القمّة الروسية الصينية وملفات إيران وكوريا

ناصر قنديل

– تنعقد القمة الروسية الصينية في بكين في ظروف يطغى عليها الحديث عن خلاف صيني كوري من جهة يرجّح تفاهماً بين كوريا الشمالية وأميركا من وراء ظهر الصين، وبالعكس خلاف روسي إيراني يرجّح تفاهماً أميركياً روسياً من وراء ظهر إيران بل على حسابها. والكثير من العناوين تنتظر على جدول أعمال القمة التي تضمّ البلدين الرئيسيين اللذين تسبّبا باستنزاف صورة أميركا كدولة عظمى عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً، ونجحا بإظهارها خلال العقد الأخير كدولة ترتهن للديون، وتعجز عن خوض الحرب، وتبيع الحلفاء في العلن والخفاء، وتتنكّر للعهود وتحنث بالوعود، وكانت البداية المتواضعة لتعاون بكين وموسكو في عام 2007 بالفيتو المزدوج الذي مارساه في إسقاط مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن الدولي حول ماينمار، الذي صار عنواناً لمواجهة مفتوحة بتكرار الفيتو المزدوج في الملف السوري في تشرين الثاني 2011 وفي شباط عام 2012 قطعاً لسياق التفرّد الأميركي باستخدام مجلس الأمن الدولي غطاء أحادياً للسياسات الأميركية منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي.

– النقاش الذي نجح الأميركيون بتصديره إلى ساحة منافسيهم وخصومهم يؤكد أنّ السيطرة على الساحة الإعلامية لا تزال للأميركيين وحلفائهم، وإلا كيف يمكن التصديق والدخول في مناقشة فرضيات من نوع إمكانية تفاهم كوري شمالي أميركي بلا روسيا والصين، وأن ترمي كوريا مستقبلها ومصادر قوّتها بعد نصف قرن من الصمود في الهواء بمجرد وعود أميركية تكشف طبيعتها مواقف واشنطن في الملف النووي الإيراني، إلا إذا صدّقنا رواية استسلام كوريا الشمالية. وقد رأينا الزعيم الكوري الشمالي يلوّح بإلغاء القمة مع الرئيس الأميركي ورأينا الأخير يتشبّث بعقدها. وفي المقابل كيف نصدّق تنازعاً روسياً إيرانياً على من يسبق الآخر بالتفاهم مع أميركا، والمعركة في ذروتها ولم تنته بعد لا في سورية ولا على الساحة الدولية، والعقوبات الأميركية تلاحق روسيا كما تلاحق إيران، والضرائب والرسوم على الحديد والألمنيوم تستهدف الاقتصاد الصيني كما تستهدف الأمن القومي للصين. المناورات التي تجريها واشنطن في الجوار، وما يتصل بنشر أسلحة استراتيجية مثل منظومة ثاد الصاروخية في كوريا الجنوبية، والقطع البحرية في بحر الصين؟

– خلال العقد الفاصل من الفيتو الأول الذي تشاركت فيه روسيا والصين لإعلان نهاية زمن الأحادية الأميركية، نجح الثنائي بإطلاق منظومة «بريكس» وتطويرها، كما نجح كلّ منهما في تشكيل أطر لتحالفات موازية بالاتجاه ذاته، ونجحا في جعل الحرب في سورية نقطة تحوّل في مسار التدخلات الأميركية العسكرية في العالم، فهي المرة الأولى بعد حرب يوغوسلافيا، والحرب على العراق وأفغانستان وليبيا، تتردّد واشنطن وتقيم الحسابات ثم تصرف النظر عن التدخل العسكري الواسع، وهي تعلم أنّ ثمن ذلك خسارتها للحرب، التي راهنت عليها لتغيير قواعد السياسة الدولية واستيلاد شرق أوسط جديد، وقد نجح الثنائي الروسي الصيني ببناء فضاءين إقليميّين، واحد جنوب روسيا وصولاً لحدود السعودية مع العراق، يضمّ تركيا وإيران والعراق وسورية، وثانٍ شرق الصين وغربها يضمّ كوريا الشمالية وباكستان والهند وأفغانستان، لا تملك واشنطن في التعامل معهما الكلمة الفصل دون الأخذ بالحساب مكانة وموقف ومصالح روسيا والصين. وقد صار هذان الفضاءان محور الاستراتيجيات والمصالح الأميركية الكبرى في العالم، لما يختزنان من موقع استراتيجي وتحدٍّ جيوسياسي، ومصادر للطاقة للمعابر والممرات المائية، وشبكات أنابيب الطاقة.

– واهم ومشتبه من يظن أنّ زمن الافتراق الروسي الصيني يقترب، أو مَن يتوهّم بأنّ العلاقات الكورية أو الإيرانية بروسيا والصين تهتزّ. فالزمن هو ربط الفضاءين الإقليميّين اللذين يتصلان عبر إيران بروسيا والصين ليصيرا فضاء واحداً. والزمن هو زمن التصدّي لتحدّي العلاقات المصرفية الدولية التي تُمسك بها أميركا، وزمن الاهتمام باستقطاب أوروبا إلى منطقة وسط بين المحور الصيني الروسي والمحور الأميركي. والزمن هو زمن رسم قواعد جديدة للعلاقات السياسية والاقتصادية الجديدة في العالم، في ضوء المواجهات التي شهدها العالم منذ سقوط جدار برلين والتفرّد الأميركي على الساحة الدولية، بعد النجاح في إسقاط سياسة الحرب الأميركية، وبلوغ منتصف الطريق في إسقاط جدران الحماية التي تمثلها سياسة العقوبات الأميركية بقوة نموذجَي إيران وكوريا الشمالية، وقدرتهما على الصمود وفرض المعادلات الجديدة، كمصلحة روسية صينية، كما هي مصلحة إيرانية وكورية، فهو زمن المزيد من التماسك والمزيد من التنسيق، ولو اقتضت المناورات مبادرات من نوع الموقف الروسي الصيني الرافض لسلاح نووي في كوريا، أو عنوان مقايضة الوجود الأميركي في سورية ببعض وجوه الحضور الإيراني، فهذه أوراق قوّة تمّ تصنيعها لتستعمل في التفاوض وليس في الحرب، تماماً كما السلاح الكيميائي السوري الذي تمّ إجهاض الحملة الأميركية على سورية، باستعماله في مكانه الحقيقي، كأداة لمنع الحرب، عبر تقديمه سبيلاً لحفظ ماء الوجه للأميركي الذي خاب رهانه على الفوز بالحرب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى