«أمل» و»التيار»: ثوابت استراتيجية وإدارة الخلاف الداخلي؟

محمد حمية

مُذّ أن طُويت صفحة الانتخابات النيابية المُتخمة بالخلافات والسجالات الساخنة والأحداث الأمنية في الشارع، بان المنحى التدريجي الذي سلكته العلاقة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل نحو الإيجابية، فكان الحراك السياسي المُتتالي على خط بعبدا عين التينة عبر وسطاء بين الطرفين والذي تُوِّج بالزيارات المتتالية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري الى قصر بعبدا، هو المدخل لترتيب العلاقة بين الحركة و«التيار»، وتكلل أمس بزيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى عين التينة.

فإن كانت الزيارة وَأدت المرحلة السوداء السابقة المتمثلة بهجوم الوزير باسيل على رئيس الحركة وأعادت العلاقة الشخصية الى طبيعتها برحابة صدر ورؤية وطنية تُسجل للرئيس بري ويشهد له بها القاصي والداني، فماذا عن العلاقة السياسية؟ هل يمكن أن تؤدي هذه الإيجابية الى توقيع ورقة تفاهم بين «الحركيين» والعونيين» أسوة بورقة التفاهم بين حزب الله و»التيار»؟ وهل نحن أمام إعادة الحلف بين التيار البُرتقالي وفريق 8 آذار إلى الخدمة؟ وهل سيكون الرئيس بري الصخرة الذي سيتكئ عليها العهد لصدّ الهجمة الثلاثية المستجدة القواتية – المستقبلية – الاشتراكية؟ وإن كان التوافق على القضايا الاستراتيجية هو سِمَة المرحلة السابقة والحالية بين الطرفين، فماذا عن الخلاف حول الملفات الداخلية؟

وفق معلومات «البناء» فإن العمل على ترتيب العلاقة بين رئيس المجلس النيابي من جهة، ورئيس الجمهورية ووزير الخارجية من جهة ثانية، بدأت منذ حوالي الشهر ونصف بعيداً عن الإعلام وعبر خطوط ثلاثة: حزب الله ونائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

فالتحالف الاستراتيجي بين التيار والحركة بحسب مصادر قيادية في أمل ليس بجديد، بل هو موجود منذ مرحلة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاها من أحداث سياسية وأمنية ومازالت. التحالف حي وثابت حتى الآن لا سيما في العلاقة مع سورية وأزمة النزوح وسلاح المقاومة والموقف من العدو الاسرائيلي، إلا أن العلاقة في الداخل شهدت تبايناً في وجهات النظر في عدد من الملفات كالكهرباء والتعيينات والمحاصصة السياسية والطائفية وطريقة إدارة الحكم في الدولة داخلياً، حيث كان التيار يريد إظهار أنه يُعيد المسيحيين الى السلطة ومواقعها المسلوبة على حسابنا، وساءت العلاقة أكثر بعد تعرّض باسيل للرئيس بري. وتوضح المصادر بأن «زيارة رئيس التيار الى عين التينة لا تعني التوافق على الملفات الداخلية كلها، لكن في المرحلة المقبلة إن في مجلس النواب أو مجلس الوزراء سنتعاطى بالمفرق، لكن الخلاف على أي ملف لن يُطيح بتطور هذه العلاقة و»لن يُفسِد بالود قضية»، ما يعني تأكيد الثوابت الاستراتيجية والعمل على إدارة الخلاف حيال الملفات الداخلية.

وتلخص المصادر أسباب رفض الرئيس بري انتخاب الرئيس عون رئيساً للجمهورية، بأن الأخير لم يلتزم بالعلاقة مع الحليف أولاً، ولا مع حليف الحليف، أي حركة أمل وذهب منفرداً لعقد تحالفات تحت الطاولة مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية أخصامنا في الاستراتيجيا ومن دون إطلاع حلفائه حتى حزب الله، وكان بري حينها يُصرّ على الاتفاق على سلة قبيل انتخاب عون بهدف تسهيل الطريق أمام العهد، لكن رأينا لاحقاً كيف أن الثنائيات أضرّت بالعهد وهزت التسوية الرئاسية مرات عدة كان آخرها الخلاف المستجدّ على تأليف الحكومة.

ولا تستبعد المصادر أن تصل مساعي ترميم العلاقة في الداخل بين التيار والحركة الى توقيع ورقة تفاهم سياسية بينهما. وتؤكد بأن رئيس الحركة وكتلة التنمية والتحرير لن يكونوا في خندق الثلاثي الحريري جنبلاط جعجع لإسقاط العهد في مهده، لأن ذلك سيهدّد المصلحة الوطنية برمتها، وليس حزباً أو حركة أو تيار.

في المقابل تؤكد مصادر التيار الوطني الحر لـ»البناء» أن زيارة باسيل تشكّل صفحة جديدة من العلاقة الداخلية مع حركة أمل، لا سيما أن نلتقي مع الحركة في القضايا الاستراتيجية مشدّدة على ضرورة التعاون في المستقبل لمواجهة الأزمات، مؤكدة أن العلاقة ستتجه إلى إيجابية أكثر، موضحة بأننا حاولنا في السابق التوصّل مع الحركة إلى تفاهم لكن لم ننجح.

لا يمكن الفصل بين زيارة باسيل الى عين التينة في هذا التوقيت بالذات، حيث التموضعات المستجدة للأطراف المحلية والمعارك السياسية الذي يخوضها العهد وتياره في تأليف الحكومة، في ظل إطلاق النار السياسي على بعبدا من كل حدب وصوب، لا سيما أنها جاءت بعد توتر العلاقة بين بعبدا وميرنا الشالوحي مع بيت الوسط وتأزم العلاقة مع الحزب التقدمي الاشتراكي وانفجارها مع القوات اللبنانية التي تعمل على تعزيز العلاقة مع الرئيس بري لتضييق الخناق أكثر على العهد.

وبحسب مصادر سياسية، فإن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ارتكب أخطاء سياسية عدة، وتحديداً خلال أدائه في الحكومة الحالية وأثناء فترة الانتخابات النيابية كان أبرزها، اصطناع معركة مع رئيس المجلس وحركة أمل والتي كادت تهدّد تفاهم مار مخايل والعلاقة بين حزب الله والتيار، علماً أن أمل لا تشكل منافساً للتيار لا على الساحة المسيحية ولا على الساحة الوطنية، بوقت أن المنافس الحقيقي للتيار هو القوات اللبنانية، منافس لدود على المقاعد النيابية وعلى الحصص والحقائب الوزارية وخصم صعب في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة.

لا شك في أن التقارب بين التيار والرئيس بري سيعزز موقف العهد التفاوضي في عملية التأليف، وسيعزز أيضاً موقع فريق 8 آذار والتيار لجهة تحسين التوازنات السياسية في الحكومة لصالح تحالف العهد والمقاومة، وستشكل رادعاً لتمادي الرئيس المكلف سعد الحريري في استرضاء القوات والاشتراكي على حساب الأطراف الآخرين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى