رئيس الجمهورية: سأسعى مع الجميع إلى ولادة حكومة تعكس التوازنات

شدّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على أن المشرق لطالما كان نموذجاً للتعددية والتسامح الديني، وصار نموذجاً فريداً للتفاعل الثقافي والغنى الروحي والمعرفي، «ما يقتضي منّا جميعاً، وخصوصاً المسيحيين والمسلمين، المحافظة عليه وحمايته في إطار احترام حرية المعتقد والرأي والتعبير وحق الاختلاف، ورفض التطرف الديني والقتل والتهجير باسم الدين والله.»

مواقف رئيس الجمهورية أتت خلال تدشين المقر البطريركي الجديد للكنيسة السريانية الارثوذكسية في بلدة العطشانة – بكفيا، والذي سبقه قداس إلهي احتفالي. وحضر القداس رؤساء الطوائف الكاثوليكية: البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك الروم الكاثوليك مار يوسف العبسي، بطريرك الأرمن الكاثوليك غريغوريوس بطرس غبرويان، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف يونان. كما حضر بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازحي، ورئيس المجمع الإنجيلي القس سليم صهيون، ورؤساء كنائس الكلدان والأشوريين واللاتين، والقائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور ايفان سانتوس.

كذلك حضر القداس رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان وعدد من مسؤولي القومي، الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان، والنواب إبراهيم كنعان، الياس بوصعب، أدي أبي اللمع، أنطوان بانو، وسفراء مصر وسورية والمجر ورومانيا وأرمينيا، وحشد من رؤساء البلديات وأبناء الطائفة السريانية.

وشدّد الرئيس عون على أن التجارب علمتنا أن الشعور بالقوة أو بالاستقواء من طرف، أو مذهب، أو حزب في لبنان، يخلق عاجلاً أم آجلاً، عدم توازن واستقراراً في الحياة السياسية، لا بل أحياناً اضطرابات أمنية. وأكد الرئيس عون أنه سيكون مدافعاً عن تجربة العيش المشترك والتوازن والاحترام المتبادل بين مكوّنات الشعب اللبناني، وسيسعى مع الجميع إلى ولادة حكومة تعكس رغبات هذا الشعب، وتوازناته، وتوصل صورة مشرقة إلى العالم «عن عزمنا الأكيد كمسؤولين سياسيين، على السير قدماً في مشروع النهوض بالوطن، والإصلاح، والشفافية، ومواجهة الفساد والمفسدين».

ولفت الرئيس عون إلى أن النزف البشري المسيحي في الشرق يجب أن يتوقف، وإلى أن السلطات السياسية والروحية مدعوّة لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تفريغ الأرض من أهلها، مشيراً إلى أن أيّ مشروع يرمي لخلق مجتمعات عنصرية تقوم على الأحادية الدينية أو العرقية، هو مشروع حرب لا تنتهي.

وقال إن مسيحيي المشرق ليسوا بطارئين على هذه الأرض ولا هم جاليات غريبة فيها، ولا يمكن أن يسمحوا لأي ظرف أو أي معاناة أن تقتلعهم منها فهم أهلها وناسها. صحيح أن في التاريخ والحاضر جراحاً كثيرة، ولكن فيهما أيضاً حقبات مجيدة أعطت العالم ثقافة وفكراً وحضارة من أغنى الحضارات.

وأضاف «لقد درجت العادة على إطلاق تسمية أقليات على بعض الطوائف في لبنان ومنها السريان، ونتج عن ذلك حرمانها من بعض حقوقها السياسية، كما من بعض الوظائف العامة. من الخطأ مقاربة الواقع اللبناني من منطلق أقليات وأكثريات. فهذه البلاد منذ فجر التاريخ كانت أرض تلاقٍ لشعوب ومجموعات دينية تهرب من اضطهاد وتبحث عن ملاذ آمن، وكم من أكثرية باتت أقلية وبالعكس في الحقيقة كلنا أقليات، تجمعنا المواطنة والهوية، وكلنا مكوّن أساس من مكوّنات الشعب اللبناني».

وتابع «لذلك كان سعيي الدائم منذ كنت رئيس تكتل التغيير والإصلاح كي يكون للسريان ولسائر المكونات الموضوعة في خانة الأقليات، حضورهم في السلطة وتمثيلهم الحقيقي في مجلس النواب، وسأستمرّ في هذا المسعى كي لا يبقى أي مكوّن من مكوّنات مجتمعنا يشعر بالغبن أو بأن حقوقه في الوطن لا تتساوى مع حقوق سواه».

وقال البطريرك افرام الثاني إن ما يمرّ به مشرقنا لن يثنينا عن عزمنا على مواصلة تقديم الشهادة الحية للمسيح، وكذلك تقديم الخدمة الممكنة لأبنائنا الروحيين، وكذلك لأخوتنا المسلمين الذين نتشارك معهم بمحبة هذه الارض. ولن نسمح للفتن والمؤامرات اللعينة التي تحاك لهذا المشرق من النيل من وحدتنا الوطنية. فالأيادي الاثيمة التي امتدت إلى كنائسنا وأديرتنا وخطفت كهنتنا، وعلى رأسهم مطرانا حلب العزيزان بولس يازجي ويوحنا إبراهيم ستُشلّ بتأكيدنا على تعزيز أواصر المحبة بين أبناء الوطن الواحد وبقوة إرادتنا على مسح آثار تلك الهمجية غير المسبوقة التي أتت على البشر كما الحجر. فنقول لمن يخطط ولمن يعمل على اقتلاعنا من جذورنا إن ارادة البقاء عندنا هي أقوى من محاولتكم لاقتلاعنا.

وخلال القداس، رفعت صلاة خاصة على نية المطرانين المخطوفين في سورية بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، من أجل عودتهما سالمين. وعلى أثر انتهاء القداس، انتقل الرئيس عون والبطاركة وسائر الحضور إلى المبنى الجديد للبطريركية حيث أزاح الستار عن اللوحة التي كتب عليها باللغات السريانية والانكليزية والعربية.

كما أزاح الرئيس عون الستار عن لوحة ثانية تؤرّخ للمناسبة، وقطع الشريط وسط تصفيق الحضور ودخل الجميع إلى المقرّ الجديد، ودوّن رئيس الجمهورية في السجل الذهبي الآتي:

«على خطى الآباء والأجداد، نذر السريان أنفسهم في هذا الشرق، على الرغم من غمار الصعاب وأهوال المجازر، لخدمة الحكمة الإلهية، فكانوا رسل القيامة، في لبنان وعالم الانتشار.

أنتم حاجة لبنان، وطن الرسالة، إلى الشهادة لحقيقة وجوده.

اليوم، إذ أشارككم، بطاركة واساقفة وآباء وأخوة، فرحة تدشين المقر الجديد لبطريركية أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس في العالم، أرفع دعائي لتواصلوا مسيرة الإمانة لرسالتكم. فعلى اسمها، لكم جميعاً تقدير العائلة اللبنانية».

هذا واستقبل رئيس الجمهورية، في قصر بعبدا، وفداً من بطاركة الكنائس الشرقية الأرثوذكسية الذين يعقدون لقاءهم الثاني العام في لبنان منذ العام 1997، في المقر الجديد لبطريركية السريان الأرثوذكس في العطشانة بكفيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى