نتائج «هلسنكي» السريعة حطّت عند الحريري

روزانا رمّال

صار أكيداً بما لا يدعو للشك في أن الأمور بعد قمة «هلسنكي» أخذت تتحرك بمنحى سريع باتجاه حلحلة الأزمات العالقة التي تتفرّع عن الأزمة السورية أبرزها أزمة النازحين التي أتى الرئيس فلاديمير بوتين على مرأى ومسمع من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المؤتمر الصحافي الذي عقب القمة بالتشديد على أن بلداناً كلبنان والاردن وتركيا وغيرها لم تعد قادرة على تحمل أعباء هذا اللجوء. تماماً كما هي الحال في أوروبا، حيث مخاطر تدفق اللجوء من هذه البلدان لا يزال قائماً. وبالتالي طرحت القمة هذا الملف بشكله الأخير بإعلان توافق أميركي روسي حول مبدأ «العودة» من دون ربطه بالحل السياسي في سورية. وهو الأمر الذي لم يكن وارداً قبل هذه القمة. والمفارقة هنا أن الرئيس دونالد ترامب علل هذا التوجه الجديد بوضعه ضمن إطار مساعي إيجاد حلول لإنقاذ حياة ملايين من البشر كحالة «إنسانية» يتوجب إيجاد حل مناسب لها.

وكأن هذه الحالة الطارئة وغير المقبولة في كل الاعراف الدولية لجهة الواقع المعيشي المرير للجوء هي حالة مستجدّة ولم تكن واقعة لأكثر من ثماني سنوات، إلا أنها اليوم لربما صارت أكثر إلحاحاً بالنسبة للأميركيين وبكل الأحوال تبقى القراءة السياسية الوحيدة في هذا الإطار واقعة ضمن تحوّل أميركي لجهة الاقتراح الروسي لإيجاد حلّ سريع للنازحين بعد سقوط رهان الأميركيين في الإبقاء على النزوح كمادة ضاغطة على الأنظمة المعنية والتي طرح عليها في غير مرة قبول «التوطين» أو اندماج اللجوء كأمر واقع ومن ضمنها لبنان مع عروض وزيارات دولية مباشرة لكبار الشخصيات الدولية آخرها المستشارة الألمانية انجيلا ميركل الى الاردن فلبنان.

في لبنان تحوّل مشابه يتماهى مع الاستدارة الأميركية نحو الرئيس بوتين ومقترحه دخول روسيا المباشر على خط متابعة عودة اللاجئين السوريين الى أرضهم. وهذا التحول يتمثل بطلب الحريري من مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان، التواصل مع المسؤولين الروس للوقوف على تفاصيل الاقتراحات التي أعلنتها موسكو، بخصوص إعادة النازحين السوريين من لبنان والأردن والمقصود طبعاً ضمناً في قمة «هلسنكي».

ومتابعة لطلب الحريري أصدر مكتبه بياناً أكد فيه في ما بدا تحركاً سريعاً أنّ «شعبان اجتمع لهذه الغاية مع الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف واطلع منه على تفاصيل المقترحات المحدّدة الّتي أعلن عنها رئيس المركز الوطني لإدارة شؤون الدفاع الروسي الفريق أول ميخائيل ميزينتسيف، حول «تنظيم عودة النازحين الى الأماكن الّتي كانوا يعيشون فيها قبل الحرب.»

أما بالنسبة للرسالة الخاصة التي حملها شعبان الى بوغدانوف فقد حملت حرارة من الحريري نحو أي خطورة روسية في هذا الإطار. وتكفل شعبان بوضع بوغدانوف بصورة هذا التوجه الذي يشاطر الحريري فيه موسكو، لجهة إيجاد أي حل يعود بالفائدة على الطرفين اللبناني والروسي. في هذا الإطار بما يتعلق بتعاون مشترك من اجل رسم الخطوط العريضة لآلية «عودة النازحين»، وبخاصّة عودة النازحين من لبنان والأردن، حيث الاهتمام الروسي المنكبّ بعد أن بدت تركيا أكثر ميلاً للتعايش مع بعض النزوح وتجنيس الآخر وإيجاد حلول من دون تدويل الأزمة بل وبالعمل للاستفادة منها وصلت حد «الابتزاز».

وبالعودة لمسار شعبان بوغدانوف، فقد أكد الجانب اللبناني الرغبة بالانضمام لمجموعة العمل المشترك، وفقًا لما ورد في الإعلان الروسي مؤكداً أن الرئيس المكلف سعد الحريري يعوّل على هذه الخطوة كثيراً الّتي من شأنها أن تؤسّس لمعالجة أزمة النازحين في لبنان وتضع حدًّا لمعاناتهم الإنسانية، وارتداداتها الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة على البلدان المضيفة وفي مقدّمتها لبنان».

تأطير إنساني للأزمة من جديد من بوابة العودة بدلاً الإبقاء على وجودهم في لبنان، لكن فصل هذا المسار عن السياسة سيبدو «ساذجاً» لكثرة ما تحمل من تجاذبات، وما الخطوة المحلية الرسمية باتجاه روسيا إلا تقدم خطوة نحو الاعتراف بضرورة العودة أولاً وبإسقاط تكليف التمسك بالنزوح السوري الى ما لا نهاية ثانياً، وبتجاهل مسألة «العودة الآمنة» كشرط بعد دخول روسيا وسيطاً. وما موسكو بهذه الحال الا طرف مؤيد للدولة السورية الحالية التي تمثل بالنسبة للحريري خصماً سياسياً كبيراً.

أصوات محلية مشابهة ارتفعت لتؤيد الخطة الروسية، بما فيها الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية الذي كان قد رفض اي خيار لا يؤمن العودة «الآمنة» للنازحين بعد أن صارت هذه المعضلة أحد أبرز معطلات الخطوة ليعود استذكار حزب الكتائب هنا كأول مَن اقترح هذا التعاون مع الروس منذ ما قبل قمة هلسنكي موضع تقييم.

اللافت ان حزب الله كان قد أعلن إسناد مهمة متابعة ملف عودة النازحين الى النائب نوار الساحلي، وبدأ التنسيق والعمل الواسع والجدي بهذا الإطار بما بدا إعلاناً عن مباشرة العمل من دون انتظار الحكومة مع متابعة دقيقة للأمن العام اللبناني ومباشرة اللواء عباس إبراهيم الملف بسياقه المتصل، في الوقت الذي عادت فيه دفعات أولية الى سورية من النازحين ليأتي الصوت الأكثر «إزعاجاً للبعض وهو صوت التيار الوطني الحر بشخص رئيسه جبران باسيل الذي أثبت بتقاطع الظروف والمصالح والقمة الحدث أن قمة «هلسنكي» صبّت لجهة التوافق مع توجهه المسبوق بهذا الإطار.

الأهم أن مفاعيل قمة هلسنكي حسب مصدر متابع لـ «البناء» بدأت بـ«تأثيرها السريع والمباشر على لبنان ومن المتوقع أن يكون الرئيس المكلف سعد الحريري أكثر المعنيين بهذا التطور الأميركي الروسي الكبير الذي سيؤثر بشكل مباشر على تعجيل تشكيل الحكومة بعد سقوط الخلاف على عودة النازحين الى سورية قبل الحل السياسي النهائي ونزول الأفرقاء جميعاً عند هذا الخيار».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى