محمد البرجاوي الرئيس التاريخي لشباب الساحل كان يضع خطّة اللعب ويستقدم اللاعبين بنفسه

إبراهيم وزنه

من الطبيعي عند ذكر اسم أحد الأندية أن يُصار إلى استذكار نجومه الذين برزوا في الملاعب، إلا أن هذه القاعدة تسقط عند ذكر نادي شباب الساحل، لماذا؟ لأن الاسم الذي يتبادر إلى الأذهان هو «أبو أنور البرجاوي»، ذلك الرئيس التاريخي الذي صنع أمجاده وحمله إلى مقدّمة الفرق اللبنانية بين أواخر الستينيات ومنتصف السبعينيات، فعلى مدى سبع سنوات 1968 ـ 1975 حمل محمد البرجاوي الراية الزرقاء، وبفضل جهوده وخبرته وحسن رعايته أبقاها خفّاقة في سماء الملاعب الرسمية والشعبية، فمعه تألق الفريق وحقق الإنجازات وحصد البطولات.. ولاحقاً لم ينل حقّه في الارتقاء، فكان ـ ومن معه ـ من الصابرين على ظلم «المحاصصة» الطائفية الكروية وقتذاك، والحريصين على عدم التفريط باللاعبين المميزين، وبعد طول معاناة في الملاعب جاءت الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات لتبعد البرجاوي عن نادٍ أعطاه من وقته وماله أكثر مما أعطى لعائلته.

فمن هو محمد البرجاوي؟ وكيف آلت إليه رئاسة النادي الذي أصبح مع الأيام سفير الضاحية الجنوبية تحت الأضواء، فماذا نقرأ في دفتر ذكرياته وأرشيفه الكروي، والكلام هنا على لسان أفراد العائلة؟

البداية مع حلمي سبور

ولد محمد إبراهيم البرجاوي في العام 1914 في الغبيري، وقبل أن يتمّ السنة من عمره توفّى والده، فبادر عمّه النائب السابق عن الشوف ومحافظ جبل لبنان أحمد البرجاوي إلى احتضانه، كما تكفّلت عمته المتزوّجة من آل العتر في الغبيري بتربيته والسهر على تأمين حاجياته. ومع انتسابه إلى مدرسة المقاصد برز الشاب الممشوق القامة 1,85 م. مع فرق المدرسة في معظم الألعاب الرياضية، خصوصاً كرة القدم ومسابقات الوثب، ليتمّ اختياره ضمن منتخب المدرسة الكروي، وفي ضوء مشاركته في بطولات ألعاب القوى أحرز بطولة لبنان في الوثب العريض والقفز بالزانة لفئة الشباب، ولما يبلغ السابعة عشرة من عمره، وبسرعة خطف «البرجاوي» الأنظار في ملاعب الكرة، وهذا ما أوصله سريعاً لارتداء قميص فريق حلمي سبور الذائع الصيت في تلك الحقبة، والذي كان يدرّبه المجري المعروف بـ «مسيو زنجر»، وفي العام 1932 وبعد نجاحه في البكالوريا توظّف مدعوماً بكفاءته في مصلحة الجمارك التي كانت بأمرة ضابط فرنسي نظراً لواقع الانتداب الذي كان قائماً، فعيّن رئيساً لفرقة «الهجّانة» على الحدود الفاصلة بين جنوب لبنان وفلسطين، وكان مركزه في مدينة بنت جبيل. وهذا التدبير تمّ اتخاذه بغية إبعاده عن انشغالاته الكروية الزائدة، لكن وعلى إثر إنقاذه لإبن الضابط مسؤول الجمارك من الغرق في مرفأ بيروت تمهّدت الطريق أمامه ليحمل «كارت بلانش» في وظيفته، يحضر ويخرج ساعة يشاء، والجدير ذكره أن مسؤول الرياضة في الجمارك، وبناء على مهاراته في الملاعب عرض عليه فكرة السفر إلى فرنسا للاحتراف مع أحد فرقها، لكن تلك الرغبة صدّتها والدته التي كانت متعلّقة ومتفرّغة لرعاية أصغر أبنائها الأربعة، ما اضطر البرجاوي لمواصلة مسيرتيه في اللعب والعمل متألقاً ومتميزاً.

وفي الحديث عن مسيرته الكروية، فقد لعب مع فريق حلمي سبور في مركز الجناح الأيسر، وخلفه في مركز الظهير الأيسر لعب إبن عمّه شريف البرجاوي… ومن خبريات تلك الأيام، أنّه وخلال مباراة حاشدة للفريق البيروتي بمواجهة رابيد فيينا النمساوي على الملعب البلدي في منتصف الثلاثينيات رفع أنور البربير كرة عالية انبرى لها محمد البرجاوي برأسه مسجّلاً هدفاً كلّفه الغياب عن الوعي لربع ساعة، وبعد حلمي سبور انتقل وإبن عمه شريف إلى فريق الشياطين الحمر النهضة ثم أخرجه الزواج من واقع اللعبة تدريجياً ليبقى متابعاً للمباريات ومهتماً بعائلته 5 صبيان و3 بنات من دون أن يفلح في إقناع أحدهم في متابعة مسيرته الكروية، إلى جانب تخصيصه 3 ساعات يومياً للجلوس في مقهى ساحة الغبيري.

رئاسة الساحل تكليف لا تشريف

مع اشتداد عود فريق شباب الساحل والنتائج اللافتة التي كان يحققها في الملاعب، وحيال تكاثر مصاريف الفريق في ضوء السعي لتأهيل ملعبه في حارة حريك مكان ثانوية المصطفى في حارة حريك حالياً ، وبحكم معرفته ومتابعته لأخبار الفريق وإعجابه بأداء معظم اللاعبين… كل هذه المعطيات تمّ تداولها خلال جلسة مطوّلة في المقهى بمشاركة البرجاوي، ونتيجة إصرار وتمنيات الغيارى قبل «أبو أنور» المنصب الذي سعى إليه ولم يسع له ليمسك بالدفة الإدارية للنادي… كان ذلك في العام 1968، وبسرعة رتّب الصفوف الإدارية قبل الفنية وعمل على إراحة اللاعبين من خلال توظيف خمسة منهم في مرفأ بيروت كما ساعد آخرين من جيبه الخاص ولم يبخل بماله أو وقته، فكان «حلاّل المشاكل» والجميع يوافقونه الرأي وهو لا يبعدهم عن دائرة المشورة. وربما وحده من بين جميع رؤساء الأندية في العالم كان يضع «الفورمسيون» أي طريقة توزيع اللاعبين على أرض الملعب مع خطة اللعب، فكان قبل انطلاق المباريات بخمس دقائق يختلي باللاعبين ليوزّع عليهم المهام مزوّداً أياهم بالملاحظات حول الفريق الخصم، وكان يتابع كل صغيرة وكبيرة في النادي، فله الفضل في استقدام بعض الإداريين واللاعبين الأجانب إلى الساحل. وفي المحصّلة، أحرز النادي معه بطولات الدرجة الأولى والثانية أكثر من مرة، وكانت علاقاته أكثر من مميزة مع رؤساء الأندية، وبكلمتين هو الحنون والصارم في آن واحد… لذا كان بشهادة عارفيه الرئيس التاريخي لنادي شباب الساحل.

30 سنة بين وداعين

في العام 1975 اندلعت الحرب الأهلية في لبنان فوجد أبو أنور نفسه مضطراً لتوديع اللعبة التي عرفها ساحة للتنافس الشريف وواحة للتلاقي على الخير والمحبة، فإذ بمفرداتها تتغير وعناوينها لا تشبهها، فأكمل متابعاً من بعيد لبعيد، عبر التلفاز مراراً وفي الملاعب أحياناً، مواظباً على هوايته في صيد الطيور، حتى في هوايته كان الأبرز على الساحة اللبنانية، فذات يوم كتبت الصحف عن ذلك الصياد الذي اصطاد في رحلته 340 طيراً.. إنه محمد البرجاوي، كما بقي على تواصل مع رفاق الأمس في الغبيري كأمين الخنساء ابو جهاد وإبن عمّه بشير البرجاوي المشجّع الأول لفريق شباب الساحل، وتقديراً لتاريخه الرياضي المشرق تمّ تكريمه من قبل بلدية الغبيري لكونه من أصحاب الأيادي البيضاء والإنجازات. وحده إبنه سعيد من بين أبنائه الخمسة تألق في الميدان الرياضي عبر لعبة كرة اليد حيث لعبها ضمن صفوف نادي الضاحية وامتهن تدريبها لفترة معيّنة، أما بكره أنور مواليد 1947 فيعزّ عليه ضياع البوم والده الخاص والذي كان قد جمعه بيده قصاصات الجرائد ، لكن ما يعزّيه أنه أينما توجّه وحيثما حلّ يلمس مدى احترام وتقدير الناس لوالده الذي ودّع الدنيا في العام 2005 مرتاح الضمير كما يؤكّد ولده إبراهيم مواليد 1955 ، ليختم الأخير لافتاً: «ما صرفه والدي على الرياضة وتحديداً في نادي شباب الساحل يعادل ثمن بناية… والرياضة لن تتطور إلا من خلال أصحاب النفوس الطيبة الكريمة والسمحاء».

من دفتر ذكرياته:

ذات يوم أبرزت الصحف صورة لرئيس حزب الكتائب بيار الجميل بلباس رياضي يلعب الكرة، فما كان من أبي أنور الخمسيني إلا أن لبس ثيابه الرياضية وشارك في تمرينة الساحل من باب الردّ على زميله بيار الجميل.

خلال مهرجان كروي على ملعب شباب الساحل في العام 1972 أرسل أبو أنور إلى منزله شاحنة نقل لتحمل صالون بيته الى أرض الملعب كرمى لإجلاس ضيوفه المميّزين. وهذا ما أزعج زوجته التي وجدت نفسها مرغمة على الانصياع والتنفيذ.

ذات يوم من العام 1973 حضر إلى منزله رئيس نادي النجمة عمر غندور طالباً منه المساعدة لتسهيل عملية انتقال الحارس رياض مراد الى النجمة فلم يردّه خائباً.

بعد وفاة المدرب المجري زنجر في العام 1958 تكفّل أبو أنور بإيواء زوجته في منزله لحين سفرها في العام 1972 للإقامة عند ابنتها في فلسطين.

… وشهادات

ـ سمير دبوق، الرئيس الفخري الحالي لنادي شباب الساحل: سمعت عنه الكثير فمعه وصل الساحل الى سدّة المجد، تعرّفت إليه من خلال أشخاص عايشوه فأحببته، وما عساني إلا الترحّم عليه واعداً بأن اجتهد إلى جانب أبناء الضاحية في الغبيري وحارة حريك تحديداً لنعيد البريق الذي تنعّم به شباب الساحل أيام العز أيام أبو أنور.

ـ فوزي عرابي، إداري عمل معه: هو المخلص في كل المواقع التي شغلها، العصامي والمجتهد والمحبّ. معه عاش الساحل أفضل أيامه، فكان يستقدم اللاعبين الأجانب على عاتقه ويدفع من جيبه الخاص في أمور عدّة، كان مقرّباً من اللاعبين، ويأخذ دور والدهم في النصح والإرشاد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى