ترامب وكيم: «لقاء يفوق التوقعات وصفحة تاريخية جديدة… وليس فيلماً من الخيال العلمي» 8 آذار ستطلب نصف المقاعد الحكومية بعد حسم حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر

كتب المحرّر السياسي

لم يستطع العالم مقاومة حال الذهول التي أصابته مع انعقاد لقاء القمة الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، رغم أنّ القمة ليست مفاجئة وقد سبقتها تحضيرات لشهور. ورغم كلّ التحليلات التي تجمع على حجم المشاكل والتعقيدات التي تحول دون تقدّم سريع في المسارات التي يرجوها ترامب وكيم، فقول الرئيس ترامب بأنّ اللقاء حقق تقدّماً يفوق التوقعات، وكلام كيم عن صفحة تاريخية جديدة ولقاء كان يظنّه الكثيرون فيلماً من الخيال العلمي، زاد من الجمع بين الذهول من جهة، والتساؤل عن الخطوة التالية من جهة أخرى، حيث كلّ تقدّم يحتاج شركاء أمنيّين يساهمون في تفكيك الترسانة النووية الكورية الشمالية، وشركاء ماليين يساهمون في برنامج نهوض كوريا، وإطار أممي لتطبيع وضع كوريا في المتجمع الدولي.

عُقدت القمة وخرج الرئيسان بكلام غاية في التفاؤل عنوانه شبه جزيرة كورية خالية من السلاح النووي. وفي الحساب الأميركي سرعة في تدمير السلاح النووي لكوريا الشمالية، وفي الحساب الكوري نقل السلاح النووي لبلد ثالث ضامن كروسيا والصين، وليس التدمير، وتزامن بين الإخلاء المتبادل للسلاح الكوري الشمالي إلى خارج كوريا الشمالية مع السلاح النووي الأميركي من كوريا الجنوبية لتحقيق هدف القمة، شبه جزيرة خالية من السلاح النووي.

الملفات الدولية الساخنة تجمّدت أمام الحدث الكبير الذي خطف أنظار وأنفاس العالم، فبقيت التساؤلات حول قدرة أوروبا على حماية بقاء إيران تحت سقف التفاهم النووي، بضمان حقها بالمتاجرة دون قيود، والمهلة التي حدّدتها إيران تتلاشى، بينما أوروبا تبحث عن المخارج بين سندان العقوبات الأميركية ومطرقة القلق من العودة الإيرانية للتخصيب بنسب عالية لليورانيوم، وفي جنوب سورية تتواصل الحشود العسكرية بالتزامن مع مواصلة الجهود التفاوضية لصناعة تسوية بات معلوماً أنها تتضمّن تسليماً بدور الجيش السوري السيادي فوق الأرض السورية حتى حدود الجولان والعراق وسورية، وتفكيك الوجود الأميركي ووجود الجماعات المسلحة.

في لبنان تفاعلات مستمرّة لإجراءات وزارة الخارجية بتقييد حركة مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة بعد الكشف عن موقفها العلني الرافض لأيّ عودة للنازحين السوريين قبل الحلّ السياسي، والدّاعي لتوطينهم في لبنان كحلّ وحيد، حيث اضطر مسؤولو المفوضية بعد لقائهم برئيس الحكومة سعد الحريري إلى التراجع خطوة إلى الوراء، بالإعلان عن دعم أيّ عودة طوعية يرتضيها النازحون بينما بقي الملف الحكومي في الثلاجة عملياً بانتظار ما سينتج عن لقاءات الرئيس المكلف سعد الحريري بولي العهد السعودي، رغم رفض الحريري لهذا الربط، خصوصاً بعد تقصّد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تظهير لقائه بالنائب السابق وليد جنبلاط فيما لم يتسنّ للحريري لقاءه في زيارته الأخيرة للسعودية.

بانتظار تبلور مسودّة فعلية للحكومة الجديدة توقفت مصادر في قوى الثامن من آذار أمام عودة مشهد قوى الرابع عشر من آذار للتشكل داخل الحكومة تحت مظلة الرعاية السعودية، التي تقف وراء التحريض على مطالب رفع سقوف التمثيل، بصورة تبدو كأنها تستهدف حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، وابتزاز رئيس الحكومة. بينما هي في الواقع تستهدف قوى الثامن من آذار التي كانت الرابح الأكبر في الانتخابات، بعودة رموزها المغيّبة عن المجلس النيابي منذ العام 2005 بصورة قوية لا يمكن تجاهلها، ولا يمكن الحديث عن حكومة وحدة وطنية بدونها، وقالت المصادر إنّ انقلاب 2005 الذي أعيد تكريسه في انتخابات 2009، والقائم على إبعاد هذه الأحزاب والشخصيات عن المسرح السياسي لا يمكن القبول بتكريسه حكومياً، بعدما تمّ تصحيحه نيابياً، وإلا فإنّ الحديث يجري عن حكومة في برلمان 2005 أو 2009 وليس في برلمان 2018، وهذا يعني عملياً إلغاء نتائج الانتخابات، وقالت المصادر إنّ إعادة تكوين تكتل الرابع عشر من آذار بربط قواه بالمرجعية السعودية مباشرة، بدلاً من مرجعية الرئيس الحريري لمنحه حرية الحركة مع رئيس الجمهورية والظهور كطرف محايد، بينما في الواقع يجري تشكيل تحالف تحت الطاولة يضمّ تيار المستقبل واللقاء الديمقراطي والقوات اللبنانية وحزب الكتائبز والحكومة الوحيدة التي تعبّر عن صحة التمثيل هي تلك التي تنال فيها قوى الرابع عشر من آذار وقوى الثامن من آذار مقاعد وزارية متساوية طالما أنهما تتساويان بعدد المقاعد النيابية، فيبدأ تشكيل الحكومة بتحديد حصة التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، ويجري قسمة المتبقي مناصفة بين الفريقين المتقابلين، وإذا كانت حصة التيار ورئيس الجمهورية عشرة وزراء كما تقترح صيغة رئيس الحكومة، فإنّ حصة الثامن من آذار هي عشرة مقاعد يتقاسمها ثنائي حركة أمل وحزب الله وحلفائهما وحصة الرابع عشر من آذار عشرة أخرى يتقاسمها تيار المستقبل والقوات والكتائب واللقاء الديمقراطي.

في وقت جُمّدت مفاوضات تأليف الحكومة بانتظار عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من زيارته روسيا، حيث من المتوقع أن يلتقي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للوقوف على خاطر المملكة وشروطها للإفراج عن الحكومة المقبلة، كما يُراهن الحريري، عاد التوتر السياسي الى المشهد الداخلي من بوابة الاشتباك الإيراني السعودي، على خلفية تصريحات قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني ضد المملكة، نتج على ضفافه تصعيد بين حزب الله وحزب القوات اللبنانية الذي دخل رئيسها سمير جعجع على الخط للدفاع عن النظام السعودي بعد أن انكفأ الحريري عن الردّ المباشر على سليماني واكتفائه أمس الأول برد دبلوماسي مخفّف وغير مُعدّ سلفاً.

وقد ظهر بالعين المجردة أن جعجع هو الوحيد من «حلفاء» السعودية الذي خرج للدفاع عن المملكة ضد إيران، وقد تبرّع لتبييض صفحة وسجل النظام السعودي وممارساته في لبنان والمنطقة، ومهاجماً حزب الله الذي يشهد معظم اللبنانيين وشعوب المنطقة بأنه حمى لبنان من العدو الإسرائيلي وشكّل حصناً منيعاً الى جانب الجيش السوري والحلفاء لمواجهة التنظيمات الإرهابية والمشاريع الأميركية الإسرائيلية في سورية والمنطقة، ما يُظهر تبعية رئيس «القوات» العمياء للمحور السعودي ضد الشريك في الوطن، وهي أي «القوات» التي لطالما تغنّت بالسيادة والاستقلال. وهي من ذلك براء.

واستغرب جعجع اتهام السعودية بالتدخل في لبنان من دون دليل، متناسياً احتجاز رئيس حكومة لبنان في السعودية في تشرين الثاني الماضي، ومتجاهلاً الاستدعاءات بالجملة وغب الطلب لسياسيين لبنانيين لاستمالتهم واستخدامهم في تنفيذ الإرادة السعودية، الى جانب تصريح مبعوث الديوان الملكي نزار العلولا من معراب بقوله «هذا بيتنا الثاني»، والدعوات خلال المناسبات التي تقيمها السعودية والمواقف التصعيدية ضد مكوّنات لبنانية والأموال التي تخصصها لقوى سياسية وأحزاب وشخصيات لبنانية.

وفي حديث الى «وكالة الأنباء الألمانية» أشار جعجع إلى أن «حصتنا في الحكومة ستكون للقوات اللبنانية وليست للسعودية ولا أي دولة أخرى». ورفع سقف مطالبه في الحكومة وأكد إصراره على حصة وزارية مساوية لما سيحصل عليه التيار الوطني الحر، رغم حصول الأخير على 29 مقعداً. وقال: «كان لدينا تفاهم مع التيار خلال مرحلة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية يقضي بحصولنا على حصة وزارية مساوية له، بغض النظر عن وجود انتخابات أم لا وبغض النظر عن عدد نواب كل طرف».

وحاول إعلام 14 آذار تصوير كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد عن الأكثرية النيابية الجديدة التي وصفها بأنها الأكثرية المتجوّلة، بأنها ردّ من حزب الله على كلام سليماني. الأمر الذي نفته مصادر في فريق المقاومة، مؤكدة لـ «البناء» بأن كلام رعد ليس موجهاً الى سليماني بل جاء في إطاره العام»، وأوضحت بأن «كلام رعد عن الوضع الداخلي المستجدّ هو أكثر دقة ويعبر عن حقيقة الواقع»، واضعة هذا الأمر في «إطار زرع الشقاق بين إيران والحزب في إطار الحملة الإعلامية والسياسية الخارجية المنظمة لإظهار الخلاف بين محور المقاومة لا سيما بين إيران وحزب الله وروسيا بشأن انسحاب قوات الحزب والحرس الثوري من سورية».

وردّ عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد آل زلفة، على تصريحات سليماني، مؤكداً أن السعودية لا تقدّم المال لتوجيه أحد، مشيراً الى أن «حزب الله لم يحصد أي مقاعد ذات قيمة في الانتخابات التشريعية اللبنانية، فما حصل عليه لا يعد شيئاً، إلا إذا أضيفت إليه مقاعد حلفاء حزب الله، لذلك لا يمكن القول بأنه حصد أو حقق فوزاً كبيراً في هذه الانتخابات، فحلفاؤه هم أصحاب القوة الحقيقية».

وأشارت مصادر 8 آذار لـ «البناء» الى أن «الوضع الداخلي يتأثر بالتصعيد الإيراني السعودي لكن الحسابات اللبنانية الداخلية باتت أقوى من الحسابات الإقليمية، حيث إن الحريري لا يستطيع تأجيل تشكيل الحكومة مدة زمنية طويلة ولا رهن مصير لبنان بالوضع الإقليمي الذي لن يُحسم في المدى المنظور بل لا زلنا في قلب المواجهة لا سيما بين إيران والسعودية».

ولفتت إلى «أننا لا زلنا في المهلة الطبيعية لتأليف الحكومة، علماً أن المطالب السعودية التي هي أقرب للشروط هي التي تعرقل عملية التأليف حيث تريد المملكة أن تتمثل حليفتها القوات بحصة وموقع وازنة في الحكومة وموقع مؤثر في المعادلة السياسية الداخلية، كما تعمل على تعزيز وضع رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط بعد محاولات تهميشه من قبل العهد الجديد ساهم بها الحريري نفسه، كما يقول جنبلاط، وذلك لاستمالته الى صفها كما تريد السعودية أن يتمثل حزب الكتائب في الحكومة في إطار لملمة فريق 14 آذار في الحكومة الى جانب السعودية التي يهمها سياسات الحكومة لا سيما النأي بالنفس وعدم تدخل حزب الله في الشؤون العربية وملف النازحين وعدم التطبيع مع النظام في سورية».

لكن المصادر رأت بأن التأثير السعودي بات محدوداً ولم يعُد كما السابق في ظل تقدّم المصالح الأوروبية في لبنان وتدخّلها في أزمات الشرق الأوسط، نظراً لتداعياتها المباشرة على القارة الأوروبية».

أكد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب شامل روكز «أننا غير معنيين بكلام سليماني ولا نعرف ما هي حساباته. وهو يبدو مهتماً جداً بالتفاصيل اللبنانية على رغم الاستحقاقات الإقليمية التي تخوضها بلاده»، معتبراً أن «الساحة السياسية منشغلة بتشكيل الحكومة وملف النازحين أكثر من تصريح سليماني».

وأكد رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، بعد اجتماع تكتل «لبنان القوي»، «أننا لسنا تابعين لأي أحد ولدينا استقلاليتنا التي تعطينا حصانتنا ونأمل الإسراع في تشكيل الحكومة والأحجام واضحة بعد الانتخابات».

وليس بعيداً أكدت مصادر مطلعة لـ «البناء» أنّ «رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لم يدخل أي تعديل على التشكيلة الحكومية، من حيث توزيع الحقائب والتوازنات»، وأكّدت أنّ «العقدة الكبيرة تتبقى قواتية»، فحزب القوات يرغب الاحتفاظ بمنصب نائب رئيس مجلس الوزراء، فضلاً عن حقائب خدمية، مع إشارة المصادر إلى أن العقدة الدرزية لا تزال على حالها.

وغرّد جنبلاط على «توتير» قائلاً: « في الوقت الحاضر وبما أن هناك بعضاً من الوقت الضائع وبعيدأ عن الخلطة الوزارية فلقد قرّرت قضاء بعض الوقت في رحاب شمال أوروبا. هنا مناظر طبيعية وهناك كرة دائرية تتقاذفها الأرجل وتقوم الجماهير ولا تقعد وإن في الخلق شؤون وشجون».

أزمة لبنان والأمم المتحدة إلى تصاعد

على صعيد آخر، يبدو أن الأزمة بين لبنان والأمم المتحدة على خلفية قرار وزارة الخارجية اللبنانية وقف طلبات الإقامة لموظفي مفوضية شؤون اللاجئين تتجه إلى تصاعد، وقد طلبت المفوضية أمس، من وزارة الخارجية العودة عن قرارها، وقال المتحدث باسم المفوضية اندري ماهيسيتش للصحافيين في جنيف إن «المفوضية العليا تلقت بالفعل مذكرة رسمية من وزارة الخارجية اللبنانية تتعلق بتجميد منح أذونات الإقامة للموظفين الدوليين». واعتبر ان «هذا القرار يضرّ بالعاملين معنا وبعائلاتهم وله تأثير مباشر على قدرة المفوضية العليا للاجئين على القيام بشكل جيد بعملها في لبنان». غير أن مصادر الخارجية استبعدت أن «يتراجع باسيل عن قراره الذي يعتبر ضمن صلاحياته كسائر الوزراء ولا يحتاج الى قرار من الحكومة»، موضحة بأن «لا عودة عن هذا القرار إلا إذا لمس لبنان تغييراً في سلوك المفوضية ومساعدتها الجدية لإعادة النازحين الى سورية».

وتحت وطأة قرار الخارجية سارعت الأمم المتحدة الى تطويق ذيول الأزمة، وزار المنسق المقيم للأمم المتحدة منسق الشؤون الإنسانية في لبنان فيليب لازاريني وممثلة مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار رئيس حكومة تصريف الأعمال أمس، في بيت الوسط، بحضور مستشار الحريري لشؤون النازحين الدكتور نديم المنلا في محاولة للضغط عليه لإلغاء قرار الخارجية.

وقال الحريري بعد اللقاء: «الحل النهائي في ما يخصّ اللاجئين، بالنسبة إلينا وكذلك إليهم، هو في عودتهم إلى سورية. هذا ما توصلنا إليه، وهذا ما ستسمعونه منهم مباشرة». وقال لازاريني: «لقد أكدنا باستمرار أن عودة اللاجئين إلى سورية أو إعادة تموضعهم في دولة ثالثة هما الحلان الدائمان الوحيدان. وإلى حينه، نحن نحترم قرارهم الشخصي بعودتهم إلى ديارهم، ولن نعيق أبداً أي عودة يمكن أن تحصل، تكون قائمة على قرارهم الخاص. إنّه حقهم، وسيكون غير قابل للتصديق أن تعارض الأمم المتحدة قرار اللاجئين بشأن مستقبلهم».

وإذ لفتت مصادر «البناء» الى أن الخلاف مستمر بين رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية بهذا الشأن، ولم يتم التوصل الى حل رغم طلب الحريري تدخّل رئيس الجمهورية، أشارت الى أن «الحريري لم يستطع إقناع باسيل بالعودة عن قراره»، وحذّر باسيل أننا «أمام أزمة يراد لها أن تستمر، فبعض الخارج يريد للأزمة أن تطول».

ودعا «ألا يكون ملف النازحين موضوع تجاذب داخلي ونريد أن نعرف لماذا لوائح النازحين غير موجودة على المعابر، لأن النازح عندما يعود الى بلده تنتفي عنه صفة النزوح». وأضاف: «اتفقنا في حكومات سابقة على أن يُستعمل بنك المعلومات في وزارة الشؤون للتخفيف من أعداد النازحين عبر شطب أسماء مَن يعودون».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى