12 تموز.. الجنوب مرة ثانية

روزانا رمّال

المنطق الإسرائيلي الذي يأخذ نحو استبدال الخطط بأخرى أقل تكاليف وخسائر لا يزال المنطق السائد والمعمول به حتى اليوم الذي لا يبدو فيه أن القيادة العسكرية الإسرائيلية قد توصّلت الى مفهوم الانكفاء، عملاً بفشل خطة التوسّع باتجاه الجنوب مرة جديدة عام 2006. والدليل اليوم يأتي عبر تجنيد قوى مسلحة لتلفّ الحدود السورية الجنوبية انطلاقاً من مبدأ الاجتياح الأخير نفسه لقرى جنوب لبنان في الحرب التي ندخل اليوم في ذكراها الثانية عشرة. وهي محطة لا تزال تقف عندها كل المحاولات الإسرائيلية في تطوير منظومة الحماية التي صارت تتراوح اليوم بين جدران عازلة أو جماعات مسلحة مقاتلة بدون تعريض القوة العسكرية الإسرائيلية للخطر الحدودي القابل الى تفجير الأوضاع أسرع من أي بقعة داخل الاراضي المحتلة. فغالباً ما تتكفل معارك الحدود بكسر «الهدن» المعمول بها.

قرار الـ 1701 الذي يعتبر نوعاً من الهدنة المؤقتة وهو وقف الأعمال العسكرية لم يحمِ لبنان بالكامل من الطلعات الجوية الإسرائيلية. وفي هذا التوقيت بالذات من ذكرى حرب تموز تفيد قراءة هذا القرار ونسبة الالتزام فيه من الجهتين اللبنانية والإسرائيلية ليتبين المستوى الكبير للخروق الذي يقف امامها لبنان عاجزاً عن أي تعليق أممي حتى فتصير العودة الى طاولة الحوار لطرح فكرة الاستراتيجية الدفاعية انطلاقاً من سحب سلاح حزب الله أبعد ويصبح مبدأ الاعتماد على الحلول الأممية أكثر قلقاً. كيف بالحال بعد التجربة السورية العميقة لمدة 8 سنوات التي أعطت دروساً كبيرة وعبر حول عجز الأمم المتحدة عن إيقاف حمام الدم الذي خضّ معظم الأراضي السورية على مرأى ومسمع الجميع.

المشكلة أن المؤسسة الأممية لم تعُد مؤسسة تصنع الحل إنما الجهة التي تتوّج عبرها رسمياً اتفاقات نهاية المعارك بعد أن يستنفد المتناحرون كل السبل. فلا هي الضامن ولا المعرقل لأي تسوية. رغبة الاطراف وحدها هي التي تحكم نجاح أي قرار أممي. وهي اليوم رهينة ميزان القوى، فبالنسبة لالتزام «إسرائيل» بعدم الاستمرار بالطاعات الجوية مثلاً. فهذا يعتمد فقط على قوة لبنان وهالته السياسة والعسكرية في العالم ليتبيّن غياب هذا الخيار بالكامل كحقيقة ومنطق يحكم أغلب الدول العربية، إلا أن هذا لا يسري بالكامل على سورية بوجود ضوابط إسرائيلية تجعل من الطلعات الجوية واقعة ضمن ضرورات «الحرب» وحتى اعترافاً بشنّ عدوان إسرائيلي عليها وليس اعتبار سورية ممراً مثل ما يتمّ التعاطي مع لبنان الذي تمّ استهداف سورية عبره أكثر من مرة لحسابات إسرائيلية وروادع بالرغم من كل تعدياتها عندما يتعلّق الأمر بدمشق.

في 12 تموز تحضر عملية الوعد الصادق التي تكفّلت بتغيير وجهة نظر الاسرائيليين حيال الحرب مع لبنان. فلم تعُد بعد هذه الواقعة الحرب نزهة، لكن ما هو أبعد هو نتائج لا تزال تعيش حتى هذه اللحظة بين دروس وعبر أطلقتها المقاومة وحلفاؤها. ويستذكر هنا خططاً وافرة للقيادي الكبير في حزب الله عماد مغنية الذي كان يتنقل بكثافة من سورية وإليها قبل اغتياله فيها «كفرسوسة شباط 2008». وأسئلة كثيرة عما كان يقوم بها مغنية هناك بعد انتصار رؤياه في حرب تموز حتى صار حزب الله يعتبره قائد الانتصارَيْن، أي الاول في عام 2000 تحرير الجنوب والثاني عام 2006 هزيمة «إسرائيل». ليأتي الجواب «تنسيق أمني» مع دمشق ظهرت مفاعيله اليوم وانكشفت خططه بين استشراف خطط هجوم إسرائيلية حدودية من الجهة مع لبنان والجهة المقابلة مع سورية ليحكي الجنوب السوري هذه المرة «مرة ثانية»، حكاية انتصار جديد بطعم مماثل. وكأن المكتوب مواجهة الجنوبيين دائماً في البلدين إطماع «إسرائيل» وإفشالها.

حرب الجنوب السورية في ذكرى حرب تموز تكتب خواتيمها مع دخول الجيش السوري درعا البلد وتقدّمه باتجاه حسم معضلة الحرب السورية الأكثر حساسية، ومجدداً يكتب شهر تموز انتصارات لمحور إيران وسورية وحزب الله واقعة ضمن استراتيجيات القتال والمواجهة، واعتبار أن مواجهة «إسرائيل» بأدواتها هو المعيار الأصح في قراءة التطورات.

يحمل الجنوب السوري اليوم مثل جنوب لبنان مشروعاً أممياً مفترضاً أن يتحدث خبراء عن إمكانية ان تتقدم الامم المتحدة باتجاهه لإرساء اتفاق أخير ونهائي يعيد الأمور في تلك المنطقة الى ما كانت عليه قبل الحرب من 8 سنوات. وهذا يعني قراراً يشبه الـ 1701 وحديثاً أيضاً عن قوات حفظ السلام «اندوف» تعيد رسم المشهد على أسس العقد الماضي الذي نجحت فيه الهدنة آنذاك بتقديم نموذج التزام لم تكن الأمم المتحدة الرداع للأسف بل نيات الأطراف المعنية به.

تموز والجنوب حكاية جديدة تكتبها حروف الأزمة وأهل الجنوب اللبناني الذين ينعمون اليوم بهدوء كبير استطاعوا فرض الاستراتيجية الدفاعية التي يرونها الأقدر على حمايتهم حتى يحين موعد تقديم ما يعتبرونه أغلى ما عندهم «سلاح حزب الله» لقاء التزامات لبنان الدولية. ومن اليوم حتى ذلك الوقت تقدم سورية نموذجاً جديداً عن نجاح التنسيق بين دولة ومنظمة مقاتلة مقاومة كحزب الله، ناقلة التجربة الى روسيا التي عايشت وجنودها مع عناصر في حزب الله تفاصيل الحرب على الأرض نفسها وتشاطرت معهم المحاذير كافة.

تموز والجنوب مرة ثانية… تجربة مكرّرة من منظار، لكن بمنظار حلف متكامل العناصر وأكثر مناعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى