التشكيليّة والروائية فاطمة إسماعيل: لا أندم على انعكاساتي مهما كانت مؤلمة وصادمة

رنا صادق

من لا يعرفها يجهلها، ومن يعرفها أدرك تفانيها في عمق الفنّ. تُسعد من قابلته بابتسامتها الرقيقة وترتقي درجة عالية في التأثير عند اللقاء الأول. عفوية، طموحة ومدركة خطواتها، صبرت وصمدت وصارعت الحياة أحياناً أيضاً، حتى أثبتت أنها امرأة من نور ونار، وفنانة من الطراز الأول وكاتبة من العيار الثقيل.

هي فاطمة إسماعيل التي كان لي شرف التعرّف إليها منذ حوالى سنة، وحدثّتها عن فنّها وموهبتها كفنانة تشكيلية، واليوم، أقابلها مجدداً، كاتبةً وروائيةً وضعت مولودها الأول حديثاً بعنوان «مرايا الرحيل».

تعتبر إسماعيل أن الكلّ يكتبون، فلا فتاة لم تكتب مذكراتها، أو «تشخبط» على الجدران أو دفاترها المدرسية!

وتقول عن بدابتها مع الكتابة: كنت أدوّن كلّ ما يخطر في بالي، وصلت إلى فترة توقفت فيها عن الكتابة لأنني اعتبرت أنّ دفتر المذكّرات سيكون منسيّاً ولن يأخذ الاهتمام الذي يستحقه. ولكنّني لم أستطيع التوقف لوقت طويل حتى عدت إلى الكتابة، وبدأت في تدوين روايتي الأولى.

«مرايا الرحيل» أكثر من رواية

«مرايا الرحيل»، هي روايتها المطبوعة الأولى، ولها رواية قبلها إلا أنها لم تطبعها بعد، لأنّ كل شيء يخرج إلى النور في وقته، وهذا وقت «مرايا الرحيل» بحسب إسماعيل.

وتشير إسماعيل إلى أن الرواية فيها الكثير من التداعيات الشخصية، والعودة إلى الذات، ترسم الواقع من الداخل إلى الخارج، عبر أحداث مفاجئة ومتوقّعة في الوقت ذاته.

ما بين التشكيل والأدب

ما بين التشكيل والأدب فسحات شاسعة إذا ما رأينا الفنّين من الخارج، حيث تعتبر إسماعيل أن اللوحة لا تختلف كثيراً عن الكتابة، فكلاهما نبض تحسّ به، ويخرج إلى العالم بصور مختلفة.

وتقول: كلما أردت الصراخ أرسم، وإذا لم تكفني اللوحة كنت أكتب، فأنا في الحالتين خارج هذا العالم. عندما أحمل الريشة أو القلم.

نادراً ما يمكن العثور على كاتب تبدأ تجربته بالكتابة الروائية، لكن إسماعيل ترى أن الحياة كلها مشاهد تمرّ أمامها، تشعر أن مهمّتها فقط تدوينها ونقلها على الورق بطريقتها الخاصة ليقرأها عابرو السبيل جميعاً!

وتضيف: الكتابة الروائية حياة أخرى نعيشها بطريقة نحن نرسمها، كانت بالنسبة إليّ صلة الوصل بين الواقع وذاتي الداخلية، وتحدّياً حتى أستطيع ربط كل الأحداث حتى لو كانت كتابتي لها متفرقة بالوقت والزمن. فكنت أبحث عن وقت فراغ، وأغلب الأوقات أن أسرق الوقت حتى لو عشر دقائق حتى أكتب مقطعاً خطر في بالي.

وتضيف: أحداث الرواية تدور في مخيلتي حتى وأنا أمارس حياتي اليومية، وما عليّ سوى تدوينها كلّما سنحت لي الفرصة.

وتقول إسماعيل: هذه الرواية بقدر ما حاولت أن أخفي دوري الشخصي فيها ، إلا أنها دائماً ما كانت تقول لي: «كوني حقيقية، أنت حقيقية!» فأردتها أن تكون حقيقية وصادقة، مع الكثير من الأحداث التي كان عليّ إضافتها وربطها بطريقتي الخاصة. بالطبع ستكون لهذه الرواية مكانتها الخاصة، فهي الرواية الأولى التي طبعت لي، وكذلك خرجت في وقت انا أكتشف فيه مرايا جديدة ورحيلاً جديداً.

معظم الشعراء والأدباء يندمون في فترة ما على ما سبق أن كتبوه، بيد أن إسماعيل تؤكّد أنها لن تندم على صدقها حتى لو كان يقلقها في بعض الأحيان!

وتضيف: الرواية صادقة بالتعبير والحبكة، صادقة كنت بمشاعري اتجاهها واتجاه شخصياتها، نحن لا نندم على شيء لأنه يعلمنا الكثير، وهذه الرواية مرآة من مراياي وأنا لا أندم على انعكاساتي مهما كانت مؤلمة وصادمة.

وردّاً على سؤال إلى أي مدرسة فنية تنتمي روايتها، تقول: روايتي تنتمي إليّ، كما لوحاتي، كلّ حرف مثله مثل ضربة الريشة، ينتمي إلى عفويتي التي لا تتبع أي مدرسة أو أسلوب.

تقول في مقابلة لها: عندما لا أستطيع الرسم أكتب، حين لا تكون لدي طريقة لأعبّر فيها، أكتب»، حيث تعتقد أن مهمة الفنان الأساسية هي التعبير، فإذا ما لم يعبّر بصدق فهو خرج عن المعنى الحقيقي والهدف بمعزل عن الطريقة. قد يعبّر الفنان عن مشاعر غيره بلوحاته، أو الكاتب بكتاباته، قد يتناول موضوعاً معيناً، ولكنه في النهاية يعبّر حتى لو يكن التعبير عن ذاته بشكل مباشر.

انعتاق

تصف إسماعيل روايتها بـ«انعتاق»، وهو اسم لوحة رسمتها قبل الرواية، تمثل امرأة مجنّحة وتخرج إلى الحياة بطريقتها الخاصة.

تتوجّه إسماعيل بروايتها إلى الجميع، فالرواية فيها عودة عميقة إلى الذات والعائلة والنشأة الأولى، ربما هي رسالتها للأهل أن ينتبهوا أكثر لتصرّفاتهم مع أولادهم وإعطاؤهم لمحة كيف يراهم أطفالهم ويتعاملون مع ذكرياتهم. وتتوجه إلى الشباب الذين يحاولون استعادة ذواتهم التي ضاعت بالعادات والأفكار التي تلزمنا على اتباع مسير لا يشبهنا، فقط لأننا نريد الهدوء. كما توجّهت إلى كلّ امرأة لم تستطيع أن تقف أمام مرآتها ومواجهة ذاتها الحرّة، ورضيت بالغطاء الذي يخفي حقيقتها العظمى.

البعض يعتبرون أن صدق إحساس الفنان أهم من شغفه وشعوره حيث تقول إسماعيل عن ذلك، إن كلّه مرتبط ببعضه، لا يمكننا فصل الشغف عن المشاعر، لا يمكننا فصل ما يحسه، عمّا يسعى إليه. إذا كان العقل يقودنا فسيغلب القلب ويتصارعان ويوقعاننا في مشكلة، وإذا كان القلب يقودنا فسيغلب ولكن بسلام. القلب يقودنا نحو الحياة، ويسيطر على العقل بالحكمة الحقيقية، ويتصالح وعينا مع لاوعينا.

أعمالها المستقبلية

تعمل إسماعيل على معرض فنّي تشكيليّ يشبهها جداً، كما كان يشبهها حفل التوقيع، بكل تفاصيله من الرسم على الجسد واللوحات المجسّدة بالمرايا.

وتقول: المعرض سيكون مفاجئاً بطريقة سلسة، نحن نستطيع اختبار ذواتنا عندما نتصالح معها، لهذا أنا أسعى دائماً إلى الظهور بالطريقة التي تشبهني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى