بري رئيساً للمجلس بـ 100 صوت والفرزلي يفوز على نصّار بـ 80 مقابل 40 اشتباكات بين الجيش وجماعات مسلّحة في طرابلس وكبارة ينفي تغطية المسلحين

كتب المحرّر السياسي

ظهرت تصريحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بلا مفعول، بعدما تفادى تقديم بدائل للتفاهم النووي مع إيران، سوى العودة إلى ما قبل التفاهم بالنسبة لإيران. وهو ما لا يضيرها بقرار العودة لتخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة كانت قد بلغتها قبل التفاهم، وببقاء الغموض حول كيفية التصرّف تجاه الموقف الأوروبي الذي لا يزال يشكل صمام أمان عدم العودة الإيرانية للتخصيب المرتفع، فيما سيف العقوبات الأميركية يحول دون قدرة أوروبا على لعب هذا الدور، ويجعل إيران جاهزة للإعلان عن موت الاتفاق.

وفقاً لمصادر مطلعة بعد اللغة الإيرانية الساخرة من تصريحات بومبيو، فإنّ واشنطن ليست مستعدّة لدفع فاتورة عودة إيران للتخصيب. وهي الذهاب للحرب وليس العودة للعقوبات، ولا هي مستعدّة لدفع فاتورة عدم ذهاب إيران للتخصيب وهي تطمين أوروبا لسلاسة في التعامل مع شركاتها ومصارفها التي ستكون طرفاً في التعامل مع إيران بصورة تجنّبها العقوبات، كي يبقى التفاهم حياً وتتمكّن أوروبا من ضمان تعاون إيراني، سواء في البقاء في أحكام التفاهم من جهة، أو في ما يمكن بحثه معها حول الملفات الإقليمية من جهة أخرى.

لبنانياً، يُنجز المجلس النيابي الجديد استحقاقه الدستوري الأبرز اليوم بإعادة انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لولاية جديدة، وهو ما كان محسوماً أصلاً من خلال عدم وجود فرصة لترشيح منافس من جهة، ولحجم الكتل النيابية التي كان مؤكداً أنها ستمنحه تصويتها من جهة أخرى بما يزيد عن النصاب اللازم لانتخابه رئيساً، لكن المغزى السياسي للاستحقاق تبلور بعدما أظهرت مواقف الأطراف المعنية اتجاهاً لترجيح لغة التوافق على لغة المناكفات، خصوصاً في الموقف الصادر عن التيار الوطني الحر الذي سيفضي إلى منح نسبة كبيرة من تصويته للرئيس بري، ومثله موقف اللقاء الديمقراطي الذي سيمنح نسبة جيدة من تصويته لمرشح التيار لمنصب نائب رئيس مجلس النواب النائب إيلي الفرزلي بفعل العلاقة مع الرئيس بري، بصورة يبدو فيها أن ثنائي حركة أمل التيار الوطني الحر قد نجح بالسيطرة على المناوشات التي شهدتها العلاقة بينهما قبل الانتخابات، ويؤسسان لحوار إيجابي لا ينهي فرص الخلاف، لكنه يحسن بالشراكة مع الحليف المشترك حزب الله إدارتها بما يجعل منها فرصاً لأزمات تصيب الحياة السياسية أو النيابية والحكومية، بينما تبدو علاقة التيار بالقوات اللبنانية ذاهبة نحو المزيد من التوتر، حيث اليوم ستكون المنافسة على منصب نائب رئيس المجلس أول شدّ حبال بينهما يمهّد لما هو أقوى مع تشكيل الحكومة وتوزيع حقائبها وتحديد أحجام تمثيل الكتل النيابية فيها. وحيث تستعد القوات لمواجهة قاسية جندت لها علاقتها بالسعودية والتأثير السعودي على موقف الرئيس سعد الحريري الذي بات محسوماً أن يتم تكليفه برئاسة الحكومة الجديدة. وعلى هذا الصعيد توقعت مصادر نيابية أن يفوز النائب إيلي الفرزلي على النائب أنيس نصار بمنصب نائب رئيس المجلس بثمانين صوتاً مقابل أربعين، في تكريس لمعادلة ضعف الأصوات التي يحرص التيار الوطني الحر على تظهيرها في لعبة الأحجام مع القوات، بينما توقعت المصادر نفسها فوز الرئيس بري بمئة صوت قد تزيد أو تنقص قليلاً حسب نسبة الأوراق البيضاء بين نواب التيار الوطني الحر.

أمنياً، شكلت أحداث مدينة طرابلس التي كانت لا تزال مستمرة حتى ساعات الصباح الأولى، حيث تعرّض الجيش اللبناني لإطلاق نار من جماعات مسلحة، بينما كان يقوم بمداهمات بحثاً عن مطلوبين، ويواصل الجيش المداهمات، وسط اتهامات محلية لمسلحين محسوبين على النائب محمد كبارة، الذي نفى توفير الغطاء لكل من يطلق النار على الجيش اللبناني، مؤكداً أن أحداً من هؤلاء لا يختبئ في مكتبه، بينما تدور المواجهة قرب مكتب كبارة.

بري رئيساً بأكثرية تفوق المئة ومعركة النيابة لصالح الفرزلي

يحفل الأسبوع الحالي بجملة من الاستحقاقات الدستورية والسياسية التي ستحدد طبيعة المرحلة المقبلة إن على صعيد انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة المكتب في جلسة تُعقد اليوم، وإن على صعيد العلاقة بين القوى السياسية لا سيما بين حركة أمل والتيار الوطني الحر وموقف الأخير من انتخاب رئيس «الحركة» نبيه بري، ومسار العلاقة بين رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري قبيل أيام من دعوة رئيس الجمهورية الكتل لاستشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس حكومة جديد والبدء بمسار التأليف.

وعشية الجلسة النيابية التي دعا اليها رئيس السن النائب ميشال المر من المجلس النيابي، حسمت الكتل النيابية خياراتها إزاء هذا الاستحقاق وبالتالي بات المشهد واضحاً لجهة الأصوات الذي سينالها الرئيس بري والمرشَحَيْن لنيابة الرئيس.

وقد أعلن رئيس تكتل لبنان القوي الوزير جبران باسيل ترك الحرية لأعضاء التكتل بالتصويت بالطريقة التي يرونها مناسبة بالورقة البيضاء أو للرئيس بري. وقال بعد اجتماع التكتل: «الموقف من رئاسة مجلس النواب نعرضه من زاويتين الأولى مبدأ التماثل وشعور الناس الذين نمثلهم بعد ما حصل خلال انتخاب الرئيس عون، والزاوية الثانية المبدأ الميثاقي وهناك اليوم ترشيح واحد هو الرئيس بري».

وقد مرّر باسيل رسالة سياسية الى عين التينة، مفادها بأن التيار العوني وتكتل رئيس الجمهورية هم الذين منحوا الرئيس بري الشرعية المسيحية لعودته الى سدة الرئاسة الثانية، بقوله: «القوات أعلنت التصويت بورقة بيضاء لرئاسة المجلس، وإذا اتخذنا الموقف نفسه تكون الأغلبية الساحقة مسيحياً ترفض هذا الترشيح. ونكون أمام رفض مسيحي كبير لخيار شيعي كبير. وهذا ما لا يمكننا تجاهله والتيار طالما دفع الأثمان لمنع عزل طائفة. فنحن حراس الميثاقية». كما مرر رسالة انتخابية أيضاً بأن التكتل هو مَن يحدد الرقم النهائي للأصوات الذي سينالها بري. كما أعلن باسيل «تبني التكتل تسمية الرئيس الحريري لرئاسة الحكومة».

وأشارت مصادر مطلعة في تكتل «لبنان القوي» لـ»البناء» الى وجود مناخ عام داخل «التكتل» يميل الى انتخاب بري وبالتالي ترك الحرية لأعضاء التكتل يشكل مخرجاً لمن يريد أن يمنح صوته لبري»، مشيرة الى «أن التكتل حريص في هذه الاستحقاقات الوطنية الميثاقية على اتخاذ القرار المناسب الذي يحافظ على الوحدة والتماسك والاستقرار والتوازن بين الطوائف بتكريس الأقوياء داخل الطوائف في سدة الرئاسات الثلاث، وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية». وأوضحت بأن «الوزير باسيل عرض الأسباب الموجبة لهذا القرار إذ لا التكتل ولا رئيس البلاد يريدان حجب الشرعية المسيحية عن بري ما يؤدي الى تجاوز إرادة الطائفة الشيعية في وصول مرشحها الى الرئاسة الثانية والحؤول دون وضع الطائفة المسيحية في وجه الطائفة الشيعية».

من جهته أعلن الرئيس الحريري بعد أول اجتماع لكتلة «المستقبل» أن الكتلة ستنتخب الرئيس بري ولن ننتخب النائب إيلي الفرزلي لمنصب نائب الرئيس. وأكد الحريري أنه «في حياتي لم أطلب من رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط أن يُصوّت لأحد دون الآخر، والتصويت لإيلي الفرزلي أو دونه لن يسبب مشكلة بيننا». وشدّد على أن العقوبات على حزب الله لن تعيق تشكيل الحكومة، بل على العكس قد تسرّع الأمر». كما أعلنت الكتلة في بيان تتبنى تسمية الحريري لتشكيل الحكومة. فيما لم تعلن الكتلة رسمياً فصل النيابة عن الوزارة، قال وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنه لم يتبلّغ «رسمياً من تيار المستقبل قرار فصل النيابة عن الوزارة»، وأضاف: «لا أقبل أن يتمّ إبلاغي عبر الإعلام». ما يعني فتح الباب أمام إعادة توزير المشنوق في وزارة الداخلية أو في وزارة أخرى.

وكان الرئيس بري قد ترأس اجتماع كتلة التنمية والتحرير في عين التينة وأعلنت الكتلة ترشيح بري لرئاسة المجلس.

واستناداً الى مواقف الكتل، يملك الرئيس بري 81 صوتاً حاصل نواب كتلة المستقبل واللقاء الديموقراطي والمستقلين إضافة الى فريق 8 آذار من دون كتل «القوات» و«الكتائب» و«لبنان القوي» ويرتفع العدد الى 88 إذا أضفنا عدداً من نواب «لبنان القوي» الذي أعلنوا أنهم سيصوّتون لبري وهم إيلي الفرزلي وميشال ضاهر ونعمة أفرام وشامل روكز وحزب الطاشناق على أن يتخطّى المئة في حال منح 13 عضواً من «التكتل» أصواتهم لبري.

لكن معلومات «البناء» أكدت أن تكتل «البنان القوي» سيمنح 22 صوتاً للرئيس بري ما يعني فوز بري بأكثر من 103 أصوات.

ووصفت مصادر كتلة التنمية والتحرير قرار تكتل «لبنان القوي» بالموقف الإيجابي ويمكن البناء عليه في المرحلة المقبلة، ورفضت تحديد رقم نهائي لعدد الأصوات الذي سينالها بري، لكنها أكدت لــ «البناء» بأنه سيتعدّى المئة وفق كل الاحتمالات والسيناريوات، مشيرة الى أن «بري يحظى بعدد لا يستهان به من النواب المسيحيين من الكتلة ومن المردة وبعض المستقلين ومن كتلة المستقبل وبالتالي لا أحد يمكنه احتكار الشرعية المسيحية». ولفتت الى أن «المرحلة المقبلة تحمل مؤشرات إيجابية على مسار العلاقة بين أمل والتيار الحر وتطوّرها متوقف على موقف الكتلتين من القضايا المطروحة».

وعن تصويت «القوات» بورقة بيضاء، لفتت الى أن «موقفها لم يفاجئنا، تعوّدنا على ذلك، مشيرة الى أن «خلفيات موقف القوات سياسية ولا يُخفى على أحد الخلاف السياسي والاستراتيجي بين أمل والقوات في كثير من الملفات، رغم الحفاظ على العلاقة الشخصية الجيدة بين الرئيس بري ورئيس القوات سمير جعجع».

وبإعلان النائب وليد جنبلاط بأنه سيصوّت للفرزلي وترك الخيار لبعض أعضاء التكتل لانتخاب مرشح «القوات» أنيس نصار الذي سيحظى بدعم كتلة المستقبل، فإن فوز الفرزلي في معركة نيابة الرئاسة بات محسوماً ومن المرجّح أن يتخطّى 83 صوتاً مع نائب تكتل «القوات» قيصر المعلوف الذي سيخرج عن قرار «القوات» ويصوّت للفرزلي، مقابل أن لا يحظى نصار بأكثر من 40 صوتاً.

وبذلك يكون فريق 8 آذار بالتعاون مع تكتل رئيس الجمهورية قد تمكّن من إيصال رئيس للبرلمان ونائب رئيس من فريقه السياسي، ما يعبّر عن توازن سياسي جديد في المشهد الداخلي فرضته نتائج الانتخابات النيابية ويعكس أيضاً معادلات إقليمية ودولية جديدة، بحسب أوساط سياسية، مرجّحة لــ»البناء» أن «يترجم هذا الواقع أيضاً في تسمية رئيس الحكومة الجديد وتركيبة التشكيلة الحكومية والبيان الوزاري وسياسات الدولة في مختلف الملفات الداخلية والخارجية».

في غضون ذلك، يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر الجمعة المقبل في كلمة له بمناسبة عيد المقاومة والتحرير. حيث يتطرّق الى جملة عناوين محلية وإقليمية ودولية.

«لبنان القوي» في عين التينة

وكانت خطوط التواصل قد تكثفت أمس، على مختلف المحاور لا سيما بين بعبدا الرابية – عين التينة وبيت الوسط كليمنصو.

وقد زار وفد من تكتل لبنان القوي ضم النواب إبراهيم كنعان وألان عون والياس بوصعب عين التينة والتقوا الرئيس بري. وأكد كنعان بعد اللقاء «أنه كان جيداً ومتجهون الى تعاون واحترام الأقوياء في طوائفهم»، مضيفاً «الانتخابات وراءنا والاستحقاقات لا توازي التحديات»، بما أوحى بأن التكتل ذاهب الى انتخاب الرئيس بري، واعتبر كنعان أن «إنجاح العهد هو إنجاح لكل الأهداف الوطنية التي يعمل من اجلها»، مشيراً الى ان «لا قرار نهائياً بالنسبة الى فصل النيابة عن الوزارة». أما بو صعب فأشار في تصريح الى أنه ليس مرشحاً لمنصب نائب رئيس مجلس النواب و«يمكن أن أعطي أفضل في أماكن أخرى».

إنهاء القطيعة بين الشيخ والبيك

ومع بدء ولاية مجلس النواب الجديد، أعرب الرئيس عون عن شكره لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والوزراء، وطلب من الحكومة الاستمرار في تصريف الأعمال ريثما تشكل حكومة جديدة، وقبيل انطلاق الاستشارات النيابية الملزمة التي تنتظر الشكل النهائي للكتل النيابية، زار جنبلاط الحريري في بيت الوسط، بعد قطيعة وتوتر اعترى العلاقة بين «الشيخ» و«البيك» الذي أشار بعد اللقاء إلى أنه «أصبح خارج الخدمة كنائب. وأنّ اللقاء الديموقراطي سيتّجه لتسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة مجلس الوزراء». وأضاف بعد زيارته الحريري في بيت الوسط: «من أجل صداقتي مع الرئيس بري سأطلب انتخاب إيلي الفرزلي لنيابة رئاسة المجلس النيابي مع ترك الحرية لبعض الأعضاء». وأشار جنبلاط إلى أنّه «سيختفي شيئاً فشيئاً عن مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر».

وبعد انتهاء الاستحقاق النيابي في ساحة النجمة، ستتجه الأنظار الى بعبدا، حيث يقيم رئيس الجمهورية إفطاراً رمضانياً، دُعي اليه اركان الدولة ورؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية والوزراء والنواب الجدد، ورؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية. وسيلقي عون في نهايته كلمة يتناول فيها الأوضاع الداخلية والتطورات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى