التسوية الرئاسية 2 … عسيرة الولادة

هتاف دهام

تخبُّط يُحيط بمسار التأليف الحكومي. منسوب التفاؤل إلى الوراء. ثمّة من يقول إنّ عقارب التفاوض عادت إلى نقطة الصفر.

قرّر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري الالتفاف على نتائج الانتخابات النيابية. تقول مصادر مطلعة على أجواء اتصالات ومفاوضات خط بعبدا بيت الوسط.

تعاطى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يوم الجمعة الماضي مع طرح الرئيس المكلف بكثير من الريبة والحذر. فالمسودة أعطت تكتل لبنان القوي 6 وزراء و 3 وزراء لرئيس الجمهورية من الحصة المسيحية التي تبلغ 15 وزيراً، على أن يكون وزير سني من الوزراء السنة الـ 6 من حصة الرئيس عون. في حين أن حصة تكتل الجمهورية القوية 4 وزراء، من ضمنها حقيبة سيادية ومنصب نائب رئيس مجلس الوزراء. ليحصل التكتل الوطني على حقيبة واحدة ستكون من حصة المردة. ليحتكر تيار المستقبل التمثيل السني فيقبض على 5 وزراء سنّة بالإضافة إلى وزير مسيحي من حصة رئيس الحكومة في إطار اللعبة التبادلية بين القصر الجمهوري والسراي. بيد أنّ حصة الثنائي الشيعي الخالية من العقد تكون 6 وزراء من ضمنها وزارة المال لحركة أمل. ليحصر الطرح التمثيل الدرزي باللقاء الديمقراطي.

من غير المنطقي أن يترك الرئيس عون، العرض الحريري يبصر النور، فهو يحوي أكثر من مفخّخة، تنبّهت لها بعبدا قبل أن تنفجر في وجه العهد بعد الولادة الحكومية، تؤكد مصادر التيار الوطني الحر لـ «البناء».

وبناء على لقاء الرئيس عون الحريري، فإنّ الأمور تراوح مكانها. وعلى عكس اللقاءات السابقة بين رئيس الجمهورية ورئيس تيار المستقبل، فإنّ جلسة الجمعة لم تكن انسيابية وطغت عليها الأجواء الجدّية غير المريحة.

يتصرّف الشيخ سعد على قاعدة أنه فاز بكلّ المقاعد السنية، وحقق حلفه انتصاراً كبيراً. برز ذلك خلال تعاطيه مع العناوين الثلاثة المختلف عليها والمتصلة بتمثيل حزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وسنة المعارضة وكتلة الوسط.

بالنسبة إلى العونيين، فإنّ الأساس في الخلاف مع وادي أبو جميل، يكمن في طريقة مقاربة الحريري للعنوان المسيحي المسيحي. وهذا يؤكد أنّ لقاء باريس بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل كان فاشلاً. وترجمة الفشل برزت خلال الورقة الحريرية التي وضعت في متناول بعبدا.

وبناء على ما تقدّم، فإنّ الكباش السياسي الكبير يتصل بالتموضع المسيحي داخل الحكومة الجديدة وتعاطي الحريري مع هذا الأمر. فاحتضان توريث الدكتور سمير جعجع للساحة المسيحية في المرحلة المقبلة سيكون بمثابة خطوة إلى الوراء في العلاقة مع الرئيس عون والنائب البتروني، تقول مصادر التيار البرتقالي نفسها.

بات واضحاً أنّ المعركة تدور على قيادة الساحة المسيحية في المستقبل. فرئيس حزب القوات كان واضحاً من بيت الوسط مساء أمس، عندما أكد أنّ هناك انتخابات حصلت وأفرزت أحجاماً جديدة لا يمكن تجاهلها وأنّ تسهيل تشكيل الحكومة لا يعني أن نترك الآخرين «يركبون» على أكتافنا».

ولما كانت التسوية الرئاسية 1 في أول سنة ونصف من عمر العهد مرّت بسلاسة وبإيجابية، فإنّ التسوية الرئاسية 2 لا تزال حتى الآن عسيرة الولادة.

لقد أحدث غياب ملائكة المدير السابق لمكتب الرئيس المكلف نادر الحريري عن المسرح الأزرق فراغاً كبيراً على خط بعبدا والرابية السراي. ثمّة مَن يعتبر أنّ العلاقة بين الحريري وباسيل تكمن فيها الشياطين، خاصة في مفاوضات التأليف الداعمة للقوات وملف النازحين، تقول أوساط سياسية بارزة.

ورغم كلّ ما تقدم، من الخطأ حصر العقبات فقط في معراب والرابية، فالتمثيل السني من المفترض أن يُنوَّع. نتائج الانتخابات النيابية ضربت زمن الاحتكار عُرض الحائط. وعليه فإنّ الرئيس نجيب ميقاتي الذي تعاطى بإيجابية في تسميته الحريري لتأليف الحكومة، ولم يرفع سقف مطالبه، لن يقبل أن يكون خارج الحكومة لما يمثله من حيثية، فكتلته تتألف من أربعة نواب. وبالتالي حصولها على حقيبة وزارية ليس منّة من أحد.

أما في ما خصّ المعارضة السنية، فإنّ مصادرها تدعو إلى انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من مفاوضات لا سيما أنّ الأجواء لا توحي أنّ الحكومة على الأبواب، مع تلميحها إلى أنّ تمثيلها حق لها، وأنّ حزب الله لن يسمح بأيّ تشاطر، فهو متمسّك بحسن التمثيل الحكومي بما يتناسب مع التمثيل النيابي والمناطقي، ويطالب بمشاركة القوى كافة بحسب حيثياتها، وبحسب خصوصيات مناطقها وعدم الإلغاء والاحتكار.

وسط هذه الحدة في الصراع، تشدّد أوساط مقرّبة من الثنائي الشيعي لـ «البناء» على أنّ رئيس المجلس النيابي الذي سيغادر إلى إيطاليا في زيارة تستمر عشرة أيام، لن يلعب أيّ دور بين الحريري وعون. سيتخذ الرئيس بري موقع المتفرّج لا سيما أنّ العقدة ليست عند حركة أمل وحزب الله. فالعقد في بعبدا وبيت الوسط.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى