لبنان و«القومي» والمقاومة والحلفاء في وداع علي قانصو… ووسام الأرز الوطنيّ القوات والتيار عودة للتراشق… والتمثيل السنيّ والدرزيّ للواجهة… ولا حكومة

كتب المحرّر السياسيّ

لم تكن ثمة حاجة لاختبار ما سيترتّب على تطبيق إيران لتهديداتها لمعرفة ما سيحدث في سوق النفط العالمية، فأربعة دولارات زيادة في سعر البرميل، كما أعلن وزير النفط السعودي علي النعيمي هي حصيلة يوم واحد من التهديد، الذي بقي غامضاً وتُحيط به التفسيرات والتكهنات. فكيف إذا صار واضحاً وعملياً، وجاءت الردود الأميركية بالاستعداد لحماية ناقلات النفط في الخليج، خصوصاً لعبور مضيق هرمز لتزيد من التوتر والقلق في سوق النفط، وسط ارتباك غربي خليجي عنوانه: كيفية تفادي الخيارات الصعبة والخيارات السيئة، فمقتصيات المواجهة مع إيران إعلامياً وسياسياً وعملياً تناقض متطلبات الحفاظ على الاستقرار في سوق النفط من جهة، والحفاظ على موقع دول الخليج كبديل جاهز لتعويض الناتج عن تناقص مبيعات إيران، والاستقرار النفطي وموقع الخليج فيه محكومان بما سيحدث في مضيق هرمز، الذي بدأت تأثيرات الخوف التجاري من توسّع التوترات فيه تدفع المستوردين للبحث عن مصادر للنفط من خارج منطقة الخليج، تحسباً للأسوأ، في استعادة حال عاشتها أسواق النفط قبل عشر سنوات مع تهديدات مشابهة سبقت الحرب على سورية، التي منحت في بداياتها أعداء إيران الأمل بممرات نفطية بديلة عن العبور في المضيق الذي تمسك إيران بعنق الملاحة فيه.

في تطورات الميدان السوري نجاحات جديدة للجيش السوري وضعته على طرف الحدود مع الأردن من جهة معبر نصيب الحدودي، ومعارك داخل مدينة درعا وعلى أطراف العديد من البلدات والقرى، فيما لا تزال المساعي الروسية الأردنية لإقناع الجماعات المسلحة بالتسليم بالهزيمة والانضواء بشروط تسوية تحول دون تدفيع المدنيين فاتورة مكابرة لا أمل منها، والتسبّب بالمزيد من الخراب والتهجير.

في لبنان وداع رسمي وسياسي وشعبي للقائد القومي الأمين الوزير علي قانصو، شارك فيه ممثلون عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ممثلاً بالوزير نقولا تويني ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ممثلاً بالنائب علي بزي ورئيس الحكومة سعد الحريري ممثلاً بالوزير نهاد المشنوق ومثّل السفير السوري علي عبد الكريم علي الرئيس السوري بشار الأسد. وحضرت قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي يتقدّمها رئيس الحزب حنا الناشف ورئيس المجلس الأعلى أسعد حردان، كما حضر ممثلو الأحزاب الوطنية والحلفاء، والمقاومة ممثلة برئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ممثلاً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وقلّد رئيس الجمهورية الراحل الكبير وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر.

حكومياً، انفلت حبل الخلافات على الغارب منبئاً بانتظار طويل لولادة الحكومة الجديدة، حيث عاد التراشق الإعلامي بقوة على جبهة التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وحضر في المشهد بقوة أيضاً حراك عنوانه التمثيل النسي والدرزي من خارج كتلتي تيار المستقبل واللقاء الديمقراطي، وبدا أن الانتظارات المسقوفة بموعد عودة رئيس الحكومة من إجازته مدعوّة للمزيد من التمديد، مع كلام متداول عن ترحيل تشكيل الحكومة لما بعد نهاية الشهر الحالي.

شيّع الحزب السوري القومي الاجتماعي وأهالي الدوير والجنوب الأمين المناضل الوزير علي قانصو بمشاركة رسمية وحزبية وشعبية حاشدة، بحضور ممثلين عن الرؤساء الثلاثة ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف ورئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان وأعضاء القيادة الحزبية وجمع من الشخصيات الوزارية والنيابية والحزبية والعسكرية وحشد من القوميين والمواطنين.

وألقى ممثل رئيس الجمهورية الوزير نقولا تويني كلمة مقتضبة أعلن فيها منح الراحل الكبير أرفع الأوسمة في الجمهورية اللبنانية وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر .

فعلتها «القوات»: اتفاق «معراب» إلى العلن

لم يُسجِل المشهد السياسي أمس، أي حراك على صعيد تأليف الحكومة، إذ غابت الاتصالات واللقاءات وانصرف المعنيون بالتشكيل الى إجازاتهم الخاصة ودخلت معهم البلاد في إجازة أيضاً، إلى حين عودة الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الى بيروت.

وبُعيد دخول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على خط تهدئة الجبهات السياسية والإعلامية بهدف تحضير المسرح الداخلي لعودة آمنة ومرنة لمفاوضات ومشاورات التأليف، لم تَصمُد الهدنة المؤقتة أمام عودة التصعيد بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» وسط مخاوف من سقوط هذه «الهدنة الهشة» لا سيما مع تنفيذ «القوات» تهديدها بإخراج مضمون اتفاق معراب الى العلن، رداً على تلميح الوزير باسيل أمس الأول، في حواره على قناة «أم تي في» بأنه سيكشف عن مضمون التفاهم، فسارعت «القوات» وفعلتها قبل أن يفعلها باسيل، ما يطرح السؤال: أي حكومة ستولد في ظل هذا التصعيد الساخن والتمترس خلف المواقف السياسية والمطالب والشروط الحكومية؟ الأمر الذي يجعل ولادة الحكومة متعثرة وقد يطول أمده أشهراً، بحسب ما قالت مصادر سياسية لـ«البناء».

وبعد أن هدّدت أكثر من مرة، كشفت «القوات» أمس النقاب عن بنود اتفاق معراب عبر قناة الـ «أم تي في»، وأشارت القناة الى أنّ «الصفحة الثانية من الاتفاق تشير إلى أنّ القوات و التيار يتوزّعان مناصفة المقاعد الوزارية المخصّصة للطائفة المسيحية، في حكومات العهد كافّة، وتلفت إلى أنّ الحقائب السيادية هي: وزارات الخارجية، الدفاع، المالية والداخلية». ولفتت إلى أنّ «الاتفاق ينصّ على توزيع مراكز الفئة الأولى في الإدارات الرسمية والمؤسسة العامة ومجالس الإدارة العائدة للمسيحيين، بالاتفاق بين الجانبين وفقًا لمعيارَيْ الكفاءة والنزاهة»، منوّهةً إلى أنّ «الصفحة الرابعة من الاتفاق، تشير إلى أنّ الجانبين اتّفقا على أن تكون كتلتاهما النيابيتان مؤيدتين لرئيس الجمهورية، وعاملتين على إنجاح عهده، من خلال مكافحة الفساد ، تحقيق الإصلاح المنشود، تحقيق المصالحة الوطنية، تعزيز الدور المسيحي الوطني وصلاحيات رئيس الجمهورية».

وإذ لم يخرج موقفٌ من التيار الوطني الحرّ تعليقاً عما سرّبته «القوات»، وضعت مصادر وزارية خطوة «القوات» في إطار الضغط على الرئيس عون لتقديم تنازلات في مسألة تأليف الحكومة، وتأتي في سياق تخويف اللبنانيين من الانهيار الاقتصادي إذا لم تشكّل الحكومة، متسائلة: هل تمّ تأليف حكومة في لبنان خلال شهر أو شهرين؟ فلماذا هذا التهويل والضغط؟ هل يرمي الى دفع الكرة الى ملعب رئاسة الجمهورية وإظهار بأن عون هو المعطّل؟

ولفتت أوساط وزارية سابقة مقرّبة من بعبدا لـ «البناء» الى أن «ما يُسمّى صراع على الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة مصطنع لعرقلة تأليف الحكومة من جهة، والضغط على عون من جهة ثانية، لانتزاع مكاسب في الحصص الوزارية»، ولفتت إلى أن «الدستور واضح لجهة تحديد صلاحية كل من الرئيسين، ولا يجب أن يمسّ أحد صلاحية الآخر»، وأبدت الأوساط استغرابها لإثارة مسألة حصة رئيس الجمهورية، متسائلة: ماذا يمنع أن يأخذ الرئيس حصة في الحكومة؟ ولماذا إذن أعطاه الدستور صلاحية توقيع مرسوم تأليف الحكومة؟ ما هي قيمة هذه الصلاحية إن لم تترجم في تأثير رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء عبر مجموعة من الوزراء تمثله؟

وأوضحت بأن «هناك ثغرات عدة في دستور الطائف أبرزها عدم تحديد مهلة لتأليف الحكومة وعدم اجتماع مجلس الوزراء من دون رئيسه حتى في الحالات الاستثنائية».

وعلى صعيد مرسوم الجنسية، أوضحت الأوساط بأن «البتّ بمرسوم الجنسية بعد تقرير الأمن العام يعود الى رئيس الجمهورية ويستطيع أن يمنح الجنسية لمن يريد شرط عدم مخالفته القانون»، ورجّحت أن «يبادر عون الى شطب بعض الأسماء المخالفة للقانون من المرسوم بحسب توصية الأمن العام على أن يصبح المرسوم نافذاً».

لقاء جعجع باسيل الضحية الأولى؟

ويبدو أن سجال التيار – القوات سيملأ الوقت الضائع حتى عودة حركة التأليف الى مجراها الطبيعي الأسبوع المقبل، لكن اللافت هو تزامن الكشف عن بنود اتفاق معراب مع حملة قواتية عنيفة ومبرمجة على النائب باسيل والتيار الوطني شارك فيها أكثر من نائب «قواتي»، ما يؤشر الى أن لقاء باسيل – رئيس القوات سمير جعجع المرتَقب سيكون الضحية الأولى لهذا التصعيد، فهل تكون الحكومة الضحية الثانية؟

ولفت نائب رئيس القوات جورج عدوان ، إلى أنّ «اتفاق معراب ليس «menu»، بل هو طبق رئيسي. نحن اتّفقنا على أن نقوم باللازم لإيصال العماد ميشال عون إلى موقع رئاسة الجمهورية ، مقابل الشراكة الكاملة في هذا العهد»، مبيّنًا «أنّنا قمنا بما علينا وأكثر، لكن غيرنا لا يريد الالتزام بما اتفق عليه»، مؤكّدًا «أنّنا متساوون مع « التيار الوطني الحر » بالتمثيل الشعبي». وشدّد في حديث تلفزيوني، على أنّ الفوقية لا تنفع معنا، ولا ننتظر من باسيل، إلا الالتزام باتفاق معراب»، مبيّنًا أنّ «حصول اللّقاء بين باسيل وجعجع ليس مهمًّا ولا نسعى له».

وفي سياق ذلك، سُجّل سجال حاد بين نائب رئيس الحكومة وزير الصحة العامة غسان حاصباني من جهة، وبين وزير الطاقة سيزار أبي خليل، حيث تبادلا الاتهامات بالفشل في الأداء الوزاري في الحكومة الحالية، حيث خاطب حاصباني باسيل بالقول: «في أي عالم تعيش؟».

الى ذلك، يبدو أن مفاعيل اتصال وزير الخارجية الأميركي بالرئيس الحريري بدأت تترجَم في الواقع الداخلي، من خلال ربط تأليف الحكومة بمسألة سلاح المقاومة ودور ووجود حزب الله في سورية وبالتطورات السورية وبالتسوية في المنطقة، وكانت لافتة عودة الحديث عن سياسة النأي بالنفس، من النائب القواتي وهبي قاطيشا الذي أكد أن «الأولوية في المرحلة المقبلة يجب أن تكون التشدّد في سياسة النأي بالنفس ، حرصاً على الاستقرار في لبنان من انعكاسات الأحداث الإقليمية التي تشهد تطوّرات غير مسبوقة، وتوقع أن يشكّل لقاء القمة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين حسماً للمسألة السورية لجهة إخراج النفوذ الإيراني من سورية ». ما يعكس بوضوح رهان القوات والمستقبل على نتائج التصعيد الأميركي في سورية واليمن على لبنان.

«الديموقراطي» لجنبلاط: لن نمنحك الميثاقية الدرزية

ويبدو أن دائرة التعقيدات لم تنحسر بعد موقف النائب وليد جنبلاط من بعبدا، وتأكيده التمسك بالحصة الدرزية كاملة دون أي مساومة أو تنازل، غير أن مصادر الحزب الديموقراطي اللبناني أكدت لـ «البناء» أن «لا حوار جدي حول العقدة الدرزية»، مشيرة الى أن «الحزب الديموقراطي متمسّك بتمثيل الحزب بالأمير طلال أرسلان أو مَن يسمّيه أرسلان»، مشددة على أننا «لا يمكن أن نمنح جنبلاط الميثاقية الدرزية في الحكومة»، مشيرة الى أن «الهم الأساس عند جنبلاط هو أن يتحوّل بيضة القبان في مجلس الوزراء بعد أن لعب هذا الدور في المجلس النيابي»، محذّرة من أن «حصوله على ثلاثة وزراء دروز يمكنه من تعطيل عمل الحكومة وشلّها»، موضحة أن «أي طرف سياسي لا يملك حصرية تمثيل طائفته باستثناء الثنائي الشيعي، بحسب نتائج الانتخابات، فلا يمكن تكريس الأحادية في الطوائف بعد الانتخابات».

وعن قول جنبلاط بأن كتلة ضمانة الجبل كانت استعارة لتوزير أرسلان، قالت المصادر: ألا يوجد 3 نواب في كتلة جنبلاط هم استعارة ايضاً؟

وإذ علمت «البناء» أن باسيل مصرّ على توزير أرسلان، أشار النائب ألان عون تعليقاً على لقاء عون – جنبلاط ، الى أنه من الأفضل معالجة ملف تشكيل الحكومة بالحوار بدل جو التشنج القائم اليوم. وسأل «هل الواقع التمثيلي للاشتراكي يسمح لأن يكون وحيداً على الساحة الدرزية ولا يوجد شريك له؟ أضاف هل ميثاقي أن ينجح نائب مسيحي في اللقاء الديمقراطي بـ200 صوت مسيحي في الجبل؟ وإذا تكلّمنا بهذا المعيار التمثيلي فليتمّ رد هذا النائب للمسيحيين».

العقدة السنية إلى الواجهة

ومع مراوحة المفاوضات حول العقدتين المسيحية والدرزية، عادت عقدة تجاهل الرئيس المكلف النواب السنة خارج تياره من التمثيل في الحكومة الى الواجهة بقوة، مع إصرار اللقاء التشاوري للنواب السنّة الذين عقدوا اجتماعهم الثاني أمس، في دارة النائب فيصل كرامي على تمثيلهم بوزير أو وزيرين.

وحضر الاجتماع النواب عبد الرحيم مراد وجهاد الصمد وعدنان طرابلسي وقاسم هاشم والوليد سكرية وفيصل كرامي الذي أكد «الحق بأن يتمثل النواب السنّة المستقلون في حكومة الوحدة الوطنية، تكريساً لفكرة الوحدة الوطنية أولاً، ثم لضرورة التوازن النسبي ضمن الطوائف وفق نتائج الانتخابات».

أضاف كرامي «نحن اليوم 6 نواب نجتمع في إطار لقاء دوري وتشاوري ونحن موجودون ونطالب بالتمثيل بوزيرين يمثلان النواب الـ10 خارج تيار المستقبل». ويعقد اللقاء اجتماعاً جديداً له الثلثاء المقبل في مجلس النواب.

وقد برز تصريح لوزير المال علي حسن خليل حذّر فيه من رفع سقف مطالب حركة أمل وحزب الله في الحكومة إذا استمرّ الآخرون بفعل ذلك، وشدّد في احتفال لـ«أمل» في الجنوب، على أن «العقلية التي تدار بها عملية تشكيل الحكومة لا توحي بالثقة ولا تبني وطناً ولا مؤسسات، ولا تؤسس لمناخ إنقاذي للوطن. لهذا نقول إننا قدّمنا ما علينا. فلا تجعلونا نعيد حساباتنا بحسب القواعد التي تطرحونها لتشكيل الحكومة».

ولفت إلى أننا «نحن كحركة أمل وحزب الله قدمنا أقصى ما يمكن أن يقدمه طرف سياسي، في موضوع تشكيل الحكومة، ولنا الحق بأكثر مما قبلنا به بكثير. لكننا لم نتعاطَ مع المسألة على أساس رفع الأسقف».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى