انسحاب حزب الله و«القوات الإيرانية» من سورية جدلية «محسومة»؟

روزانا رمّال

حرب الحدود السورية مع الاحتلال الإسرائيلي هي الملف الأوحد الذي يحتل اهتمام القوى الدولية الكبرى. فشكل تسكير هذا الملف بالكامل وضمان امن «إسرائيل» والاطراف المعنية دولياً بدخول المفاوضات حول مجمل الازمة السورية لا يزال موضع بحث وجدل كبير. وهذا الملف خضع لتحديات كبرى تمثلت بدعم إسرائيلي كامل لكل المجموعات المسلحة المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد منذ بدء الأزمة السورية حتى وقت قريب. وهذه الحدود أيضاً أي «الجنوبية» كانت مسرحاً لإرسال رسائل صارخة بوجه إيران والضغط عليها بما يتعلّق بالملف النووي الإيراني وبحرب اليمن وما بينهما من تحدّيات ربطت بتغيير المنطقة وأنظمتها.

إيران التي تستهدفت في غير مرّة مع حلفائها، خصوصاً في القنيطرة واغتيال جهاد مغنية ضابط وعقيد إيراني مع اقتراب توقيع طهران على الاتفاق مع الدول الغربية في محاولة إسرائيلية لاستدراجها نحو تصعيد ينسف هذا المخطط تعاطت بهدوء كامل مع كل اعتداء إسرائيلي، كذلك الأمر بالنسبة لحزب الله ومن ورائهما الجيش السوري حتى صارت عمليات الرد من قبل هذا المحور مدروسة، ليبقى التساؤل الاساسي عن طبيعة العلاقة بين سورية وحلفائها قائماً، خصوصاً لجهة عدم وضع خطة انسحاب واضحة لهم بعد الأزمة، على الرغم من ان امين عام حزب الله أعلن في وقت سابق انسحاب عناصره من العراق، كذلك التوجّه نحو ذلك في سورية عندما تنتفي الحاجة إلا أن هذا لا يعني ان الحزب وضع نفسه ضمن اجندة اقليمية او دولية، لان مجمل مواقفه السياسية تتمحور حول «الدولة السورية» وموافقتها على بقائه في سورية أو طبعاً العكس بدون وضع اعتبارات للحسابات الدولية. كذلك الأمر في ما يتعلق بإيران فقد تعرّضت لحملة سياسية وعسكرية كبيرة من أجل الانسحاب من سورية والضغط باتجاه ذلك كان لتركيا دور واسع بهذا الإطار تمثل بشرط انسحاب قواتها مقابل انسحاب القوات الأجنبية عن كامل الأرض السورية منها إيران وحزب الله ليأتي الجواب الإيراني قبل 3 أعوام مكرراً اليوم أن الوجود الإيراني مقرون بحاجة دمشق ورغبتها، وأن الأخيرة وحدها القادرة على اعتبار أن الحاجة لمثل هذا الوجود قد «انتفت».

تكشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية اليوم عن إبرام «صفقة» بين روسيا و »إسرائيل» حول سورية ، مفادها ان «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو توصلا قبل لقاء الرئيسين الروسي والأميركي في هلسنكي في 16 تموز، إلى اتفاق «تعترف» بموجبه «إسرائيل» بسيطرة الجيش السوري على محافظات درعا والسويداء و القنيطرة في الجنوب السوري وتلتزم باتفاق فضّ الاشتباك الصادر في عام 1974 مقابل أن تتعهد موسكو بإقناع إيران بألا تقترب قواتها من الحدود السورية الإسرائيلية على مسافة لا تقل عن 80 كيلومتراً، وتَعِد بعدم الاعتراض عندما تقصف «إسرائيل» أماكن وجود أسلحة إيرانية في الأراضي السورية.

وأضافت الصحيفة الأميركية أنه تم تأييد هذا الاتفاق خلال لقاء بوتين وترامب في فنلندا .

الكلام المنشور هو حصيلة متابعة ما قبل مشاورات هلسنكي وزيارات متتالية لنتنياهو الى روسيا، حيث تقبلت «إسرائيل» الوساطة الروسية في السنوات المقبلة مع ضمانات بهذا الاطار من حلفائها ليلفت عدم طرح انسحاب الإيرانيين من سورية وحزب الله وكذلك بعدهم عن الحدود، بل طرح فكرة «الابتعاد» لـ 80 كلم ما يشي بنزول إسرائيلي عند الامر الواقع الذي يفيد بعدم إمكانية إحداث خرق بهذا الاتجاه. فالسوريون على ما يبدو متمسكون بالوجود الإيراني ومعه حزب الله على أساس أنهم اصحاب الارض والسيادة والقرار.

المسألة هنا باتت تتعلق بالوجود الروسي أيضاً، فلا يمكن للسوريون اليوم تقبّل فكرة الإبقاء على قواعد روسية حليفة طويلة الأمد ومنشآت عسكرية ترسم المرحلة المقبلة مع عناوين عريضة لتقاسم روسي أميركي لميزان القوى في المنطقة وتسليم بقوة روسيا مقابل اعتبار الوجود الإيراني ومعه حزب الله الذي قدّم «دماء» وعناصر بشرية لم تقدّمها روسيا بمعناها الواسع كوحدات قتالية بالحجم الذي قدمته إيران وحزب الله، ولا يمكن بالتالي تعاطي الدولة السورية بازدواجية من هذا النوع. لهذا يبدو أن دمشق تقصّدت إرسال رسائل مباشرة للمجتمع الدولي حول طبيعة العلاقة بكل من إيران وروسيا وحزب الله، أي بالحلفاء وهي علاقة مبينة على انسجام كامل واحترام لأحجام واوزان وادوار ساهمت جميعها بدحر الإرهاب عن مجمل اراضيها. وبالنسبة لتركيا التي تدرك أن سحب البساط المتمثل بنفوذ قديم في الحدود المقابلة شمالاً قد حسم لصالح سورية مع انتظار معركة دقيقة في إدلب تتوضّح بعدها مسألة الوجود الأجنبي بشكله الموسّع أما الآن وحتى ذلك الحين فإن التعاطي السوري مع وجود الحلفاء بات جدلية محسومة لناحية استخدامه أوراق ضغط وتصعيد واحتواء أيضاً لطاولات مفاوضات صارت أقرب من أي وقت مضى الى نضوج نتائجها. فكيف بالحال إذا كانت الجبهات لا تزال أشد ارتباطاً من أي وقت مضى على الرغم من محاولات فصلها دون نجاح بين اليمن والحضور الإيراني – السعودي النفوذ وسورية واقتسام النقاط ودائرة النفوذ؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى