الحلم الفلسطيني سيتحقّق

بلال رفعت شرارة

عام 2008 وجراء رمايات جند الاحتلال الصهيوني بالرصاص الحي فقد الشاب الفلسطيني فادي أبو صلاح قدمَيْه، واليوم وبفارق ثماني سنوات سقط الشاب نفسه مضرَّجاً بدمائه خلال إحدى حفلات الإعدام الجماعية التي ينفذها جنود الاحتلال رداً على أيام جمعات الغضب والعودة الفلسطينية.

خلال عمليات الكرّ والفرّ بين الفلسطينيين وجلاديهم الإسرائيليين الجمعات الثماني التي أكد فيها الفلسطينيون تصميمهم على تحقيق أمانيهم الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس – خلال تلك الفعاليات – سقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى ربما نحو مئتي شهيد وما يزيد عن ثلاثة آلاف جريح ، إضافة الى مئات المعتقلين، وقد استخدمت قوات الاحتلال جواً وبراً أنواعاً جديدة من قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين، طبعاً إضافة إلى نشر القناصة وإعطائهم تفويضاً بالقتل شريعة قتل الأغيار .

ماذا كانت ستفعل «إسرائيل» غير ذلك؟ ولماذا المجزرة؟

تأخذ مجزرة دير ياسين بتاريخ 9 نيسان 1948 مكانة للرمز للمرحلة التي أنتجت نكبة فلسطين، وتأخذ مجزرة بحر البقر مصر 8 نيسان 1970 مكانة الرمز لمرحلة السبعينيات التي استتبعت حرب حزيران بعنوان «حرب الاستنزاف»، وتأخذ مجزرة صبرا وشاتيلا في 17 و 18 أيلول 1982 مكانة الرمز في مرحلة الثمانينيات التي توّجت مرحلة استخدام القوة الإسرائيلية ضدّ لبنان. وتأخذ مجزرة قانا جنوب لبنان بتاريخ 18 نيسان 1996 مكانة الرمز لمرحلة التسعينيات لتعبّر عن «عجز القوة» لدى الإسرائيليين عن استكمال مشروع إلغاء الآخر لصالح مشروع «إسرائيل الكبرى»، وهكذا تحتلّ المجزرة عنوان ما يقارب الخمسين عاماً من محاولة تثبيت وجود «إسرائيل» كأمر واقع معترف به وضمان أمنها.

ومنذ مطلع الألفية الثالثة واصلت «إسرائيل» اعتبار الدم طريق الخلاص واعتماد شريعة قتل الأغيار في محاولة لإرهاب أعدائها العرب الحروب على غزة والحرب الأخيرة الهادفة الى أسرلة فلسطين وتشريع تهويد القدس نقل السفارات الى القدس وإقصاء مطالب الفلسطينيين بتحقيق أمانيهم الوطنية.

وحمامات الدم التي رافقت حركة الجيش الإسرائيلي عبّرت بوضوح عن أنّ المستوى السياسي في «إسرائيل» اعتمد أسلوب افتعال المجازر لتحقيق الأهداف.

ما يجدر الانتباه إليه هو أنّ المذابح تعبّر عن دموية «إسرائيل» كمشروع أيديولوجي وتنظيمي وسياسي. وهذه الدموية تبرّر نفسها بأنّ «الحرب مصحوبة بالموت والدمار… ومن سوء الطالع أنه ليس من الممكن بعد أن يتمّ الخلاص بأيّ طريقة أخرى غير الحرب». كما يعبّر عن ذلك اليعيزرا فالدمان أحد تلامذة تسفي يهودا زعيم غوش ايمونيم، وهكذا بالنسبة الى الإسرائيليين فإنّ نجاح الصهيونية في إنهاء المنفى وإقامة الحكم اليهودي على أنحاء من «أرض إسرائيل» تمهيداً لبسطها على كلّ أرض إسرائيل تفرض استخدام القوة باعتبار أيّ حرب متعلقة بالحدود الإقليمية للدولة اليهودية القائمة في أرض إسرائيل بمثابة «ملحيميت ميتسفا» حرب واجبة ».

هل المجزرة إجراء أمني أم أنها وسيلة لإقامة «ملخوت يسرائيل» إعادة السلطة الى بيت داوود على أرض إسرائيل الكاملة ؟ تثبت الوقائع بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ العنف الإسرائيلي الذي يسلك طريقه الى المجزرة دائماً يثبت عجز «إسرائيل» عن الانفكاك عن شعاراتها. فليس ثمة في «إسرائيل» مَن يسعى الى تأكيد أمن «إسرائيل» بواسطة القوة وفي جميع الدلائل ضمن حدود الممكن، بل إنّ المنطق الإسرائيلي يقوم على إلغاء الآخرين العرب الآخرين بالقوة والتوسّع الى حدود المستحيل.

في الفقرة القصيرة التالية من قصيدة غرينبرغ «أنشودة للأمة» مصداق على ما تقدّم:

أيه أيتها الأمة ما اعظمك!

ما تراهم يفعلون هنا اليوم،

بنوك وبناتك،

في عزّ عنفوانهم،

بالعاصفة التي تجيش ضراوتهم الحبيسة بها،

وقوة التمرّد المعتملة في ذواتهم؟

ما تراهم يفعلون

بنبض المعركة التي تضجّ دماؤهم به؟

مريهم يغزون الأرض،

يرتقون القمم براياتهم الخفاقة،

يقتحمون أسوار تيطس..

اذن في كلّ تاريخ الصراع سوف لا نجد إلا المجزرة التي يقع ضحاياها. وفي دائرة الهدف أعداد من الفلسطينيين وربما اللبنانيين والعرب بصفة عامة الذين تحاول «إسرائيل» إبقاءهم دون وجوه وبصمات وأسماء… ويتكفل الفيتو الأميركي بمنع صدور قرارات إدانة دولية. وهكذا تمرّ الأمور.

ماذا الآن؟ هل نمسح الدم بذقوننا؟ هل تكون المجزرة عنوان توطين القضية الفلسطينية… إلحاق الضفة بالأردن وغزة بمصر؟ هل تكون المجزرة مقدّمة الصفقة؟ هل نرسب في امتحانات فلسطين، كما نفعل منذ سبعين عاماً؟ هل نواصل سلوك الطريق من النكبة إلى النكسة… إلى الصفقة؟

ما يجب أن ندركه هو المعنى العميق لما يقول بوديا سيغال: «جئنا إلى هذه الأرض لنرثها، لأنها أرضنا، لا أرض مئات الألوف من العرب الذين يعيشون فيها كالورم الخبيث كالورم السرطاني».

إن أخذ الإرث أرض إسرائيل يعتمد على القاعدة نفسها، التي اعتمدها يشوع بن نون في دخوله مدينة أريحا «واقتلوا كلّ ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ حتى البقر والغنم، بحدّ السيف».

أمام العجز العربي… الانقسام الفلسطيني ليس الحلّ والانتقام وليس القبول بأيّ سلام وليس الاستسلام وليس الفرار وليس الانتحار، ولا بدّ من معجزة! من مخلِّص يقود خطواتنا! هل من مخلِّص؟

أنا أزعم أنه لا يمكن لأحد تحويل الحلم الفلسطيني كابوساً، وإنّ هذا الحلم سيتحقق بكثير من الصبر والصمود والمقاومة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى