أوروبا وأميركا.. رؤيّتان مُتناقضتان

د. جواد الهنداوي

ما بين أوروبا وأميركا رؤيّتان مُتناقضتان.

رؤية أوروبا تتجه وتسعى الى الحفاظ على الوضع الراهن وتطويره، ورؤية الرئيس ترامب أو أميركا الآن وهدفها الخروج من الوضع الراهن بل وتدميره.

لم تكْ الرؤية الأوروبية وليدة لحظات او رغبات، وإنما مُخرج دراسات واستراتيجية مُشتركة بين قوى ضفتيْ الأطلسي. على نقيض ما تتبناه أميركا اليوم: رؤية قائمة على سلوكية الرئيس وبإيحاءات إمّا شخصية وإمّا مرسومة مُسبقاً ومُنّزلة ومفروضة عليه والله أعلمْ .

حرصُ أوروبا في الحفاظ على الوضع الراهن، لكون مُفرداته وأقصد مفردات الوضع ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية تُمثلُ ثمرة تلاقي إرادات قوى العالم، أميركا، روسيا، أوروبا، الصين ، وغيرها، وليس من السهولة، في عالم العلاقات الدولية اليوم أن تتفق إرادات ومصالح قوى دولية مختلفة.

يعتقد الرئيس ترامب أنَّ النظام العالمي الذي صنعته أميركا أو ساهمت بدرجة كبيرة في صُنعه يقوّضُ مصالحها ويهددُ قيادتها وتفوقها. وقد يكون الرئيس ترامب اول رئيس أميركي يتولى هدم ما شَيّدته بلاده !

قناعة الرئيس ترامب بأنَّ الوضع الراهن او النظام العالمي الحالي ينهض بالصين ويُسّبب تفوقها.

ولكن ما هي أدوات الرئيس ترامب في بناء النظام الجديد؟

أهم أداة لجأ اليها الرئيس ترامب ويستخدمها مع شركائه وحلفائه وخصومه هي التعامل والتفاوض معهم بشكل ثنائي. وبالتالي يتفاوض من منطلق قوة واستفراد بالآخر، لذلك نجد الرئيس ترامب سلبياً مع المنظمات متعدّدة الأطراف، حيث يعتبرها منظمات تقَوّي الدول الأصغر والأضعف مقارنة بأميركا.

هذه الرؤية الانعزالية قادته إلى إضعاف منظمة التجارة العالمية، والتخلي عن اتفاقيات دولية وأممية مثل اتفاقية المناخ والاتفاق النووي.

حاولت أوروبا أن تحافظ على الوضع الراهن وتحميه، ولكن للأسف من دون جدوى، وتعمل الآن للحفاظ على مصالحها ووضع استراتيجية الدفاع عن مقوّماتها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

مصلحة أوروبا تقتضي الآن أن تكون ملفات الشرق الأوسط وملف تركيا بعيداً عن متناول رؤية الرئيس ترامب، لذا تقف أوروبا الآن من دون أن تعلن أو تفشي موقفها مع روسيا في جهودها ومسار تسوياتها لملفات المنطقة.

يتذّكر القادة الأوروبيون وصفاً لوزير خارجية بلجيكا السابق مارك ايسكنس عن أوروبا، مفاده أوروبا هي عملاق اقتصادي وقزم سياسي ودودة عسكرية .

يخشى الأوروبيون اليوم أن يصبحوا أيضاً قزماً اقتصادياً، وهذا ما يفسّر جهدهم وحرصهم على استمرار شركاتهم بالعمل مع إيران.

ضعف أوروبا اليوم هو في تشتتها فصائل سياسية مختلفة. وهذا يسهّل عمل أميركا في زرع الانقسامات داخل الكتلة الاوروبية، وغالباً ما يتجه الرئيس ترامب الى استمالة دول شرق وجنوب أوروبا، وبحثها على الخروج من الاتحاد الأوروبي.

يمقتُ ترامب كل ما هو اتحاد، حتى ولو كان هذا الاتحاد شريكاً له، علينا أنْ نتصّور كيف سيكون موقفه مع مَنْ تجمعه وإياهم صداقة منفعة أو مع خصومهِ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى