النوفرة الدمشقي… متحف شعبي للتاريخ والذاكرة والوجدان

في دمشق التاريخ وعبق الياسمين حيث يقع حي النوفرة خلف الجامع الأموي مباشرة من الجهة الجنوبية ليطلّ على الجامع والبيوت والحمامات الأثرية الموزعة في الشارع الذي ينتهي بالقوس الروماني ما أكسبه شهرة واسعة وجعله مقصداً لعشاق الأماكن التراثية وطقوسها.

وحتى تصل إلى المقهى لا بدّ أن تمرّ بسوق الحميدية لتشاهد المحال الموجودة فيه وما تحتويه من معروضات متنوّعة، وما أن تنهكك السوق المسقوفة وتنتهي من التسوّق حتى تجد نفسك على درج النوفرة لتستريح فيه.

وتعرف المقهى من الزحام الذي يشهده ومن عتباته الثلاث وشرفاته التي يُشتهر بها وصالتيه الداخلية التي تحمل جدرانها صوراً تعود بك نحو ذكريات تحتاج أن تعيشها ربما، فهي جزء من زمن مضى يفوح به عبق الماضي ممزوجاً بشيء من الحنين. فكل صورة داخل المقهى تتحدّث عن فارس لم تُطوَ سيرته بعد من قلوب محبيه ومن الخارج تستمتع إذا جلست فيها بمشاهدة العابرين أمامك في الحارات القديمة.

ويوثّق الضيوف والعاملون فيه محاولين توثيق لحظات مميزة في طقوس رمضانية تتقنها دمشق ويحبّها ضيوفها.

منذ 40 عاماً لم يفارقه

أبو مازن المبيض رجل ستيني يلبس جلبابه الأبيض يجلس على يمين باب المقهى، يستذكر طقوس رمضان القديمة بقوله: لا يزال المقهى يحتفظ بطريقته الشعبية بتقديم النرجيلة العجمي «التنباك» والمشروبات الساخنة «الشاي الخمير» مسترسلاً بالوصف والشرح بأنه يواظب يومياً على زيارة المقهى منذ أربعين عاماً وبخاصة في شهر رمضان. فبعد الإفطار يأتي ليستمع للحكايات التقليدية القديمة التي يلقيها الحكواتي الذي يعتلي الكرسي التي تتصدّر وسط القاعة المغلقة للمقهى حاملاً بيده سيفاً يلوح به خلال سرده مجريات الرواية والحكاية.

متحف تراث

ندى الأشقر زائرة من محافظة السويداء تزور المقهى لأول مرة جلست على الكرسي الخشبي القديم، إلى جانب صديقتها في المقهى مسحورة بتراث جدرانه ولوحاته وعيونها تلمع لتحكي دهشتها بالمكان، واصفة إياه كمعرض للوحات للفنانين الذين عاصروا المقهى على مدى أزمنته الغابرة.

تلتفت إلى القاعة الخارجية لتجد إلى جانب درجها عدداً من الشباب والشابات بوجوه متشوّقة ينادون نادل المقهى بصوت شجي، طالبين منه النرجيلة التي يحبّون والشاي العجمي «الخمير». وما أن تبدأ بارتشاف الرشفة الأولى منه حتى تشعر أنّه أنهى تعب ساعات طويلة من الصيام والعمل الشاق، كما ذكر الشاب حسين.

ليالي رمضان

وعن ليالي رمضان وصف لنا «معلم النرجيلة» الذي يبقى بين الطاولات الحديدية القديمة يتنقل لساعات الليل الطويلة يجدّد «النارة» لمناديه وسط زحمة المقهى بعد الإفطار، حيث يتوافد الزائرون للاستماع للحكواتي ويسهرون حتى منتصف الليل وهم يتناولون المشروبات الرمضانية والنرجيلة.

ويقول أبو محمد وهو يتفنن في إعداد الشاي الخمير، ويُعدّ كأساً منه سمّاه الشاي الملون «لارتشاف كأس من الشاي الخمير مذاق يحلو كما تحلو الهمسات والكلمات والحكايا».

مقهى النوفرة على بساطته ومساحته الصغيرة يثير الخيال بذكريات بعيدة وأحلام يقظة تُعيد صياغة الأشياء والأحداث في أسواق مدينة دمشق القديمة.

سانا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى