الجيش السوري يقترب من إنجاز سياديّ كبير جنوباً ويستعدّ للتوجه شمالاً «القومي» يُطلق مبادرة وطنية لعودة النازحين تبدأ بهيئة برلمانية مشتركة

كتب المحرّر السياسيّ:

فتحت حكومة الاحتلال منصة الرسائل العسكرية منذ قمة هلسنكي والتفاهمات التي لم تجلب لها ما طلبت لجهة مخرج يحفظ ماء الوجه، وتستطيع تقديمه كإنجاز أمني يغطي هزيمة المشروع الذي استثمرت عليه لتدمير الدولة السورية، وتفتيت جغرافيتها واقتطاع جزء منها كحزام أمني وتتمة لمشروعها بضمّ الجولان المحتلّ، وحلمت بالحصول على انسحاب إيران وحزب الله من سورية لتصوير انتصار سورية على مشروع الحرب واستعادة الدولة لسيادتها على كامل الجغرافيا السورية التي استهدفها العبث الدولي والإقليمي، بصفته مجرد صفقة كانت «إسرائيل» جزءاً منها، بل العراب الرئيس لها، ووجدت ضالّتها بالعودة الانتقائية لبنود فك الاشتباك المعمول به منذ العام 1974 والذي أسقطته حكومة الاحتلال علناً، لاستبداله بقواعد اشتباك تتضمن إطلاق اليد لاعتداءاتها على كامل الجغرافيا السورية وإنشاء حزام أمني على حدود الجولان، ولما لم تلقَ دعواتها آذاناً صاغية من الحكومة السورية التي واصلت بصمت عملياتها لتحرير الجنوب السوري من سيطرة الجماعات التي رعتها وشغلتها حكومة الاحتلال، ذهب رئيس حكومة الاحتلال مراراً إلى موسكو أملاً بالحصول على مبتغاه، ولما فشل راهن على قمة هلسنكي، ولما فشل، وجاءه العرض الروسي بمفهوم فك الاشتباك الأصلي، لجهة وقف الانتهاكات للسيادة السورية جواً وبراً، وفتح ملف الانسحاب من الجولان وفقاً للقرارات الأممية 242 و338 التي تشكل سند اتفاق فك الاشتباك، ومن دون المقابل المرتجى بانسحاب إيران وحزب الله، بدأت الرسائل العسكرية «الإسرائيلية» للتلويح بأنّ خطر التصعيد سيورّط الجميع ما لم يتمّ الوقوف على المطالب «الإسرائيلية». وفي هذا السياق كانت الغارة على مصياف وجاءت أمس، عملية إسقاط طائرة سوخوي سورية كانت تقوم بقصف أهداف تنظيم داعش في منطقة اليرموك جنوب غرب سورية، لكن ارتباك حكومة الاحتلال يزداد مع مضيّ الجيش السوري في عملياته وصولاً لتحرير كامل الجنوب السوري إلى نقاط انتشار الجيش السوري عام 2011، ومع احتمالات ردّ مؤلم على التحرّشات يأتي بالجملة وليس بالمفرّق، كما كانت ليلة الصواريخ الطويلة في الجولان، فيما يستعدّ الجيش السوري للتوجّه شمالاً مع المعارك التي تحرّكت إشاراتها الأولى في محاور ريف اللاذقية الشمالي، المتصل بمنطقة جسر الشغور وبأرياف إدلب، وحيث تنتشر جماعات جبهة النصرة وداعش.

لبنانياً، وفي إطار خطة متكاملة لإطلاق مشروع شعبي وسياسي لاحتضان ورعاية عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي دعمه لمبادرات رئيس الجمهورية الخاصة برعاية العودة، معلناً عن مشروعه للعودة في اجتماع عقده رئيس الحزب حنا الناشف ورئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، في «دار سعاده الثقافية الاجتماعية» – ضهور الشوير للهيئات المسؤولة في لبنان، ويتضمّن المشروع تشكيل هيئة نيابية لبنانية سورية تشكل الكتلة القومية في المجلسين نواتها، داعياً الكتل النيابية للمشاركة فيها، وتوجّه الحزب لرئيس المجلس النيابي نبيه بري لتلقف الدعوة وقيادتها، كاشفاً عن خطة إعلامية تعبوية متعدّدة الوسائل تحت شعار «شكراً لبنان… أنا عائد إلى بلدي… إلى سورية».

أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي من «دار سعاده الثقافية الاجتماعية» – ضهور الشوير، عن خطة عمل للمساهمة في عودة النازحين السوريين إلى بيوتهم وقراهم، وذلك خلال اجتماع للهيئات المسؤولة في لبنان مع رئيس الحزب حنا الناشف ورئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان.

وأكد الناشف أن «المسألة الفلسطينية هي المحور الأساسي لقضية الأمة السورية»، معتبراً أن «ما حصل على أرض فلسطين لا ينفصل عما يجري اليوم على أرض الشام وما تتعرّض له سورية من هجوم كوني ممنهج». وقال: «نحن نؤيد حق عودة كل مواطن اضطرته الحرب إلى النزوح، وسنساهم في دعم إعادة النازحين خاصة أننا أكثر حزب قادر على ذلك لكوننا موجودين في الكيانين اللبناني والشامي وفاعلين على الأرض وفي نسيج المجتمع بقوة، لأننا حزب لا طائفي ولا عرقي. ومن هنا نبدأ بورش عمل جادة ومدروسة وعلمية لتسهيل عودة النازحين السوريين إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم ونطلق خطة في هذا الخصوص».

بدوره، عرض حردان لخطة العمل قائلاً «نقدّم برنامجاً متكاملاً وآلية تنفيذية لعودة النازحين وخلال الأيام المقبلة سنعقد لقاءً إعلامياً بهذا الخصوص»، مشيراً إلى أن خطتنا تفاعلية وداعمة لموقف رئيس الجمهورية والقوى التي تشاركنا التوجّه والهدف تنسيق كل الجهود في سبيل إيجاد الحلول الناجعة لقضية النزوح. ودعا الى تشكيل هيئة نيابية لبنانية ـ سورية نواتها الكتلة القومية الاجتماعية في المجلسين بالاشتراك مع وزراء في الحكومتين والأمن العام اللبناني والأجهزة المختصة السورية لتتولى مجتمعة هذه المسؤولية بما خصّ عودة النازحين، متمنياً على رئيس مجلس النواب اللبناني تبنيها.

وحدّد حردان آلية تقتضي دراسة مستلزمات البرنامج ومنهجه على نحو علمي وإقراره مسبقاً ابتداء من تسميته مروراً بمراحله التنفيذية وصولاً إلى إنجازه وذلك عن طريق الاستعانة بالخبراء وأصحاب الاختصاص على أن يعتمد البرنامج المعطيات والأساليب العلمية كالزيارات الميدانية والجداول الإحصائية والتوثيق والحملات الإعلانية والإعلامية والتعبوية، وبرنامج خاص على محطات إذاعية وتلفزيونية هدفها الترويج والسعي لعودة النازحين، واللقاءات المباشرة والاجتماعات الخاصة، محملاً «قوى ومنظمات دولية ودولاً إقليمية وعربية وقوى محلية المسؤولية عن هذه المشكلة»، لافتاً إلى أن «مخيمات النزوح أقيمت في عدد من الدول مع بداية الحرب الإرهابية على سورية».

وشدّد على «حق الدولتين اللبنانية والسورية المطلق باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإعادة النازحين إلى بلادهم، لأن هذا الأمر فعل انسيابي لكل من الدولتين تكفله القوانين الداخلية والمواثيق الدولية».

وقال: نحن وضعنا عنواناً لهذا المشروع «شكراً لبنان أنا عائد إلى بلدي، إلى سورية». وهذا الشعار يُسهم في خلق جو تعبوي لمواجهة ما تصدّع ، وليشعر من كل مواطن سوري أنه نزح إلى لبنان بشكل مؤقت وليشعر اللبنانيون أن هذا المواطن السوري قد حمل الجميل وأنه عائد إلى بيته بكرامته وعنفوانه واعتزازه ببلده.

ملف النازحين يتحرّك رسمياً

ويبدو أن مفاعيل القرار الأميركي الروسي بحلّ أزمة النزوح بدأت تتظهّر على الساحة الداخلية في لبنان، وفي أول لقاء لبناني روسي رسمي على صعيد تنفيذ الخطة الروسية لإعادة النازحين، التقى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في بيت الوسط القائم بأعمال السفارة الروسية فيتشيسلاف ماسودوف ومساعد الملحق العسكري دينيس خيتريى، بحضور مستشار الرئيس الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان. وخلال اللقاء أبلغ ماسودوف الحريري بوصول ممثل خاص للرئيس الروسي ونائب وزير الخارجية وممثل عن وزارة الدفاع قبل نهاية الأسبوع الى بيروت لمناقشة واستكمال البحث في الموضوع.

لكن يبدو أن الرئيس الحريري لم يهضم المقترح الروسي الذي سيجد طريقه للتنفيذ بالتواصل مع الحكوم السورية في نهاية المطاف، وللتغطية على هذه الحقيقة الواقعية، واصل هجومه على الدولة السورية في مؤشر سلبي في ظل المساعي لتأليف الحكومة الجديدة، وقال الحريري: «لفتني كيف أن الروس والأميركيين هم مَن قرروا عودة النازحين وليس النظام السوري، أما التنسيق لإعادة النازحين فهو قائم بالطريقة المعروفة».

وقالت مصادر دبلوماسية لـ «البناء» إن «الاتفاق الأميركي – الروسي الذي انبثق عن قمة هلسنكي شكل الغطاء الدولي لإعادة النازحين السوريين في لبنان والأردن، ما يعني وجود قرار دولي لحل هذه الأزمة المزمنة في المنطقة»، مشيرة الى أن «هذا القرار يجب أن يشكل فرصة ثمينة للبنان عليه أن يستغلها لحل أزمته التي انعكست سلباً على جميع نواحي الحياة فيه». لكنها أشارت الى أن «اللجنة التي ستتشكل بين روسيا ولبنان والأمم المتحدة ستعمل بالتعاون مع الحكومة السورية»، ولفتت الى أن «سبب التحول الدولي بمسألة النازحين جاء نتيجة التطوّرات العسكرية في سورية منذ سنوات بعد أن اقتنعت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعدم جدوى استمرار الحرب العسكرية في سورية»، لكنها أوضحت أن «البصمات الأميركية في بيان مجلس الأمن الأخير حول لبنان واضحة وتظهر التدخل الأميركي للضغط على حزب الله وإيران لمصلحة «اسرائيل» وأمنها في المنطقة وتحاول أميركا الضغط على روسيا بتبني موقفها بإبعاد ايران وحزب الله مسافة مئة كلم عن الحدود مع الجولان». وحذرت المصادر من تصاعد وتيرة الضغط على حزب الله وإيران طالما لم ترضَ «إسرائيل» بشكل كامل بالتسوية الروسية الأميركية في الجنوب السوري».

وأكد وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل أن «الخارجية اللبنانية باشرت اتصالاتها بالخارجية الروسية من أجل التنسيق في موضوع تشكيل اللجنة المشتركة الخاصة بإعادة النازحين السوريين، وذلك قبل سفره الى الولايات المتحدة الأميركية، حيث يشارك هناك في المؤتمر الدولي حول حرية الأديان.

وأشار باسيل إلى أنه سيبحث موضوع اللجنة المشتركة خلال لقاءاته في واشنطن مع مسؤولي اللجان بالخارجية الأميركية لافتاً إلى أنّه، وإذا تسنى له سيبحث الموضوع مع وزير الخارجية الأميركي بومبيو».

إلى ذلك، وبعدما أثارت خطوة الحريري بإيفاد مستشاره إلى موسكو لإقناع روسيا بأن تكون الضامنة لعودة النازحين حفيظة بعبدا، أصدر المكتب الإعلامي للحريري بياناً أكد فيه أن «دور الرئيس المكلّف في ملف عودة النازحين»، توجبه مسؤولياته القومية والوطنية والحكومية، وهو يرفض رفضاً مطلقاً إدراج هذا الدور في خانة بعض المزايدات والسباق السياسي المحلي على مكاسب إعلامية وشعبوية لا طائل منها. فالرئيس الحريري لا يخوض في هذا المجال السباق مع أحد، بل هو يسابق الزمن لمساعدة الأشقاء السوريين على توفير مقومات العودة الآمنة والسريعة الى ديارهم، ورفع أعباء النزوح الاجتماعية والاقتصادية عن كاهل المجتمع اللبناني»، لافتاً إلى أن «الرئيس الحريري يؤكد أهمية المهمات التي يضطلع بها الأمن العام اللبناني، بالنسبة الى تسهيل عودة النازحين، وتأمين خطوط العودة لكل من يطلبها على الاراضي اللبنانية، ويتطلع الى أن تتكامل هذه المهمات مع الضمانات الدولية وكل الجهود التي تتضافر في سبيل إنهاء مأساة النزوح السوري، في لبنان وسائر دول الجوار».

والتقى الرئيس بري في عين التينة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم وعرض معه الوضع الأمني وموضوع عودة النازحين.

التأليف في دائرة المراوحة

وإذ لم تسجل حركة الرئيس المكلف العائد من لندن ما يوحي بتفعيل خطوط التواصل على خط تأليف الحكومة الذي لا يزال في دائرة المراوحة، أشار الرئيس المكلف أمس، الى انه سيزور رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا قريباً، لافتاً الى أنه يتابع اتصالاته بشأن تاليف الحكومة، وقال: «لم أضع أي مهلة للتأليف ولست ملزماً بها».

ونقل زوار الرئيس بري عنه لـ «البناء» استغرابه للمسار الذي يسلكه التأليف، مشيراً الى أنه «يبدو أن ظروف التأليف الداخلية لم تنضج بعد ولا مؤشرات في الأفق توحي بولادة قريبة للحكومة، متسائلاً عن سبب تأخر الرئيس المكلف عن تقديم تشكيلة أولية لرئيس الجمهورية. وقالت مصادر «البناء» إن «العقدة الأساس في التأليف تكمن في الصراع بين القوى السياسية على الأحجام من جهة وعلى الحصول على الثلث المعطل من جهة ثانية، أي صراع على التوازات السياسية داخل الحكومة، الى جانب توتر العلاقة على الساحة المسيحية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لا سيما بعد تسريب مضمون اتفاق معراب وتعليق العمل به والتهديد بسقوط المصالحة».

وقد أوحى تصريح النائب جورج عدوان من عين التينة بُعيد لقائه رئيس المجلس بأن العقدة القواتية لم تحل حتى الآن، وأن الصراع على الحصص بين التيار والقوات هو سيد الموقف، وقال عدوان «لا يمكننا ربط الشأن الحكومي بالتدخل الخارجي، لأن ذلك ينافي الحقيقة، فالشأن الحكومي يقف أمام مشاكل تتعلق بأرقام ومطالب من الصعب تحقيقها ويجب العودة الى الأحجام الحقيقية التي انتجتها الانتخابات».

وقبيل سفره الى الولايات المتحدة غرّد باسيل غامزاً من قناة الرئيس سعد الحريري قائلاً: «أغادر لبنان لأيام وكلي أمل أن ينتهي الرئيس المكلّف سريعاً من قصة الأعداد والعدّ داخل الحكومة تثبيتاً لمعيار التمثيل العادل في نظامنا.. أغادر من اجل حرية الأديان، علّة وجود لبنان، كلي أمل ان ننتهي من قصة العدّ في لبنان والمنطقة تثبيتاً لتعدديتنا ورفضاً لأيّة أحادية دينية أو سياسية».

وحذّر وزير المال في حكومة تصريف الاعمال علي حسن خليل امام وفد من نقابة المحررين زاره اليوم من «أننا لا نملك ترف إضاعة الوقت حكومياً واذا لم نشكل الحكومة هذا الشهر فسنكون أمام مشكلة على صعيد الموازنة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى