متى؟

بلال رفعت شرارة

على غير عناية من الجميع – أقصد العرب – مرّ خبر التدريبات المناورات العسكرية «الإسرائيلية» على جبهة الجولان والذي جرى تحت ستار مجابهة الخطر الإيراني الداهم ، أما الحقيقة فهي تتجاوز ذلك إلى الاستعداد لضرب أيّ قوة عسكرية عربية يمكن أن تتشكل بعد هزيمة الإرهاب، وتكون قد اكتسبت خبرات قتالية عالية والمقصود هنا الجيش السوري والقوات الرديفة والجيش العراقي والحشد الشعبي وإبقاء العين «الإسرائيلية» على الجيش المصري الذي لم يغيّر عقيدته العسكرية ويكتسب يومياً المزيد من الخبرات في حربه المفتوحة ضدّ الإرهاب، رغم التغييرات السياسية التي تشهدها مصر على خلفية اتفاقية «كمب ديفيد».

العرب في وقت التدريبات «الاسرائيلية» التي استغرقت بضعة أيام منذ نهاية الأسبوع الماضي – العرب – كانوا غير منتبهين ومنشغلين بأمور أخرى وبأولويات مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر: استكمال تحشيد قوات التحالف لشنّ الهجوم على ميناء الحُدَيْدة في اليمن بعد أن انتهت مهلة إنذار، وسط ذلك لم ينتبه العرب باستثناء الفلسطينيين إلى مشاركة وفد إندونيسي مسلم رفيع المستوى من جمعية «نهضة العلماء» أكبر جمعية إسلامية في العالم تضمّ عشرات الملايين من الأعضاء في المؤتمر السنوي الذي تنظّمه اللجنة اليهودية الأميركية AJC تحت عنوان حوار بين الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية والذي شارك فيه الشيخ يحيى خليل رئيس الوفد، بإلقاء محاضرة إلى جانب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو ومسؤولين صهاينة آخرين.

وكان العرب منشغلين باستعادة داعش لنشاطها في سورية وهجماتها على القوات الحكومية في بادية دير الزور وعلى قوات سورية الديموقراطية عند الضفة الشرقية. وكان العرب منشغلين بمحاولة الإجابة على سؤال عن دور محتمل للجنرال سليماني القائد الإيراني للواء القدس في تحالف الصدر والعامري في العراق، وتصريحاته المتصلة بلبنان. وكان العرب منشغلين بملف استضافة مونديال 2026 وعما إذا كانت المغرب ستكسب هذا الشرف، فيما كان أحد الأحزاب المغربية ينزِّه النظام الملكي وينتقد زجّه في الصراعات السياسية ! فيما قام وفد مغربي بزيارة للكيان الصهيوني لأيام عدة زار خلالها الكنيست ومراكز ومتاحف، ومنها متحف المحرقة وبعض الجامعات، وقد جرت الزيارة في وقت يسقط فيه الفلسطينيون بين شهيد وجريح في مسيرات حق العودة وحملات المقاطعة للكيان الصهيوني إلغاء مباريات المنتخب الأرجنتيني مع المنتخَب الصهيوني وتأجيل إثيوبيا نقل سفارتها إلى القدس .

العرب بمَن فيهم نحن اللبنانيين في وادٍ آخر وغير منتبهين إلى أننا في لحظة ما وفيما نحن ندير نقاشاً بيزنطياً حول الحكومة اللبنانية التي ستشبه التي سبقتها، وسيكون بيانها الوزاري نسخة طبق الأصل عما سبقه أيضاً، تكون «إسرائيل» قد أخذت وقتها في إعداد الخوازيق وحفرت لنا ما أمكنها من حفر في المسائل المتصلة بترسيم الحدود السيادية البريّة البحرية واستمرّت في انتهاك مجالنا الجوي ولم تنفذ كلّ مندرجات القرار الدولي 1701، وتكون قد استكملت استعداداتها الحربية على جبهات الجولان وجنوب لبنان وغزة.

العرب منشغلون في عالمهم الآخر بمشاورات حزب النداء التونسي لتشكيل ائتلاف وطني واسع لصيانة الحكومة، وليبيا منشغلة في تحويل الانتباه عن حروب الداخل في تحذير بريطانيا من المساس بالأصول المالية للدولة، ومنشغلون في تعويم النظام الملكي في الأردن، ويتخلّون عن العراق في رفضه لبقاء تركيا في شماله ولقضمها حقوقه المائية.

العرب لا ينتبهون سوى في الصحف إلى أنّ «إسرائيل» قرّرت بناء 350 وحدة استيطانية جديدة، والى انّ مختلف أنماط السلطات العربية تفرط في الفساد، فيما رئيس حكومة العدو نتنياهو يخضع لتحقيقات الشرطة للمرة الثامنة وربما العاشرة بتهم الفساد.

غداً عندما يعود «الإسرائيليون» لنفخ أبواقهم بقصد إسقاط ما أمكنهم من أسوار مدننا على غرار إسقاط أسوار أريحا، كما في عهدهم القديم. غداً عندما تشرّع تركيا لنفسها الحق بالتوسّع أبعد من الشمال العراقي وترسل الدوريات المشتركة مع القوات الأميركية أبعد من منبح، نكون مثل عبدالله إبن الزبير قد ضيّعنا ملكنا كنساء عفواً كالرجال؟

نحن في الجنوب، وفي بعض لبنان والعرب، منتبهون متى نعود فنرتّب أولوياتنا انطلاقاً من فلسطين وحدود القضية المركزية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى