الحكايا في مواجهة الألعاب القاتلة

عبير حمدان

يمكن أن يكون التطوّر المفرط الذي يتحكّم بمجتمعنا سيف ذو حدين لكونه يتميّز بالإيجابية والسلبية على حدٍ سواء، مما يتطلّب الكثير من الوعي في التعاطي مع فكرة أن يكون العالم عبارة عن قرية كونية من دون وجود لأي رقابة ذاتية حتى على أبسط التفاصيل ظاهرياً والتي تُخفي بين ثناياها خطورة لا يُستهان بها.

من المفيد أن نمتلك المقدرة على التواصل عبر جهاز صغير في متناول اليد، حيث إن مشاغل الحياة قد تحول دون إيجاد الوقت للقاءات الاجتماعية، ولكن هل يكفي أن يكون التفاعل بين البشر من خلال شاشة صغيرة وعالم افتراضي قد لا ينقل التعبير الحقيقي لعمق العلاقة الإنسانية، بحيث وصلنا إلى مرحلة نرسل عبارات المواساة في الأوقات العصيبة من خلال رسالة نصية مختصرة أو تسجيل صوتي سريع، وأحياناً يمكن أن نقوم بواجب التعزية عبر التعليق على صورة منشورة على مواقع التواصل.. ونحن بذلك نفقد الكثير من قيمنا وعادات ونغرق أكثر في محيط شاسع يجرّدنا من خصوصيتنا الاجتماعية ويخلع عنا تقاليدنا وعاداتنا الجميلة التي يراها جيل اليوم «بالية» فيجنح أكثر نحو التفكك واللامبالاة.

ولعل الجانب المظلم من هذا العالم المتّصل بكبسة زر إلكترونية يتمثل بخلع ثوب البراءة عند الأطفال الذين يكبّرون قبل الأوان ويفقدون المقدرة على الابتكار والإبداع، في زمن ما قبل الانفتاح الكوني وانتشار الأدوات المتصلة به كافة وتوفر الأجهزة بين أيدي الأطفال بما تضمّ من تطبيقات وألعاب وفضاء افتراضي لا ينتهي مداه، كان خيال الطفل خصباً، بحيث يحثّه على اختراع الألعاب ورسم العالم بطريقة خلاّقة، حتى أن أسلوب اللعب القديم كان يمنحه الطاقة الإيجابية والمساحة اللازمة للبحث والتفكير والتساؤل، ولكن اليوم باتت الألعاب الجاهزة متحكمة بخياراته حتى أنها أفقدته المقدرة على التفاعل مع الطبيعة. ومن هنا يمكن القول إن وحش التطوّر يساهم في نشأة جيل لا يملك قراره لا بل يعمل على تسييره وفق أهواء مَن يرمي هذا الكم من التطبيقات في وجهه. وفي كل مرة يُطلق عليها اسماً، وقد شهدنا أكثر من حالة انتحار تحت تأثير «الحوت الأزرق» و»لعبة مريم» والآن تأتي «لعبة مومو» لتكمل عملية غسل دماغ الأطفال والمراهقين، فهل مَن يلحظ إلى أين وصل بنا الاستسهال، بحيث نترك جيلاً بأكمله أسيراً لهذه الأجهزة من «هواتف نقالة» و»أيباد» على قاعدة أنها وسيلة التسلية الوحيدة ودون أي حسيب أو رقيب أو حتى إرشاد على كيفية التعاطي معها، أو حتى دون تحديد وقت لمواكبة التطور يقابله وقت للألعاب الطبيعية أو القراءة مثلاً كبديل عن هيمنة الأزرار الالكترونية؟!

في ظل ما تقدّم تبقى التربية هي المنطلق سواء في البيت أو المدرسة، بحيث نعي أهمية الخصوصية التي تميّز بين المجتمعات فلا يكون الانفتاح على الكون مادة تدمير ذاتية لكل ما هو جميل وواقعي كرمى لغزو فكري مشوّه وعلم افتراضي يبرع مخترعوه في صوغ ما يُبهر ويقتل في آن واحد.

هناك حكاية اخترعتها حين كنتُ أرى طفلاً ملتصقاً بشاشة التلفاز، حيث كنت أروي له كيف أن هذه الشاشة قد تكبر يوماً وتبتلع كل مَن يلتصق بها، لذلك علينا أن نمتلك المقدرة على التحكم بها لا أن ندعها تقودنا إليها على مدار الوقت، وكثيراً ما كانت الرواية مقنعة إلى درجة تحث مَن يسمعها على مقاومة هذا التعلّق المَرَضي بالشاشة. لعل الأمر ينسحب على الواقع ومختلف أجهزته المتطوّرة التي تفوّقت على التلفاز ورسومه التي تبدّلت أيضاً مع الزمن وباتت عدائية في معظمها. وهذا بحث آخر لن نخوض فيه الآن.

من هنا أدعو لاستحضار الحكايا التي تُغني مخيلة الطفل وليس اختراعها في محاولة لإنقاذه من لعبة «مومو» وغيرها من الألعاب القاتلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى