«فورين بوليسي»: الكونفدرالية قد تكون الحلّ الوحيد للصراع الفلسطيني ـ «الإسرائيلي»!

عبد الرحمن النجّار

قالت داليا تشندلن في مقال نشره موقع مجلة «فورين بوليسي» الأميركية: إن حل الدولتين للقضية الفلسطينية بات في مهب الريح. وبما أن الطرفين يرفضان الانضواء تحت مظلة دولة واحدة، فلم يبقَ سوى حل واحد واقعي قابل للتطبيق: الكونفدرالية.

وأوضحت تشندلن أنه ما بين العنف الدموي على حدود قطاع غزة، والانحياز الأميركي الأعمى لـ«إسرائيل»، فإن الحديث عن أي اتفاق سلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» مضيعة للوقت. لكن الفلسطينيين مصممون على التحرر بدولة منفصلة، وهو ما يعتبره «الإسرائيليون» استمراراً للصراع بلا نهاية.

بات معظم المراقبين يعتقدون أن حل الدولتين قد دُفن ـ تشير تشندلن ـ رغم تمسك بعضهم بالأمل. ولا ترى «إسرائيل» إمكانية لتطبيق هذا الحل، ولطالما تصدى نتنياهو لهذا الحل، على الرغم من أنه قبل نحو 10 سنوات عبر عن موافقة مشروطة على الفكرة. لكن إصرار «إسرائيل» على الاستحواذ الكامل على القدس أحبط أي مفاوضات جادة.

ويبدو أن الرأي العام «الإسرائيلي» منقسم حول الفكرة أيضاً، إذ تقول تشندلن إنها قد أجرت استطلاع رأي بين «الإسرائيليين» في أواخر عام 2017 حول الفكرة، لتكتشف أن 52 في المئة من «الإسرائيليين» يدعمونها من حيث المبدأ، بعد أن كانت النسبة تبلغ 70 في المئة في 2010. وعبر 83 في المئة من عرب «إسرائيل» عن موافقتهم عليها، بينما بلغت النسبة 46 في المئة بين اليهود. لكن غالبية المشاركين في الاستطلاع لا يدعمون حل الدولتين بصيغته التي وُضعت مع بداية الألفية الجديدة.

وعندما يتعلق الأمر بالمكان المحتمل للدولة الفلسطينية، تزداد الصورة قتامة. تسيطر «إسرائيل» مباشرة على 60 في المئة من الضفة الغربية، بما في ذلك محيط سميك متصل بسلسلة من الخطوط التي تقسم منتصف الضفة. هناك المنطقة ج ، حيث تتولى «إسرائيل» مسؤولية الأمن والشؤون المدنية لحوالي 400 ألف مستوطن «إسرائيلي» «باستثناء القدس الشرقية» وما بين 200 ألف و400 ألف فلسطيني، وفقاً لبيانات مشتركة من منظمة حقوق الإنسان «الإسرائيلية» بتسيلم ، ووكالات الأمم المتحدة والمصادر الفلسطينية. ويخضع الفلسطينيون للأحكام العرفية. بينما تخضع المناطق المتبقية أ و ب لسيطرة السلطة الفلسطينية، لكن للجيش «الإسرائيلي» السيادة المطلقة على كامل الضفة الغربية.

تحرّكات «إسرائيلية» لوأد حلّ الدولتين

ومع أن العالم عارض ضم الضفة الغربية باعتبارها فكرة متطرفة وغير عملية تنوه تشندلن ـ تعمل «إسرائيل» اليوم على الإسراع في عملية ضم المنطقة ج إلى حدودها.

ولإضفاء الشرعية على الضم الكامل للمنطقة ج ، أقر البرلمان «الإسرائيلي» في 2017 قانوناً يمنح «إسرائيل» السيطرة على المستوطنات على الأراضي المصادرة من أصحابها الفلسطينيين. ووافق حزب «الليكود» بزعامة نتنياهو على قرار غير ملزم لكنه ذو تأثير في الحزب يدعو إلى ضم مناطق الاستيطان في الضفة الغربية. وفي أواخر أيار، نشر عضو بارز في حزب العمل الذي يُضرب به المثل في الاعتدال ـ في «إسرائيل» مقالاً مثيراً للجدل يدور حول ضرورة ضم معظم الأراضي نفسها.

إذا أكملت «إسرائيل» ضم المنطقة ج ، فلن يتبقى سوى تجمعات صغيرة متناثرة من أجل فلسطين المستقبلية، وهذا ما يرفضه الفلسطينيون في الضفة وغزة على حد سواء إذ إن 46 في المئة من الفلسطينيين فقط يؤيدون حل الدولتين.

ويؤكد المحللون أنه سيتعين إجلاء أكثر من 160 ألف مستوطن يهودي من مساكنهم في الضفة الغربية من أجل فلسطين مستقبلية حتى يكون هناك اتصال أرضي أساسي. كانت «إسرائيل» قد أخلت 8500 شخص فقط من غزة في عام 2005 لكن اليمين «الإسرائيلي» تعهد بمنع تكرار ما يسمى بـ«الطرد». وتؤكد تشندلن أن المحللين ـ وبخاصة أولئك الذين راقبوا الحقائق الإقليمية عن كثب ـ يسعون خلف رؤية جديدة من كلا الجانبين للصراع منذ عدة سنوات. وقد حددوا مسارات وطرق بديلة مفترضة على نظام تحديد المواقع العالمي، التي لم تظهر ملامحها بعد.

يجري تداول عدد من المصطلحات المبهمة في سبيل إيجاد حلول بديلة. يطرح البعض فكرة «الدولة الواحدة»، ولكن لا ندري هل ستكون دولة ديمقراطية، يخضع فيها الفلسطينيون و«الإسرائيليون» للقوانين نفسها، أم ستكون دولة فصل عنصري، إذ يتم حرمان مجموعة من حقوقها أو ستعيش تحت قوانين مختلفة. ثم تأتي فكرة «دولة واحدة ثنائية القومية»، كما هو موصوف في كتاب مثير للاهتمام لعام 2014، وهو ما يعني في الواقع دولة مكدسة. ويتم استخدام المصطلحين «الكونفدرالية» و«الاتحاد» استخداماً تبادليّاً وغير دقيق أو كليهما معاً. وقد يشيران إلى «إسرائيل» وفلسطين، أو إلى «إسرائيل» والأردن.

ولبحث كافة البدائل السابقة ـ تضيف تشندلن ـ لا بد أن نسلط الضوء أولاً على موقف كل من اليمين واليسار «الإسرائيليين» من عملية السلام.

مواقف «إسرائيلية» متباينة إزاء السلام

يسعى اليمين «الإسرائيلي من أجل الهيمنة الثقافية والدينية الكاملة على الأرض. لكن الموقف «الإسرائيلي» كان مختلفاً في عام 2003 ـ تستدرك تشندلن ـ إذ صرّح رئيس الوزراء آنذاك آرييل شارون، أنه «ليس من مصلحتنا أن نحكم الفلسطينيين. وأن خطة فك الارتباط هي إجراء أمني». لكن موقف اليمين اليوم مختلف، إذ يرى أن استمرار سيطرة «إسرائيل» أمر ضروري.

في المقابل، فإن الهدف الأساسي المشترك بين اليسار «الإسرائيلي»، والفلسطينيين هو إنهاء الاحتلال العسكري من خلال تحقيق الاستقلال السياسي للفلسطينيين. ولكن تظل نقطة الخلاف الداخلي هي ما إذا كان هذا سيتم عبر حل الدولة الواحدة أم الدولتين. كما ثمة خلاف حول حق العودة للفلسطينيين الذين هجروا عام 1948. مع وضع هذه الاختلافات في الاعتبار، يصبح من الأسهل وصف مختلف الخطط التي تقترح بدائل للدولتين.

أما عن الاتحاد الفيدرالي أو الكونفدرالية ـ تنوه تشندلن ـ بين «إسرائيل» والأردن، فيعني السيطرة «الإسرائيلية» على المنطقة الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط، ونهر الأردن. إنها رؤية يمينية لسيطرة «إسرائيل» اليهودية على الأرض التي يدعي الفلسطينيون أنها دولتهم. وينطبق الشيء نفسه على فكرة الدولة الواحدة لـ«إسرائيل» والضفة الغربية، إذ سيخضع الفلسطينيون لقوانين خاصة بهم. وقد اقترح نائب متطرف من حزب «البيت اليهودي» بزلئيل سمترخ، ضم الضفة بشكل كامل، مع حرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة الكاملة والحقوق المدنية. وهو ما أكده النائب الليكودي ميكي زوهار في مقابلة تلفزيونية. بل وحتى عضو حزب العمل إيتان كابيل دعا إلى ضم الكتل الاستيطانية، وأوضح في مقابلة أن الفلسطينيين الذين يعيشون في تلك المناطق لن يكونوا مواطنين، لكنه تراجع في وقت لاحق بعد تنديد شديد داخل حزبه. ومع هذا فإن الحادثة تبين كيف أن هذا النهج المتطرف اتجاه سائد داخل «إسرائيل».

تكشف تشندلن أن فكرة دولة واحدة يفتقر فيها بعض السكان إلى الحقوق المدنية لم تحظَ بتأييد بعض الزعماء السياسيين والأمنيين «الإسرائيليين» الرئيسيين، مثل رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، والراحل مائير داجان الرئيس السابق للموساد، وكلاهما وصف الأمر بالفصل العنصري. حتى أن بعض الشخصيات المتطرفة قد حذرت من كلمة «فصل عنصري» في هذه السيناريوات، مثل موتي أوهانا، عضو «الليكود» الوحيد الذي صوّت ضد قرار حزبه الذي يروج للضم. وقد عبّر الرئيس ريوفين ريفلين عن قلقه من أن تبدو «إسرائيل» في صورة دولة فصل عنصري إذا تم تطبيق القانون الجديد الخاص بالاعتراف بالمستوطنات.

ومع ذلك، بخلاف الخطط المقتضبة التي نشرها بينيت وعضو حزبه «سموتريتش»، لا يبدي اليمين «الإسرائيلي» موقفاً واضحاً بشأن الضم الرسمي للضفة الغربية، مع التركيز أكثر على الشعارات السياسية. تنتشر لافتات عليها كلمة «السيادة!» في جميع أنحاء مستوطنات الضفة الغربية. ويعقد مؤتمر سنوي مكرس للسيادة «الإسرائيلية» يترأسه مجموعة من اليمينيين، بما في ذلك وزراء الحكومة. وجميعهم يؤكدون أن «الأردن هو الدولة الفلسطينية»، وينكرون حقوق الفلسطينيين الوطنية في الضفة الغربية وغزة. تقول تشندلن إنه خلال زيارتها الأخيرة إلى الجالية اليهودية في الخليل، سألت مستوطنين عما إذا كان للفلسطينيين الحق في التصويت إذا أصبحت «إسرائيل» ذات سيادة في المنطقة فأكد الأول أنه يجب منعهم من التصويت، في حين رأى الآخر أن لا مشكلة في ذلك، إذ إن معظم الفلسطينيين لن يمارسوا هذا الحق من وجهة نظره.

وتبقى رؤية نتنياهو حول هذه القضية غير واضحة ـ تؤكّد تشندلن ـ فلم يكشف عما يجب أن يحدث للفلسطينيين. ومع ذلك، فقد أدت سياساته إلى ضم المنطقة ج ، وشرذمة الأراضي الفلسطينية. تلمح إشاراته العرضية إلى تفضيله «دولة ناقصة السيادة»، وهو ما لن يقبل به الفلسطينيون.

أما اليسار، فيرى أن الحلول الواقعية تشمل الدولة المتساوية، والدولة ثنائية القومية، والفيدرالية أو الكونفدرالية بين «إسرائيل» والفلسطينيين. بُنيت هذه الأفكار على ما وصل إليه الحال على أرض الواقع من خنق مناطق الفلسطينيين وتجزئة مجتمعهم، ولكنها خلقت أيضاً ترابطاً جغرافياً واقتصادياً بين الفلسطينيين، و«الإسرائيليين».

تعتبر القدس نموذجاً حياً يوضح ذلك، كما تشير تشندلن. بحسب الإحصاءات، فإن نصف القوى العاملة الفلسطينية في القدس الشرقية تعمل في القدس الغربية، أو في المستوطنات بالشرق، أو في أجزاء أخرى من «إسرائيل». وتقسيم المدينة سيكون ضربة اقتصادية هائلة. اعتاد الفلسطينيون في القدس الشرقية على مقاطعة الانتخابات البلدية منذ عام 1967 رفضاً لسلطة «إسرائيل» هناك. لكن الأجيال الشابة تبدو أكثر مرونة في هذا الصدد. يستمتع كثير من الشبان الفلسطينيين في القدس بارتياد الحانات والمساحات الفنية. ويرسل بعضهم أطفاله إلى المدارس ثنائية اللغة والجامعة العبرية. وقد أعلن ما لا يقل عن ثلاثة فلسطينيين أنهم سيشكلون قوائم ترشح للانتخابات البلدية في تشرين الأول، سواء كانوا يواصلون المسار من خلال الانتخابات، أو ربما يندمجون. نسبة قليل من الجانبين لا تتعدى 25 في المئة من الجانبين توافق على تقسيم القدس، كما هو مسجل في استطلاع كانون الأول.

وهكذا، يتبين أن أفكار اليسار عن السلام تحاول التوصل إلى الصيغة الصحيحة للفصل، بما يحفظ الهوية الوطنية للطرفين. ولكن مع إدراك المخاطر الاقتصادية والاجتماعية، أو استحالة فصل الأطراف عن بعضها، فإنهم يبحثون أيضاً في أفكار قائمة على التكامل المادي والسياسي، بينما يحتفظ البعض الآخر بهيكل من الفصل.

الاتحاد هو خطة للتكامل، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، إذ تقود حكومة مركزية مجموعة من الولايات، ويبقى حق إدارة العلاقات الخارجية في يد تلك الحكومة. يمكن للاتحاد «الإسرائيلي» الفلسطيني اقتسام الأرض ـ مثل مفهوم الاتحاد الفيدرالي/ الطائفي في قبرص ـ لكن الشعبين سينتخبان هيئة تشريعية واحدة ويتشاركان في السلطة التنفيذية. لكن تشندلن ترى أنه من الصعب تخيل ذلك مع دولتين في صراع مرير منذ 70 عاماً. والواقع أن الحكومة الوحيدة التي تقاسمها القبارصة اليونانيون والأتراك استمرت ثلاث سنوات فقط قبل انهيارها في عام 1963. وقد فشلت المفاوضات في قبرص التي بدأت في عام 1968 لمدة 50 عاماً. فعدم القدرة على الاتفاق على صيغة جديدة لتقاسم السلطة في حكومة واحدة قد أعاق أي قرار.

تسمح فكرة الدولة ثنائية القومية بالتكامل الجغرافي الكامل. إذ يمكن لأي شخص أن يعيش في أي مكان يشاء، ولكن «الإسرائيلي» والفلسطيني اللذين يعيشان في طابق واحد في المبنى نفسه سيخضعان لقوانين منفصلة. يثير هذا النهج مشكلات قانونية وأخلاقية وعمليّة كبيرة، وسيرفض كلا الجانبين اختلاط الأشخاص والثقافات في فضاء مادي مشترك.

الكونفدرالية هي الحل

أما في حالة الكونفدرالية ـ تكشف تشندلن ـ سيبدأ الأمر ببناء دولتين منفصلتين مستقلتين. وقد روجت منظمات عدّة فكرة «الأرض للجميع» المتمثلة في وجود حكومتين، ورئيسين، وحدود عند الخط الأخضر أو بالقرب منه. ستكون كل دولة ذات سيادة وحرية في تحديد طابعها الوطني. لكن ستتفق الدولتان على تقاسم جوانب معينة من سيادتهما. وسيتم تعيين الحدود بما يضمن حرية التنقل بين الجانبين.

الفلسطينيين مسيرة العودة

بيد أن الواقع عكس المأمول تماماً ـ تضيف تشندلن ـ إذ يعاني الفلسطينيون من قيود شديدة في حياتهم اليومية، ولا يسمح لهم بالتنقل إلا عبر تصاريح أمنية. يحتاج سكان الضفة الغربية إلى تصريح للسفر إلى أي مكان داخل «إسرائيل»، بما في ذلك المستوطنات والقدس، أو بين غزة والضفة الغربية. ولا يمكن الحصول على تصريح للسفر عبر المطارات. ونقاط التفتيش والجدار الأمني تجعل المسافات القصيرة رحلات طويلة ومضنية لجميع الفلسطينيين. والغزيون محاصرون كليّاً تقريباً داخل غزة.

أما «الإسرائيليون» فلا يعانون من أي قيود تذكر على الحركة. فمن الناحية النظرية، يحتاجون إلى تصريح لزيارة المنطقة أ الصغيرة التي يديرها الفلسطينيون، إذ لا يرغب معظم اليهود في ذلك. ولا يمر «الإسرائيليون» على أي حواجز، ويمكنهم التسلل عبر نقاط التفتيش المخصصة للمستوطنين عند العودة.

لكن الكونفدرالية ستضمن لـ«الإسرائيليين» شيئاً قد لا يكون لديهم في خطة الدولتين التقليدية ـ تنوّه تشندلن ـ وهو الوصول إلى عدد من الأماكن المقدسة داخل الضفة الغربية، مثل قبر البطاركة في الخليل، ومقبرة راشيل بالقرب من بيت لحم، وقبر يوسف في نابلس، إذ ستكون هذه المواقع داخل فلسطين، ويمكن لهذه الأخيرة أن تغلق حدودها. ولهذا السبب يرفض «الإسرائيليون»، خاصة إذا كانوا متدينين، حل الدولتين. أما نموذج الكونفدرالية فيضمن حرية الحركة.

وحينئذٍ لن يتم تقسيم القدس، بل ستبقى المدينة موحّدة تحت السيادة المشتركة عاصمة للدولتين. ستخضع الأماكن المقدسة إلى نظام خاص، ربما بدعم دولي، كما هو الحال في خطط الدولتين السابقة. لكن التركيبة السكانية للقدس ستبقى كما هي، مع وجود عاصمة فلسطينية في الشرق. يمكن أن تمتد الحدود بين الدولتين على نطاق واسع حول المدينة، وليس عبرها. ويمكن لبلدية مشتركة بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين إدارة الأحياء الشرقية والغربية.

سوف تتطلب حرية الحركة والقدس الموحدة إجراءات أمنية متطورة ـ تواصل تشندلن حديثها ـ لذا، فإن التعاون الأمني القائم على اتفاقات أوسلو سيكون ضرورياً. تشير الإحصاءات «الإسرائيلية» إلى أن التعاون المستمر مع قوات السلطة الفلسطينية هو السبب الرئيسي في عدم حدوث المزيد من العنف في الضفة خلال العقد الماضي. يعيش الفلسطينيون اليوم تحت نير الاحتلال، وهم مستاؤون بشدة مما يعتبرونه تعاوناً. ولكن إذا أقيمت دولة فلسطينية حرة تقودها حكومة مدنية، فإن التنسيق الأمني من شأنه أن يحمي الترتيبات ذاتها، ويخدم الناس بدلاً من خنقهم.

وعلى الرغم من أن الكونفدرالية ستسمح للمواطنين من إحدى الدولتين بأن يعيشوا مقيمين دائمين لدى الدولة الأخرى ـ توضح تشندلين ـ إلا أنه لن يسمح لهم بالتصويت في الانتخابات الخاصة بتلك الدولة. ويمكن للمستوطنين «الإسرائيليين» الذين لا يرغبون في مغادرة الأراضي الفلسطينية لأسباب دينية أن يبقوا طالما أنهم يحترمون القانون تحت السيادة الفلسطينية. ويمكنهم المشاركة في الانتخابات المحلية لكنهم سيصوتون فقط للتمثيل الوطني في «إسرائيل». سيؤدّي هذا إلى عزل المستوطنين الذين يصرون على السيادة اليهودية، ولكنه يمد يده إلى مستوطنين أكثر اعتدالاً يرفضون فكرة إخلاء منازلهم.

وهذا النظام جيد أيضاً للفلسطينيين لأنه سيسمح لبعض اللاجئين من عام 1948 بالعودة إلى فلسطين بموجب الشروط نفسها: الإقامة الدائمة، شريطة الالتزام بالقانون « الإسرائيلي». ويمكن تحديد عدد العائدين من خلال الاتفاق المتبادل. وهؤلاء السكان يمكنهم التصويت في الانتخابات المحلية «الإسرائيلية» أيضاً. وتؤكد تشندلن أن هذا المفهوم يعالج واحدة من أكثر المشاكل المستعصية في الصراع إذ يصر الفلسطينيون على الاعتراف بحقهم في أراضي الأجداد، بينما يعيش «الإسرائيليون» في خوف مميت من أن عودة الفلسطينيين ستدمر الدولة اليهودية من خلال إسقاط الحكومة اليهودية من السلطة.

لطالما تعثرت المفاوضات بين الطرفين بسبب قضية اللاجئين التي هي من بين أكبر نقاط الخلاف، وما زالت كذلك في استطلاعات الرأي العام. ولكن بموجب اقتراح الكونفدرالية، لن يتعدى أي من الطرفين على السيادة الوطنية للطرف الآخر، إذ إنهما سيصوتان فقط في وطنهم الأصلي.

كما أن التعاون الاقتصادي بين الجانبين وثيق للغاية، إذ يستخدم الجانبان بالفعل العملة نفسها، ويشتريان سلع الطرف الآخر في عام 2012، وجد «بنك إسرائيل» أن 81 في المئة من السلع الفلسطينية المصدرة قد بيعت لإسرائيل، في حين باعت الأخيرة بضائع بقيمة 4.5 مليارات دولار للسلطة الفلسطينية. وقد نمت هذه الأرقام منذ ذلك الحين.

وقد بدأت شركات التكنولوجيا «الإسرائيلية» سراً في توظيف المبرمجين الفلسطينيين، مما أتاح فرصة للفلسطينيين المتعلمين تعليماً جيداً ولكنهم عاطلون عن العمل. إن ضمان حرية التنقل وحرية إنشاء الجمعيات المهنية المشتركة يمكن أن يفيد الاقتصادين. كل هذا يمكن أن يحدث مع تخلي «إسرائيل» عن القيود المفروضة منذ عقود على الحياة الاقتصادية الفلسطينية، من خلال جمع الضرائب والضوابط على الواردات والصادرات. ويمكن إنشاء مجلس اقتصادي يعمل على دمج الاقتصادين. إن هذا تحد خطير. لكنه البديل الأمثل لدولة فلسطينية منفصلة ذات حدود قاسية، مع عوائق على التنقل إلى «إسرائيل»، بما قد يؤدي أيضاً إلى العزلة الاقتصادية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تفاقم النزاع بدلاً من نزع فتيله.

وبالمثل، يتشارك الجانبان الموارد الطبيعية والبنية التحتية، إذ تطفو النفايات في غزة على الشواطئ القريبة لـ«إسرائيل»، وتلوث خزانات المياه الجوفية، وأجبرت محطات التحلية على التوقف عن العمل أحياناً، وتعمل «إسرائيل» على ابتكار طرق جديدة لتوفير المياه بسبب النقص. سيتطلب الحل التقليدي القائم على دولتين التنسيق بشأن القضايا البيئية الأساسية أيضاً، لكن النموذج الكونفدرالي يسهّل التنسيق بين المجتمع المدني والحكومة، بدلاً من جعل هذا التعاون هو الاستثناء.

يسمح النهج الكونفدرالي لكل طرف بالحق القانوني في الانفصال بشكل قانوني سلمي، مثل الفصل بين صربيا والجبل الأسود في استفتاء عام 2006، أو البريكست «إذا تم تنفيذه على الإطلاق».

إن دمج السياسات من حل الدولتين، مع الاعتماد على أفكار الدولة الواحدة، يجعل هذا النهج جذاباً لمجموعة صغيرة من اليسار واليمين «الإسرائيليين»، وكذلك بعض الفلسطينيين والمواطنين العرب في «إسرائيل». يوسي بيلين، مؤيد سابق ومفاوض من أجل حل الدولتين، يؤيد الحل الكونفدرالي علنيّاً، وقد أيده الرئيس ريفلين أيضاً، لكن من دون أن يفسر ما يعنيه.

تختتم تشندلن بالقول إن المستقبل هو الذي سيحدد ما إذا كان «الإسرائيليون» والفلسطينيون سيختارون العيش معاً أو لا. لكن من غير المحتمل أن يصلوا إلى اتفاق سلام من دون أن يقبل كل طرف بالتعايش مع الآخر.

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى