هنيبعل كرم: سعاده حيّ أمّا الذين اغتالوه ففي القبور ساقطون ومن ذاكرة التاريخ ساقطون

أحيت مديرية بيصور التابعة لمنفذية الغرب في الحزب السوري القومي الاجتماعي ذكرى استشهاد باعث النهضة أنطون سعاده باحتفال أقامته في الرابطة الثقافية الرياضية، بحضور عضو المجلس الأعلى منفذ عام الغرب حسام العسراوي، منفذ عام المتن الجنوبي محمد عماشة وعدد من المسؤولين ورئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء نهلا رياشي.

كما حضر الاحتفال فاعليات وممثلون عن أحزاب: التقدمي الاشتراكي، الديمقراطي اللبناني، التوحيد العربي، رئيس بلدية بيصور نديم ملاعب، رئيسة الرابطة الثقافية الرياضية سمر العريضي، مخاتير البلدة، رجال دين، وحشد من القوميين والمواطنين.

افتتاح وتعريف

استهل الاحتفال بالنشيدين اللبناني والسوري القومي الاجتماعي، ومن ثم ألقى أيمن العريضي كلمة تعريف تحدث فيها عن معاني الذكرى بالنسبة للقوميين الاجتماعيين بوصفها محطة نضالية أسست لمفهوم الفداء القومي من أجل قضية تساوي الوجود.

أفلام وثائقية

تخلل الاحتفال وثائقي عن حياة الزعيم من إعداد الطلبة في مديرية بيصور تناول سيرته وحياته الزاخرة بالعطاء الفكري والنضال من أجل الأمة التي قدم حياته فداء لها، فكان مثالاً في التضحية والفداء.

كما تم عرض فيلم حدثني الكاهن الذي عرّفه والذي يروي الأحداث التي سبقت تنفيذ جريمة اغتيال الزعيم.

قصائد شعرية

وألقى الشاعر القومي وائل ملاعب مجموعة من القصائد الوجدانية التي تتحدث عن معاني الثامن من تموز، وما تحمله من قيم الفداء والتضحية، والتي شكلت منارة للقوميين الاجتماعيين الذين يمارسون البطولة على امتداد ساحة الأمة بوجه أعدائها مردّدين قول سعاده: قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود .

مديرية بيصور

وألقت رشا العريضي كلمة باسم مديرية بيصور، ومما جاء فيها: يا أيها الصباح التموزي السرمدي يا أيها الأبد القادم من المَضيّ، هل كنت تعلم… أن التراب مع كل خطوة عمياء كان يرمي تحت قدميه الوعود، وأنّ تلك العصبة السوداء لم تستطع ان تعمي وحياً، وأن في تلك الرصاصات عشرة أجيال ستحيا وبعدها عشرٌ ستحيا وبعدها وطن سيحيا وبعدها حق يسود وبعدها وطن يعود .

أضافت: أيها الفجر الأحمق المسكين قد مرت عشرات والعشب لا زال ندياً وسعاده ما زال فتياً، هل ظننتنا سنلين؟ لا، فـ نحن قوم لا نلين للبغاة الطامعين أرضنا فيها معين للرجال الناهضين .. هكذا قال فتاك عندما أتاك حياً، من الشام الى الختام، ومن العراق الى كل فلسطين ونحن في تموز نولد من جديد .

لم نعتد في الثامن من تموز أن نقيم مجالس العزاء والقداديس لراحة نفس كانت تستريح للأبد. فهذه الذكرى لم تكن لنا الا حادثاً نادراً يوم انبعاث الحياة من رحم الموت وإتمام رسالة الوجود بالفداء. الذي اغتيل في الثامن تموز كان على يقين أن أبناء عقيدته سينتصرون، وأن انتصارهم سيأتي انتقاما لموته. وها هم أبناء حزب سعاده بعد 69 عاماً على اغتياله يحققون الانتصارات في كل ساح .

وختمت العريضي مؤكدة أن مديرية بيصور هي جزء لا يتجزأ من جسد الأمة العصية على الموت والتي تعمل من أجل تحقيق الانتصار كي تحيا سورية كما أرادها سعاده .

مركز الحزب

ختاماً عضو ناظر الإذاعة في منفذية الكورة هنيبعل كرم كلمة مركز الحزب وجاء فيها: للأمم العظيمة تجلياتُها، للأمم العظيمة ولاداتٌ لا تشيخ، للأمم العظيمة لحظاتٌ تمسك بها قلمَ الزمان سيفاً، تخطّ به على الغيم، على الصّخر، على صفحات التاريخ، عناوينَ عزّ ومجد واقتدار…

للأمم العظيمة مواقفُ مكلفة، على قدر ضخامة الأحداث وجسامتها. للأمم العظيمة رجالاتٌ يقدّون من لحمهم خميرةَ الحياة ومن روحهم عنفوانَ النسور، ومن دمهم ملاحمَ البطولة.

للأمم العظيمة تجلياتُها، وأنطون سعاده في هذه الأمة هو أكبرُ وأعزّ وأوضح وآنق وأسمى وأبهى وأنقى هذه التجليات.

في الثامن من تموز وقف أنطون سعاده هازئاً بالردى، وقف يقول لمغتاليه إنّ إرادةَ الانتصار في أمتي لا يميتها الرّصاص، وإنّ الدّمَ ينتصر اليوم، وسينتصر غداً على عفن عقولكم البالية ومزارعكم الهشّة وحقدكم الأعمى…

في الثامن من تموز انحنى سعاده لتحيا سورية، فكان الزعيمَ الشامخَ أبداً. شامخٌ هو فوق الأحداث. ولدَ هكذا وعاش هكذا واستشهد هكذا. حيّ هو، أمّا مغتالوه ففي القبور ساقطون، ومن ذاكرة التاريخ ساقطون.

في الثامن من تموز ارتضى سعاده أن يسيرَ إلى الإعدام قائداً معلّماً هادياً، يصرخُ من أجل فلسطين التي باعها كثيرٌ من حكام العرب بأبخس الأثمان، بل بأغلاها لأنّ عمالتَهم واستسلامَهم وتآمرهم يكلّف كل يوم عشراتِ الشهداء ومئاتِ الجرحى وآلافَ صرخاتِ الألم.

صرخ سعاده من أجل قيام دولة عظمى في هذا الشرق، واستغلال قواها المادية والروحية بالشكل الصحيح. صرخ من أجل خيرات الأمة وفي مقدمتها نفطُها الذي أدارت دولُ العالم بسببه حروباً ومجازرَ ومآسي على أرضنا. وفي لبنان لم نزل متأبطين هذا الملف بلا جدوى، رغم الضغوط الاقتصادية المخيفة… من حكومة إلى أخرى ومن جماعة إلى أخرى، يبدو انّها، معظمها، في تعاقبها تقوم وفق معادلات طائفية ومذهبية. وهذه معادلات لا تعرف إلّا الفساد وإدارة الفساد.

لقد اغتيل سعاده لأنه ببساطة مشروعُ العز لهذه الأمة فيما لم تزل جماعاتٌ وأحزابٌ وفرقٌ فيها لا تعرف إلا الهوانَ والاستسلام.

اغتيل سعاده لأنّه كان الزعيمَ في زمن المرتشين، والحكيمَ في زمن المرضى، والأسدَ في زمن الثعالب، والنّسرَ الشامخَ في زمن الزّرازير. اغتيل لأنّه جاهر بالموقف وبالموت لأعداء الأمّة وبالحياة لسورية.

اغتيل لانّ النظام الطائفي الإقطاعي الغاشمَ ذاتَه الذي يغتال بنيه اليوم، قرّر بغباء وبحقد أن يغتال سعاده، ولكن سيبقى دّمُ سعاده النفيرَ الداوي ليقَظة الأمة.

نسمع أحياناً أنّ هناك مطالبةً بإعادة محاكمة سعاده أو باعتذار من النظام اللبناني.. وهذه مغالطة كبرى، اعذروني. أولاً، أنطون سعاده لا يمكن أن يُحاكَم، فكيف نعيد محاكمته؟ وعلى ماذا؟

ثانياً، كيف للأحرار أن يقبلوا اعتذارَ نظام يستزيدُ بعد عشرات السنين من لوثة الطائفية والإقطاعية والأنانية؟ وأكثرُ من هذا يصبح العميلُ فيه رجلاً وطنياً والمقاومُ البطلُ محكوماً بالإعدام؟! هذا بدلَ أن نكون في دولة متحضّرة متقدّمة رائدة سيّدة حرّة مستقلة لها شأن في صناعة الحياة والأحداث والحضارة الإنسانية. شعارات، لا شيءَ غيرُ الشعارات وتقاسمِ الحصص وإهمالِ الأزمات.. وأزماتٌ فوق أزمات.

ثالثاً، إنّ القوميين الاجتماعيين لا يجدون شرفاً أرفع من انتمائهم لحزب زعيمُه شهيدُ الأمّة، ووقوفِهم وراء زعيم قال للدنيا لا… لا يستطيعُ أحدٌ أن يكسر إرادة أمّتي، قال لجلاديه: أنا أنطون سعاده الذي أقسَمَ بشرفه وحقيقته ومعتقده، أقول إنّ الانحناء لا يعني الركوع، وشكراً لا تعني الخضوع، يمكن لركبتيَّ أن تنحنيا اليوم لكنّ أمتي حيّة منتصرة لأنّ حزبيَ باقٍ باقٍ باقٍ…

فممّن نطلب الاعتذار، وممّن نطلب إعادة المحاكمة الجريمة؟! إعدام سعاده حدثٌ فريدٌ، ودمُه لا يتكرّر. لقد كانت جريمةً نفذها نظام بائس تجب إدانته على سلوكه وأدائه ونهجه وسيادته المتّبعة من يوم ولادته إلى اليوم. نحن ننتظر أن يأتي يومٌ يدرّس فيه فكرُ سعاده في المدارس والجامعات وفي كتب التربية والتاريخ والتنشئة الوطنية والعسكرية وعلى امتداد كيانات الأمّة… لا، عفواً… لسنا بحاجة إلى اعتذار من نظام بتنا نشفقُ عليه في إدارة شؤون الدولة وفي إدارة شؤون الناس وأمورهم الحيوية اليوميّة البسيطة.

في الثامن من تموز ننحني بإجلال للشهيد المعلّم سعاده، الذي لم يتعب يوماً في سني حياته القصيرة، ولم يتهرّب من الحياة ولم يهَبِ الموتَ لأنّه آمن بأنّه الطريقُ إلى الحياة.

في الثامن من تموز نرفع التحيةَ إلى الشهداء المباركين، إلى شهداء الأمّة في مواجهة مشاريعِ التهويد والإذلال، إلى شهداء كَياناتها المعذبة، إلى شهداء جيوشِها المقاومَة وعلى رأسهم الجيشان اللبناني والشامي البطلان في تصديهما للإرهاب وأعوانه.

التحية إلى شهداء المقاومة الأبطال في حزب الله وحركات المقاومة… والتحية الأكبر إلى صنّاع الملاحم البطوليّة ووقفاتِ العزّ، أملِ الأمة ونورِها ونارِها وروحِها، الذين يسيرون إلى القتال أسوداً ويرتقون نسوراً تعانق المجد في العلى، إلى الذين نادراً ما تذكرهم قناةٌ أو وسيلةٌ إعلاميّة لأنّ أسماءَهم عناوينُ للوحدة أكبرُ من الصراعات الطائفية والإقليمية والدولية. إلى أولئك الذين استفاق فيهم الوعي فكانوا في إرادتهم صفوفاً بديعة النظام يهبّون من كلّ حدب وصوب، يهبّون من تحت الجوع والفقر والقلّة والرّكام، زنودُهم بنادق، عيونُهم خناجر، قلوبُهم ملء المدى توقظ الأرض، ترسم الجبهات، تزيل الحدود لمجد جديد لنصر آتٍ، هم صنّاع التاريخ، أبناء الحياة، نسور الزوبعة، أبناء الجيل الجديد، تلامذة أنطون سعاده.

بهذه الثقافة التي غرسها سعاده في نفوسنا ننتصرُ اليوم في الشام ونعبرُ إلى فجر جديد، كما نعبر في العراق وسنعبر في فلسطين إلى نصر لا مفرّ منه، كما عبرنا في تموز المقاومة في 2006 إلى زمن جديد اسمه زمن الانتصارات.

في تموز 1949 ارتقى سعاده بعد اغتياله شهيداً، وفي تموز 2018 تصمد أمّة أنطون سعاده وتُسقط في الميدان تنيناً جديداً رهيباً ارتكب أفظع الجرائم بحق أمة الحق والخير والجمال.

في تموز 2018 ننظر إلى أزماتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ونقول ما أحوجنا إلى فكر سعاده ورؤيته البنّاءة. ننظر إلى حزبه الذي تتوالى عليه المحن، لكنّه يخرج منها أقوى لأنّ مسؤولياتٍ كبيرةً تنتظر..

ننظر إلى رَبح هنا أو خسارة هناك، بعين الناقد الإيجابي لنقول إنّ أهدافَنا في الحياة أكبرُ وأرقى من أيّة خسارة في السياسة أو في غيرها. إننا مطالبون أكثر من أي وقت مضى بأن ندرك أنّ مهامَّ عظيمةً تلقى على أكتافنا ويجب علينا أن نتنكّبَ لها.

ننظر إلى امتنا، فنراها جراحاً نازفة، جرحٌ يضمّد جرحاً، ودمٌ يغسل دماً، فندعو إلى الانفتاح على فكر سعاده ومشروعه الرائد لأنّ فيه كلّ النجاح والتقدّم والغنى والخير والسلام.

ننظر إلى كيانات سورية كلّها فنراها جميعَها مهدّدة بالخطر نفسِه ما يكشفُ أكثرَ رؤيةَ سعاده وفكرَه الجامعَ الموحّد لجغرافيا واحدة نطلب من رجال السياسة فيها أن يكونوا رجال سياسة حقاً لا رجالَ طوائفَ ومحاصصاتٍ ونكاياتٍ ومهاترات، لا بل لا رجالَ مشاريعَ مشبوهةٍ ورؤى انهزاميةٍ أو شريكةٍ في ترويج وتحقيق وصناعة الهزيمة والانهزام.

في تموز 2018 ننظر أيضاً إلى أعداء هذه الأمّة وعلى رأسهم مغتصبو فلسطين اليهودُ المجرمون… بوجه حقدهم وجورهم لنا القوّةُ والأملُ وإرادةُ التصدي ولنا في نزيفنا الذي لم يتوقف من تموز 1949 الموقفُ… لنجدّد على مسمع العدوّ ما قلناه منذ بداية الحرب:

نحن لنا في شهيدنا، في زعيمنا، لنا قدوة فلا سكاكينكم تخيفنا، ولا تلمودكم يخيفنا، ولا إسرائيلكم تخيفنا. قاتلتم الجيوش وقاتلتم العصابات وقاتلتم الفِرق وقاتلتم رجالَ الله، وكنتم مهزومين خائبين في قتالكم… فكيف اليوم وأنتم تقاتلون رجالَ الأرض أولئك الأبطال الذين امتشقوا سيفَ سناء محيدلي وبندقيةَ وجدي الصايغ ورمحَ علي غازي طالب، وتوجّهوا ببعض زوابعَ إلى النصر الأكيد!

تصوير أكرم عبد الخالق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى