وبعد 48 عاماً… يَئِسْت!

حيّان سليم حيدر

من أجوبة النائب الراحل سليم حيدر على سؤال «أيّها النائب.. ماذا فعلت لمنطقتك؟» وجّهه إليه الصحافي بولس كنعان، منشور في مجلّة «الجمهور» في 19 آذار 1970.

يؤلمني جدّاً أن أكون مضطرّاً الى القول بدافع صدقي وإخلاصي أنّني وعدتُ كثيراً، وما حقّقتُ إلّا القليل القليل. ذلك أنّ الدولة مفلسة بجميع ما في كلمة الإفلاس من معنى، مفلسة بالرجال أولاً، ومفلسة بالمال، وهو عصب كلّ مشروع، ومفلسة على الأخصّ بالخلق العام الذي هو ناموس الدول.

القانون لا يطبّق إلّا على الضعيف. والقوانين توضع لمصلحة الأقوياء والمستثمرين. ولا حيلة لقلّة من النواب مهما ارتفع مستوى ثقافتهم واتّسع وعيهم وعمق إخلاصهم أن يتداركوا هذه الحالة المؤسفة التي تتخبّط فيها البلاد. وفي نظري أنّ الزمن قد تجاوزنا جميعاً وربّما يكون تجاوز هذا النظام الذي يحاول بعض الواعين المخلصين أن يخلّصوه من الغرق في لجج الفوضى، وإذا لم نتدارك الحال بقوة وسرعة وشمول نظر، فمصير لبنان مهدّد من الداخل أولاً بفعل اهتراء شامل: اهتراء الأخلاقية العامة في الدولة وفي المجتمع، واهتراء المؤسّسات الدستورية تبعاً لذلك، وتغلّب القوى المادية على القوى الخلقية في كلّ مضمار.

قد يكون هذا الجواب بعيداً عمّا كنت تنتظر مباشرة من السؤال، ولكن ما قيمة الوعود التي يقطعها المرشّح لناخبيه والمشاريع التي يبشّر بها منطقته، إذا واجه المرشّح بعد انتخابه نائباً حالة كالانهيار الذي وصفت.

إليكم بعض الأدلّة على انهيار الدولة:

أولاً: خلال سبعة أشهر بقينا بلا حكومة وبلا برلمان، ومصير البلد على كفّ عفريت، ولم تتمكّن القلّة الواعية في المجلس من الحصول على أكثرية تجتمع لتتناقش في الوضع الخطير.

ثانياً: خزانة الدولة فارغة والاحتياط مفقود والسندات على الخزينة تتوالى بالملايين عاماً بعد عام، وتسعة أعشار الموازنة العامة تذهب للموظفين، والنزر القليل المتبقّي للمشاريع يُتلف نصفه جزافاً إن لم نقل يختلس اختلاساً، فبماذا تحقّق المشاريع؟

ثالثاً: تنزل العصافير «الإسرائيلية» الى مطارنا وتحرق طائراتنا ويشرب سائقوها الكولا في صالون المطار، ولا يحرّك أحد لهم ساكناً، بينما في كلّ حيّ من أحياء بيروت وفي كلّ بلدة في لبنان وفي كلّ قرية وفي كلّ دسكرة، إذا دخل نائب أو مات وجيه أو رزق أحد الوجهاء غلاماً، تلتهب الدنيا بالرصاص على مرأى من رجال الشرطة.

رابعاً: تضرب «إسرائيل» حدودَنا وتدخل القرى الآمنة، فتقتل مَن تقتل وتخطف مَن تخطف ويحدث ألّا يجتمع مجلس الوزراء بهذا السبب، ولكنّه يجتمع الساعة الثالثة صباحاً يوم أحد ليعالج قضية انتخاب بسيط في مجلس إدارة جمعية خيرية.

دوري كان ولا زال من أصعب الأدوار وأقلّها إنتاجاً لصاحبها وأشدّها مجلبة للنقمة عليه. فقد رأيت البلد مقسوماً الى قسمين يتخبّط بين «حلف» و»نهج»، وحاولتُ ولا أزال أحاول أن أقرّب بين الفريقين لعلّهما يتفقان على حدّ أدنى للسير بهذا البلد الى المرفأ الأمين، فلذلك تراني منفرداً أتّخذ لنفسي المواقف التي يمليها عليّ ضميري في كلّ ظرف… وكنت أفضّل لو كان هذا الانقسام بين الفريقين قائماً على أسس حزبية مبدئية تعالج القضايا العامة بالنسبة لمقاييس معينة ومفاهيم واضحة، إذن لكنت انخرطت في صفوف أحد الفريقين بكلّ قواي لتحقيق الأهداف المبدئية. ولكنّي أرى أنّ تكتّلات الفريقين والفريق الثالث إذا وجد، قائمة على أساس واعتبارات محض شخصيّة، لذلك يصعب عليّ، على الرغم من صداقتي للجميع، أن أكون أداةً في يد غيري لتنفيذ سياسات فيها من الفائدة الشخصية أكثر بكثير ممّا فيها للفائدة الشاملة.

نعم أرشّح نفسي، وأقول للناخبين إنّي على الرغم من أنّي لم أحقّق لهم كثيراً على صعيد مشاريع المنطقة، فقد حقّقت الكثير الكثير على صعيد السياسة العامة. لقد كنتُ دائماً وسأبقى صوتهم الداوي في البرلمان مطالباً بالإصلاح، واقفاً في وجه كلّ مشروع استثماري، محاولاً جهدي أن أوقظ النائمين، وأن أشير الى خطّ جديد في سياسة أمور الدولة وفي وجوب احترام القانون والشعور بالمسؤولية.

وتسألونني لماذا يَئِسْت؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى