السفير سامي حداد لـ«البناء»: الجاليات اللبنانية ساهمت في تنمية البلدان التي هاجرت إليها وتركت بصماتها الإيجابية في مختلف مجالات الحياة

حاوره: سيمون حجار

يتسم سفير لبنان في السنغال الأستاذ سامي حداد بشخصية هادئة ورزينة، ويستقبل قاصده بكلّ ترحاب بحيث يشعر كلّ من يزوره أنه في بيته. إبن بلدة عين داره ساقته الدبلومسية إلى بلدان الاغتراب كان آخرها في كندا حيث عمل رئيساً للبعثة الدبلوماسية اللبنانية في أوتاوا ومن هناك انتقل إلى دكار ليتمّ تعيينه سفيراً للبنان، وتزامن ذلك مع الانتخابات النيابية الأخيرة التي منحت المغتربين الحق في الإقتراع في سفارات بلدهم، وقد كان حداد خير راع لعملية الاقتراع من موقعه حيث أشرف على كلّ التفاصيل المتصلة بهذا الاستحقاق، ومن خلاله أتيح له التعرّف على معظم أبناء الجالية اللبنانية الذين أحبّوه وأحترموه وبادلهم المحبة والإحترام.

«البناء» التقت سعادة السفير اللبناني في السنغال الأستاذ سامي حداد لتستطلع أحوال وأوضاع الجالية اللبنانية هناك وتضيء على العلاقات السنغالية ـ اللبنانية والعديد من النقاط التي تتصل بمهامه وإنجازاته.

بداية نأمل منكم إعطاءنا نبذة شخصية عن سعادتكم والمهام التي اضطلعتم بها في السلك الدبلوماسي؟

– أولاً أرحّب بجريدة «البناء» التي شرّفتني بهذا اللقاء في السفارة اللبنانية في دكار، هذه السفارة التي تمّ افتتاحها عام 1961 وتعاقب عليها العديد من السفراء اللبنانيين المشهود لهم بالكفاءة المهنية والأخلاق العالية. مسيرتي الدبلوماسية بدأت بعد التحاقي بالقطاع العام في لبنان عبر معهد الإدارة في مجلس الخدمة المدنية في العام 1995، وفي وزارة الخارجية والمغتربين عام 1998، ثم عملت لفترات متفاوته في السفارات اللبنانية في كلّ من قطر والكويت والبحرين وألمانيا وأندونيسيا وغينيا وكندا. وبعد تعييني سفيراً للبنان في السنغال وصلت إلى دكار في 15 شباط 2018 وقدّمت أوراق إعتمادي إلى فخامة رئيس الجمهورية السيد ماكي سال في 23 شباط. أما في ما يتصل بوضعي الإجتماعي فأنا متزوج من السيدة ناديا حداد ولدينا أربعة أولاد ثلاثة منهم يتابعون دراستهم الجامعية في جامعة أوتاوا.

تقوية العلاقات

هل توجز لنا أبرز الإنجازات التي تحققت منذ تسلمك مهامك وحتى اليوم؟

– ركزت اهتمامي منذ وصولي إلى السنغال على العمل لتقوية العلاقات مع الدولة المضيفة، ومواكبة أفراد الجالية اللبنانية في نجاحاتهم من جهة وفي مواجهة الصعوبات التي تعترضهم جراء الهجرة من ناحية أخرى. كذلك عملت على بناء جسر من علاقات الصداقة مع ممثلي وسفراء الدول الشقيقة والصديقة الموجودين في دكار. أما بالنسبة للعمل الإداري وفي نطاق السفارة أسعى للقيام ببعض الإصلاحات والترميمات الضرورية في المكاتب ودار السكن بالإضافة إلى تحديث الملفات العائلية ومكننتها وتسريع المعاملات القنصلية. وهدفنا كفريق عمل أن تكون هذه السفارة موضع فخر وإعتزاز لكلّ أبناء الجالية اللبنانية المقيمة في السنغال.

حياد إيجابي…

ما هي المخاطر التي تواجه الجالية اللبنانية في السنغال؟

– لقد أخذت الجالية اللبنانية بشكل عام موقفاً حيادياً من النزاعات على مختلف أشكالها القبلية والإثنية والدينية، وكذلك الصراعات السياسية. وهذا الحياد هو حياد إيجابي إذ أنّ الجاليات اللبنانية ساهمت في تنمية البلدان التي هاجرت إليها وتركت بصماتها الإيجابية في مختلف مجالات الحياة سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية في هذه البلدان.

لتعزيز الحضور التقني والإداري للسفارة

ما هي أبرز العقبات التي تواجهكم؟

– في إطار مواكبة تطوّر موقع الجاليات في الدول التي تغطيها هذه السفارة، تبرز ضرورة ماسّة لتعزيز الحضور التقني والإداري لهذه السفارة التي تغطي عدة دول في غرب أفريقيا. ويمكن أن يبدأ ذلك بتعيين دبلوماسي وتكليفه بالأعمال القنصلية حتى أستطيع شخصياً تخصيص وقت كافٍ للمهمات التي أشغلها على المستوى الدبلوماسي كسفير معتمد في عدة دول، إلى جانب تحقيق هدف الاستمرار بتأمين خدمات قنصلية على درجة عالية من المهنية. وهنا لا بدّ من التنويه بطاقم السفارة الإداري الذي يقوم بأداء مهامه بمهنية عالية واستقامة ويؤمّن رؤيتنا للخدمات القنصلية.

كيف تقيّمون وضع الجالية وحضورها في السنغال؟

– يوجد في السفارة 7442 ملفاً عائلياً نقوم حالياً بالعمل على تحديثها ومكننتها، ويقدّر عدد اللبنانيين في السنغال بأكثر من 25 ألف لبناني، يقطن أغلبهم في العاصمة دكار وضواحيها، ويتوزّع الباقي في المناطق الداخلية.

إنّ غالبية الاغتراب اللبناني في السنغال قديم العهد ويعود تاريخه إلى 125 عاماً إبتداءً من الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وتنتمي أكثرية الجالية اللبنانية حالياً إلى الجيل الثالث والرابع مما يجعل حضورها في السنغال راسخاً في مختلف المجالات الاقتصادية والمهنية والثقافية والاجتماعية. وتشمل نشاطات أبناء الجالية كافة القطاعات، بدءاً من قطاع الزراعة والأسماك والتجارة والصناعة وصولاً إلى المهن الحرة كالطب والهندسة والمحاماة، بالإضافة إلى قطاع السياحة حيث أسّس اللبنانيون فنادق ومطاعم ومراكز سياحية عديدة ذات مستوى عالٍ.

وفي مجال الصحة يوجد المئات من الأطباء والصيادلة من أصل لبناني. ولا ننسى أيضاً امتلاك اللبنانيين لأكبر وكالات السيارات ووكالات السفر، إلى جانب نشاطهم البارز في قطاع البناء حيث توجد شركات كبيرة تتولى مشاريع رئيسية حكومية وخاصة في السنغال والدول المجاورة، إضافة لموقعهم المهمّ في قطاع النقل البري والبحري وخدمات البواخر.

كم بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية الأخيرة وما رأيكم بهذه التجربة لناحية أنها جرت للمرة الأولى؟

شارك 296 شخصاً في عملية الاقتراع من أصل 400 كانوا قد سجلوا أسماءهم، أيّ بنسبة 67.25 بالمئة، وجرت عملية الاقتراع بهدوء ووسط حماسة من أبناء الجالية حيث سادت أجواء الوحدة بين المغتربين بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية والسياسية. وعبّر العديد منهم عن فرحه بالمشاركة لأول مرة بهذه الاستحقاق المرتبط بوطنهم الأم، وقد أثنت السلطات السنغالية على التنظيم والهدوء الذي رافق العملية الإنتخابية. ومما لا شك فيه أنّ عدد الذين سيشاركون في الانتخابات مستقبلاً سيكون أكبر خاصة أنّ كثيرين عبّروا عن أسفهم لعدم تمكنهم من المشاركة هذه المرة لأسباب متنوّعة.

هل تلعب السياسة دوراً أساسياً بين أبناء الجالية؟

تلعب السياسة اللبنانية بطبيعة الحال دوراً معيّناً بين بعض أبناء الجالية، ولكن دون أن يؤثر ذلك على انخراطهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في السنغال، وكذلك مع الحفاظ على علاقات الإلفة والوحدة بين أبناء الجالية مهما اختلفت إنتماءاتهم. وللجالية اللبنانية دور إيجابي للغاية في السنغال على الرغم من عدم مشاركتهم في الحياة السياسية فيها بشكل مباشر، علماً أنّ شخصين من أصل لبناني كانا قد أسّسا حزبين سياسيّين صغيرين في السنغال، كما تبوأ السيد علي حيدر منصب وزير البيئة وحماية الطبيعة في العام 2012. وعدا ذلك تقتصر مشاكة اللبنانيين في العمل العام على بعض أعضاء المجالس البلدية للمدن مثل السيدة سهام وارديني، نائب عمدة العاصمة دكار، التي زارت لبنان خلال شهر أيار الماضي وألقت كلمة خلال فعاليات مؤتمر الطاقة الإغترابية دعت فيها اللبنانيين للانخراط بشكل أكبر في العمل السياسي والشأن العام في البلدان التي استضافتهم ويعيشون فيها.

ما هو الدور الذي يلعبه اللبنانيون في تعزيز الوضع في السنغال؟

يشيد المسؤولون السنغاليون بشكل مستمرّ بالدور الذي تلعبه الجالية اللبنانية في السنغال على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد عبّر عن ذلك فخامة رئيس الجمهورية ماكي سالي عند تقديمي أوراق اعتمادي له، إذ أشاد بحيوية الجالية ومساهمتها في إنماء السنغال، مشدّداً على أنها جزء لا يتجزأ من الشعب السنغالي وتشكل اثنية من أثنياتها.

من ناحية أخرى شكّل أفراد الجالية منذ قدومهم حالة من التآخي والمشاركة الفعلية بمواجهة مصاعب الحياة وخصوصاً في الداخل السنغالي، وقد لاحظ السنغاليون هذا التآخي والتماهي مع المجتمع السنغالي وهم لا ينفكون يشيدون به في مختلف المناسبات.

غامبيا وموريتانيا أيضاً…

كيف تقيّمون علاقة لبنان مع الدول الأفريقية المجاورة للسنغال؟

إضافة إلى عملي كسفير مقيم للبنان في السنغال، عيّنت بموجب مراسيم صادرة عن فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون كسفير غير مقيم لدى كلّ من غامبيا وموريتانيا. وقد جرى التواصل بالطرق الدبلوماسية مع هذه الدول لإبلاغها بتسميتي والحصول على موافقتها وبالتالي التحضير لتقديمي أوراق الاعتماد لجانب رؤساء هذه الدول. وتساهم الجاليات اللبنانية المقيمة في هذه الدول بتقوية علاقات الصداقة التي تربطها مع لبنان. وتغطي هذه السفارة سياسياً وقنصلياً وبتكليف من وزارة الخارجية جمهورية الرأس الأخضر، كما تتابع معاملات اللبنانيين المقيمين في جمهورية مالي.

منح دراسية للسنغاليين في لبنان

هل من خطط لتفعيل العلاقات بين اللبنانيين في السنغال والبلد الأمّ وما هي تصوّراتكم للمرحلة المقبلة؟

أرى أنّ هناك ضرورة للعودة إلى هيكلية السفارة اللبنانية عند تأسيسها، إذ كانت تضمّ إلى جانب السفير والقنصل، مستشاراً اقتصادياً وملحقاً تربوياً يُعنى بشؤون تدريس اللغة العربية والنواحي الثقافية. كما كان لبنان حتى العام 1975 يُقدّم منحاً مدرسية سنوية لطلاب سنغاليين، ولا شك أنه إذا أُعيد العمل بهذا الإجراء فمن شأنه أن يساهم في تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدية وينعكس على الجالية اللبنانية. ولا شك أنّ من أهمّ واجبات السفارة مواكبة الجالية وتقوية ارتباطها بوطنها الأمّ لا سيما بالنظر إلى الدور الذي لعبته هذه الجالية في نهضة السنغال ولبنان على السواء.

برأيكم سعادة السفير هل من الممكن إيجاد رئيس للجالية اللبنانية في السنغال؟

تؤيد السفارة وتشجع ما تتوافق عليه الجالية اللبنانية ويؤدي إلى نجاحها وإبراز دورها في البلد المضيف. ولا شك أنّ مثل هذا الأمر يحتاج إلى إجماع من الجالية التي تتركز نشاطاتها حالياً حول جمعيات ومؤسسات تمّ تأسيسها منذ زمن وتقوم بدور كبير في أوساط اللبنانيين وكذلك المجتمع السنغالي.

لدى الجالية اللبنانية ثلاث جمعيات خيرية تعتني باللبنانيين وغير اللبنانيين من ذوي الاحتياجات الخاصة، هل ترون أنّ هناك إمكانية لتتحد هذه الجمعيات ضمن جمعية واحدة تحت راية الأرز؟

الأرزة اللبنانية تجمع اللبنانيين وجمعياتهم المتنوّعة ضمن إطار وطني واحد وهدف مشترك. ونذكر من هذه المؤسسات: المؤسسة الإسلامية التي تأسّست عام 1969، والرسالة اللبنانية التابعة للرهبنة المارونية وتأسّست منذ حوالي خمسين عاماً، والجمعية الثقافية لوحدة الإسلام منذ العام 2012. ويؤدّي المسؤولون عن هذه الجمعيات دوراً لافتاً وكبيراً في لمّ شمل اللبنانيين وإشاعة أجواء الوحدة والتفاهم في ما بينهم. أما جمعيات السيدات الخيرية وهي جمعية الهدى وجمعية سيدة لبنان وجمعية النور بدعم من الجالية كلها تقوم بدور فعّال في تقديم المساعدات للعائلات اللبنانية والسنغالية المحتاجة. ولا شك أنّ وحدة الهدف الإنساني لهذه الجمعيات تشكل مدخلاً مناسباً لتوحيد جهود ومؤسسات الجالية اللبنانية.

فائض الميزان التجاري لصالح لبنان

هل من كلمة أخيرة سعادة السفير؟

أودّ أن أشير فقط إلى أنّ العلاقات بين لبنان والسنغال اتسمت دائماً بالأخوة والصداقة حيث يتبادل البلدان التأييد في الترشيحات للمنظمات الدولية. وقد عبّرت السنغال عن وقوفها إلى جانب لبنان عبر مشاركتها في قوات حفظ السلام الدولية في الجنوب منذ العام 1978. كما يرتبط البلدان باتفاقيات تجارية ومالية وثقافية منذ العام 1963 ويجري العمل على تحديث عدد منها بشكل مستمرّ، أما ميزان التبادل التجاري بين لبنان والسنغال فقد تراوح من فائض لصالح السنغال بين عامي 1996 و1999 إلى فائض لصالح لبنان اعتباراً من العام 2000.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى