الاستشهاد في مدرستنا طريق إلى الحياة

داليدا المولى

نحيي ذكرى استشهاد زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، أنطون سعاده الذي اغتيل فجر الثامن من تموز 1949 وما زالت ذكراه حتى يومنا هذا تخفق في وجدان القوميين الاجتماعيين وأحرار العالم.

واذا كان هذا الاغتيال ليس لشخص فقط بل محاولة لاغتيال قضية وأمة، إلا أنّ مجموعة أحداث رافقت هذه المؤامرة التي شكلت حقبة مفصلية من حياة بلادنا وشعبنا. تلك المراحل التي سبقت اغتيال سعاده تركزت بتقسيم سورية بين الاحتلال الفرنسي والبريطاني عقب تراجع الاحتلال التركي، عبر ما عرف باتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور القاضي بإنشاء دولة لليهود في جنوب سورية، تلاها نشوء دويلات كيانية وملّية في سورية وتنازل عن بقاع واسعة من أرضنا في الشمال للأتراك.

شكل تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الخطة المعاكسة لهذه المشاريع في بلادنا، باعتباره حركة نهضة سوريّة أصيلة تخرج شعبنا من الفوضى والتخبّط الذي وقع به على اثر الاحتلالات المتتالية نحو الوضوح بفهم الهوية القومية واتخاذ سياسات تحرّرية تحفظ سيادة الأمة ووحدتها.

جاءت عودة سعاده من المنفى أو ما عُرف بالمغترب القسري في وقت مفصلي حيث كانت الهجرة اليهودية في أوجها، تلاها بعد عام احتلال فلسطين وإعلان قيام الدولة اليهودية لينكشف معها حجم التآمر المحلي والعربي وليطلق سعاده مقاومة قومية شاملة معلناً «أنّ القومييين الاجتماعيين هم في حالة حرب حتى تحرير فلسطين» ومن ثم دعوته لاستخدام النفط كسلاح دولي للضغط على الدول الغربية لوقف دعمها لليهود ووقوفه في وجه اتفاقية مدّ أنابيب النفط «التابلاين».

هذه الحركة القومية الشاملة هدّدت مصالح جهات متعدّدة فكانت المؤامرة الأولى بإحراق مطبعة الحزب في الجميزة من قبل مجموعات طائفية مسعورة كان هدفها اغتيال سعاده، باءت بالفشل، تلتها اعتقالات وملاحقات للقوميين الاجتماعيين من قبل السلطات اللبنانية حينها، مما دفع سعاده لإعلان الثورة القومية الاجتماعية تلاها اعتقاله في مؤامرة اشتركت فيها السلطات اللبنانية حينها وحسني الزعيم في دمشق والدولة اليهودية ودول عربية وغربية عدة، حيث ألقي القبض عليه في دمشق وسلّم للسلطات اللبنانية وحوكم في محاكمة صورية وأعدم في أقلّ من 48 ساعة على اعتقاله حيث سجلت محاكمته وصمة عار على جبين التاريخ والإنسانية.

استشهد أنطون سعاده فجر الثامن من تموز ومعه ثمانية من رفقائه ما بين الخامس والواحد والعشرين منه وهم: عساف كرم، محمد الزعبي، معروف موفق، عبد الحفيظ علامة، أديب الجدع، محمد الشلبي، عباس حمّاد ومحمد ملاعب.

اغتيل سعاده إنما لا ينفك الثامن من تموز يعزز فينا معنى التضحية والعطاء والفداء من أجل العقيدة. إنه الوقفة المستمرة مع الذات وأمام القسم. وبفخر ننظر إلى أنفسنا ونزداد قناعة بانتمائنا وهويتنا وأحقية الصراع في سبيل تحصين بلادنا وسيادتها واستقلالها.

فجر الثامن من تموز، تمكن الجبناء أن يغتالوا جسداً، ظناً أنّ اغتيال الجسد يُذهب القضية. هزل من اعتقد بأنّ القضايا تختصر بحادثة. استمرّ سعاده نهجاً وفكراً ونضالاً واستمرّ الحزب السوري القومي الاجتماعي مؤسّسة نضالية منظمة تسجل وقفات العزّ عند كلّ مفصل من تاريخ بلادنا.

بقدوة زعيمنا، نخوض معاركنا بشرف، ننتصر بمبادئنا، نواجه النكبات شامخي الجبين مدركين أنّ في عملنا حقاً وأننا بناة هذه الأمة وعزّها. حملنا أمانة الدماء، فكانت أكتافنا أكتاف جبابرة، على قدر ثقة صاحب الدماء التي ما نضبت منذ الثامن من تموز 1949 حتى يومنا هذا وتلك الشرايين التي انتفضت منها تلك الدماء باتت ينبوعاً من الفداء.

إنّ حفظ الوصية والدماء يعني أن نسير بوحدة الروح والهدف والاتجاه، انّ سعاده قد استشهد أما حزبه باق ومعطاء تحفظه العقول النيرة والقلوب المؤمنة والزنود العازمة، وما محاولات استهداف هذه المؤسسة إلا امتداد لذلك الاغتيال التموزي وما المارد الذي انتفض من الرماد إلا حزباً قوياً وفاعلاً ومنتصراً على كافة الجبهات.

أيها السوريون القوميون الاجتماعيون

كونوا بارّين بقسمكم، واحفظوا حزبكم الذي بُنيت أصرحته على أكتاف الآلاف من الشهداء والمناضلين مقتدين بالفدائي الأوّل. انّ الحرية أبقى من العبودية، والنظام انتصار على الفوضى، والتضحية واجب وبها قوّتنا ونصرنا، إنها أمانة الدماء وما حمّلنا إياه سعاده زاداً لنا في طريقنا مهما طالت، لأنه كان على ثقة بأنّ في الحزب السوري القومي الاجتماعي حياة سورية وفي حياتها انتصار وبانتصارها سيأتي الانتقام لموته.

سعاده القائد التغييري لم يرضَ المساومة. حمل مشروعاً نهضوياً ليس على صعيد الأفكار والمفاهيم وحسب إنما أيضاً على صعيد النظم والمؤسسات والاجتماع السياسي والمصالح القومية.

أيها السوريون القوميون الاجتماعيون

انّ قوميتنا هي الروحية الواحدة والشعور الواحد المنبثق من الأم، من وحدة الحياة في مجرى الزمان، هي العوامل النفسيّة المنبثقة من روابط الحياة الاجتماعية الموروثة والمعهودة التي قد تطغى عليها، في ضعف تنبّهها زعازع الدعاوات والاعتقادات السياسية، ولكنها لا تلبث ان تستيقظ في سكون الليل وساعات التأمّل والنجوى.

هذه السيرة الصراعية التي لا تهادن ولا تعرف التراجع أو الحياد شكّلت نهجاً سار عليه الحزب ومنارة الصراع في بلادنا من فلسطين إلى الشام ولبنان والعراق في مواجهة يهود الداخل والخارج وكلّ مشاريع التقسيم والتفكيك.

إنّ مهمة القوميين الاجتماعيين في الوطن وعبر الحدود هي إطلاق حركة العقل كما أرادها سعاده وصون المؤسسة الحزبية ورفدها بالجهد والعطاء، وبذلك نكون أوفياء لا لمنهج سعاده فحسب، بل لجوهر رسالته ولما جاء من أجله وأقسمنا عليه.

لسنا بمتنازلين عن حقنا في الحياة الكريمة، انّ الاستشهاد في مدرستنا هو طريق إلى الحياة، حياة مجتمعنا وأجيالنا الاتية، سنبقى نعمل في سبيل خير سورية وخير إنسانها، وسيبقى هتافنا يدوي أبداً بأن: تحيا سورية… تحيا سورية.

بيان عميدة الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي في الثامن من تموز

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى