قلق تركي من سيناريو الجنوب في إدلب… وسوتشي ينعقد نهاية الشهر الاحتباس الحكومي أمام حاجز نهاية الشهر بين الانفراج والانفجار؟

كتب المحرّر السياسيّ

لم تؤثر الحملات الداخلية التي استهدفت لقاء هلسنكي في عزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المضيّ قدماً في التفاهمات التي عقدها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فتقصّد توجيه رسالة مزدوجة بهذا الخصوص، لشريكه الرئيس بوتين في قمة هلسنكي، بأنّ الحملة لا تغيّر في التفاهمات وللداخل الأميركي بأنّ مرحلة جديدة في العلاقة الأميركية الروسية قد بدأت ولن تردعها الحملات. فكلف ترامب مستشاره للأمن القومي جون بولتون، أحد رموز التطرف في العلاقة العدائية مع روسيا، بتوجيه الدعوة للرئيس بوتين لزيارة واشنطن في الخريف المقبل، وبدا ترامب مستنداً بقوة إلى جدار اقتصادي تمثله العائدات التي عاد بها من هلسنكي في مجال التفاهم على تقاسم سوق النفط والغاز في أوروبا مع روسيا، وجدار سياسي أمني يمثله الوصول إلى نصف تفاهم حول أمن «إسرائيل» أمام المتغيّرات التي تشهدها سورية في ظلّ انتصارات الجيش السوري وتوسّعه مع حلفائه جنوباً، عبر إعادة العمل باتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 74 دون التزام بانسحاب إيران وحزب الله، كما كانت ترغب كلّ من واشنطن وتل أبيب.

بالتوازي أطلقت القمة وتفاهماتها ديناميكية تفاوض بين القيادات الكردية والحكومة السورية من جهة، وتسريعاً تركياً بالسعي لتفاهمات حول منطقة إدلب، بدأت بالإفراج عن سكان الفوعة وكفريا كرهائن محتجزين من الجماعات المسلحة التي ترعاها تركيا، أملاً بتفادي الكأس المرّة لعمل عسكري يشبه ما شهده الجنوب السوري. وقد عبّر الرئيس التركي رجب أردوغان عن هذا القلق من العمل العسكري في إدلب في حواره الهاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يفترض أن يلتقيه قريباً لمناقشة الوضع في سورية ومسار أستانة، بينما أعلنت الخارجية الروسية أنّ اجتماعاً للمشاركين في مسار أستانة سيعقد في سوتشي نهاية هذا الشهر.

لبنانياً، وفي ظلّ الركود السائد على المشهد الحكومي رأت مصادر مطلعة أنّ نهاية الشهر الحالي تبدو جداراً لا يمكن تخطيه إلا بمبادرة متوقعة من رئيس الحكومة لتقديم تشكيلة حكومية تعتمد معياراً محدّداً في التأليف، فإما أن تسند تمثيل الطوائف إلى أغلبياتها النيابية، فيقبل عندها أن يحتكر تيار المستقبل تمثيل طائفته ومثله الحزب التقدمي الاشتراكي في طائفته، لكن يجب أن ينال مثلهما التيار الوطني الحر في طائفته، ويسقط بالتالي مبرّر تمثيل سواه، أو أن تعتمد التشكيلة على تمثيل نسبي للقوى السياسية في الحكومة بحجم تمثيلها النيابي، فيمنح للقوات اللبنانية وسواها ما يناسب هذا الحجم ويرتضي المستقبل والاشتراكي تمثيلاً موازياً لحجم كلّ منهما، وعندها يصبح السير بهذا المبدأ هو الحكم في تمثيل الآخرين، وتساءلت المصادر عن سبب السعي للإمساك بقدرة التعطيل الميثاقية بأربعة مستويات مستغربة ما لم يكن ثمة ما يجري التحسّب له قبل ولادة الحكومة بنيات مبيّتة لا تطمئن. فمن جهة تمثيل الدروز بفريق واحد، ومن جهة ثانية تمثيل السنة بفريق واحد، ومن جهة ثالثة توزيع التمثيل المسيحي لنزع الصفة الميثاقية من يد الفريق المؤيد لرئيس الجمهورية، ومن جهة رابعة تجميع أربعة عشر وزيراً يمثلون أكثر من الثلث المعطل لفريق سياسي هو ثلاثي المستقبل والقوات والاشتراكي مقابل نصف التمثيل الوزاري أيّ سبعة مقاعد لثنائي حركة أمل وحزب الله وحلفائهما، رغم الحجم النيابي المتساوي للفريقين، 45 لثنائي أمل وحزب الله وحلفائهما في الثامن من آذار، دون التيار الوطني الحر وحلفائه، و44 نائباً لثلاثي المستقبل والاشتراكي والقوات. وختمت المصادر مع نهاية الشهر إما أن نكون أمام انفراج ينتهي بولادة الحكومة أو ربما أن نكون أمام تصعيد سياسي متبادل بين الأطراف يُخشى أن يتحوّل انفجاراً سياسياً يفتح الباب لأزمة سياسية مديدة.

اشتباك جعجع – باسيل يُعقِد التأليف

يبدو أن قيادة الجيش ستحتفل بعيدها هذا العام بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لكن بحضور رئيس مكلَّف لا أصيل، وحكومة تصريف أعمال لا حكومة أصيلة وشرعية، إذ لا إشارات توحي إحراز المعنيين بالشأن الحكومي تقدّماً في مسار التأليف خلال الأيام الفاصلة عن الأول من آب المقبل، لا سيما أن الرئيس المكلف سعد الحريري سيكون الأسبوع المقبل خارج البلاد في إجازة خاصة بين إسبانيا ولندن، فيما يغادر الوزير جبران باسيل المكلف التفاوض بملف الحكومة كرئيس لتكتل لبنان القوي الى الولايات المتحدة، للمشاركة في مؤتمر لوزارة الخارجية الأميركية، حيث سيلتقي باسيل، بحسب المعلومات، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ووزير الخارجية الأميركي على هامش المؤتمر. وبالتالي لن يعود قبل نهاية الأسبوع المقبل مما يعني أن الجمود سيسود عملية التفاوض في ضوء العقدة المسيحية التي لا تزال العقدة الأساس، بحسب ما قال أكثر من مصدر لـ«البناء».

هذه المراوحة القاتلة تتزامن مع عودة التراشق السياسي والإعلامي بين الوزير باسيل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي شنّ هجوماً على رئيس التيار أمس، محمّلاً إياه مسؤولية تفجير الوضع بعد كل اتفاق بين «القوات» والرئيس ميشال عون على إرساء التهدئة. ولفت جعجع في حديث صحافي إلى أن «مهمة التأليف تقع على عاتق الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية. ولماذا يتنطّح باسيل ويأخذ دور رئيس الجمهورية؟». وأضاف: «متمسكون بتفاهم معراب وإذا كان باسيل راغباً في نقْضه فهو حرّ. نكنّ كل الاحترام والتقدير لرئيس الجمهورية وأقصى تمنياتنا أن ينجح هذا العهد، وأكثر مَن يقوّض العهد هو تصرّفات باسيل. وأقول ذلك بكل أسف».

وفيما يبدو أن دائرة التباعد تتسع بين باسيل والرئيس المكلف برز الى الواجهة تقارب بين الأخير ورئيس القوات، فعقب قول باسيل إن مهلة التأليف قد شارفت على نهايتها، سارع جعجع أمس الى الردّ على باسيل واتخذ صفة محامي الدفاع عن الحريري بقوله بأن لا مهلة تقيد الرئيس المكلف في تأليف الحكومة وأن الكلام عن مهلة خطأ كبير، مؤكداً أن الحريري لن يعتكف أو يستسلم.

وعلى ضفة أخرى، يبدو أن وتيرة التصعيد بدأت تتصاعد تدريجياً بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل كلما طال أمد التأليف. فبعد الكلام الذي نُقل عن رئيس الجمهورية بأن صدره بدأ يضيق، وكلام باسيل بأن مهلة التأليف بدأت تنفد، أشار عضو «كتلة المستقبل» النائب محمد الحجار غامزاً من قناة رئيس «التيار الحر» أنّ «هناك مَن يضيّق صدره بتكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة»، مشيراً الى أنّ «لا شيء في الدستور يأتي على ذكر مهلة محدّدة للتكليف». وحذّر في حديث تلفزيوني، من أنّ «أي مسّ بصلاحيات الرئاسة الثالثة أمر غير بسيط، ومن يراهن على إحراج الحريري فإخراجه، «فليخيّط بغير هالمسلّة»، مشدّدًا على أنّ «البعض يحاول أن يقدّم نفسه وكأنه مَن يتولّى تأليف الحكومة، فيما مسؤولية التأليف حصرية بالرئيس المكلف».

السنيورة استمهل بري…

وبعد أن لوّح رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعقد جلسة نيابية عامة لمناقشة الوضع الحكومي الأسبوع المقبل، إذا استمرت حالة المراوحة في عملية التأليف، وفيما نقلت مصادر الرئيس سعد الحريري عنه استياءه من عقد هذه الجلسة، لأنه سيتحمّل وحده سهام النواب وتظهره على أنه المسؤول عن تأخير التأليف وتُعد مساً بصلاحياته، دخل الرئيس السابق فؤاد السنيورة على الخط مستمهلاً رئيس المجلس لعدم عقد هذه الجلسة، وذلك خلال زيارته عين التينة أمس. وأكد السنيورة في تصريح مساء أمس، أن «الرئيس بري سيعالج الأمر بتبصر وحكمة انطلاقاً من الحفاظ على الدستور واتفاق الطائف، ما يعني احترام صلاحية رئيس الحكومة المكلف».

..والعقدة الدرزية تتعقد

وفي موازاة ذلك، يبدو أيضاً أن العقدة الدرزية لا تقل صعوبة عن العقدة المسيحية وسط تصاعد التوتر بين رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان. وفي وقت لوحظ صمت تام عن الكلام من قبل نواب ووزراء التيار الوطني الحر وتكتل لبنان القوي التزاماً بقرار قيادة التيار، وجّه التيار الوطني الحر رسائل الى المختارة عبر الوزير أرسلان الذي حمل بشدة على جنبلاط في حيدث لقناة الـ»او تي في» قائلاً: «يجب أن يشكر رئيس مجلس النواب نبيه صبحاً وظهراً وعشية، لأنه أمّن له كتلة من 7 دروز، فهذه ليست من ذراع جنبلاط وحده». وتابع: أنا لا يهمني عندما يواجهني جنبلاط بعضلاته، ولكنّه يواجهني دائماً بعضلات غيره، تارةً بعضلات السوريين وأخرى بعضلات السعودية أو عضلات الرئيس بري». متوّجهاً لكلّ من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري: «حذارِ من التهاون بشكل ومضمون الحكومة، نصيحة أخوية «اوعا تحطّوا رقبتكم بين إيدين أحد لأنو مش رقبتكن الشخصية، بل رقبة البلد».

وقد رفع أرسلان من سقف مطالبه الأمر الذي سيعقد حل العقدة الدرزية أكثر، حيث قال: «لن أقبل إلاّ ان أتمثّل الحزب في الحكومة المقبلة عن حصة الدروز ولن أقبل إلاّ بحقيبة «محترمة». في المقابل أكد جنبلاط أن «الأمور لا زالت تراوح مكانها بالنسبة لتشكيل الحكومة ولكن سنسعى لتحسينها». وعن إمكانية تخفيض الحزب التقدمي لسقف مطالبه قال جنبلاط: «الآن ليس وقت تقديم تنازلات طالما غيرنا لن يقدم تنازلات».

وفي ضوء الاشتباك الجنبلاطي الارسلاني برز طرف جديد على الساحة الدرزية عبر اجتماع عقد أمس ضمّ النائب السابق فيصل الداود، والنائب السابق فادي الأعور، ورئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب في مكتب الأخير، وتم الاتفاق على «إطلاق تحرك موحد كفريق واحد في مواجهة التطورات على الساحتين اللبنانية الدرزية».

دفعة جديدة من النازحين إلى سورية الاثنين

على صعيد آخر، وفيما تواصل اللجنة المكلفة من قبل حزب الله مهمتها في تسهيل إعادة النازحين السوريين الى سورية مواكبة للجهود الرسمية التي يبذلها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، أعلن الأخير عن دفعة جديدة من النازحين في كل من عرسال وشبعا ستغادر الى سورية في الأيام القليلة المقبلة، وقد أوضحت مصادر مطلعة على ملف النازحين لـ«البناء» بأن هذه العملية ستتم الاثنين المقبل ويبلغ عدد الذين سيغادرون الأراضي اللبنانية حوالي 1200 نازح من عرسال فقط، وهؤلاء ضمن 3000 نازح سجلوا أسماءهم لدى الأمن العام للعودة، مشيرة الى أن «السلطات الأمنية المعنية في سورية وافقت على هذه الأسماء». ولفتت المصادر الى أن عودة دفعة جديدة مؤشر إيجابي في إطار تشجيع كل النازحين على العودة لأن في ذلك مصلحة للنازحين وللبنان»، لكن رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لفت لـ«البناء» الى أنه «رغم أهمية التواصل الأمني بين لبنان وسورية عبر اللواء إبراهيم إلا انه غير كافٍ لإعادة كل النازحين في لبنان»، موضحاً بأن الأمر يحتاج للتواصل بين الدولتين اللبنانية والسورية على مستوى الحكومتين بما يؤمن ضمانات أكبر بكثير للنازح السوري». وأشاد الحجيري بمبادرة حزب الله ولعب دور الوساطة مع القيادة السورية كمرحلة مؤقتة ريثما يتبلور الموقف الرسمي اللبناني الذي يعاني من انقسام وخلاف سياسي حول هذا الملف، ومعتبراً أن «حزب الله من خلال علاقته مع الدولة السورية ووجوده الميداني الفاعل على الأرض السورية من الممكن أن يشكّل ضمانة أساسية للنازحين».

وأكّد اللواء إبراهيم أنّ «ملف عودة النازحين السوريين يسير أيضًا على وقع الوضع الأمني في سورية»، واعدًا بأنّ «الملف سيصل خواتيمه مهما طال الوقت».

وفي مجال آخر، لفت إبراهيم في تصريح تلفزيوني الى أنّ «الجيش اللبناني والقوى الأمنية كافّة وبخاصة الأمن العام تشارك في الخطة الأمنية الّتي أُقرّت مؤخّرًا وتشمل منطقة بعلبك – الهرمل». موضحاً أن «الدولة يجب أن تلتفت إلى الشق الإنمائي في هذه المنطقة».

وفي سياق ذلك، افتتح اللواء إبراهيم أمس، المبنى الجديد لدائرة أمن عام البقاع ومركز أمن عام بعلبك الاقليمي بحضور نواب تكتل بعلبك الهرمل. في المقابل كلّف الرئيس بري لجنة اختصاصيين لـ«إعداد صيغة قانون لتشريع زراعة القنب الهندي أو الحشيشة للاستعمالات الطبية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى