اللقاء الأول بين ذوالفقار والإمام الصدر

إبراهيم موسى وزنه

في ذكرى استشهاد سيف المجاهدين، السيد مصطفى أمين بدر الدين «ذو الفقار»، رأيت لزاماً عليّ أن أستذكر «خبرية» من عشرات الخبريات التي جمعتني به خلال الفترة الممتدّة بين عامي 1972 و1981، حيث أمضينا معاً أجمل الأوقات وأروعها في جامع الإمام زين العابدين في الغبيري، وضمن الجمعية الثقافية الإسلامية وفي عداد فريق الإيمان لكرة القدم وعشرات الرحلات إلى البحر والنهر.

تعود بي الذاكرة إلى شهر آذار من العام 1975، أيّ قبل أسابيع معدودة على اشتعال فتيل الحرب الأهلية… فبعد أدائنا صلاة المغرب مأمومين بالشيخ المعلّم حسن عوّاد، حفظه الله، طلب منّي الحاج محمود قماطي، وهو مدرّبنا ورئيس فريق الإيمان، أن أحضر إلى المسجد في تمام الساعة التاسعة والنصف مساء، متمنياً أن لا أخبر أحداً بأيّ تفاصيل. سألته ما الخبر؟ فقال لي: عندما أراك مساءً أخبرك.

بعد هذا الحوار الذي دار في إحدى زوايا المسجد سارع مصطفى ناحيتي وسألني ماذا يريد الحاج؟ فقلت له يريد أن يجتمع بي لاحقاً بخصوص الفريق يبدو أنّ هناك بعض التغييرات ستحصل.

في الموعد المحدّد حضرت إلى المسجد، وفي قاعة جانبية سلّمني الحاج محمود «كلاشينكوف» وكلّفني بنوبة حراسة مهمّة. فالسيد موسى الصدر سيصل بعد قليل للقاء الشيخ حسن عوّاد في منزله الذي يقع بمحاذاة المسجد. وبالفعل، ما هي إلا دقائق حتى وصل الصدر، فاستقبله الشيخ حسن والحاج محمود وبعض الشباب، ثم صعد السيد والشيخ إلى بيت الشيخ حسن… أصبحت الساعة العاشرة ليلاً، لقد بدأ اللقاء متأخّراً، ومتى سينتهي؟ وأيّ ساعة سأكون في البيت؟ وماذا ينتظرني من عتاب؟ علماً بأنني كنت في صف البكالوريا وتنتظرني امتحانات رسمية… وأنا أسبح في بحر تساؤلاتي، أطلّ مصطفى من شرفة منزله الذي يقع بمواجهة منزل الشيخ مباشرة، ليلمحني جالساً عند أسفل الدرج المؤدّي إلى بيت الشيخ حسن، أطلق صافرته الدالّة إليه، وسألني من بعيد، شو عم تعمل؟ ليش بعدك هون؟ مين في عند الشيخ حتى تحمل سلاح؟ تقدّمت نحوه تاركاً موقعي، وأخبرته بأنّ سماحة السيد موسى الصدر سهران عند الشيخ حسن. وما إن سمع الخبر حتى لمعت عيناه فرحاً، قال لي سأنزل لأكون معك. قلتُ له ناطرك. وأنا في قرارة نفسي مدرك أنّ ما سيلاقيه من منع لمغادرة المنزل من جانب أهله سيحول دون نزوله، خصوصاً أنّ الساعة قد شارفت الـ 11 ليلاً. خرج مجدّداً ورمى لي بعض الفاكهة، ثم توارى، وما هي إلا دقائق معدودة حتى رأيته يفتح بوابة المسجد الخارجية ويتقدّم نحوي. أخبرني بأنه أحضر معه مفتاح المنزل، ثم جلس إلى جانبي عند الدرجة الأولى لمنزل الشيخ، سريعاً صارحني برغبته بأن يرى السيد موسى ويصافحه ويقبّله…

وبعد ساعة من التسامر على صوت خافت، ومع انتصاف الليل، فُتح الباب واقتربت لحظة الفرج، مصطفى سيحقّق رغبته وأنا سأعود إلى المنزل بعد طول غياب، تبادل السيّد والشيخ آخر الكلمات عند الباب، ثم نزل السيد ليقول لي «سهّرناك معنا اليوم سامحنا أتعبناك»… صافحته وقبّلته. والأمر نفسه فعله مصطفى، حيث مازحه السيد قائلاً قديش عمرك؟ فردّ 14 سنة، فسأله السيد ليش سهران حتى هذه الساعة؟ فأجابه بكلمة واحدة «لأراك»… فعاد السيد ليقبّله ثانية. وتوجّه ناحية السيارة التي كانت قد أوصلته عند التاسعة والنصف، وودّعناه معاً عند الباب والقلوب مأخوذة بسحر طلّته ودفء كلماته وروعة أخلاقه وتواضعه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى