الجنوب السوري والمونديال الروسي؟

ناصر قنديل

– تتداول أوساط المعارضة السورية روايتين لهزيمتها في جنوب سورية، وقد بدأت ملامحها تظهر سريعة في الأفق. وفي الرواية الأولى كما تحبّ جماعات المعارضة قبل كلّ مواجهة أن تحذّر من أنّ الجيش السوري لن يجرؤ على الذهاب للحسم العسكري لأنّ المعادلات الدولية والإقليمية ليست لصالحه، ثم تفسّر كلّ هزيمة بعد وقوعها بالتخلي الدولي والإقليمي عنها، وكما تحدّثت المعارضة عن خصوصيات في الجنوب ستمنع تكرار ما جرى في الشمال والوسط والعاصمة والغوطة، وربطتها بوجود مصالح أميركية مباشرة تمثلها قاعدة التنف والحضور الإسرائيلي الذي لا يمكن لواشنطن تجاهله. هي نفسها تتحدّث اليوم عن تخلّ أميركي وإسرائيلي وتصل حدّ الحديث عن تفاهمات روسية مع أميركا و»إسرائيل» لحساب تغطية التقدّم السوري من دون أن تفسّر لماذا لم يتحقق ما سوّقته المعارضة من امتناع روسي عن المشاركة، تقول إنه ترجم بقصف جوي مكثف لحساب الجيش السوري، والأهمّ لماذا لم تنسحب مجموعات الحرس الثوري الإيراني ووحدات حزب الله التي تتهمها بدور رئيسي في المعارك، وقد كان كلّ الكلام عن تسوية يرتبط بالعكس.

– الرواية الثانية لبعض قيادات المعارضة هي الحديث عن عجز روسي وأميركي أمام قرار سوري إيراني بالتشارك مع المقاومة على حسم عسكري بدأت مفاعيله، وحسابات خاطئة للمعارضة حول حجم الموقف الأميركي والروسي. فأميركا لن تتدخّل وقد تبلغت المعارضة ذلك رسمياً بوثيقة من القيادة العسكرية الأميركية، وروسيا منشغلة بالمونديال كما يقولون، ويستندون بقولهم هذا إلى ما وصلهم من الروس من تمنيات بتأجيل كلّ البحث بالتسوية لما بعد المونديال. وتضيف الرواية أنّ الأميركيين الذين يؤكدون أن لا قدرة لهم على التأثير لوقف الحسم العسكري إلا بالتحدث مع روسيا، وروسيا منشغلة، فيصير الرهان على صمود حتى ينتهي المونديال وبعدها يمكن أن يتغيّر الوضع كما يوزعون التمنيات ومعها يطلبون المعنويات.

– الحدث الفاصل الذي يحسم النقاش هو الإعلان الإسرائيلي عن طائرة استطلاع سورية حلقت فوق الجليل، وأطلق باتجاهها أكثر من صاروخ باتريوت لإسقاطها، وانتهى الأمر بعودتها سالمة. وهذا يعني أنّ الرسالة السورية لـ«إسرائيل» واضحة بقوّتها ونياتها إذا تدخلت في المواجهة الدائرة، بمثل ما يعني أن لا تفاهمات تظلل المعارك الدائرة، وأنّ القرار السوري السيادي الذي يتفهّمه الروس ولا يلبثون أن يشاركوا في تطبيقه، هو الذي يرسم روزنامة المعارك في سورية منذ معركة حلب، حتى الغوطة وما بينهما، وأنّ الحليفين الإيراني والمقاوم يتحرّكان وفقاً لهذه الروزنامة، وبطلب من القيادة السورية، وأنّ الأبواب التي فتحت للتسوية لا تزال مفتوحة، لكن بشروط سورية فقط. والدليل هو ما جرى قرب قاعدة التنف الأميركية من اشتباك سوري أميركي.

– لحكاية المونديال معناها في الروايات الخاصة بالحروب، ففي العام 1982 سادت رواية في الأوساط العربية قوامها أنّ الإسرائيليين استغلوا انشغال الأميركيين والعالم بالمونديال وقاموا بغزو لبنان واحتلال عاصمته. وكما يبدو اليوم فهي رواية الضعيف لتجسيد أسطورة القوي، ولا مانع إذن من تكرارها اليوم على لسان جماعات المعارضة المهزومة، عن علاقة سورية بحليفها الروسي طالما أنها تعبّر عن هذه الحالة من الإعلان عن أسطورة القوة السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى