قمة بوتين ترامب الإثنين… وتفاهمات روسية إيرانية على القوقاز ومحيط قزوين وأفغانستان مسودة الحريري الحكومية لم تلقَ قبول جنبلاط… ولم تُعرَض على باسيل… وعون ينتظر

كتب المحرّر السياسيّ

شكّل الانفجار الشعبي في العراق جرس إنذار لوجود مخاطر كامنة بسيطرة الفوضى السياسية والأمنية بنتيجة الاستعصاء الحكومي من جهة، وتفشي الفساد وتدهور الأحوال المعيشية من جهة أخرى، ما يخلق مناخات من الغضب والإحباط يسهل تحوّلها إلى موجات سخط في الشارع ويصعب ضبطها ومنع تحوّلها فوضى أمنية. وهذا المشهد العراقي الذي بدأ في البصرة وانتقل إلى النجف وسقط فيه أحد المتظاهرين برصاص الشرطة، بمقدار ما استدعى استنفاراً سياسياً عراقياً لم ينجح حتى الآن في تهدئة الموقف، فتح الباب لمخاوف لبنانية من انتقال المشهد، حيث تتوافر مناخات ضاغطة مشابهة، وربما تتوافر إرادات لقوى ترغب بالاستثمار في الفوضى تحول دون الدخول على خط تحركات شعبية مقبلة ومرشحة للتنامي.

حال الانتظار التي يعيشها العراقيون تشبه تلك التي يعيشها اللبنانيون، حيث لا ضغوط خارجية تمنع ولادة حكومة رغم التحفظات المتبادلة للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة، لكن لا ضغوط معاكسة لتسريع ملء الفراغ السياسي بحكومة وحدة وطنية تضع يدها على الملفات المتفجرة، فتصير حروب الأوزان والأحجام والرسائل الدبلوماسية المشفرة بالتريث أسباباً كافية للتعطيل وللانتظار، كما يبدو سقف يرتبط باستكشاف القوى الإقليمية المؤثرة لما سينجم عن قمة الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين التي ستنعقد بعد غد الاثنين في القصر الرئاسي لفنلندا في العاصمة هلنسكي.

على طريق القمة، كان لافتاً حجم التركيز الدبلوماسي والإعلامي على زيارة الدكتور علي ولايتي لموسكو حاملاً رسالة من مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام علي الخامنئي، وعلى مباحثاته المطوّلة مع الرئيس الروسي وأركان الحكم في موسكو، وما أدلى به من مواقف، تتصل بصورة رئيسية بمواجهة محاولات حلف الناتو لتطويق روسيا، والتعاون الروسي الإيراني في المحاور الإقليمية المشتركة، في بحر قزوين، والقوقاز، وآسيا الوسطى وأفغانستان، حيث الحضور الإيراني الفاعل شريك في تحصين الموقف الروسي، وحيث المصالح الأميركية الحيوية تستدعي وضعها على طاولة التفاوض، ما يعني ضمناً رغبة روسية إيرانية بتأكيد أنّ الوضع في سورية سيكون على طاولة القمة، لكنه ليس موضوعها الرئيسي، وسينظر إليه من زاوية أشمل هي الأوضاع والنزاعات الإقليمية المتعدّدة، خصوصاً بعدما تأكد أنّ روسيا بلسان بوتين أكدت لإيران ضمان مصالحها التجارية في سوق النفط وضمنت لها تعويض ما ستخسره من استثمارات أوروبية بداعي العقوبات الأميركية في جواب استباقي للقمة على النيات التصعيدية بوجه إيران، والحديث عن عروض أميركية لموسكو لمقايضة النصر في سورية بالخصومة مع إيران.

مع نهاية القمة ستنتهي الانتظارات، مهما كانت نتائج القمة، تفاهمات كبرى مستبعدة أو تصعيداً مستحيلاً، أو تفعيل قنوات التواصل والتفاوض الثنائية حول الملفات والأزمات، ومنها منصة جنيف حول سورية، وبنهاية الانتظارات يفترض أن تتحرّك مجدّداً مساعي الحلحلة الحكومية في لبنان بإشارات إقليمية إيجابية، لكن دون مساهمات في تذليل العقد، التي ستبقى على عاتق اللبنانيين، وفي مقدّمتهم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، الذي تقول أوسط مقربة منه إنه أعدّ الجزء الأكبر من مسودة تشكيلة حكومية، تقدّم تصوّراً لحلّ تمثيل التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بتعديل نسبة تمثيل القوات نحو أربعة وزراء، دون حقيبة سيادية ونائب رئيس حكومة، وتوزيع جديد لحصة التيار الوطني الحر وحلفائه ورئيس الجمهورية، فتصير أربعة للتيار واثنين لحلفائه في تكتل لبنان القوي وأربعة لرئيس الجمهورية، لكن الصيغة التي تبدو موضع قبول قواتي لم تعرض بعد على وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والعقدة الأبرز تكمن بعد صيغة تقايض مقعداً وزارياً مسيحياً لرئيس الحكومة بمقعد سني يسمّيه رئيس الجمهورية ويضمن تمثيل النواب السنة خارج تيار المستقبل، في تمثيل اللقاء الديمقراطي، الذي كان الحريري يرغب بتمثيله بثلاثة وزراء اثنين منهم يسمّيهم رئيس اللقاء والثالث يختاره رئيسا الجمهورية والحكومة من مرشحين للقاء من طوائف متعدّدة، ما يتيح اختيار وزير مسيحي يكون ثالث وزراء اللقاء الديمقراطي ومنح المقعد الدرزي الثالث للنائب طلال أرسلان. ويبدو أنّ هذا المقترح هو الذي أشعل الحرب التي شهدتها وسائل التواصل الاجتماعي من جانب نواب اللقاء الديمقراطي.

بعبدا قد تكون الثلاثاء على موعد مع الرئيس المكلف للإطلاع على حصيلة مشاوراته، بعدما يكون قد التقى برئيس التيار الوطني الحر، ووجد مخارج مناسبة للتمثيل الدرزي.

«القوات»: لقاء جعجع – باسيل لم ينضج

في وقت بقي المشهد الداخلي خاضعاً لتأثير وتفاعلات الحرب الاعلامية والسياسية بين التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، لم يتضح المشهد الحكومي بعد رغم الأجواء الإيجابية التي حاولت «القوات اللبنانية» بثها في الإعلام، حيث تحدثت قناة «أم تي في» المحسوبة على «القوات» عن اتفاق جرى بين الرئيس المكلف مع كل من القوات والاشتراكي حول حصص كل منهما، مضيفة: أنه «يبقى على رئيس الحكومة المكلّف أن يحلّ المشكلة مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل ». ووفق مصادر فإن «القوات تهدف من ذلك الإيحاء، بأنها والاشتراكي لا يعرقلان التأليف ورمي الكرة الى ملعب باسيل والرئيس ميشال عون»، ما يصبح السؤال مشروعاً: إذا كان الحريري بالفعل تمكن من تذليل العقدتين المسيحية والدرزية، فلماذا لم يتوجّه حتى الآن الى بعبدا وفي جعبته مسودة حكومية يعرضها على رئيس الجمهورية؟

وقد تحدّثت مصادر اعلامية بأن «من الأمور المتفق عليها حصة أربع حقائب للقوات اللبنانية وعشر حقائب للتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية وحقيبة للمردة، وأن هناك وزيراً مسيحياً من حصة المستقبل ووزيراً سنياً من حصة رئيس الجمهورية، أما ما ليس متفقاً عليه بعد فهو حصة النائب وليد جنبلاط . وهنا كشفت المصادر عن بدايات حلحلة عبر وضع مقترحات تخضع حالياً للأخذ والردّ».

إلا أن أوساط الحريري لم تعوّل على هذه الأجواء، مشيرة لـ«البناء» الى أن «العقد لازالت على حالها ولا تقدّم وأن الرئيس المكلّف مستمرّ بجهوده وهو على تواصل دائم مع القوات والاشتراكي وجميع الأطراف. واستمع الى مطالب الفريقين ويعمل على جوجلتها وهو ينتظر استكمال المشاورات مع الوزير باسيل خلال الساعات المقبلة تمهيداً لرسم رؤية واضحة لشكل الحكومة قبيل عرضها على رئيس الجمهورية نهاية الأسبوع الحالي».

وفي سياق ذلك، قالت مصادر مطلعة في القوات لـ«البناء» بأن «لا إشكال أصلاً بين القوات والرئيس المكلف ولا بين الأخير وجنبلاط، بل الإشكالية كانت ولازالت هي موافقة الرئيس عون والوزير باسيل على اقتراحات الحريري»، وعن مضمون الاتفاق بين القوات والحريري رفضت المصادر «الخوض في تفاصيل حجم الحصص والحقائب، لأن هذا الأمر من صلاحية الرئيس المكلف ولن نتدخّل به ولن نحرجه لا سيما وأن مطلبنا في عهدته ويعرف ماذا نريد». وكشفت المصادر بأن «اللقاء بين رئيس القوات سمير جعجع والوزير باسيل لم ينضج بعد ولا مؤشرات على انعقاده في وقت قريب، لكنه غير مستبعَد».

وأوضحت المصادر بأن «محاولات البطريرك الراعي نجحت في إرساء التهدئة الإعلامية والسياسية بين التيار والقوات وسط إصرار من الطرفين بالحفاظ على المصالحة المسيحية والحرص على الاستقرار في البيئة المسيحية، لكن الاتفاق السياسي حول تقاسم الحقائب الوزارية والمناصب في الدولة يبدو أنه انتهى وسقط».

ونقل زوار عين التينة عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، قوله «إن الحكومة ستولد قريباً وهناك حلحلة في عملية تشكيلها». في موازاة ذلك، التقى الرئيس بري وزير الاعلام الذي قال «لا مشكلة بين القوات ورئيس الحكومة، همنا ليس مقعداً بالزائد او بالناقص والقضية لها علاقة بجوهر التشكيل».

عون سيواجه الحصار بالتأليف

وإذ حافظ التيار الحرّ على هدوئه وانتظار جهود الوزير ملحم رياشي والنائب إبراهيم كنعان لرأب الصدع بين الحزبين، نقلت قناة «أو تي في في» في مقدّمة نشرة أخبارها المسائية عن مصادر متابعة لعملية التأليف، «أنّ ما في بال البعض ما هو أبعد من حصة وأكبر من مَنصْب وأعمق من تمثيل، فهذا البعض – وبكل ما أوتِيَ من قوّة – مُصرٌّ من جديد على تطويق ميشال عون، هذه المرة عبر تعجيز سعد الحريري». مضيفة: «رئيس الجمهورية المؤتمَن على الدستور والميثاق مصممٌ على إخراج الحكومة من قُمقم العراقيل الى نور التشكيل، لتنطلقَ سريعاً عجلةُ العمل وإذا كانت العُقد المعروفة تُصارعُ محاولاتِ الحلحلة، فإن عُقداً أخرى باطنية تنتظر هي أيضاً الحل، ليتأكدَ بما لا لُبسَ فيه أنّ في اُفق التشكيل تمنيّاتٍ خارجية بحظر وزاراتٍ على أفرقاء واعتراضاً على أسماء تُصنّف «استفزازية».

وفي سياق ذلك، أبدى عضو تكتل لبنان القوي النائب الياس بو صعب ، استغرابه «ربط عقدة تشكيل الحكومة بورقة النيات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية»، مشيراً الى ان «ما يسهّل التشكيل هو أن على الرئيس المكلف سعد الحريري ان يحضّر مسودة وفق معيار واحد لعرضها على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ولتلقى موافقة الأفرقاء»، داعياً الى «الإسراع في تشكيل الحكومة ونحن على ابواب الصيف وموسم سياحي واعد». ولفت بو صعب في حديث تلفزيوني الى ان «هناك عقداً مخفية تعرقل تشكيل الحكومة»، مشيراً الى أن «اذا اعتبر الحريري أنها سهلة فيمكنه تخطيها وهي تتعلق بالحقائب الاساسية».

هدوء على جبهة التيار – الاشتراكي

وخيّم الهدوء على جبهة كليمنصو ميرنا الشالوحي يوم أمس، عقب تعليمات وجهها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى الحزب وأعضاء اللقاء الديمقراطي للتوقف عن السجالات، وأعلن الحزب في بيان أنه «لن ينضمّ الى جوقة الشتامين أو ينجر إلى سجالات فارغة المضمون، انما سيتقدم برأي علمي في موضوع الكهرباء بالارتكاز الى الحقائق والأرقام والوقائع دائماً، وذلك انطلاقاً من اقتناعه بالخيارات العلمية وعدم رغبته بالدخول في سجال من اجل السجال او أن يكون مشاركاً في حفلة شتائم لا تقدم ولا تؤخر ولا تأتي بالكهرباء للمواطن اللبناني مع التذكير بأنه سبق وقدّم خطته للكهرباء إلى مجلس الوزراء».

قاووق: تأخير الحكومة استهداف للعهد

وكان لافتاً دخول الإمارات على خط تأليف الحكومة واستباق البيان الوزاري بشروط تنم عن تدخل فاضح في الشؤون الداخلية اللبنانية، ما يؤكد التدخل الخارجي لا سيما السعودي والإماراتي في عملية تأليف الحكومة، إذ أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش أن «سياسة النأي بالنفس التي نتمنى أن يلتزم بها لبنان الشقيق تُقَوَّضُ مجددّاً في تناول أزمة اليمن». وأضاف عبر حسابه في «تويتر»: «نتمنى أن يكون للدولة وللأصوات العاقلة موقف ووقفة».

في المقابل أعلن عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، أن «التدخلات السعودية في تشكيل الحكومة اللبنانية لم تعد سراً، وباتت السبب الأول في رفع بعض الجهات السياسية المعروفة الهوية لسقف المطالب والحصص، وافتعال العراقيل والعقد الداخلية»، مشدداً على أن «التأخير في تشكيل الحكومة يشكل استهدافاً مباشراً للعهد ومصالح جميع اللبنانيين، وعليه فإذا كانت بعض الجهات الداخلية والسعودية تراهن على تعويض هزائمهم في الانتخابات النيابية من خلال زيادة الحصص في الحكومة الجديدة، فهم واهمون، لأن المعادلات السياسية الداخلية هي أقوى وأكثر حساسية من أن يغيرها أي تدخل سعودي أو إملاءات خارجية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى