّة، ورافقته مجدّداً في انسياق مراحل تجربته.

«33 صلاة في جوف الحوت»

«33 صلاة في جوف الحوت»، نصّ لمع نجمه من حيث القصة ومفاهيمها، لكنّه لم يأخذ حقّه في لبنان خصوصاً أنّه حاز على المرتبة الأولى في مسابقة في كندا، ويقول رقّة عن ذلك: النصّ ككتاب حاز على نسبة عالية من القراءة هذه السنة بعد طباعته وإصداره من «دار المؤلف» في بيروت بالتعاون مع شركة «ناشرون» لتوزيع الكتب والمنشورات. أما أنه لم يأخذ حقّه كعرض على خشبة المسرح في لبنان، فذلك يعود إلى أسباب سياسية وإنتاجية. غير أنه، وقبل طباعته في كتاب حاز على جائزة كندية في التأليف المسرحيّ عام 2006، كما تم عرض النصّ على خشبة المسرح الجديد في مونتريال ـ كندا عام 2009 في إطار مهرجان عالمي للعروض المسرحيّة، حيث نفّذته المخرجة الكندية آليس رونفولد بعد أن تُرجِم إلى اللغة الفرنسية وحاز على إعجاب المشاهدين وحماستهم.

هذا النصّ ينتمي إلى الأدب المسرحيّ، ليس قصة في المفهوم المتفق عليه أدبياً، هو مجموعة لوحات تتّخذ طابع الحوار أحياناً والمونولوج أحياناً أخرى. النصّ المسرحي يختلف اختلافاً جذريّاً عن القصة، هو نمط لمحاكاة الجمهور عبر الحوار بين شخصياته حسبما يشير رقّة.

رسائل ما زلنا نحملها

«الفنّ هو لغة تحمل رسالة عن الواقع»، عبارة سبق وأن أشار إليها الكاتب يوسف رقّة، وحول إن كان لا يزال يعتقد ذلك، قال: الفنّ هو مرآة الواقع، وعليه أن يحمل رسالة ما عن هذا الواقع. وأعتقد أنّه في ظلّ واقعنا المتردّي، هناك أكثر من رسالة ينبغي علينا حملها وتوجيهها. فالمسرح لا يستطيع أن يحمل الرسائل جميعها في عمل واحد أو عرض واحد، وهو ليس من مهامه أن يغير الواقع، بل تسليط الضوء من أجل صناعة الرأي العام ودفع الوعي الاجتماعي إلى رؤية ما يدور وما يحصل في المجتمع. المسرح يطرح فكرة للنقاش من أجل تطوّر المجتمعات وتقدّمها. وليس الكاتب أو المؤلّف المسرحيّ هو وحده من يفتح صندوق البريد، المهمة تقع على مخرج العمل في الدرجة الأولى، المخرج هو من يستطيع قراءة «الكلمة الذهبية» ليظهرها أو يطمرها.

في نصّ مسرحيّة «33 صلاة في جوف الحوت» بذلت جهداً كبيراً لإيصال الفكرة، والفكرة بقيت في الكتاب. كيف تنقل إلى الخشبة؟ الأمر لم يعد بيد الكاتب بل بات بيد المخرج والممثل والمنتج ومصمّم الإضاءة ومنفّذ الديكور ومهندس الصوت. العرض المسرحي، يختلف تماماً عن كتاب يتضمّن نصّاً مسرحيّاً.

جميع النصوص التي كتبها تحاكي واقعنا اليوم، للأسف، لم يتغيّر شيء. فمسرحية «الشاطر» التي عرضت على مسرح «غوته» الألماني ومسرح بيروت ـ عين المريسة، تتحدث عن الفساد والرشوة وشهوة السلطة والمال… مسرحية «أحلام يوميّة» التي صدرت عام 2015 عن دار «غوايات» في بيروت، تتحدث عن الشرذمة الطائفية والمذهبية السائدة في المشرق العربي والإسلامي. مسرحية «سبحان الباقي في الحيّ» التي عُرضت مؤخراً في «مهرجان نقابة الفنانين» في اللاذقية تتحدّث عن هواجس وحدة الأمة والعلاقة التي باتت مفقودة مع القضية الفلسطينية. جميع الأعمال التي كتبها رقّة للمسرح تحمل رسائل لا نزال نعيشها حتى اليوم في واقعنا.

خوفٌ من الفنون

الفنون عمود الحياة والمجتمعات، المدماك القادر على التأثير لأنه يحمل أكثر الفئات ثقافةً ووعياً وانفتاحاً. لذلك هي البؤرة التي تشكّل خطراً أو خوفاً على من يحاولون طمر التراث الشرقي والأيديولوجية الشرقية تحت التراب، وهذا السؤال يطرحه على نفسه كل فنان، إذ يعتبر رقّة أنّ الفنّ هو واجهة حضارية ينبغي دعمها وتشجيعها، وزارات الثقافة في العالم هي وزارات سيادية، لم يستطع فنّ في العالم القيام بثورة اجتماعية، هو يساهم في تسليط ضوء لا أكثر وهذا الضوء يحمل نسائم ربيعية تساهم في إنماء المجتمع على أكثر من صعيد خصوصاً في بلد يعتمد على السياحة في اقتصاده الوطني.

بداياته مع المسرح والفنّ

لعبت طفولة رقّة دوراً هامّاً في بناء الأحلام، حيث يشير إلى أنه في طفولته لم يكن يتكلم كثيراً، ويقول: الدافع الوحيد للكلام عندما كنا نقوم بلعبة التمثيل مع أصدقائي الأطفال. نخترع حكايات وقصصاً وهميّة للتعبير عن ذواتنا، لنضحك ونُخرج الحرّية الأسيرة في دواخلنا، إلى أن التحقت بفرقة لهواة المسرح عام 1972 كان يشرف على تدريبها المخرج جلال خوري رحمه الله ، وبدأنا نتعرّف إلى شيء اسمه المسرح، وإلى المدارس المسرحية. وقد نقل إليّ جلال خوري تأثّره بالكاتب المسرحيّ الألماني برتولد برشت، حيث أصبت بعدوى المسرح الملحميّ وما زلت حتى اليوم.

ويتابع: في تلك الفترة بدأت اهتماماتي بشراء الكتب المسرحيّة، خصوصاً سلسلة المسرح التي كانت تصدر عن الهيئة المصرية العامة للمسرح في مصر وبعدها سلسلة المسرح العالمي التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة في دولة الكويت… تلك كانت هوايتي منذ الطفولة، قراءة النصوص المسرحيّة. وقد شاركت كممثل في عدد من المسرحيّات، إلى أن انتسبت إلى معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، وحصلت على دبلوم المسرح عام 1981.

«برلمان»… تجربته المميزة

أهم تجربة مسرحيّة خاضها رقّة، يقول عنها: كان ذلك يوم أسّسنا فِرقاً مسرحية في بعض القرى الجنوبية، وأخرجت مسرحية «برلمان، أوتوبيس» عام 1976 في بلدة شحور الجنوبية، حيث استعنّا يومذاك بخشب وُرش العمار لنبني مسرحاً في ملعب مدرسة. والناس كانوا يحملون كراسيهم من منازلهم ليأتوا ويشاهدوا المسرحية التي لاقت ضجّة كبيرة عند بعض الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن شاهدوا عملاً مسرحياً.

المسرح… في خبر كان

يعتبر رقّة أنّ المسرح في حالتنا الحاضرة في خبر كان، لولا بعض الأعمال القليلة التي نشهدها بين الحين والآخر، ويقول: الحمد الله أن الدولة أبقت على قسم للمسرح في كلّية الفنون الجميلة التي تضخّ بالمواهب، رغم أنّ معظمهم يتخرّجون ولا يجدون خشبة مسرح ولا لقمة عيش، وشهاداتهم ترافقهم كمستند غير قابل للحياة. النهوض بالمسرح يحتاج إلى هيئة عامة تهتم بشؤونه وشجونه، مؤسسة ترعى جميع العاملين في المسرح، تؤمن الإنتاج لعروض مسرحيّة تؤمن الحيّز المسرحي في بيروت والمناطق اللبنانية كافّة.

ويختم: المسرح يحتاج إلى تنفيذ المرسوم المتعلّق بتدريس مادة المسرح في المدارس لتنمية الذوق الفنّي للتلامذة من جهة، ولتأمين العمل لخرّيجي المسرح من جهة ثانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى