لماذا لبنان جزء من إعادة إعمار سورية؟

د. وفيق إبراهيم

فعل الرئيس ميشال عون حسناً بربط دولته بالآليات الروسية ـ الأميركية لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم. ومن المنتظر أنّ يحقق في القريب العاجل إنجازات أكبر على مستويين لهما أيضاً تداعيات على الداخل اللبناني. وهما: التنسيق السياسي ـ الأمني في وجه خلايا إرهابية لا تزال تنتشر في الزوايا العميقة للبلدين، ومشاركة لبنانية عامة وخاصة في إعادة إعمار سورية، لجهة النازحين، التحق لبنان بالتفاهم الروسي ـ الأميركي لإعادتهم إلى سورية، وكذلك فعل الأردن. ومن المعتَقد عودة قريبة لمليون ونصف سوري من البلدين في أوقات قريبة، على أنّ تليها موجات أخرى للعودة، تستوعب ما تبقى من نازحين لتُعلن سيادة الدولة على الكتلة الأكبر من مساحتها وتمثيلها للناس.

مقابل حصر الإهاربيين في إدلب واحتلال تركي للشمال وآخر أميركي ـ أوروبي لشرق الفرات تغطّيها مجموعات من الكرد.

وهذا يدلّ على أنّ المعارك المقبلة لن تكون إلا من إدلب وتتوسّع نحو الشمال، حيث الاحتلال التركي، إلاّ في حالة نجاح الروس في سحبهم سلمياً.

وكذلك الموضوع الأميركي في الشرق الخاضع بدوره لتفاهمات مع الروس.

لبنان إذاً انتسب بعد دهر من الرفض، إلى الآليات الروسية لنقل النازحين إلى مناطقهم السورية. وكان سبب هذا الرفض، الالتحاق الرسمي اللبناني بالسياسات السعودية ـ الأميركية التي تعتبر النازحين فبارك لإنتاج الإرهاب ودفعها للعمل الإرهابي في سورية وبلدان أخرى.

هناك إذاً مرحلة سياسية جديدة في لبنان أصبح فيه رموز منع النازحين السوريين من العودة إلى بلدهم، جزءاً من المؤيدين لعودتهم والمشاركين في تنظيمها والمزايدين كعادتهم في كل الأمور رفضاً وقبولاً.

لكن سبب هذا التغير ليس عودة السعوديين إلى رحاب الهوى، بقدر ارتباطه بتحرير الجنوب السوري وانتهاء الوظيفة الكبرى للإرهاب في مناطق تربط بين الحدود السورية مع كل من الجولان المحتل والأردن والعراق ولبنان… وهذا يعني انتشار الجيش السوري على هذه الأراضي وتقليص الأدوار الإرهابية إلى الحدود الدنيا.

عند هذا الحدّ، تظهر وطنية الرئيس ميشال عون الذي تلقف الكرة باسم مصالح بلاده فاتحاً خطوطاً غير مرئية مع الدولة السورية، ولأنه يعرف أنه لا بدّ من السياسة مهما طال الزمن… فقد عقد علاقات أولية مع الدولة السورية. وهذا عمل سياسي صرف، أخضعه لعامل السرية خشية صيحات المتسعودين والمتأمركين وقسماً من المتأسرلين وحرصاً على إنجاحه.

لذلك فالرئيس عون يعكس اليوم إلى حد كبير رؤيته الدقيقة لإعادة بناء لبنان على وقع إعادة إعمار سورية بروحية علاقاته الاستراتيجية مع حزب الله في اتفاقية مار مخايل الوطنية.

ما هي البدايات؟

تتلخّص بالاتفاق على محاربة الإرهاب في جزئه اللبناني. وهذا ما لم يقصّر فيه الرئيس عون إلى درجة أنه جرّده من تغطيته اللبنانية ذات الشقين: السياسية والدينية. فهناك أحزاب سعودية الهوى لا يزال بعض أجنحتها متماهياً مع جماعات إرهابية، بالإضافة إلى التغطية الكبيرة من حزب القوات «الجعجعي» وبعض الأطراف الأخرى التي لا تنفك تهاجم الدولة السورية.. الأمر الذي لا يستفيد منه إلا الإرهاب في سورية.

لكن العماد عون لم يأبه لهذه الترّهات، فتجاهلها مواصلاً سياسة انفتاح بناءة لها ثلاث طبقات منفصلة في الشكل ومترابطة مضموناً. الطبقة الأولى وهي العلاقات السياسية التي لم تقتصر كما يعتقد البعض على علاقات اللواء عباس إبراهيم بنظرائه السوريين هي مشكورة وهامة.

يبدو أنّ وزراء محسوبين على الرئيس عون أدّوا خطوات تقاربية كبيرة، من المنتظر أن تؤتي أكلها في القريب من الأيام.

الأمر الذي يُظهر أن البدايات السياسية تسجّل تراكمات لمصلحة تحسين العلاقات السورية ـ اللبنانية، باستثناء أبواق خليجية الهوى وأميركية السياسية، لا تزال تنفخ في أبواق الفتنة غير عابئة بمصالح اللبنانيين والبلاد عموماً.

أما المرحلة الثانية، فهي مسألة فتح المعابر السورية ـ اللبنانية، أقتصادياً وأمنياً بانتظار تحسّن العلاقات السورية مع الأردن. وعندها يجري فتح أهم خطوط اقتصادية نحو الأردن والعراق. ما يؤدي إلى إنتاج أهم منطقة اقتصادية في المشرق العربي. لكن الخطوة التي من المنتظر أن تدفع أوضاع لبنان إلى الشفاء تتعلّق بإعادة إعمار سورية واستتباعاً العراق.

لماذا؟

لأن سورية لا تستطيع استيعاب الاستيراد الخارجي لمواد لازمة لإعادة اعمارها، فتشكل مرافئ طرابلس وجونيه وبيروت موانئ حاضرة وجاهزة لاستقبال الحاجات السورية وإعادة توضيبها وشحنها إلى سورية القريبة. مع الملاحظة أن المسافة بين بيروت ومناطق دمشق والجنوب أقرب من المسافة بينها وبين الساحل السوري، وكذلك الحال مع مرفأ طرابلس.

الأمر الذي يؤدي إلى إعادة تنشيط جزء أساسي من خطوط الترانزيت اللبنانية وارتباطاتها المصرفية.. فيجد عشرات آلاف اللبنانيين أعمالاً بعد بطالة دامت سنين وقلصت حجم الطبقة الوسطى.

إنّ هذه الحركة قابلة للازدهار مع تحسّن علاقات الشام بالأردن وتراخي الضغط الأميركي المانع لعلاقات جيدة مع العراق، ويجب هنا الانتباه إلى أنّ هذه السياقات ليست النهاية… بل بداية علاقات تفتح الطريق لمئات شركات البناء اللبنانية لتدخل السوق السورية دخول الفاتحين. وتنقل معها آلاف العاطلين عن العمل من المهندسين وتقنيي البناء، لتساهم في إعادة إعمار سورية، بمؤسساتها المنهارة ومبانيها.

بالترجمة الاقتصادية لما تقدم يتضح أن اعادة ترميم عميقة للطبقات الاقتصادية في لبنان، من الممكن توقعها.. ولن تقتصر على أصحاب الاعمال من أبناء الطبقة العليا، ولا على إعادة إنتاج الطبقة الوسطى المتضعضعة، بل تشمل أيضاً الطبقات الفقيرة التي تصبح لديها فرص هائلة في السوق اللبنانية بعد ازدهارها لارتباطها بالسوق السورية، من جهة، وبعد رحيل المنافسين منها إلى بلدانهم.

لبنان ذاهب بتحالف عون ـ حزب الله إلى حالة ازدهار فعلي، لن ينفع معها صراخ مناصري الخط السعودي ـ الأميركي. وإنّ غداً لناظره قريب، ممن لا يزالون يراهنون على هجوم إسرائيلي لن يحدث أبداً بسبب القدرة العالية لأهل المقاومة وحلفائها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى