ما الذي ستختاره إيران بعد «إملاءات بومبيو»؟

حسن شقير

ما إنْ أنهى وزير الخارجية الأميركي، مؤتمره الصحافي، والذي عرض فيه «رؤية» إدارته كيفية التعامل مع إيران في المرحلة المقبلة.. حتى فرض التساؤل التالي نفسه على كلّ المتابعين للشأن الإيراني، والباحثين عن آفاق المواجهة الإيرانية – الأميركية المقبلة، وذلك بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وجزم وزير خارجيته، بأنه «لا عودة إليه» وأنّ البحث سيكون حول اتفاق جديد، أفرد مضامينه بشكل مستفيض.

هذا التساؤل يتلخّص في ما يلي: ما هو النهج الذي يمكن لإيران أن تعتمده، بعد أن طرح بومبيو إملاءاته وشروطه عليها؟ وما هي الخيارات الأربعة التي كانت تفاضل بينها إيران قبل إعلان بومبيو؟

بعد طرح بومبيو إملاءاته وعقوبات بلاده على طهران، والتي وصفها بـ «التاريخية وغير المسبوقة»، فإنه بذلك فرض على إيران أن تسلك سلوكاً أحادياً، ستحاول من خلاله، منع أميركا من محاولاتها لإعادة تجميع العالم ضدّها، لا بل وتمنعها أيضاً من إجبارها، على أن تسلك طريق كوريا الشمالية سواء في المقدّمات أو في النتائج ، وهي أيضاً – أي إيران – وضمن هذا السلوك الأحادي الذي سأفترضه، بأنها ستعمل على عدم إحراج روسيا والصين، وباقي الدول، والمنظومات الدولية الراغبة في إبقاء التعامل معها… وأخيراً، فإنها – وبسلوكها وخيارها المرتقب – ستعمل على إفشال خطة ترامب – نتنياهو، في محاولاتهما التأثير على قراراتها السيادية في الداخل والإقليم، هذا فضلاً عن الحفاظ على ثوابتها العقائدية أيضاً.

ماذا في هذه الخيارات الأربعة، والتي كانت تُفاضل بينها إيران؟

1 ـ أخذ طهران ضمانات كافية من أوروبا تحديداً، لا لبْس فيها بيع النفط، الحوالات البنكية، دعم وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة للاستثمار في إيران ، فإنّ تطبيق هذا الاتفاق، وبدء الاستفادة الإيرانية من عوائده، سيؤدي – بحسب ما ترغب أوروبا، وما تضعه إيران من جدول أعمال – إلى فتح النقاش مع إيران حول الملفات التالية:

ـ فتح المدى الزمني للاتفاق، ومديات الصواريخ البالستية.

ـ سورية وكيف سترسو التطورات الميدانية والسياسية فيها.

ـ اليمن ومصير الحرب عليها.

ـ البحرين ومصير الحراك فيها.

الوجود العسكري الإيراني وغير الإيراني في سورية.

المنطقة وآفاق الصراع مع الكيان الصهيوني، وهل الستاتيكو بضمانات روسية ستكون كافية لقبول الأطراف الكيان ومن يقابله بها؟

هذا السيناريو الطموح جداً، والذي لا يعتقد أحد في العالم، بأنه قد يصل الى خواتيمه السعيدة، فإنه – وبعد إملاءات بومبيو – سيختفي نهائياً ومن على الطاولة الإيرانية، وذلك لأنّ الفجوة كبيرة، بل أضحت كبيرة جداً، بين ما طرحته إيران مسبقاً عبر رئيسها، بـ «إمكانية فتح النقاش حول أمن المنطقة»، وشروط بومبيو وإدارته المتصهينة معه.

2 ـ اللجوء الإيراني الى التحكيم الدولي وفقاً للمواد المنصوص عليها في الاتفاق، والبقاء ضمن الاتفاق مع الراعيين الروسي والصيني، وأيضاً الاتحاد الأوروبي مع محدودية التعويض المطروحة ، وهذا سيمثل عزلاً إضافياً لأميركا من قبل إيران. وهذه الأخيرة ستكسب بعدم الرضوخ للابتزاز الأميركي في فتح التفاوض حول ملفات تعتبرها إيران سيادية، مع ضمانة أوروبية باستمرار شراء النفط وقبض ثمنه، مع خسارة جزئية من ترك الشركات الأوروبية الكبرى للسوق الإيرانية.. خصوصاً أنّ الأوروبيين لم يربطوا البقاء ضمن الصفقة النووية للعام 2015، بالوصول الى التفاهم مع إيران حول باقي الملفات التي تعتبرها إيران خطوطاً حمراء… وهذه القضية – إذا ما بقيت على حالها أوروبياً – بعد طروحات بومبيو، فإنها ستكون نقطة لصالح إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار بقاء إيران ممسكة بكثيرٍ من أوراق ضغطٍ إقليمية بيدها.

3 ـ رفع درجة التخصيب الانسحاب العملي من الاتفاق ، وهذا قد يؤدّي إلى عودة اللحمة الأوروبية – الأميركية، وإحراج أكثر لكلّ من روسيا والصين.. مما قد يخدم أميركا واستراتيجيتها الجديدة في تجميع العالم ضدّ إيران الأمر الذي قد يجعل المنطقة والعالم على شفير حربٍ قد تُشعل أميركا والكيان الصهيوني فتيلها المشبع بالنفط العربي، وهذا السيناريو، لا أعتقد بأنّ أوروبا، أو حتى روسيا والصين – على الأقلّ – ترغبان في رؤيته بفعل حسابات أميركية وصهيونية خاطئة.

4 ـ الانسحاب من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وذلك بغية ممارسة الضغوط على أميركا وأوروبا، ومن موقع القوة… وبالتالي مواجهة المزيد من العقوبات والتهديدات وأيضاً العزل… وهنا سيكون المسار الذي ستسلكه إيران، هو المسار الكوري الشمالي، وبالتالي قد يوصلها إلى النتيجة التي وصلت إليها كوريا الشمالية اليوم، وهذه النتيجة بالتأكيد لا تتمناها ولا تتوخاها، ولا حتى تتلاقى مع أهداف ومعتقدات ومبادئ إيران الثورة.

اليوم، وبعد عرض بومبيو بالأمس، لـ «العصا الغليظة» التي لوّح بها، و «الجزرة المسمومة والقاتلة» التي حاول تقديمها للجمهورية الإسلامية، فإننا نعتقد، بأنّ هذه الأخيرة ستتبع نهجاً سياسياً وعملانياً، يقوم على مبدأ تكسير تلك العصا، ومنع رفعها من الأساس، من جهة، ومن جهةٍ ثانية، فإنها – وبذاك النهج – ستمتنع عن تناول ذاك السمّ، المُشرّب في الجزر الأميركي المطروح.

إنه الخيار الثاني، والذي ربما يكون الأكثر تفضيلاً ورجحاناً لدى إيران في المرحلة المقبلة في مواجهة «رؤية بومبيو» العدائية تجاهها.

لننتظر ونرَ.

باحث وكاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى