ميركل: عودة النازحين لا بدّ أن تحدث عندما تتوفّر الظروف الآمنة لهم

طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، مساعدة ألمانيا في دعم موقف لبنان الداعي إلى عودة النازحين السوريين تدريجياً إلى المناطق الآمنة في سورية، مشدداً على ضرورة الفصل بين هذه العودة والحل السياسي للأزمة السورية والذي قد يتأخر التوصل اليه.

واعتبر أنه إذا تأخر الحل واختلفت موازين القوى، مَن يضمن إذ ذاك عودة النازحين إلى بلادهم، لا سيما أن هناك تجربتين سبق أن عانى منهما لبنان، الأزمة القبرصية التي لم تُحلّ بعد رغم مرور أكثر من 40 سنة عليها، والقضية الفلسطينية التي مضى عليها 70 عاماً وهي تنتظر الحل السياسي.

وأشار الرئيس عون إلى أن لبنان تحمل الكثير نتيجة النزوح السوري على الأصعدة كافة ورقم النازحين قارب المليون و800 ألف ولم يعُد في قدرتنا تحمّل المزيد. ولفت إلى أن المساعدات الدولية لا تكفي لما يتكبّده لبنان من خسائر، ومع ذلك نواصل تقديم الدعم في وقت تزداد فيه نسبة البطالة بشكل مضطرد خصوصاً في صفوف الشباب.

وفيما نوّه الرئيس عون بالعلاقات اللبنانية – الألمانية شدّد على ضرورة تطويرها في المجالات كافة، لا سيما أن ألمانيا هي الشريك الاقتصادي الخامس للبنان.

وشكر الرئيس عون ميركل على الدعم الذي تقدّمه بلادها للقوات المسلحة اللبنانية، معوّلاً على المساهمة البحرية الألمانية في عداد القوة البحرية لـ»اليونيفيل». كما أعرب عن تقديره لموقف ألمانيا الإيجابي ومساهمتها في إنجاح مؤتمرَي روما 2 لدعم القوى المسلحة، وسيدر لدعم الاقتصاد اللبناني.

وأشاد الرئيس عون بالتعاون بين رجال الأعمال اللبنانيين والألمان، لا سيما اللقاء الاقتصادي الذي عقد أمس، والذي من شأنه أن يوفّر الفرص الملائمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين ويسهّل دخول المنتجات اللبنانية إلى الأسواق الأوروبية، كما شجّع على إنشاء غرفة تجارة مشتركة لبنانية – ألمانية، وعلى توقيع اتفاقات تعاون بين البلدين.

وأكدت ميركل من جهتها، رغبة بلادها في الاستمرار في مساعدة لبنان في المجالات كافة لمواجهة الصعوبات والتحديات التي تنتظره. وهنأت الرئيس عون على إنجاز الانتخابات النيابية وإقرار الموازنة، وتمنّت التوفيق في تشكيل حكومة جديدة، مبدية الاستعداد للتعاون معها لتطوير العلاقات بين البلدين الصديقين. وشدّدت على أن ألمانيا ستواصل تقديم الدعم الإنساني للبنان، والمساعدة أيضاً في التخفيف من معاناة النازحين السوريين، لافتة إلى أن وجود وفد من رجال الأعمال الألمان معها، تأكيد الرغبة بالتعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والنفايات، والتجارة بكل فروعها، لا سيما أنه تقرر استحداث فرع لغرفة التجارة الألمانية في لبنان. كما أكدت مواصلة دعم مقرّرات مؤتمر سيدر وتدريب القوات المسلحة اللبنانية، وبالأخص سلاح البحرية.

وأبدت ميركل تفهماً للموقف اللبناني حيال النازحين السوريين، لافتة إلى أنها ناقشت أوضاعهم مع مسؤولين في الأمم المتحدة لمعرفة الظروف التي تعرقل عودتهم. وقالت إن بلادها ستعمل من أجل المساعدة في هذا المجال، مع قناعتها بأن الحل السياسي يساهم كثيراً في الإسراع في إنهاء ملف النازحين.

بعد ذلك، انضمّ إلى المحادثات الوفدان اللبناني والألماني، وضمّ الوفد الألماني: مستشار ميركل لشؤون اللاجئين يان هيكر، ومستشارها للشؤون الاقتصادية لارس هندريك رولر، والمتحدّث باسم الحكومة ستيفن سيبرت، وبيرتله وديرتز وغوبر من مكتب ميركل، والسفير الألماني في بيروت مارتن هوث. فيما حضر عن الجانب اللبناني وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والوزير السابق النائب الياس بو صعب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدولية، والمدير العام لرئاسة الجمهورية الدكتور انطوان شقير، والمستشارة الرئيسية لرئيس الجمهورية السيدة ميراي عون الهاشم، وسفير لبنان في ألمانيا الدكتور مصطفى اديب، والمستشار الدبلوماسي السفير شربل وهبة، ومدير الإعلام في رئاسة الجمهورية الأستاذ رفيق شلالا، والمستشار أسامة خشاب.

وبعد انتهاء المحادثات، ودّع رئيس الجمهورية المستشارة الألمانية عند مدخل صالون السفراء، وتوجّهت السيدة ميركل للتوقيع على السجل الذهبي حيث دوّنت الكلمة التالية: «إن الصداقة بين مواطني بلدينا قد توطدت على مر الأعوام. أتمنى أن تتعمّق الصداقة بيننا وبين هذا البلد الذي يعيش فيه أشخاص من طوائف متعددة».

وزارت ميركل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، على رأس وفد مرافق ضم عدداً من أعضاء البرلمان الألماني والمسؤولين، وتطرّق الحديث إلى التطورات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين. وفي مستهلّ اللقاء، شكر الرئيس بري ألمانيا على مشاركتها في القوة البحرية لقوات «اليونيفيل»، مشدداً على «أهمية دور هذه القوات في حفظ السلام في لبنان من خلال تطبيق القرار 1701»، مؤكداً «تمسّك لبنان بحقوقه وحدوده البرية والبحرية»، عارضاً «الجهود في هذا الإطار لتثبيت الحقوق اللبنانية».

كما استعرض الرئيس بري مع ميركل «الوضع الاقتصادي المأزوم في لبنان والضاغط، نتيجة ما يجري في سورية وثقل النزوح السوري على لبنان واللبنانيين»، لافتاً إلى «دور لبنان وما أنجزه على هذا الصعيد»، مشدداً على «رفع مستوى التنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية لمعالجة هذه القضية».

وشكر الرئيس بري «ألمانيا على عنايتها ورعايتها للجالية اللبنانية في ألمانيا»، مشدداً على «أهمية دور هذه الجالية التي ستشكل جسراً للتعاون بين البلدين».

وأكدت ميركل بدورها «التعاون البرلماني المشترك بين البلدين وتعزيز مساهمة ألمانيا في سيدر1 ومؤازرة لبنان لتطبيق توصيات المؤتمر».

وفي السراي الحكومية عقد رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والمستشارة الألمانية مؤتمراً صحافياً مشتركاً عقب مشاركتهما في الطاولة المستديرة الاقتصادية المشتركة بين رجال الأعمال اللبنانيين والألمان التي استضافتها السراي.

واستهلّ الحريري المؤتمر بالقول: هناك حاجة لتوسيع المساعدات الإنسانية الأساسية بصورة مستمرة لتشمل، إضافة إلى النازحين، المجتمعات المضيفة لهم. لكن الأهم هو تنفيذ مشاريع إنمائية تحسّن سبل المعيشة أمام المجتمعات المضيفة وتوفّر فرص العمل للبنانيين المضيفين لإخوانهم النازحين».

وأضاف: «ناقشنا معاً الدور المساعد الذي يمكن لألمانيا أن تلعبه، خصوصاً في مساعدة لبنان على تنفيذ الأولويات التي طرحتها الحكومة اللبنانية في مؤتمر بروكسيل 2، من خلال دعم مشروع استهداف الفقر في لبنان ودعم تنفيذ الإطار الاستراتيجي الوطني للتعليم والتدريب المهني والتقني الذي أعدّته الحكومة اللبنانية بالتعاون مع اليونيسيف ومنظمة العمل الدولية. وقد كرّرت للمستشارة ميركل موقف الحكومة اللبنانية بأن الحلّ الدائم والوحيد للنازحين السوريين هو في عودتهم إلى سورية، بشكل آمن وكريم. وأعاد الحريري تأكيد التزام الحكومة اللبنانية بكل الإصلاحات التي وردت في مؤتمر سيدر وعلى أهمية وضع آلية متابعة مع المجتمع الدولي، آملا أن تكون ألمانيا عضواً في لجنة المتابعة. وقال لبنان لا يسعى إلى أن يحصل على أموال فقط للنازحين، لذلك، قدمنا مشروع «سيدر» في باريس، وألمانيا كانت من الدول الداعمة للنهوض بالاقتصاد اللبناني. هذا الاقتصاد الذي سيسمح بتأمين فرص عمل للبنانيين أولاً. نحن ننظر بحل شامل، درسناه مع دول عدة ومع البنك الدولي، ومع ألمانيا وفرنسا وغيرها، لكي ننهض بالاقتصاد اللبناني. لا يمكن للبنانيين أن يتحمّلوا هذا العدد الكبير من النازحين، من دون أن يكون هناك نمو في الاقتصاد اللبناني.

وأضاف: «أظنّ أن دستورنا واضح في موضوع التوطين ورفض التوطين موجود بالدستور. وعلينا أن نحترم الدستور وأن نعمل مع المجتمع الدولي على عودة النازحين إلى سورية بأسرع وقت ممكن بطريقة آمنة وكريمة، وعلى المجتمع الدولي أن يعمل على حلّ للأزمة في سورية». وشدد على التزام لبنان القرار الدولي 1701.

وأكد أن «القوى السياسية في لبنان تجمع على ضرورة حفظ الاستقرار الداخلي في وقت تعيش المنطقة اضطرابات خطيرة، كما تجمع على التزام سياسة النأي بالنفس عن التدخل في شؤون الدول العربية. وهو التزام ستتابعه الحكومة المقبلة بإذن الله. كما أكدت لها التزام لبنان المستمر بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت، وبالتالي تمسكنا بالقدس عاصمة لدولة فلسطين».

ثم تحدثت ميركل فشكرت استعداد الحكومة اللبنانية على أن تضمّ ألمانيا إلى الهيئات التي تساعد بالمضي قدماً في الإصلاحات الضرورية والبنيوية في لبنان، وتحرص على القيام بالإيفاء بالوعود المقدمة من قبل بلدكم».

وتابعت: «لقد التزمت ألمانيا أن تساعد لبنان وتقدّم له الإغاثة الإنسانية وتدعم المنظمات التي تقوم بعمل إنساني فيه. نريد بالطبع أن نساهم في الوصول إلى حلّ سياسي يمكننا من عودة اللاجئين إلى سورية. ونتعاون مع المنظمات الدولية ومع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، وكما قال الرئيس الحريري، فإن عودة اللاجئين لا بدّ أن تحدث عندما تتوافر الظروف الآمنة لهم. لبنان يواجه ظروفاً صعبة، وهنا نرى نموذجاً ومثالاً عن كيفية تعايش مختلف الأقليات الدينية مع بعضها البعض، وأعتقد أنكم تقدمون نموذجاً بالفعل لبلدان عديدة في العالم كيف يستطيع الناس التعايش رغم الاختلافات».

وشدّدت على أن «ألمانيا تدعم القوات البحرية ونرى أنفسنا ملتزمين مواصلة تقديم الدعم للوصول إلى استقرار في المنطقة ككل. لهذا أتوجه إليكم بالشكر الجزيل على هذا الوقت الذي قضيته هنا، وآمل أن تساهم زيارتي، وهي بالفعل ستساهم، في مواصلة الجهود في هذا المجال».

شارك الحريري وميركل في اجتماع حول طاولة حوار مستديرة اقتصادية عقدت في السراي الحكومي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى