العلاقة الأميركية – السعودية و«ثابتة» قطر؟

روزانا رمّال

يمكن للمملكة العربية السعودية البدء بفحص المتغيرات التي طرأت على المنطقة باحتساب نقاط الربح والخسارة بعد أكثر من 8 سنوات من مشاريع التغيير التي تعتبر الرياض رأس حربة فيها لأسباب عدة أبرزها قطع الطريق على الامتداد الإيراني من خلال حلفائها في المنطقة. وكان لسورية النصيب الأكبر في ضخ كل ما من شأنه قلب المعادلة فيها وبهذا تضمن الرياض أفول نجم طهران من جهة الحدود مع لبنان، وما يعنيه من حضور قوي لحزب الله فيه وصولاً الى نسف المعادلات الاستراتيجية التي كانت تربط سورية بإيران منذ ما بعد اجتياح العراق في الوقت الذي كانت فيه العلاقة ما قبلها اكثر سرية قبل تحرير جنوب لبنان لتصبح على لسان الحلفاء نقطة الوصل الأقدر على رفع وإسكات الحضور الإيراني في المنطقة. فبدون سورية عملياً تسقط التغطية العربية لاحتضان الوجود الإيراني «الفارسي»، كما يصر خصوم إيران على تسميته. وبالتالي نجحت سورية بتلطيف الحضور الإيراني عربياً بعد الحرب الإيرانية العراقية كدولة لا يمكن لحزب الله أن يؤثر كمنظمة بقدر تطبيعها للعلاقة مع دمشق.

حرب الخليج الأولى التي يقدمها الخليجيون بهذا المفهوم هي كالتالي وفق الصحافة الخليجية، ووفق الارضية الفكرية التي صارت من الموروثات خليجياً: «أطول حروب القرن العشرين، نشبت بين العراق وإيران في أيلول 1980 وانتهت في آب 1988 وخلفت أكثر من مليون «قتيل»، وألحقت أضراراً بالغة باقتصاد البلدين. اندلعت هذه الحرب لأسباب عدة على رأسها «الدعاية» الإيرانية القائمة على تصدير الثورة واشتداد الخلاف بين العراق وإيران حول ترسيم الحدود خاصة في منطقة شط العرب المطلة على الخليج العربي الغني بالنفط، بالإضافة إلى الاشتباكات العسكرية المتقطعة بين البلدين». هذا هو منظار الحكام الخليجيين له لحضور الإيراني في الخليج وقطر إحدى أبرز الدول التي كانت قد تبنت هذا المفهوم لوقت بعيد وهي اليوم أقرب من طهران الى الرياض لأسباب من نوع آخر.

بالعودة الى سورية وموقعها فقد نجحت في تصحيح صورة الخلل الذي نشب جراء حرب الخليج، وصارت طهران أكثر العواصم تمسكاً بالحقوق العربية الإسلامية واكثر من يقدم السلاح للتنظيمات المناهضة للحركات الصهيونية في كل العالم. وهذا لا يقتصر على لبنان وفلسطين كما توحي تطورات المنطقة، بل ان هذا الدعم الذي صار جزء منه معنوياً واقتصادياً وحيوياً وصل الى فنزويلا فكوريا الشمالية وغيرها ممن يناهض المفهوم الأميركي للسيطرة على المنطقة. فصارت مهمة السعودية أصعب.

لكن وبالرغم من كل ذلك لا يمكن تحميل السعودية وحدها مسؤولية ما يجري في المنطقة لأسباب كثيرة. اهمها تكبير حجمها ودورها أكثر مما ينبغي في وقت هي عاجزة عن حماية منشآتها في اي حرب مع إيران بدون الغطاء الأميركي والرعاية التي يكرر كل رئيس للولايات المتحدة الأميركية التمسك بها. وبالتالي فإن الدور الذي تلعبه المملكة اليوم يقتصر على المشاركة بمشروع يحفظ قدر الامكان مكتسبات دول المنطقة، بحيث لا تتفوق على «إسرائيل» من جهة ولا تتفوق إيران على السعودية خليجياً.

قطر التي كان من المفترض ان تساند المملكة السعودية في هذا الخيار على اساس انها دولة خليجية، خرجت عنه بدون اعتراض أميركي لتكشف عن ازدواجية أميركية في نظرتها الى مصير الخليج لتؤكد بذلك عدم ثقة واشنطن حتى اللحظة بصحة الخيار السعودي لتترك علاقتها بالدوحة وما تمثله من علاقات قائمة. وبقليل من التدقيق، تبدو قطر اليوم الجزء المعارض خليجياً لسياسات السعودية. وهي امتداد لتركيا الحليف الأميركي المنافس للسعودية على الزعامة السنية بالمنطقة لتصبح قطر بالرغم من حجمها الصغير. وطالما أنها لا تزال تحظى بالغطاء الأميركي «فزاعة» الخليج أميركياً. وهي الدولة التي تذكّر السعوديين دائماً بأن الامور لم تنتهِ عند نقطة صفقات مالية مع ولي العهد السعودي لصالح نسف العلاقة بها وبتركيا وقطعها مع إيران بالكامل. إضافة الى ان قطر قدّمت المال الوفير أيضاً للغرب والأوروبيين لتحجز الدور السعودي نفسه ويصبح مع ذلك المال مكان الحجم والجغرافيا.

اذا بقيت قطر التي تضم اكبر قاعدة عسكرية أميركية في الخليج على الحال نفسها وبعلاقة جيدة بالأميركيين، فإنه وبلا شك استنتاج ان السعودية باقية في وضع مريب بالنسبة للازمة الخليجية، خصوصاً أنه لا قرار أميركياً حتى اللحظة بسحب البساط من تحت الدوحة وتضييق الخناق على الاخوان المسلمين ومعهم تركيا، حيث القاعدة العسكرية الأميركية الأكبر لتصبح الاسئلة التالية مشروعة.

هل ترغب واشنطن بالإبقاء على قطر ورقة ابتزاز سعودية بالخليج؟

أين الأميركيون اليوم من العلاقة الجيدة التي تجمع إيران بقطر؟ وماذا يعني الانسحاب الأميركي من الملف النووي وتضييق الخناق على طهران وحلفائها بدون إيعاز لقطر بالاشتراك بهذا الإجراء؟ ماذا يعني تأييد واشنطن لعلاقة من ورائها دعم مَن يؤيد الحوثي باليمن؟

عملياً، ستبقى العقدة القطرية مؤشراً على عدم يقين أميركي بنجاعة خيارات المملكة العربية السعودية. وهي طالما لم تتقدم بالتصعيد او بالضغط على الدوحة خط رجعة أميركياً يحمي واشنطن من صبّ كل اعتمادها في حليف خليجي واحد، إلا اذا حدث اي تطور إقليمي ضمن حسابات الربح والخسارة رجح الكفة للسعودية. وهو الأمر «المستبعَد» فيصبح النظام القطري بخطر بشكل محتوم. ومن الآن حتى ذلك الحين تبقى مراقبة تطورات هذه النقاط والحسابات قيد المتابعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى