السيد نصرالله يُعلي السقف واهتمام «بالغ» من حزب الله بتفاصيل حكومية

روزانا رمّال

لم يكن مطروحاً أن يتحدّث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في هذا التوقيت بما يقلب الأوراق المحلية رأساً على عقب لجهة النظرة الى ذهنية حزب الله القابلة لرفع الأسقف بموضوع الحصص وتمثيل الأحزاب بالمقاعد الوزارية، وفق الانتخاب وعنوانها العريض «النسبية».

النسبية التي تفترض تتويجها وزارياً، كما توّجت نيابياً، تعني رفع نسبة تمثيل بعض القوى وخفض أخرى بعد المفاجأت الكبيرة التي حققها قانون الانتخاب الجديد، مع العلم أنّ أغلب الأحزاب شهدت متغيّرات في مستوى التمثيل، وتلفت بهذا الإطار نتيجة حققها حزب القوات اللبنانية.

لا ينكر السيد نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري الحليف الأول أنّ التمثيل يفترض ان يكون موزعاً وفق هذه المتغيّرات، لكن في الوقت نفسه يكشف الحزب عن استعداد دائم في أغلب ما يحيط بالحركة السياسية المرافقة بتشكيل الحكومة ليونة أقرب إلى التنازل عن حصص أو أنواع حقائب وحتى عدد وزارات، فكم من مرة أسند حقائب السيادة إلى حلفائه وحصره بها وكم مرة أفرز من حصته مقعداً ليمثل بها حليفاً قريباً او صديقاً وقف معه وقفات تطلب رداً وبعضاً من الوقوف عند الخاطر؟

كلّ شيء تغيّر اليوم بإعلان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وبعنوان عريض مبدأ «العين بالعين والسن بالسن»، وربما يكون البادي أظلم، وحبّذا أن لا تكون القوات اللبنانية هي المقصودة ومعها تيار المستقبل وقوى حليفة لا تدرك حتى اللحظة أنّ نتيجة الانتخابات حصدت مقاعد أكثرية مؤيدة لحزب الله.

القوات اللبنانية التي تدرك تماماً أنها الاسم الاكثر ارتباطاً بتشكيلة حكومية تحفظ للسعودية ماء الوجه بعد خسارة تيار المستقبل في الانتخابات في مناطق حساسة لصالحها، تعرف أيضاً انّ السيد نصرالله اعلن ما لم يكن بالحسبان بقوله «المتغيّرات الإقليمية لمصلحة محورنا وفي موضوع المعايير ندعو الى التزام دقيق بنتائج الانتخابات، معيار واحد يسري على الجميع، علينا وعلى غيرنا، واذا لم يكن هناك معيار موحّد للتمثيل بالحكومة أنا من الناس وبالتفاهم مع الرئيس بري سنطالب بزيادة حجم وزرائنا. فحجمنا في مجلس النواب يتم تمثيله بأكثر من 6 وزراء»!

وبعد… وبعد التلميح ناصحاً بأن لا ينتظر أحد تطورات المنطقة لتسهيل التشكيل لأنها تطوّرات تصبّ لصالحه، يبرّئ امين عام حزب الله الرئيس المكلف سعد الحريري من هذه التهمة بشكل لافت ويقول «لا اتهم الرئيس المكلف في هذا الإطار، بل آخرين يراهنون على التغييرات، وفي كلّ الأحوال عندما ندعو الى الإسراع في التشكيل ننطلق من حسابات ومصالح وحاجات وطنية ترتبط بعدم السماح للفراغ في السلطة، وحرصاً على الوضع الاقتصادي والمعيشي».

ومن بعد تحديد العامل الخارجي والداخلي العددي يعود ليشرح أكثر عن معيار اعتماد عدد المقاعد وفق النتيجة الجديدة التي يُصرّ السيد نصرالله على الالتفات اليها هذه المرّة ليكون وحده معيار الحصص ما أنتجته الانتخابات، فيُقال مثلاً إنّ كلّ أربعة أو خمسة او ستة نواب يحصل على عدد محدّد من الوزارات او مثلاً هناك معيار آخر.

للمرة الأولى يعلي السيد نصرالله «سقف» التفاوض ويعلن حزبه «شريكاً» جدياً في الحكومة منذ بداية «التكوين». فهي ربما حكومة «الانتصار» الأولى ليلاحظ ذكره لتوزير الأقليات كالسريان او العلويين وانطلاقه منها لشرح «معنى» حكومة الوحدة الوطنية التي لم يقتنع السيد نصرالله بشكل عرضها والتي تحمل مطاطية تفسيرات الأحزاب، خصوصاً أنّ الصيغ الحكومية المقدّمة من الرئيس الحريري الى رئيس الجمهورية ميشال عون أبعد ما تكون عن صيغ حكومة وحدة وطنية، بدليل الإصرار، حسب السيد نصرالله على استبعاد التمثيل العلوي أو السرياني، فلا تصحّ تسميتها كذلك بدون إشراك كلّ هؤلاء وإلا تسمّى الحكومة حكومة ذات تمثيل حزبي أو سياسي واسع وليس حكومة وحدة وطنية.

انتهى الاقتباس والتوضيح، لكن ما خلف الخطاب وتوقيته هو رسم رؤية حزب الله مستقبلاً التي يرغب بالتعاطي مع الحكومة عبرها. وهو اهتمام «بالغ» بالحكومة هذه المرة، بحيث يبدو أنها قد وضعت بالنسبة إليه ضمن عنوان «حكومة الإنجاز». فبعد اليوم ليس حزب الله ذلك الذي «يزهد» في التمثيل والحصول على وزارات خدمية لتقديمها لجمهوره الذي وعده هذه المرة بالكثير. وليس حزب الله الذي يقدّم حصصاً من جيبه لتسهيل تشكيل الحكومة. فهذه المرة هو منتصر ويبدو أنّ السيد نصرالله طرح تحذيراً لتعقيد جديد يمكن أن يطرأ على الطاولة. وهو «عقدة» حزب الله إذا استمرّ الحديث وفق معيار التمثيل النيابي واحتساب المقاعد الوزارية من خلالها.

هذا الاهتمام البالغ بتشكيل الحكومة أو بأدق تفاصيله مع ما تحمله المعلومات من متابعة مباشرة لحزب الله لأجوائها عبر الحلفاء تعني جدية في طرح ملف «الفساد» وغيره من الملفات التي ستنشّط حضوره في مجلس الوزراء الى العلن. وهذا الأمر بدأ منذ اللحظة، حتى انّ خطاب السيد نصرالله الذي تطرق فيه الى البقاع وبعلبك والأحداث الأمنية واقع ضمن هذا الإطار الذي تعهّد عبره للمواطنين هناك بالثقة به بعد إعطائه أصواتهم علّها تكون الفرصة الأقرب الى تحقيق ما يتمنون.

حزب الله الذي يرفع السقف من خلال هذا الخطاب يؤكد انّ الرابط الإقليمي كبير، وأنّ الحذر الذي كان يتوخاه سابقاً في كلّ مرحلة تشكيل الحكومات. وهو حذر إقليمي انتفى اليوم، واذا كانت بعض القوى مثل 14 آذار تحدثت عما أسمته «وصاية» سورية في وقت محدّد، فالحديث كثير عن عودتها اليوم، لكن المؤكد أنه سيتمّ استبدالها بنفوذ قوي لحزب الله هذه المرة في اللعبة السياسة اللبنانية أبرزه في توضيح نقاط ربما تصبح «شروطاًً» لدخوله الحكومة اذا استمرت الأمور على ما هي عليه.

فهل يكون السقف العالي «منشطاً» يساعد على تسريع عجلة التمثيل فيرتضي الأفرقاء برؤية حزب الله قبل أن تصبح السقوف العالية مطالب جدية؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى