رأس بعلبك منكوبة بالسيول وأهلها يأملون أن ينفذ المعنيون وعودهم لا أن تزيد التجاذبات نكبتهم فارس: نتابع موضوع التعويضات والدولة ملزمة بتحمّل مسؤولياتها كاملة تجاه مواطنيها

تحقيق ـ عبير حمدان

حين تجول في بلدة رأس بعلبك تدرك المعنى الحقيقي لغضب الطبيعة وكيف يمكن أن يجرف السيل كلّ ما قد يعترض مساره، وتبدو ملامح الكارثة جلية، ويحاول أهل البلدة إزالة الوحول المتراكمة في انتظار تحقيق الوعود التي قطعها عليهم كلّ من زارهم للتفقد لناحية تقدير حجم الأضرار ودفع التعويضات مع العلم أنّ الخسارة المادية مهما كانت كبيرة إلا إنها لا تُقارن بخسارة روح بشرية واحدة.

السيل ليس الأول وفق ما يقول أهالي الرأس لكنه الأقوى، ظاهرياً يبدو التعاون في ما بينهم صورة مصغرة عن مجتمع أنهكته التجاذبات السياسية حيث كلّ طرف يتمسك بقناعاته رغم أنّ الكارثة تلقي بثقلها على الجميع. جزء كبير من أهالي البلدة يلقي باللوم على البلدية التي لم تعمل على تنظيف مجرى السيل كما يجب، وهي بدورها تصرّ على تحميل المسؤولية للوزارات المعنية بإنشاء المجرى ومعها المتعهّد بحسب رئيسها الذي صرّح بذلك للعديد من وسائل الإعلام.

خلال جولة «البناء» في البلدة لمسنا حجم الغضب الذي يسيطر على الناس وعدم ثقتهم بمؤسسات الدولة حيث قال معظمهم إنّ هناك استنسابية في التعاطي، خاصة حين يتمّ دفع التعويضات إلى جانب سعي بعض الجهات السياسية في المنطقة إلى استثمار الكارثة بما يخدم مشروعها في تقليب الرأي العام على الجهة التي رفعت مكافحة الفساد والسير بالإنماء شعاراً لها.

فارس: همّنا الحدّ من معاناة الناس

يؤكد عضو المكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب السابق الدكتور مروان فارس أنّ الدولة ملزمة بتحمّل مسؤولياتها كافة تجاه مواطنيها ويقول: «الذي حصل أخيراً في رأس بعلبك لم نشهده من قبل وعلى هذا النحو وبهذه القوة، وحجم الأضرار كبير في الرأس والقاع والقرى المجاورة، وهي نكبة فعلية أرخت بثقلها على المواطنين وخرّبت ممتلكاتهم وقضت على مواسمهم الزراعية، وقبل السيل الكبير هذا كانت هناك سيول في قرى غربي بعلبك ضربت الموسم الزراعي ولم يتمّ الكشف حتى الآن عن حجم الأضرار ولم يتمّ التعويض على المزارعين… وهذا التقصير مرفوض ومن موقعنا السياسي والحزبي ندعو للإسراع في الحدّ من معاناة الناس وليس منحهم الوعود وحسب».

يضيف فارس: «بعيداً عن غضب الطبيعة المسؤولية تقع على عاتق الدولة التي يجب أن تجهد لمعالجة الخلل في الأداء السياسي وعمل المؤسسات التابعة لها، والحلول معروفة وهي إقامة السدود وتنظيف المجاري وتشجير الجرود وإنشاء برك صناعية لتخزين المياه، ومن جهتنا سنعمل على متابعة الموضوع وسنلتقي بالمزارعين وكلّ المتضرّرين جراء السيل الأخير، بحضور الوزراء المعنيين بشكل مباشر، وسنشدّد على حتمية التعويض على المواطنين فوراً بعيداً عن أيّ حسابات سياسية وتعاط استنسابي».

رفعت نصرالله: مطلوب حل جذري

يؤكد رفعت نصر الله أنّ المنطقة لم تشهد سيلاً بهذا الشكل وفق ما يقول كبار السن في البلدة، ويجزم أنّ مجرى السيل لا تشوبه أيّ شائبة ولكن ما تسكبه السماء يتفوّق على إمكانيات البشر، فيقول: «هذا الجرد يحتاج إلى تشجير وإقامة سدّ، ومن لا يعرف طبيعة هذه الجرود لا يمكنه التنظير ورمي الكلام كيفما شاء، إضافة إلى أنّ التغيير المناخي يفوق إمكانيات البشر، لذلك ليكفّ البعض عن توصيف الواقع دون دراية منه بحقيقة الأمر، هذا السيل لم نشهده في حياتنا وفي هذا الوقت من السنة، وكلّ من يتكلم لا يعرف من أين يأتي كلّ هذا السيل. الجرد عبارة عن صخور وهناك أربع مجار للمياه فيه، أنا لست متعهّداً ولم أدافع يوماً عن متعهّد، وهذه الكمية من المياه لم تشهدها المنطقة منذ 1500 سنة وكلّ من يحلل لا يعرف شيئاً عن طبيعة المنطقة».

وحول موضوع الكشف عن الأضرار يقول نصرالله: «كلّ ما شهده الناس على شاشة التلفزة عبارة عن استعراض للعضلات ينتهي مع توقف البث المباشر، أهل رأس بعلبك اجتاحت السيول أرزاقهم وبيوتهم والاستعراض الإعلامي لن يعوّض عليهم خسائرهم كما باقي القرى المتضرّرة، نحن نريد حلاً جذرياً وخطة فاعلة تبدأ بتشجير الجرد وتنتهي ببناء سدّ كي لا نذهب إلى مشهد أكثر سوداوية. ومن يقول إنّ البيوت مبنية في مجرى السيل يحاول بكلّ بساطة التنصل من المسؤولية بحيث يلقي اللوم على الناس».

غنام: التعويض مادة إعلامية

يشير فضل الله غنام إلى أنّ هناك استنسابية في التعاطي من قبل البلدية والجهة السياسية التي تتبع لها هذه الأخيرة، ويتحدّث عن حجم خسارته فيقول: «نحن تضرّرنا بشكل كبير ليس في اجتياح السيول لمنازلنا وحسب إنما هناك مشروعنا في الجرد حيث جرف السيل 11 ألف شجرة مثمرة، ولم ننل من الهيئة العليا للإغاثة سوى الوعود، خاصة أنّ البلدية تتعاطى مع الناس باستنسابية وفق خلفيتهم السياسية وبشكل واضح ومعلن دون أيّ خجل».

ويضيف غنام: «نواب المنطقة زاروا البلدة وأعلنوا تضامنهم ولكن الأمر توقف عند هذا الحدّ، ونحن نريد إنشاء سدّ وبرك لتخزين المياه، وأؤكد لك أنّ هذا الأمر لو حصل لكانت هذه البرك ستروي منطقة البقاع بأكملها حتى في أوقات الشحّ. لقد أكتفينا من الوعود والتجاذبات السياسية، أنا الآن كما ترين أزيل الوحول التي خلفها السيل في منزلي دون أيّ مساعدة من البلدية».

جورج نصرالله: الدولة مسؤولة عن إيجاد الحلّ

يرى جورج نصرالله أنّ غياب العمل المشترك بين الوزارات المعنية يحول دون إيجاد حلول جذرية لمعاناة الناس، ويقول: «ما شهدناه في بلدتنا هو غضب الطبيعة الذي يفوق قدرتنا ولكن في المقابل البشر عليهم مسؤولية لناحية الوقاية من الطبيعة والكوارث من خلال اتخاذ خطوات فاعلة للحدّ من تأثير الكوارث الطبيعية، والدولة معنية بشكل مباشر في معالجة الأمر، بمعنى أنه حين يتمّ التنسيق بين وزارة الأشغال والطاقة والبلديات بشكل مدروس نكون قطعنا نصف الطريق لبلوغ الهدف المرجو. المطلوب عمل مشترك بين الوزارات ونظرة جامعة للمسؤولين بعيداً عن المحاصصة والوعود والخطابات والبيانات، وبعيداً عن السيل أريد الإشارة إلى ما عانيته قبل السيل، أنا شخص تعرّضت للسرقة وتمّ خطف العاملين عندي وخسرت مقلعي في الجرد حين كان تنظيم «داعش» في الجرود ولم أحصل على أيّ تعويض بعد تحرير الجرود كلّ ما نلته عبارة عن وعود، وأتت السيول في وقت سابق جرفت معها ما تبقى من ممتلكاتي ولم يصلني أيّ تعويض لأني لا أتبع لأيّ جهة سياسية، وبعد هذا السيل الأخير وما قيل عن الكشف على الأضرار من قبل الهيئة العليا للإغاثة أؤكد لك أنني لست ضمن القائمة التي طالها الكشف، وفي المقابل لن أكون ضمن من يتسوّولون الخدمة، ومن واجب من هم في موقع المسؤولية خدمة الناس وهذا أضعف الإيمان».

نعوم: استثمار سياسي واضح

لا يفصل المختار سهيل نعوم بين الأداء الخدماتي والسياسي مؤكداً أنّ البلدية بشخص رئيسها تجهد للتصويب على المتعهّد كونه مؤيداً للأحزاب الوطنية المقاومة وتحديداً الحزب السوري القومي الإجتماعي، ولذلك تعمد، أيّ البلدية، للتنصّل من مسؤوليتها المباشرة كونها لم تنظف المجرى بعد ثلاثة سيول شهدتها البلدة قبل نكبتها الأخيرة، فيقول: «إذا نظرت إلى الجرود ترين التخريط الموجود في هذه الأرض بفعل الطبيعة والسيل يزحف إلينا من جرد نحلة وفليطا ووادي الخشن ووادي الخيل وغيرها، وفي كلّ مرة يزحف السيل من مكان، ولكن هذه المرة أتى من أربع نقاط والأرض لا يمكنها استيعاب هذه الكمية الهائلة من المياه كونها جافة وغير مزروعة، ويأتي من يقول لك إنّ المتعهّد مسؤول عما آلت إليه الأمور، وأنا أجزم بعدم صحة هذا الكلام، المرأة التي توفيت قريبتي وبيتها بعيد عن مجرى السيل ولكن قوة السيول أحدثت حفرة ضخمة ووصلت إلى منزلها وأنا أريد محاسبة المسؤولين عن وفاة قريبتي وعلى رأسهم الجهة المعنية بتنظيف هذا المجرى بعد حدوث ثلاث سيول سابقة ولكنها لم تفعل».

ويضيف المختار نعوم: «الهيئة العليا للإغاثة تابعة لجهة سياسية تجيد الاستعراض والتسويق الإعلامي وتدفع لمن يتبع لها فقط، ونحن لا ننتظر منها أيّ شيء، نحن نجاهر بموقفنا المبدئي المناقض لكلّ من يعمل على تقسيم البلد ويسعى لاستثمار الكوارث الطبيعية في إطار سياسي واضح، نحن أهل رأس بعلبك نثق بالحزب القومي وكلّ الأحزاب المقاومة التي حمت الأرض وتصدّت للزحف التكفيري واليوم تعمل على مكافحة الفساد السياسي المستشري في المنطقة، وما يحصل أنّ البلدية تصوّب على المتعهّد حسان بشراوي كي تتنصّل من مسؤوليتها».

شعيب: المواطن وحده يدفع الثمن

يسعى حكمت شعيب مدير مديرية رأس بعلبك في الحزب السوري القومي الإجتماعي إلى نقل وجع الناس وعدم إنتظار نتائج الكشف عن الاضرار للتعويض عليهم معتبراً أن من واجب الدولة الدفع لكل المتضررين على الفور، ويقول:»ما حصل هو كارثة طبيعة وهناك مشكلة إنمائية ولكن البعض يعمل على جعلها سياسية بحيث يتم التصويب على المتعهد وإتهامه بالتقصير بناء على خلفية سياسية والواقع أن البلدية هي التي لم تقم بواجبها. وأجزم أن المواطن وحده يدفع الثمن، ولولا الإنجاز الذي قام به المتعهد لكانت الاضرار البشرية أكبر من المادية، البلدية تلقي باللوم على المتعهد لتنفي تقصيرها خاصة بعد حالة الوفاة التي سببها السيل، من واجب البلدية تنظيف مجرى السيل ولو فعلت ذلك ربما كانت الكارثة أقل وطأة».

ويضيف شعيب:» نحن نطالب بمحاسبة الجهات المقصرة وعدم التغاضي عن جريمتها جراء الاهمال المتعمد من قبلها، وفي ما يتصل بالكشف عن الاضرار فهو يبقى ضمن إطار الكلام على أمل أن يصبح التطبيق واقعاً، من المفروض أن يتم التعويض على الناس فوراً دون الدخول في المتاهة الروتينية وتسجيل الاسماء، من إجتاح السيل منزله وأتلف ممتلكاته لا يمكنه أن ينتظر عمليات الكشف وما يترتب عليها من محسوبيات ومحاصصة».

ويشدد شعيب على ضرورة إنشاء سد بالمعنى الحقيقي للكلمة وليس مجرد دراسات نظرية وحسب:» من المفروض أن تجهد الدولة على حل المشكلة جذرياً وذلك من خلال تشجير الجرد وبناء سد حقيقي بحيث يمكن الاستفادة منه لري المنطقة بكاملها وتوليد الكهرباء ايضاً، ونحن نطالب بالمحاسبة وتحديد المسؤولية، ومن واجب الدولة التحقيق بالموضوع ومحاسبة المقصرين وإلا سيتكرر المشهد في رأس بعلبك وفي كل القرى البقاعية التي تضررت جراء السيول».

نغادر رأس بعلبك وتبقى الصورة ضبابية حين يرتبط الأمر بهموم الناس حيث لسان حالهم ينادي بما هو أبعد من الحصول على حقهم بالتعويض المالي، وهم الذين عانوا الكثير جراء غياب الإنماء من جهة وتهديد الجماعات التكفيرية التي كانت في جرودهم من جهة ثانية، ورغم ذلك صمدوا وتمسكوا بالبقاء وكل ما يطالبون به اليوم هو المحاسبة وعدم الخضوع للتجاذبات السياسية ومنطق الاستنسابية في التعاطي معهم، وأن لا تبقى عملية الكشف عن الاضرار وتقديرها مادة إعلامية لتعويم جهات سياسية معروفة وفق تعبيرهم.

إعلامياً تم إعلان رأس بعلبك بلدة منكوبة وتهافت عليها الجميع ولكن جزء كبير من أهلها لا يتوقع أن يخرج هذا التهافت عن إطاره الإستعراضي، وفي المقابل تبقى قرى غربي بعلبك بإنتظار عمليات الكشف حيث لم تكلف الهيئة العليا للإغاثة نفسها عناء السؤال عن الأمر ولم يزل المزارعين في بلدة طاريا على سبيل المثال لا الحصر بإنتظار الفرق المختصة بمسح الأضرارجراء السيول التي قضت على مواسمهم وإلى أن تصل هذه الفِرق تبقى مشكلتهم مادة لتقرير متلفز أو لبث مباشر على أمل أن يصل صوتهم لمن يعنيه الأمر…

ولعل أبلغ تعبير عن واقع أهالي منطقة البقاع وتحديداً بلدات بعلبك ـ الهرمل هو ما غرد به عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الإجتماعي معن حمية على وسائل التواصل الاجتماعي مختصراً كل ما تقدم في التحقيق الميداني من مواقف داعية لتحرك فعلي ومسؤول من قبل الدولة بالقول:» أمام كارثة السيول التي اجتاجت قرى وبلدات في بعلبك ـ الهرمل وما أحدثته من أضرار كبيرة وقطع لأرزاق الناس، فان لسان حال أهالي هذه المنطقة لدولتهم الغائبة … بلغ السيل الزُبى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى