«نيويوركر»: هل حقاً ستقف دول أوروبا أمام ترامب بسبب الملفّ الإيراني؟

غيدا اليمن

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني موجةً من ردود الفعل في أنحاء مختلفة من العالم.

وفي مقالٍ لجون كاسيدي في صحيفة «نيويوركر»، يراجع الكاتب المواقف الأوروبية المغايرة لتوجّهات الولايات المتحدة الأميركية، متسائلاً عن إمكانية صمود هذه المواقف في وجه العقوبات التي درجت الولايات المتحدة على فرضها منذ عهودها السابقة على كلّ من يخالف سياساتها.

بعد مرور يومٍ على إعلان ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، اتصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء الماضي، بنظيره الإيراني حسن روحاني في طهران، «وكرّر رغبة فرنسا في الاستمرار بتطبيق كافة جوانب الاتفاق». وصرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف دريان لشبكةٍ إذاعية فرنسية قائلاً: «إن الاتفاق لم يمت. هناك انسحاب أميركي من الاتفاق، لكن الاتفاق ما زال موجوداً». في عواصم أوروبية أخرى، كان سياسيون ودبلوماسيون بارزون يطلقون تصريحات مماثلة.

للمرّة الأولى في الذاكرة الحيّة يعارض حلفاء أميركا الأوروبيون مجتمعين واشنطن في قضية أمنية أساسية، أو هكذا يبدو الأمر حتى الآن.

يقول كاسيدي إنه في العقود السبعة الماضية التي تلت هزيمة هتلر، والإعلان الرسمي عن إنشاء الحلف عبر الأطلسي «ناتو»، حدثت عدة خروقات جدّية. ففي العام 1956، رفضت إدارة آيزنهاور دعم الهجوم الإنكليزي ـ الفرنسي على قناة السويس. وفي عام 2003، رفضت فرنسا وألمانيا الانضمام إلى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة من أجل غزو العراق. لكن لم يحدث قبل عهد ترامب أن وقفت أوروبا مجتمعةً في وجه إدارة أميركية متّهمةً إياها بخرق القانون الدولي.

ظهر ذلك بشكلٍ واضح في التصريح المشترك الصادر الثلاثاء الماضي، عن ماكرون والمستشارة الألمانية آنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.

ويتابع الكاتب أن التصريح ذكّر بأن مجلس الأمن الدولي قد صدّق بالإجماع في عام 2015 على الاتفاق مع إيران، المعروف بشكل رسمي تحت اسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وأشار إلى أنه «يبقى الإطار الدولي القانوني الملزم لحل النزاع حول البرنامج النووي الإيراني». وبحسب القاموس الدبلوماسي، فإن هذا الكلام يرقى إلى مرتبة اتهام موجه، ليس لإيران، بل للولايات المتحدة، بخرق القانون الدولي.

وتابع البيان: «تبقى حكوماتنا ملتزمةً بتطبيق الاتفاق، وستعمل مع كل الأطراف الأخرى المعنية بحيث يبقى الأمر على هذا النحو على أن يشمل ذلك ضمان استمرار الفوائد الاقتصادية للشعب الإيراني بحسب ما نصّ عليه الاتفاق».

ويعتبر ذلك بمثابة تعهد بمحاول إنقاذ الاتفاق النووي، على رغم جهود ترامب لتدميره. على أن تصريح الزعماء الثلاثة قصُر عن إعلان ترامب مخرّباً جاهلاً عازماً على تدمير النظام العالمي، ولم يكن بحاجةٍ لذلك: ففي معظم أوروبا، يعتبر ذلك أمراً مسلّماً به.

ويتساءل كاسيدي: لكن إلى أيّ مدى سيرغب القادة الأوروبيون في مواجهة ترامب؟ وإلى أين سيمضون في تلك المواجهة؟ لكي يقنعوا إيران بأن مصلحتها تكمن في الاستمرار في الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة، سيكون على الشركاء غير الأميركيين في الاتفاق ـ فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، الصين، وروسيا ـ أن يقدّموا لطهران دعماً ماليّاً مجدياً لمواجهة لجوء الولايات المتحدة إلى تطبيق عقوباتها الاقتصادية المتشددة. في حال سلك الأوروبيون هذا السبيل، سيجدون أنفسهم حتماً مستدرجين إلى صراعٍ أعمق مع إدارة ترامب، وهم أصلاً مختلفون معها حول الرسوم الجمركية، وقد ينتهي الأمر ببعض الشركات الأوروبية الكبيرة إلى دفع أثمانٍ باهظة.

كان الاتفاق قد أتاح للشركات الأميركية والأوروبية التعامل مع إيران، بعد تخفيف العقوبات القاسية التي كانت مطبقة في السابق. في السنوات التالية، تضاعفت صادرات النفط الإيرانية، وأتيح لإيران التعامل ولو بشكل محدود مع النظام المصرفي العالمي. لكن، ها هي حكومة ترامب الآن تدعو للعودة إلى تطبيق «أقصى العقوبات»، وتهدد بمعاقبة الشركات العالمية الكبرى التي لا تقطع علاقاتها بإيران، بغضّ النظر عن مقرّها.

وكان ريتشارد غرينيل، السفير الأميركي الجديد في ألمانيا قد صرّح يوم الثلاثاء الماضي عبر «تويتر»: «على الشركات الألمانية العاملة في إيران إنهاء أعمالها على الفور».

يرى الكاتب أن تصريح غرينيل أثار موجةً من الغضب في ألمانيا، لكن التهديد المبطّن الذي تضمّنه لم يكن فارغاً. كما سبق وجرى في السابق، فإنّ القانون يتيح للحكومة الأميركية فرض غرامات ثقيلة على أيّ شركة عاملة في الولايات المتحدة تخرق العقوبات الأميركية.

ففي العام 2014، فرضت إدارة أوباما غرامات على مصرف «بي إن بي باريسباس» الفرنسي، قيمتها 9.4 مليارات دولار عقاباً له على خرقه العقوبات المفروضة على كوبا، وإيران، والسودان. وعمليّاً، فإن كل شركة أوروبية متعددة الجنسيات عملت في إيران خلال السنوات القليلة الماضية، مثل الشركة المصنعة للطائرات «إيرباص»، وشركة «توتال» النفطية، لديها أعمال أو مورّدون في الولايات المتحدة.

في حال لم تقطع تلك الشركات علاقاتها بطهران، فقد تفرض عليها إدارة ترامب غرامات بمليارات الدولارات ـ بحسب كاسيدي ـ كما أنها قد تفرض غرامات على أيّ مصرف أوروبي ساعد في تسهيل الصادرات الإيرانية، وهي أحد مكوّنات اقتصادها الأساسية.

في الأشهر الأخيرة ناقشت المصارف الأوروبية المركزية «إمكانية إنشاء نظام مقاصة يتيح تداول النفط الإيراني باليورو»، بدلاً عن الدولار، بحسب ما نقلت «بلومبرغ» ـ أوروبا يوم الأربعاء الماضي، لكنّ هذه الفكرة لم تمض قدماً، بحسب ما أفاد التقرير «لأن آلية كهذه ستظل قاصرةً عن حماية الشركات الأوروبية التي لها مصالح تجارية في الولايات المتحدة من العقوبات».

وحتى لو جرى تسعير أيّ صفقة نفطية مع الحكومة الإيرانية باليورو، فستظلّ المصارف معرّضةً لعقوبات واشنطن، بحسب ما صرح لـ«بلومبرغ» ديفيد مورتلوك، وهو خبير اقتصادي عمل مع مجلس الأمن القومي خلال إدارة أوباما. وبالتالي، فإنّ الصفقات لن تبرم في غياب مصارف راغبة في تمويلها. «وستكون النتيجة المباشرة لذلك تجميد التجارة مع إيران»، كما قال أحد المدراء التنفيذيين الكبار العاملين في قطاع النفط لصحيفة «فايننشال تايمز»: «نحن جميعاً نعتمد على مصارف أوروبية، وهي لن تموّل أيّ صفقات تجارية مع إيران، حتى لو كنّا نريد ذلك».

يقول الكاتب: «إذا أُخذت هذه الصعوبات الفعلية في الحسبان، فسيكون هناك قدر كبير من الشكوك لدى الشركات والأوساط الديبلوماسية حول مدى تصميم القادة الأوروبيين الذين أطلقوا هذه التصريحات المعارضة لقرار ترامب. وقد ظهرت يوم الأربعاء تقارير تشير إلى أن هؤلاء يستعدّون للطلب من إدارة ترامب بطريقة لطيفة أن تستثنى الشركات الأوروبية من العقوبات الأميركية. في حال رفض البيت الأبيض ووزارة الخزانة هذه الطلبات ـ كما هو مرجّح ـ فماذا سيفعل القادة الأوروبيون؟».

قد يكون ممكناً أن تتّفق حكومات هذه الدول الأوروبية على مواجهة العقوبات الأميركية من خلال التعويض على الشركات الأوروبية التي قد تطالها هذه العقوبات، ومن خلال استخدام المؤسسات المالية الحكومية، مثل المصرف الأوروبي للاستثمار، لتقديم القروض لإيران، إلا أنه ليس من الواضح إن كانت هذه الاستراتيجيات ستنجح، ومن الممكن أن يردّ البيت الأبيض عبر تصعيد إجراءاته الانتقامية ضد الشركات الأوروبية.

ويختم الكاتب مقاله قائلاً: «في الخلاصة، تواجه ماكرون وميركل وحلفاءهما الأوروبيين معضلةٌ لا يحسدون عليها: فهل سيكون عليهم من أجل تفادي نشوب سباقٍ محموم على التسلح النووي، والحفاظ على نوعٍ من الاستقرار في الشرق الأوسط، أن يقفوا في مواجهة المخرّب في البيت الأبيض، ويكبّدوا بلدانهم كلفةً اقتصادية باهظة، مع ما قد ينتج عن ذلك من شروخ عميقة في حلف الناتو؟ فلننتظر الأسابيع المقبلة لنرى كيف سيتعاطى الأوروبيون مع هذا التحدّي».

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى