وزارة العدل لـ«القوات»: ما هي الضمانات…؟

محمد حمية

يبدو أن مفاوضات التأليف استقرت حتى الساعة على أن ينال حزب «القوات اللبنانية» وزارة العدل كتعويض عن وزارة الدفاع بعد «الفيتو» الذي وضعته قوى سياسية عدة على تولي «قواتي» هذه الحقيبة الحساسة لاعتبارات سياسية وأمنية ووطنية وقومية.

قد لا تبدو في ظاهر الأمر غرابة، فتسوية الضرورة في بلد التسويات تقتضي التنازل بهدف ولادة حكومية يسيرة وطبيعية. أما في الباطن فأن تؤول «العدلية» لحزب سياسي ذي تاريخ ميليشياوي ومشارك في الحرب الأهلية اللبنانية والقتال الى جانب الجيش الإسرائيلي ولديه عداوات مع البيئة الوطنية السياسية قد يجعل للعدل في لبنان مفهوماً مغايراً.

ليس الهدف «نبش التاريخ» ولا نكء الجراح، بقدر ما هو تسليط الضوء على مخاطر وضع «العدالة» في لبنان في ميزان «القوات»، وفي عهدة رئيسها سمير جعجع الذي أدانه القضاء اللبناني في اغتيال رئيس حكومة لبنان رشيد كرامي وطوني فرنجية وداني شمعون وغيرهم وتصفية ضباط في الجيش اللبناني الذي يمثل رمزاً وطنياً، الى جانب دور جعجع في التمهيد للاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وقد خرج من السجن بعفوٍ عام من المجلس النيابي في ظروف محلية وخارجية ملتبسة آنذاك، أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولم يطلب جعجع حتى الآن إعادة محاكمته لنقض الأحكام القضائية عنه ونيل براءته!

أسئلة كثيرة توضع برسم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والقوى والأحزاب الوطنية والقومية وبرسم كل اللبنانيين: ما هي الضمانات بأن تستمرّ المؤسسة القضائية بإنتاج العدل الوطني والقومي ولا تنتج عدلاً ملغوماً؟ وهل هناك ضمانات بأن يبقى العدل بعيداً عن السياسة والتسييس والممالأة للإرهاب والسياسات الخليجية؟ لا سيما أن «القوات» تجاهر بانتمائها للفريق المناوئ للمقاومة في الإقليم ومعروفة بتعاطفها وتأييدها للتنظيمات السورية المسلحة التي تحوّلت إرهاباً بنظر كل العالم وبقيت ثورة ديموقراطية في عيون «القواتيين»!، ألا يجعل ذلك الأمن الوطني اللبناني مهدداً؟ واستطراداً ما هي الضمانات ألا تمارس «القوات» السطوة السياسية على الجسم القضائي لا سيما مجلس القضاء الأعلى والقضاة ورؤساء المحاكم؟ وكيف ستتعاطى «العدالة القواتية» مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟ وبالتالي أي سياسة قضائية ستنتهجها مع القضاء الدولي لا سيما في أزمة النازحين السوريين؟ وكيف ستقارب قضية حبيب الشرتوني؟ وكيف ستمارس عدالتها في قانون العفو الذي يُحكى أنه سيشمل العملاء الإسرائيليين والإرهابيين؟ وهل سنشهد أحكاماً قضائية تحت ضغط سياسي لإخلاء سبيل إرهابيين موقوفين أو محكومين بقتل عسكريين ومدنيين في أحداث عرسال والشمال وصيدا كالإرهابيين أحمد الاسير ونعيم عباس وغيرهما؟ وعطفاً على ما سبق ما هو موقف وموقع وزير العدل المقبل في قضية النزاع على ملكية المؤسسة اللبنانية للإرسال «أل بي سي» بين رئيس مجلس إدارتها وبين جعجع؟ وهل يكون منع المحامين من دخول قصر العدل أثناء وجود رئيس «القوات» نموذجاً للعدالة واحترام القضاء؟

قد يقول أحدهم بأن القضاء في لبنان سلطة مستقلة محصنة عن سلطة وزير العدل على القضاة وأحكامهم وقراراتهم، لكن لا أحد يستطيع التعامي عن التدخلات السياسية في القضاء، فهل سيكون أداء «القوات» في العدل حيال الملفات القضائية الكبرى كأدائهم في وزارة الشؤون الاجتماعية في ملف النازحين السوريين، حيث كان الوزير الحالي أداة طيعة لتنفيذ سياسة المفوضية العليا لشؤون النازحين التابعة للأمم المتحدة وخادماً لمصالح إقليمية وأممية دون المصالح الوطنية؟

لا يمكن وضع وزارة العدل في ميزان الوزارات الأخرى، فهي حقيبة تأسيسية في مسيرة البناء الوطني وتحصين الدولة والمؤسسات، إذ لا حكم من دون عدالة والعدل أساس الحكم والملك ولا إصلاح وتغيير مع عدالة منقوصة ومشبوهة ومشوّهة، فأي إصلاح وتغيير وأي حكومة وأي عهد على رأس عدالته حزب متشعّب الولاءات والتبعية؟ فهل ستكون العدالة في زمن «القوات» متعدّدة الولاءات في المحطات المفصلية، كما كانت سياسة «القوات» في الأزمة الوطنية خلال احتجاز رئيس حكومة لبنان سعد الحريري في 4 تشرين الثاني؟ وعلاوة على ذلك تحذّر مصادر قضائية وسياسية من صراع مقبل بين القضاء ووزارة الوصاية إن تسلّمت «القوات» الوزارة ما ينعكس سلباً على عمل النيابات العامة والأجهزة القضائية والرقابية كالمجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة وغيرهما، فهل يقبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في عهده شلّ يد القضاء، لا سيما في ملفات حساسة تتعلق بالأمن المجتمعي والقومي والوطني؟

بعد الذي تقدّم يسأل مراقبون: العدل في لبنان إلى أين؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى