في مقرّ الحركة الثقافية في لبنان… منير كسرواني يتذكّر

في لقاء مع الفنان القدير منير كسرواني حمل عنوان «المسرح: ذكريات وعِبر» تخلّلته تحية إلى الشهيد عزّ الدين الجمل، أطلقت «الحركة الثقافية في لبنان» و«ملتقى أصل الحكي» الأمسية الثقافية الأولى من ضمن سلسة ندوات شهرية في صالة «ق art للفنون التشكيلية».

اللقاء مع كسرواني حضره جمع ثقافيّ وفنّي وإعلاميّ، واستهلّه رئيس «أصل الحكي» الشاعر والممثل سليم علاء الدين مرحّباً بالفنان الضيف منير كسرواني والحضور، وموجّهاً تحية إلى الشهيد عزّ الدين الجمل.

وبلهجته الجنوبية المحبّبة، استجمع ذاكرته المفعمة بتجارب كوّنتها تجربته الطويلة وما اكتنزه من خبرة غنية، متأبطاً حكايات الطفولة، استعرض الفنان منير كسرواني بدايته من زمن «الشيطنة» والحياة القاسية مع الأب «المعيول» يكدّ في مهن ذاك الزمن بحسب المواسم. فهو تارة «حدّاد عربي»، وفي موسم آخر «فحّام»، حتى أنه مارس «البيطرية» ليبطح أكبر «ثور».

من «هونيك جيت» يخبر كسرواني، من بلدتي العيشية، قساوة الحياة الجبلية، من تمايل شتول التبغ، ومواسم الحصاد، من مشاحر الفحم، لا ننام حتى نستيقظ مع طلوع الضوء لقطاف التبغ.

ولكن، ما أن اشتدّ عوده، حتى هجر قريته ليرتدي ثوباً إيمانياً، سرعان ما خلعه لخاطر الشغف والإبداع، ودعوة مختلفة اجتاحته ومن غير أن يفقد إيمانه. وفي دير سيدة المعونات في جبيل، ومن على مسرحها، كانت معرفته الأولى بالفنّ. يقول هنا: في شي تحرّك جوّاتي… غير أنّ الأب جان عازار لم يمنحني دوراً في المسرحية المدرسية «جيت مأخّر».

ولكن الولد «يللي شاقق الأرض وطالع منها»، سرعان ما صار المتكفّل بكل مستلزمات مسرح المدرسة بدءاً من «كناسته» إلى إعداد الممثّلين وباقي تفاصيل المسرح الخشبيّ من أكسسوارات، حتى لو استلزم الأمر جزّ شعر «الجدي الأشقر» ليصنع منه شعراً لأحد الممثلين الذي كاد أن يختنق من رائحة شعر الجدي الكريهة.

من هناك بدأت مسيرته الفنّية في الخامسة عشرة من عمره، مسيرة تشكّلت بين التمثيل والكتابة والإخراج، وانفرجت أحلام كسرواني المتعثّرة، والتحق بكلّية التربية في الجامعة اللبنانية، في معهد الفنون الجميلة، ليأتيه «الفرج» على يد شكيب خوري الذي امتحنه في مشهد «حارس الجثّة» من نصّ آنتيغون، وأطلق خوري تنبؤه الذي صدق بأن هذا «الطالب سيكون الأقوى عندنا طوال السنوات الأربع»…

فعلاً، تخرّج منير كسرواني عام 1979، بدبلوم دراسات عليا في المسرح، ويتذكّر هنا أنه كان ينال أفضل علاماته في صف أنطوان كرباج الذي يعتبره أعظم ممثّل في لبنان.

وعلى ضفاف السيرة، جاءته الفرصة الذهبية، وبفضل أستاذه الذي يقدّره ولا ينسى فضله ريمون جبارة، انخرط منير كسرواني في السيرة الرحبانية ليكون شريكاً في «المؤامرة مستمرّة» بدور رجل المبادرة العربية، ويتوقّف كسرواني للحظات ليروي بتأثّر ما قاله له يوماً الكبير الراحل عاصي الرحباني: «أنا بحبك من ضمن خمسة في لبنان ابني زياد، سعيد عقل، أدونيس، خليل حاوي».

ومن ذكرياته مع البيت الرحباني، أنه التقى مع السيدة فيروز، ويقول هنا ممازحاً: «ويا ريتا ما كانت»، ثمّ يضحك قبل أن يضيف: «أنا بحبّ الستّ فيروز وأحترمها كثيراً، بس الطريقة يللي استقبلتني كانت ناشفة غير مرحّبة، إلّا أن عاصي لطّف الجوّ وقال لها: هيدا أستاذ كسرواني، فأعاد إليّ اعتباري الذي كاد أن يسقط على بابه… ومن يومها بدأت ألبّي دعوة عاصي ومنصور المفتوحة إلى مأدبتهما، وجمعتني بهما أواصر لا تزعزعها الأيام. وكم كانت فرحتي كبيرة عند حضورهما لتهنئتي بزواجي مع صينية فضّة هدية».

ويستمّر فيض الذكريات يطوف في بال كسرواني، فيحضر زكي ناصيف ومحمد الماغوط وملحم بركات وكريم أبو شقرا، وفيها حكايات مجبولة بالعِبر والأمثولات لفنان استجمع كلّ أدواته لينشر على الذين أحبّهم وأحبّوه فرحاً، وليؤكّد صاحب «الله يهدّك يا إسرائيل» أنّ الفنّ الأعظم الذي يقدّمه فنان، هو الفنّ الملتزم شؤون الناس وقضاياهم الكبرى.

ولأن المناسبة أيضاً ضمّت تحية إلى الشهيد عزّ الدين الجمل الذي سقط شهيداً في مواجهةٍ مع جيش العدوّ اليهوديّ في منطقة تل الأربعين في الأغوار الأردنية عام 1968، ألقى الشاعر طارق آل ناصر الدين كلمة خصّها بالشهيد عزّ الدين.

وفي الختام، قدّم رئيس الحركة الثقافية في لبنان ومسؤول العلاقات الخارجية في مجلس النواب، الشاعر بلال شرارة، درعاً تكريميةً للشهيد عزّ الدين، تسلّمها شقيق الشهيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى