لبنان والأردن وسليل الإقطاع السياسي الملكي

د. رائد المصري

لا تستعجلوا… فإنّنا نقرأ بحرّية ونعبّر بحرّية ونكتب بحرّية وبما فُطرنا عليه من نقد ولو كان لاذعاً. فهي حكاية طويلة لعصابات وسلالات حكم تستأثر وتتباهى وتمارس وصايتها السياسية عبر الموروث الديني والعائلي والعرقي منذ 1400 عام في البلاد العربية. وهنا نلحظ على سبيل المثال دولتين كلبنان والأردن كنموذجين يمثّلان أحطّ أنواع العمل السياسي المهين بحقّ الشعوب وكرامتها الوطنية والإنسانية… وإليكم الحكاية:

ففي بلاد الأرز، وحديثاً بلاد النفط والغاز، ومع تعزيز منطق السيادة الذي أرساه فعل المقاومة بوجه «إسرائيل» وقوى التكفير الإرهابية، ظلّت القبضة لقوى الإقطاع السياسية وعائلاته الحاكمة منذ أيام المتصرفية الى اليوم. وبقي منطق الحفاظ عليها وضرورته منعاً للعبث بالتوازنات الطائفية والمذهبية، حيث مثّلت الانتخابات البرلمانية الأخيرة بتشوّهاتها أوضح تجلّ في الحفاظ على هذا الموروث العائلي الطّبقي الجندري الحاكم وباتفاق كلّ القوى السياسية، التحرّرية منها والقومية، التقدّمية فيها والليبرالية، الإسلامية عليها والرجعية التكفيرية. وهذه السّلالات الإقطاعية تتحدّث عن نفسها كلّ يوم وتمنع أيّ تنافس سياسي على زعاماتها، وترسي نظاماً سياسياً أسوأ من نظام الأبارتهايد العنصري الذي كان قائماً في جنوب أفريقيا ومماثلاً لعنصرية الدولة المارقة «إسرائيل» في تكريس الحقد الأعمى على أبناء الوطن الواحد، وعزل ممّن يخالفونهم والحكم عليهم بالإعدام السياسي وتجريدهم من حقوقهم، إذا أمكن وتقدّر لهم ذلك… فكيف لنا أن نحيا مع هذه السّلالات السياسية الإقطاعية المنغلقة على نفسها والمحافظة على بعضها رغم اختلافاتها ضمن غيتوات مذهبية وأسوار طائفية محميّة بالدين والتديّن وبالمال السياسي الذي سطت عليه منذ ما قبل إنشاء بلد الأرز وتشكيل هويته غير المفهومة وغير المعروفة الى اليوم؟

فالفائدة الربحية لهذا النظام وتكويناته الإقطاعية توازي ما يعادل الصفر، والشواهد التاريخية لا زالت حاضرة وفي الأذهان من قضية فلسطين وقضية سورية وفي الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب ومع قوى الإرهاب حديثاً. واليوم تريد هذه المحميات الإقطاعية أن تشارك فقراء الشعب وعامّته بموارد الدولة النفطية والغازية، وهي التي ربطت حركتها المالية منذ بدء التكوين مع المتروبول الرأسمالي الاحتكاري الاستعماري العالمي منعاً لتشغيله في اقتصاد لبناني منتج وحقيقي ينزع شيئاً فشيئاً من حدّة العنصرية والطبقية المجتمعيّة تجاه الغير عبر تعزيز الاقتصاد الإنتاجي في دورة حياتية تتيح التطوير والتجديد في العقول والإبداع والابتكار والتطوير… فهي طبقة أو طبقات أكلها الصّدأ والتعفّن ولا زالت مهيمنة على كلّ القطاعات الاقتصادية والصناعية والمالية والسياسية…

أما في بلد الصّدفة والمصادفة أيّ الأردن: فكلّ الشواهد التاريخية تدلّ على أنّ إنشاء هذا الكيان – وطبعاً نحن نتحدّث عن نظام سياسي وليس عن الشعوب التي نكنّ لها كلّ التقدير والاحترام – كان بإرادة استعمارية في إعطاء هذه المنطقة الجغرافية الفاصلة للسّلالة الهاشمية التي تماشت مع الاستعمار في تفكيكه للكيانات العربية، وفي إضفاء الشرعية الدينية والعائلية لعمل دول الغرب لتسهيل التقسيم في العراق والأردن مع حقّ الإشراف على الأماكن المقدّسة لكونهم من سلالة الأنبياء وهم المولجون بحمايتها شرعاً وقانوناً وديناً ومذهباً، وهذا يشكّل بذاته إحدى أخطر الممارسات العنصرية التي تكرّست عبر قرون وفق المنطق الديني الجندري والطبقي. فعندما دخل الناس الإسلام كان على قاعدة «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى».. فمعيار التقوى هو الأساس هنا وليس سلالات إقطاعية حاكمة عائلية ودينية عبر قرون، متحكمة بمفاصل حياة الشعب الأردني بأخذه من موقف سياسي الى آخر، ومن حفرة اقتصادية نيوليبرالية مرتبطة بالبنك الدولي الى أخرى، ومن تحالف أخرق مع عدو غاصب طحن المقومات الاجتماعية والاقتصادية وأذلّ الأردنيين خلال عشرات السنين، من دون أن يكون لهذا الشعب المظلوم حق الثورة والردّ والانتفاض لكرامته وحياته الكريمة، بحجّة حكم السلالة الملكية الهاشمية المتحدّرة من أصول نبوية وتملك الوصاية الدينية على المقدّسات… إنّها فعلاً المأساة بكلّ جوانبها حتى في القرون الوسطى لم نسمع أو نقرأ أو نتلمّس كهذه المشاهد الإجرامية بحقّ الشعوب والمحكومة اليوم ضمن خيارات ضيّقة لا تقدر على الخروج منها… فهي حكاية استبداد علمي مقنّع بلبوس الدين والطبقية والاستعمار والرأسمال…

فأفيدونا أفادكم الله.. بماذا أفادتنا هذه السّلالات الإقطاعية التاريخية: فهل أفادت حركة الشعوب في مسيراتها الوطنية والقومية وفي مقاومة الاحتلال والاستعمار.. أم أنها كانت عاملاً مساهماً وعنصراً خطيراً تسلّلت من خلاله خيوط الاستعمار وحبكت مؤامراتها وقوّضت حركة الشعوب؟

فهل يستطيع لبنان مثلاً الولوج الى حلّ يقضي بإنهاء الفساد والمحسوبيات والمحاباة وبناء مجتمع مدني متجانس تتساوى فيه كلّ الشرائح الإجتماعية..؟

هل يقدر الأردن وشعبه العظيم على التخلّص من هذه الطّغمة الإقطاعية الحاكمة وزبانيتها وبناء مجتمع سليم بعيداً عن الجندرية الاجتماعية وتفسّخاتها، وبناء مجتمع اقتصادي منتج بدل الاكتفاء بتوزيع فتات الريوع المتأتّية من عوائد الخليج على الأزلام والمحسوبيات والمفاتيح القبلية..؟؟

أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى