«أتلانتك»: لهذه الأسباب ستظلّ «إسرائيل» تخشى الوجود الإيراني في سورية

عبد الرحمن النجار

قال ديفيد كينر في مقال له على موقع مجلة «آتلانتك» الأميركية: «إن إسرائيل في أوج قوتها الآن منذ نشأتها عام 1948 فقد توطدت علاقاتها بشكل غير مسبوق مع أميركا، وتمتلك ترسانة نووية وسلاح جو قادرين على الفتك بالأعداء على بعد مئات الكيلومترات، لكنها دولة صغيرة ذات موارد محدودة فليس لديها سوى مطار دولي وحيد، والقليل من محطات توليد الكهرباء».

على الجانب الآخر ـ يضيف كينر ـ امتلكت إيران وحلفاؤها في المنطقة أسلحة متقدّمة يمكنها تدمير البنى التحتية «الإسرائيلية». وأكثر ما يخشاه «الإسرائيليون» أن تكون هذه الأسلحة قادرة على استهداف المدنيين والمنشآت العسكرية، بما يصيب الحياة في الدولة العبرية بالشلل. لذلك، انخرطت «إسرائيل» بشدة في الحرب على سورية على أمل تدمير قدرات «حزب الله» هناك، قبل اندلاع الحرب المقبلة بينهما، والتي يتوقع الكثيرون أنها باتت وشيكة.

وأشار كينر إلى أنّ الجيش «الإسرائيلي» هاجم حزب الله في سورية أكثر من 100 مرة. ومؤخراً شنّت القوات النظامية السورية هجوماً على درعا جنوب غرب البلاد، ما زاد من قلق «تل أبيب» ودفعها إلى إرسال تعزيزات إلى الحدود للتصدّي لأيّ تهديدات. وكانت «إسرائيل» قد أسقطت طائرتين مسيّرتين درون للنظام السوري فوق الجولان المحتلّ. وتخشى «إسرائيل» أن تشنّ المليشيات الموالية لإيران هجمات عليها بعد سيطرة النظام على المنطقة.

تسعى «إسرائيل» مع الولايات المتحدة وروسيا إلى وضع حدّ للحرب السورية بما يتضمّن منطقة خالية من أيّ موالين لإيران على الحدود، ولكن تبقى معضلة الصواريخ بعيدة المدى التي يمتلكها حزب الله. ينقل كينر عن مايكل أورين ـ سفير «إسرائيلي» سابق لدى أميركا ـ قوله: «أكثر ما نخشاه هو التواجد الإيراني في عموم سورية، وليس على الحدود فقط. فحتى لو ابتعدت عن الحدود، فإنّ لدى حلفائها صواريخ يصل مداها إلى 200 كيلومتر قادرة على ضرب عمق إسرائيل». وهذا ما حدث في أيار الماضي إذ أطلق الحلف الإيراني عشرات الصواريخ على «إسرائيل» من الجانب السوري المحرّر من الجولان، لكنها لم تحدث أيّ إصابات أو أضرار. وتعليقاً على الحادث وصف السيد حسن نصر الله الهجوم بأنه «بداية مرحلة جديدة في الصراع مع إسرائيل».

«إسرائيل» تخشى…

يؤكد كينر أنّ ترسانة حزب الله قد توسعت بشدة منذ آخر حرب مع «إسرائيل» في 2006. وقد ساعدته إيران على امتلاك صواريخ متطوّرة بشدة. وعلى الرغم من امتلاك «إسرائيل» نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي المتطوّر، إلا أنها ستعاني بشدة بسبب العدد الهائل من الصواريخ التي يمكن للحزب إطلاقها الآن. يقول عوفر زالزبيرغ ـ محلل بارز للصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» في مجموعة الأزمات الدولية ـ لكينر: «سيتلقى الإسرائيليون ضربات لم يشهدوها منذ عقود حال اندلاع حرب مع الحزب».

يقول كينر إنه قد التقى في بيروت بـ«الحاج محمد»، أحد مقاتلي حزب الله المخضرمين. شارك الأخير في حرب عام 2006، وكان دوره الخطير يتمثل في إطلاق صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى على شمال «إسرائيل» تحت أزيز الطائرات «الإسرائيلية». بيد أنّ الحزب استعدّ جيداً للحرب إذ طوّر مهندسوه منصات إطلاق صواريخ يجري إخفاؤها في مخابئ من الصلب تحت الأرض باستخدام نظام هيدروليكي، فتقوم المنصات بإطلاق الصواريخ، ثم يجري إخفاؤها تحت الأرض. وهكذا تمكن الحزب من إطلاق آلاف الصواريخ طوال الحرب فاضطر مئات الآلاف من «الإسرائيليين» إلى النزول للملاجئ.

بينما كان يتذكر بفخر حرب عام 2006، قال «الحاج محمد» لكينر: «لقد تغيّر الوضع بشكل كامل منذ 2006. لقد حدّدنا الأهداف مسبقاً، ونمتلك صواريخ ذات دقة عالية».

ويؤكد كينر أنّ تقييمات الاستخبارات الغربية تتطابق مع ما يتباهى به الحاج محمد إذ قال مسؤول استخباري أميركي: إنّ ترسانة الحزب تضاعفت 10 مرات عما كانت عليه في 2006، لتصل ـ على الأقلّ ـ إلى 100 ألف صاروخ. وثمة تخمينات بأنّ الحزب يمتلك صواريخ فاتح 110 الإيرانية، ومنظومة سكود، وصواريخ مضادة للطائرات متطورة، وطائرات مسيّرة. وقد عبّر مسؤولون «إسرائيليون» عن خشيتهم من أنّ الحزب بات بوسعه الآن إطلاق 1200 صاروخ في اليوم في أيّ صراع مستقبلي.

لطالما استهدف الحزب العمق «الإسرائيلي» ـ ينوّه كينر ـ لكنه نادراً ما أحدث إصابات موجعة. أما اليوم فقد زوّدت طهران الحزب بصواريخ ذات دقة أعلى بكثير في إصابة الأهداف. وهو ما تخشاه «إسرائيل» وتسعى إلى تدميره.

«فاتح 110»

أكثر ما تخشاه «إسرائيل» هو صاروخ «فاتح 110» ـ يقول كينر ـ الذي أنتجته إيران، وهو نسخة معدلة من الصواريخ بعيدة المدى مع نظام توجيه دقيق، وهو ما يمثل تهديداً شديداً لـ«إسرائيل». في عام 2006، كانت صواريخ الحزب غير الدقيقة تثير الفزع وعمليات الإجلاء الضخمة للمدنيين، لكنها لم تحدث إصابات في المنشآت العسكرية أو البنى التحتية. وعلى الرغم من أنّ صاروخ «فاتح 110» ليس بالدقة المطلوبة، إلا أنه يتفوّق بشدة على قذائف الكاتيوشا غير الموجهة. ولتوضيح الفارق، يقول «الحاج محمد»: «إنّ الصواريخ غير الموجهة قد تحيد عن الهدف بمسافة تصل إلى 3.5 كيلومتر، أما صاروخ فاتح 110 فيقلل هامش الخطأ إلى كيلومتر واحد فقط».

إنّ لهذه الصواريخ القدرة على شلّ الحياة تماماً في «إسرائيل» ـ يؤكد كينر ـ لكنها على الأرجح لن تدمّر أهدافاً عسكرية بعينها. يقول مايكل إيليمان، زميل بارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: «لا أعتقد أنّ الصواريخ الإيرانية الجديدة دقيقة، لكنها ستجعل خطط الدفاع الإسرائيلية أكثر تعقيداً بشدة».

لكن إيران لا تتوقف عن تطوير قدراتها الصاروخية ـ يستدرك كينر. وبوسعها تطوير صواريخ ذات قوة دفع أكبر وتزويدها بنظام تحديد المواقع. وثمة شكوك لدى «الإسرائيليين» حول أنّ إيران تسعى إلى تطوير معدات توجيه صواريخ مصغرة يمكن تركيبها في قذائف حزب الله التقليدية. يقول إيليمان: «إنّ أكثر ما يثير القلق هو التطور المنتظر في المستقبل».

كان نصر الله قد أكد بالفعل أنّ الحزب يمتلك صواريخ «فاتح 110». وعبّر مسؤولون عسكريون «إسرائيليون» عن خشيتهم من قيام الحزب بتخزين بعض من تلك الصواريخ في المنطقة الجبلية الوعرة غرب سورية ما سيتيح للحزب استهداف «إسرائيل» من دون توريط لبنان في حرب مع «إسرائيل»، لكن كينر يرى أنّ الحرب القادمة ربما تشتعل بسبب قصف عناصر حزب الله داخل سورية.

من جانبها تتوعّد «إسرائيل» بأنّ أيّ أضرار ستلحق بها في حرب أخرى ستكون نقطة في بحر بالمقارنة مع الدمار الذي سيلحق بلبنان ـ يواصل كينر كلامه. وبموجب استراتيجية وُضعت في عام 2008 تقوم على استخدام القوة المميتة في أيّ قرى أو أحياء ينشط فيها حزب الله، فإنّ لبنان سيختبر مستوى من الدمار «لم يُر منذ الحرب العالمية الثانية. سنسحقهم ونسوي الأرض بهم»، وفقاً لتصريح لمسؤول عسكري «إسرائيلي» نقله تقرير لمجموعة الأزمات الدولية.

من وجهة نظر عسكرية بحتة، فإنّ هذه الاستراتيجية سوف تدمّر في نهاية المطاف ترسانة حزب الله. ستقوم الطائرات الحربية «الإسرائيلية» بدوريات في سماء لبنان وسورية، وتعمل على تدمير منصات إطلاق صواريخ «فاتح 110» والصواريخ طويلة المدى غير الموجهة. وسيستهدفون قادة مثل الحاج محمد ويدمرون مدن وقرى لبنان إلى درجة ستجعل القوى الدولية تتدخل لوقف الحرب.

وقال أورين: «إنّ إسرائيل ستضطر إلى استهداف مناطق مدنية حيث يخزن حزب الله صواريخه، وسيعلن الحرب على الحكومة اللبنانية في أيّ صراع مستقبلي، لكنه قلق أيضاً من أنّ إسرائيل يمكن أن تحقق الانتصار بعد دفع ثمن باهظ» ـ يختتم كينر بالقول ـ إذ سيتمّ نقل الصور الدموية لضحايا الضربات «الإسرائيلية» في جميع أنحاء العالم، ويخشى أن يسبب هذا أزمات دبلوماسية خطيرة لـ«إسرائيل». «إن المعركة التي تبدأ في لبنان لا تنتهي في لبنان. إذا اشتعلت المعركة في لبنان، وانتصر حزب الله، فستكون النهاية في محكمة العدل الدولية في لاهاي. والهدف من ذلك هو تدمير شرعيتنا. وحقنا في الدفاع عن أنفسنا، وفي نهاية المطاف حقنا في الوجود. وبصراحة: إنهم يربحون هذه الحرب».

«ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى