علم النفس والإرهاب!

د. فايزة حلمي

حين تبيّن أن علم النفس الفردي لا يُقدّم للإرهابيين ولا البيئات الاجتماعية شرحاً كاملاً عن سبب تورّط الأفراد في الإرهاب، لِذا تزايد عدد الباحثين الذين يتّجهون نحو منظور نفسيّ اجتماعي في دراساتهم.

المبدأ النفسي الاجتماعي الأول

يجب ألا يُنظر إلى الإرهاب على أنه مُتلازمة بل كوسيلة للنفوذ الاجتماعي والسياسي:

يصف علماء النفس الاجتماعي بيئة المرء بأنه المكان الذي يتأثر فيه سلوك الشخص بالظروف الاجتماعية التي يعيش فيها وظروفه النفسية، وهو مجال النفوذ الاجتماعي الذي يحاول الناس التأثير على سلوك ومعتقدات الآخرين، وهو لا يتناسب مع التفسير الواسع للهجمات الإرهابية باعتباره مؤثراً مباشراً، بل أنه عمليات تفاعلية اجتماعية تجري في كل من المُحِيطِين الداخلي والداخلي، وهذه العمليات المؤثرة تتطور بطريقة متعمّدة وإستراتيجية، تستخدم المنظمات الإرهابية فيها تقنية إعلانية مماثلة للحملات الدعائية عند الترويج لقضيتها، وأفضل فكرة تُعرّف الإرهاب بأنه «دعاية من قِبَل الواقع».

ويضطلع عددٌ من مجموعات الأقليات بأنشطة إرهابية كوسيلة لإحداث تغيير اجتماعي. كروغلانسكي، 2003 . وعادة ما تمثل هذه المجموعات المعتقدات والمواقف بشأن القضايا السياسية والدينية التي لا تقبلها الغالبية بسهولة، هؤلاء الإرهابيون هم ما يعرّفه بعض علماء النفس الاجتماعي بأنه «الأقليات النشطة»، وتحاول الأقليات اكتساب نفوذ بإقناع الغالبية بالنظر في وجهات نظرهم، وإبلاغ مواقفهم بوضوح في المناسبات المختلفة، ومن خلال هذه الاستمرارية، قد تكون أقلية قادرة على تغيير أو التأثير على موقف الأغلبية، والإرهاب لا يختلف كثيراً عن هذه العملية لأن انتشار الخوف أو الإرهاب عن طريق العنف له بُعْد تواصلي، مع تذكّر العلاقة بين الإرهاب والدعاية، لأن العنف الإرهابي هو وسيلة لتوجيه انتباه الناس إلى مشاكل معينة حقيقية، مبالغ فيها أو وهمية ونشر مطالب الإرهابيين السياسية أو الدينية.

المبدأ الثاني

تتشكل سِمات الإرهابيين من خلال عمليات التفاعل الاجتماعي: إن علماء النفس الاجتماعي مستعدون لشرح الخصائص النفسية للأفراد نتيجة لعدة عمليات التنشئة الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، وينطبق هذا المثل الأعلى أيضاً على السمات العقلية للإرهابيين، وفي السابق أشارت بعض الأبحاث إلى أن عملية الانضمام إلى جماعة إرهابية تأثرت بشدة بالبيئة السياسية والاجتماعية السائدة التي يتقاسمها الأصدقاء والأقارب، ومن الواضح أن النمو في بيئة تتسم بأفكار وقيم متطرفة يمكن أن يقود المرء إلى جماعة إرهابية تنضمّ إلى الأفكار والقيم نفسها، وفي حالات أخرى، الانضمام إلى منظمة إرهابية هو نتيجة لعلاقات مع الناس الذين يتبنّون الأفكار السياسية أو الدينية المتطرّفة.

المبدأ الثالث

يمكن تحليل المنظمات الإرهابية بالقياس مع الحركات الاجتماعية الأخرى ويمكن ربط العديد من المنظمات الإرهابية ارتباطاً وثيقاً بدورات التعبئة السياسية والاحتجاجات الجماهيرية ضدّ الدول والتي تجري من وقت لآخر، وكثيراً ما تكون الحملات الإرهابية نتيجة لعملية تطرّف طويلة في حركة سياسية أو دينية معينة. وعندما تفقد تلك الحركات نفوذها الاجتماعي، فإنها تميل إلى الانقسام وتشكيل مجموعات مختلفة

أحد الجوانب التي تشترك فيها المنظمات الإرهابية مع الحركات السياسية أو الدينية العادية هو الدور المركزي الذي تلعبه العمليات النفسية لتحديد الهوية الجماعية، وعادة ما تقدم المنظمات الإرهابية نفسها كمدافعين عن قيم ومصالح جماعة عرقية أو دينية دي لا كورت، 2006 .

وكما تتنبأ نظرية الهوية الاجتماعية، فإن تحديد الهوية الذاتية للإرهابيين بوصفهم أعضاء في مجتمع أكبر بكثير… سيساعدهم على تحقيق أهدافهم إسبلت، 2003 تايلور، 2003

كيف نحدّد الإرهاب؟

يمكن تعريف الإرهاب بأنه استخدام العنف أو التهديد باستعماله من جانب الجماعات غير الحكومية لتحقيق التغيير السياسي، وبذلك يستهدف المدنيين غير المقاتلين كضحايا مباشرين.

ومفتاح هذا التعريف هو مزيج من مجموعات قتل صغيرة من غير المقاتلين، وكثيراً ما يكون الإرهاب هو لجوء أولئك الذين هم يائسون… لقضية لا يمكن أن تفوز بالوسائل التقليدية وبدلاً من أن يخافوا من الموت، فإنهم كانوا يحتضنون الإستشهاد.

ولقد كان تحديد الدافع للإرهابيين أمراً صعباً، ولكنه أصبح موضوع بحث من قِبَل الباحثين، لشيء واحد، وهو أنه نادرا ما يتطوع الإرهابيون كمواضيع تجريبية، كما وأن فحص سلوكهم من بعيد يمكن أن ينتج استنتاجات غير دقيقة المنظور، فبعضهم من الوافدين الجدد، ولكن العديد مِن الذين يشعرون بالحرمان في هذا البلد، الذين لا يشعرون أنهم جزء من مجتمعاتهم، فهم جاؤا إما من جزء آخر من هذا البلد أو من جزء آخر من العالَم، ولسوء الحظ فإن الكثيرين منهم يفتقرون إلى المهارات والمواقف اللازمة للإندماج في مجتمعاتهم المحلية.

كيفية مواجهة الإرهاب:

يظهر هنا سؤال: كيف يمكننا أن نستخدم معرفتنا بالعواطف والتكيّف للبحث عن سبل لتقويض نجاح الإرهاب؟

ـ تجنيد علم النفس في الحرب على الإرهاب:

نحن بحاجة إلى احتواء الخوف ومعالجة الغضب، حيث الإرهابيون غاضبون ومحرومون ويشعرون بالعجز وبأنهم ضحايا، ويحاول علماء النفس أيضاً فهم التفاعل الديناميكي بين الإرهابيين وردود الحكومة. فعلى سبيل المثال، هناك بعض الأدلّة على أن الاستجابات المفرطة للأعمال الإرهابية يمكن أن تشجع المزيد من الناس على الانضمام إلى المنظمات الإرهابية.

ـ وهذا يضع وسائل الإعلام في موقف صعب، فكلما قل الاهتمام الذي يعطونه للإرهاب كان أفضل، ومع ذلك خلافاً للعقود التي مرّت، حيث تسيطر مجموعة صغيرة على معظم وسائل الإعلام، فالآن هناك مئات الآلاف من اللاعبين على الساحة الإعلامية.

ـ يجب تدريب أولياء الأمور على العناية النفسية بأطفالهم، والتعامل معهم مِن منظور شامل، يتضمن العناية بهم بخطوط متوازية ولا يقتصر الاهتمام على التعليم فقط، بل على دعم شخصية أطفالهم بما يشكل لهم سياج نفسي يمثّل مناعة نفسية، حتى لا يتعرضون لغسيل المخ فيما بعد حين يصبحون راشدين مِن ذوي الشخصيّات الهشّة، المضطربة التي ليس لها دور في حياة أسرهم، وليس لديهم هوية ذاتية ولا ثقة بالنفس، فمن هنا تظهر ثقوب في الشخصية يتسرب منها إليهم أفكار مَن يحاولون تجنيدهم، وليفكر كل من هو على خريطة حياة طفل، ماذا يحدث إن تم اختطاف طفله، وتعرّض للتعذيب والقسوة وسوء المعاملة وغسيل مخ، ثم يتدرب بعد ذلك على قتل ولي أمره.. دون أدنى تردد أو شعور بالخوف أو الذنب؟!!

ـ العمل في المدارس على بناء المرونة التي سوف تساعد علي تعليم المهارات الضرورية لاندماجهم في مجتمعهم، وسيركز هذا البرنامج على تمكين المعلمين والطلاب الذين سيشاركون بنشاط في إنشاء البرنامج، من خلال زيادة الكفاءة في هذه المهارات، مثل التواصل الفعّال مع الآخرين، والقدرة على حل المشكلة، وإدارة مشاعر قوية، ونحن نسعى إلى زيادة احترام الذات، والأهم من ذلك.. أننا نسعى إلى تقليل احتمال أن يصبح هؤلاء الشباب أكثر إحباطاً، معزولاً، مختللاً، ومتطرفاً، فَهم لا يشعرون بأن لهم دوراً قابلاً للتطبيق أو مكاناً ولذا يُعتبرون أهداف سهلة للتطرف، لذا نحن بحاجة للنظر فيما نقوم به لمنع تطرّف هؤلاء الشباب.. ولجعلهم جزءاً من مجتمعهم.

ـ وقال عالم النفس جودي كوريانسكي، بجامعة كولومبيا، الذي قدّم الإسعافات الأولية النفسية بعد التفجيرات في القدس، والتسونامي في آسيا، وبعد الهجمات في 11 أيلول، إن الرفاهية النفسية في حياة الفرد يمكن أن تكون ضدّ اختيار الإرهاب.

ـ هناك بالتأكيد ديناميات نفسية تجعلنا نتساءل:

لماذا يريد شخص أن يكون متطرفاً، قال كوريانسكي، الذي حدد الحاجة إلى السعادة. «نحن بحاجة إلى فهم أهمية علم النفس».

ـ وقال هارولد تاكوشيان، أستاذ علم النفس ومدير برنامج القيادة التنظيمية، علينا مواصلة البحث في «ما الذي يجعل الناس إرهابيين».

ـ وقال «على مستوى واحد، يمكن للسياسات ان تساعد على الحدّ من الإرهاب». وأضاف «لكن على مستوى أخر يمكننا منع الإرهاب في المقام الأول من خلال فهم لماذا يدير الناس ظهورِهم لأوطانهم».

ت يُفضَّل أن يُدرج في المناهج الدراسية ما يكشف مخطّطات الإرهابيين، لإنقاذ الأجيال الأصغر سنا مِن فكرِهم.. كهدف طويل الأجل، وهذا يبرز أهمّية التركيز على الجبهة الأيديولوجية.

ـ الوقاية خير من العلاج، لذلك فالصلات الاجتماعية القوية تَحِد مِن التطرّف.

مستشار نفسي وتربوي/ مصر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى