«هلسنكي» أعطت إشارة الحل.. فهل يلتقطها الفريق السعودي في لبنان؟

محمد حمية

عند كل توجّه رسمي للدولة اللبنانية لحلّ أزمة النازحين السوريين ينبري فريق 14 آذار للمواجهة ويُشعل انتفاضة إنسانية و حفلة تباكي على النازحين السوريين لأهداف باتت معروفة وهي إجهاض أي محاولة لتصحيح العلاقات اللبنانية – السورية من جهة وإسقاط أي مشروع لإعادة النازحين الى سورية بـ الفيتو الوزاري والسياسي الذين يملكونه في الحكومة الحالية ويسعون للاحتفاظ به وتدعيمه بغطاءٍ سعودي واضح في الحكومة العتيدة.

قد تبدو في ظاهر الأمر دواعٍ إنسانية ينطلق منها الآذاريون لتبرير رفضهم الانسياق الى أي خطوة لحل أزمة النزوح عبر التواصل مع الدولة السورية ومن دون رعاية الأمم المتحدة في ضوء الظروف الأمنية والسياسية الصعبة في سورية، بحسب قولهم لكن بالعودة الى مرحلة العام 2006 يكشف السلوك التحريضي والعدواني الذي مارسه فريق ثورة الأرز بحق العمال السوريين عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، زيف مواقفهم اليوم. ويؤكد أنهم يذرفون دموع التماسيح على النازحين بهدف إرضاء الخارج الإقليمي والدولي الذي لا يريد الآن عودة النازحين في دول المنطقة الى سورية، بل توفير ظروف آمنة لبقائهم لحسابات سياسية وأمنية واقتصادية وتفاوضية.

وبالعودة في الزمن الى الوراء أيضاً لا بد من التذكير بأن ثلاثي المستقبل الاشتراكي – القوات كان إحدى أدوات الأميركيين والخليجيين في التسويق للمشروع الإقليمي الدولي المعادي لسورية وتقديم الدعم السياسي والإعلامي واللوجستي وحتى العسكري للتنظيمات المسلحة الإرهابية الذي استخدم بعضها لبنان كمنصة لضرب العمق السورية، وبالتالي هم شركاء في الحرب التي أدارتها جهات إقليمية ودولية ما يعني أنهم تسبّبوا في هجرة ونزوح ملايين السوريين الى لبنان والأردن والعراق وتركيا وحتى الى القلب الأوروبي، وليس هرباً من عنف الدولة السورية كما يدّعون، ولم ينته المطاف بهم هنا، بل تبرعوا منذ سنوات الى الآن بلعب دور المعرقل لعودة النازحين الى بلدهم.

وفي الوقت الذي لبنان بأمس الحاجة الى علاقات قوية مع سورية لفتح حدوده وصولاً الى معبر نصيب، ومنه الى الأردن والعراق الذي يؤدي الى ولادة طبقة وسطى لبنانية وضخ دم جديد في الشرايين الحيوية والتجارية في المنطقة، تتعمّد الطبقة السياسية الموالية للسعودية بالتهجّم على سورية بملف النازحين ومحاولة عرقلة العودة عبر ثلاثي الحريري – جنبلاط جعجع، مع العلم أن لهؤلاء مصلحة كبيرة بعودة النازحين السوريين الى بلدهم بعد تحرير أغلب الجغرافيا السورية. ويعمد هؤلاء الى تخويف النازحين ما يؤدي إلى بقائهم في لبنان. وبالتالي استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة والتي لا يمكن حلها إلا بفتح الحدود من لبنان الى معبر نصيب والعراق الى السعودية والدول العربية وليس الى إيران ولا لوصل جغرافيا الهلال الشيعي كما يدّعي البعض، ما يعود بالفائدة على لبنان عبر تعزيز السياحة والترانزيت والتجارة بين دول المنطقة.

فكل مشروع اقتصادي يحتاج الى بناء سياسي، والبناء السياسي لمعبر نصيب هو تحسين العلاقات مع الدولة السورية مع لبنان والأردن. وهذا يؤدي الى تسهيل عودة النازحين وهذا ما بدأ يقوم به الأردن الذي أعاد دفعة جديدة من النازحين.

لم يعد خافياً تحوّل ملف النازحين خلافاً مستحكماً بين الرئيس المكلف سعد الحريري ومعه جنبلاط وجعجع من جهة ورئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل وفريق 8 آذار من جهة ثانية. وقد برز هذا واضحاً في بيان كتلة المستقبل قبل يومين بالرد على كلام باسيل الذي أعلن بأن العلاقات بين لبنان وسورية عادت الى سابق عهدها.

هذا الخلاف الذي بدأ يظلل الحكومة الجديدة دفع بحزب الله الى إطلاق مبادرة التوسط مع الدولة السورية لحل أزمة النازحين. وتلاه بيان لوزارة الخارجية السورية دعت فيه المواطنين الذين اضطرتهم الحرب والاعتداءات الإرهابية لمغادرة البلاد إلى العودة إلى وطنهم الأم بعد تحرير العدد الأكبر من المناطق التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين.

هذا التنسيق لم يرق للفريق المعطل، لا سيما جنبلاط، فوجد في القانون السوري رقم 10 ذريعة جديدة لتعطيل العودة، لا سيما وأن جنبلاط جُنِد من قبل السعودية بعد زيارته لها للهجوم على العهد بسبب موقفه من أزمة النزوح.

بعد قمة هلسنكي التي أعطى خلالها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب إشارة الحل لأزمة النزوح عبر فصل عودة النازحين عن الحل السياسي للأزمة السورية، يمكن القول بأن الظروف الدولية لإعادة النازحين باتت مؤاتية. فهل يلتقط الفريق السعودي في لبنان الإشارة أم أنه سيبقى أداة سعودية تعطيلية لحل أزمة النزوح؟ وإلي متى سيبقى البلد وأزماته رهينة قوى سياسية معروفة الانتماء والولاء للخارج؟ وتعمد كل حين الى رفع سيف القانون الدولي والمواثيق الدولية وحقوق الانسان في وجه سيادة الدولة اللبنانية؟ علماً أنهم لطالما وصفوا أنفسهم بـ السياديين و الاستقلاليين ؟ فهل الدول الأوروبية التي أغلقت حدودها أمام النازحين انتهكت القانون الدولي وحقوق الإنسان؟ ولماذا يحق لأوروبا حماية أمنها واقتصادها ومجتمعاتها من هجرات النازحين ويحرم ذلك على لبنان؟ ولماذا لم تربُط أوروبا أو تركيا أزمة النازحين بوقف الحرب في سورية والتوصل الى الحل السياسي؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى