ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…

تُخصّصُ هذه الصفحة صبيحة كل يوم سبت، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.

وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.

كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

الأمين جميل العريان قلعة شاهقة من نضال

عرفت عنه في الستينات عبر ابنه الرفيق نزيه الذي كان انتمى طالباً تكميلياً في فترة تولي مسؤولية رئيس مكتب الطلبة، وكان ناشطاً الى جانب عدد جيد من الطلبة، رفقاء، ومواطنين. كثيراً ما التقيت به ودائماً اسأله عن والده، حتى اذا خرج الأمين جميل مع العفو، عرفته شخصياً، ورحت التقي به كثيراً في مسؤولياته، ومنها منفذ عام في كل من الضاحية الشرقية وراشيا، ثم التقيت به في البرازيل فبعد عودته الى الوطن، وبقيت اتواصل معه وأطمئن، الى ان رحل في 05/06/2001.

ثلاثة رفقاء، ممن عرفت، كانوا قادة شعبيين، تميّزوا بقدرتهم على الاذاعة الشعبية وعلى النفاذ الى عقل ووجدان من يتعاطون معهم:

الأمين ديب كردية، الأمين جميل العريان، والرفيق علي حمزه.

عن الأمين جميل هذه النبذة المتواضعة اذ ان مسيرته الغنية بالمسؤوليات وبالنضال لا تختزل بصفحات، مهما بلغت. لذا اكتفي بهذه النبذة تعريفاً، بانتظار ان نتمكن، او غيرنا، في اي وقت لاحق، من اغناء النبذة عن الأمين جميل.

الأمين جميل العريان في سطور :

نقلاً عن الغلاف الاخير من الكتاب الصادر بتاريخ 05/06/2002، بعنوان «جميل العريان.. مسيرة نضال»

مواليد 26 تموز 1931، في بلدة حينا قضاء قطنة 1

والده: جميل العريان، يحمل اسم والده، اذ كان وُلد بعد رحيل والده

والدته: هند الشوفي

تزوج من السيدة هند ابو حرب، له منها ستة اولاد هم الرفقاء: نزيه، الشهيد سعاده، بديع، غسان، تموز، والرفيقة سوريانا.

انتمى الى صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1947.

تعرّض للسجن عدة مرات، خصوصاً في الاعوام 1956، 1958 و 1962، إثر المحاولة الانقلابية، حيث حكم عليه بالسجن المؤبد، إلا انه خرج في العام 1969 بالعفو العام عن القوميين الاجتماعيين.

تحمّل عدة مسؤوليات محلية ومركزية، منها:

مفوض الحزب في بلدة حينا عام 1947

منفذ عام الضاحية الشرقية

مندوب مركزي في أميركا الجنوبية

منفذ عام راشيا والبقاع الغربي

منفذ عام حاصبيا مرجعيون

مندوب مركزي لمنطقة البقاع.

مدير مكتب الرئاسة.

مندوب الحزب لدى المقاومة الفلسطينية .

عميد العمل.

ناموس لمجلس العمد.

منح رتبة الامانة في العام 1978.

استشهد ابنه الرفيق سعاده عام 1978.

توفي في راشيا بتاريخ 05/06/2001، بعد معاناة طويلة مع المرض.

كيف تعرّف على الحزب

يقول الأمين جميل العريان في حديث دوّنته له الرفيقة اعتدال صادق بتاريخ 10 آب 2000 2 ، التالي:

«عام 1947 دخل الحزب الى منطقة «حينه» بشكل قوي وكان يتردد علينا الأمين جورج بلدي 3 والرفيق يوسف اليازجي الذي كان يملك مكنة للطباعة بالقرب من قصر العدل في دمشق». كنت اتردد عليه في مكتبه واستلم منه الكتب والمنشورات وأعمل على نشرها الى ان اقسمتُ اليمين على يدهما في «حينه» عام 1947.

لم يكن هناك وحدة حزبية بل عدد من القوميين مثل الأمين جورج بلدي والرفيق الياس الياس في «عين شعرة»، وكان مفوض مفوضية «عين شعرة».

حوالي سنة 1952 حتى 1955 أدخلتُ الى الحزب ما لا يقل عن 50 رفيقاً، بينهم الأمين يوسف فضول، والرفقاء مخائيل الياس، بشارة بشارة، جدعان بشارة ورفيق من آل صبيح، يوسف حامد، عيسى فضيلة، الذي كان يملك نصف مدرسة في «حينه» والنصف الآخر يملكه الرفيق الياس عازر. أحييت وضع الحزب في بلدة «عين شعرة» وأدخلت عدداً من المواطنين، منهم الرفيق مخائيل الياس والرفيق محمود جبر الذي عيّن مديراً للمديرية.

بين العأمين 1950 – 1953 عين الرفيق رامز حنيف منفذاً عاماً لمنطقة «حينه» وكان محكوم عليه مدة 4 سنوات لمشاركته في الثورة القومية 1949، حيث كان مع الرفيق زيد الاطرش قد كلّفا بإحتلال قلعة راشيا على رأس مجموعة من الرفقاء حسب الخطة المقررة.

تعاونتُ معه في عملية انتشار الحزب في قرى منطقة «قطنه» خاصة ان وضعي المادي كان يسمح لي بالتفرغ للعمل الحزبي حيث كنت أملك جراراً زراعياً لحراثة أملاكي، في وقت لم تكن السيارات متوفرة عند الاهالي في تلك الايام وقد اشتهر هذا الجرار بإسم «تاكسي القوميين» او «تاكسي حرمون».

أقمنا احتفال اول آذار عام 1953 في المنطقة وقد شارك حشد كبير من الاهالي بشكل لافت، وقد القى كلمة المركز الرفيق اياد الموصلي وكان الاحتفال في منزلي في «حينه»

بعض من نضال مميّز

« بعد حادث اغتيال العقيد عدنان المالكي في نيسان 1955، تمّت ملاحقتي اسوةً بالقوميين الاجتماعيين، مما دفعنا الى التواري عن الانظار.

كنا ليلاً نذهب الى أعالي التلال ولا نعود الا بعد التأكد من انتهاء المداهمات وسط التفاف شعبي حولنا يساعدنا على التخفّي، وأذكر مرّة ان أحد الرفقاء أقام حفلاً لزفافه ولم يكن معروفاً انه قومي اجتماعي، فما كان منه الا ان ارسل لي حلوى الزفاف الى المغارة التي كنت اتوارى فيها.

بسبب المداهمات العديدة الى منزلي وقد ارعبت زوجتي وأطفالي، نزيه وسعاده، اضطررت الى مغادرة القرية الى مزرعة عمي شبلي العريان النائب آنذاك في بلدة «دير العشاير» وأقمت في منزله.

« لقد حاول عمي النائب شبلي مساعدتي لما له من نفوذ وعلاقة متميّزة مع رئيس الاركان الشامي شوكت شقير، وقد وافقته على ذلك وذهبنا إليه بعد موعد مسبق وقابلته في وزارة الدفاع في «دمشق» وقد استدعى خلال مقابلتنا رئيس شعبة المخابرات عبد الحميد السراج ثم طلب مني اللحاق به الى مكتبه حيث أشاد بعائلتي وأثنى على نضالاتها، ثم تطرق الى موضوع مقتل عدنان المالكي محمّلاً المسؤولية لرئيس الحزب جورج عبد المسيح وطلب مني التعاون معه من أجل ملاحقة القوميين وجمع المعلومات حول عدد من المطلوبين. طبعاً لم يكن بالامكان رد هذا الطلب فتظاهرتُ بالموافقة لانقاذ الموقف، وخرجتُ من مكتبه على هذا الاساس وقد طلب مني الذهاب الى بيروت للتأكد من الطريقة التي خرج بها جورج عبد المسيح من دمشق الى لبنان بعد مقتل المالكي.

« حضرتُ الى «راشيا» وذهبت الى منزل الرفيق منصور اللحام 4 وطلبت منه المساعدة للتمكن من مقابلة احد المسؤولين في الحزب وفعلاً حضر معي الى بيروت وقابلت الأمين جبران جريج في منزله في «قريطم» على ما اذكر وأبلغته بشكل موجز عن لقائي مع عبد الحميد السراج وما طلبه مني، فذهب معي الى منزل الرفيق سعيد تقي الدين حيث كان مقيماً في شارع عبد العزيز. وبعد ان أبلغته ما كان مع السراج طلب مني حصر اتصالي به، وأبلغني ان أبلغ عبد الحميد السراج أن جورج عبد المسيح خرج الى لبنان عن طريق حمص القصير الهرمل.

عدت الى عبد الحميد السراج وأبلغته ذلك، فطلب مني معرفة مكان إقامة جورج عبد المسيح، إضافة الى مكان إقامة غسان جديد وسامي خوري، وبقيت على هذا المنوال حوالي الشهرين أتلقى المعلومات الوهمية من سعيد تقي الدين وأوصلها الى السراج.

الى ان شعرتُ في آخر لقاء لي معه السراج أنه بدأ يشك في أمري وقال لي: «ما طلع من أمرك شي في كل هذه المدة علماً اننا حصرنا علاقتنا بك لثقتنا بك وبعمك شبلي».

« استمريت بهذه المهمة الخطرة مدة ثلاثة شهور، وكنت معرضاً لو افتضح امري للتصفية الجسدية، وفي جلسة مع عبد الحميد السراج بعد «دويّختي» له التي استمرت ثلاثة شهور سفر بين دمشق ولبنان عن طريق «دير العشاير» أزوّده بما كان يزوّدني اياه الرفيق سعيد تقي الدين، وأنقل الى الرفيق تقي الدين ما كان يطلبه مني عبد الحميد السراج، قال لي السراج: «ضيّعت الوقت علينا، ولم يطلع من أمرك شيئاً» وتركني في غرفته بعد ان استدعى ضابطاً جلس معي، وعاد بعد نصف ساعة ليصرّ عليّ ان أتأكد اذا كان الدكتور سامي الخوري في بلدته «الكفير» او يتردد عليها، وأعتقد بأن غيابه بعد ان استدعى ضابطاً للبقاء معي في غرفته، كان لمقابلة شوكت شقير لبحث أمر اعتقالي معه، كون عمي شبلي كما أسلفت هو الذي سلّمني لشوكت شقير، وعدت الى بيروت لأنقل مناخ شك السراج بي، وبما طلبه مني، فزوّدني الرفيق تقي الدين برسالة موّجهة الى الدكتور سامي الخوري الى بلدته «الكفير» وكانت الرسالة مفتوحة ومما جاء فيها «لقد وصلت الاشارة الرمزية في هذا الصباح بوصول العم 5 وغيث 6 الى الشاطىء الذهبي، وقد استلمت جواز سفرك ولكنهم رفضوا ان يكتبوا عليه لقب دكتور، وانني مرسل إليك الرفيق جميل العريان مع بعض الرفقاء الذين أثق بهم لينقلونك الى بيروت».

وطلب مني ان اعود عن طريق مرجعيون حاصبيا الكفير، والاتصال بالرفيق ادمون شديد 7 ناظر تدريب منفذية مرجعيون ليذهب معي الى منزل الدكتور سامي الخوري، والدكتور سامي الخوري كان متوارياً في بيروت، وأضاف: بعد ذلك إذهب وانقل الى عبد الحميد السراج الرسالة وأطلب منه مساعدة عسكرية بثياب مدنية ورسم خطة معهم لخطف او قتل الدكتور سامي الخوري، وأضاف بعد ذلك قائلاً: «هذه المهمة خطيرة جداً وقد تودي بحياتك، فكر جدياً بالامر، وأتخذ قرار تنفيذها او البقاء في بيروت، ونحن نتدبر أمرك» فاتخذت القرار فوراً ولم اسأل عن مصيري، وعدت عن طريق مرجعيون وذهبت حسب الخطة مع ناظر تدريب مرجعيون الى منزل الأمين سامي الخوري، ثم الى «دير العشائر»، واطلعت عمي شبلي العريان على الرسالة فنزل معي بسيارته الى دمشق، وبعد تسليم الرسالة الى عبد الحميد السراج طلب مني السراج، العودة إليه في اليوم الثاني، عندها تأكدت بأن أمري سينكشف، لأن عمي شبلي ارسل صورة عن الرسالة الى «اسد الاعور» في «قرنايل» وهو صديق لشوكت شقير، ليسلمها إليه ويبلغه هذا الانجاز الكبير الذي قام به. بعد ذلك، ذهبت الى بستان نملكه في جوار قريتي «حينه»، وارسلت من جلب زوجتي وطفلي نزيه والشهيد سعاده الذي كان عمره ثلاثة شهور الى البستان، فودعتهم، وأبلغت زوجتي بأنني سأسافر لمدة قد تطول، ثم عدت الى «دير العشائر» وفي اليوم الثالث ليلاً وصل ثلاثة رفقاء من قبل الرفيق سعيد إليها، نقلوني الي راشيا لمنزل المنفذ العام آنذاك المرحوم منصور اللحام لأجد سيارة نقلتني الى بيروت لمنزل الرفيق تقي الدين الذي وجدته صاحياً وكانت الساعة حوالي الرابعة صباحاً، فهنأني بحرارة بسلامتي، وعند الساعة السادسة هتف الى الأمين عبدالله قبرصي الذي كان يسكن في جوار منزله بشارع عبد العزيز وقال له «وصل جميل» وكان الأمين قبرصي يومذاك رئيساً للمجلس الاعلى، وبعد نصف ساعة وصل الأمين عبدالله قبرصي، حضنني وهنأني على سلامتي، وكانت المرة الاولى بحياتي التي تعرفت فيها على الأمين عبدالله قبرصي، وفي الصباح وجدت صحفاً على مكتب الرفيق تقي الدين ناشرة رسالته الى الدكتور سامي الخوري، بعد ذلك وصلت جريدتا «الزوابع» و «صدى لبنان»، لأقرأ قصتي مع عبد الحميد السراج منشورة فيها تحت عنوان: «جميل العريان قومي اجتماعي مهمته تضليل جواسيس شقير» وفي نفس المقال صورة لناظر تدريب مرجعيون آنذاك الرفيق ادمون شديد الذي رافقني الى «الكفير»،.. بعد ذلك عقدت مؤتمراً صحفياً رويت فيه مهمتي التي كلّفت بها كاملة.

فجن جنون عبد الحميد السراج الذي علمتُ بأنه طوّق بلدتي «حينه» وعبث في منزلي وحقق مع زوجتي، ثم طوّق دير العشائر بحثاً عني في نفس الليلة التي تركت فيها دير العشائر، وكان نصيب عمي شبلي، منعه من الدخول لدمشق لسنتين كاملتين ولم يكن يومذاك من طريق لسيارة الى لبنان إلا عن طريق ميسلون ثم الجديدة الحدود. وكان الغضب عليّ من عمي وعائلتي، والنقمة من عبد الحميد السراج الذي صادر جراري الزراعي الذي أحرث فيه أرضي، وهكذا أصبحت ملاحقاً في لبنان لتصفيتي، لسنوات، وقد اضطررت بالمراسلة وبالسريّة لبيع أملاكي قطعة تلو القطعة بأبخس الاثمان، لأنفق على عائلتي التي نقلتها الى لبنان بعد ستة شهور، وانا ابن لعائلة إقطاعية معروفة بسخائها وعيشها الميسور.

لعل ما نشره الرفيق الباحث جان الداية عن علاقة الأمين جميل العريان بالرفيق سعيد تقي الدين افضل ما يغطي هذه الناحية. هذا ما نقرأه في الصفحات 22-24 من الكتاب الذي صدر عن الأمين جميل بتاريخ 05/06/2002:

« لم تخلُ العملية الخطرة التي قام بها جميل العريان من المادة المضحكة المبكية، رغم جديتها وخطورتها وإمكانية تعريض القائم بها لحفلات تعذيب قاتلة. لذلك، ذكّر سعيد جميلاً قبيل التنفيذ بخطورة ما سيقوم به، وأبلغه ان بمقدوره طي صفحة العملية والنوم في منزله، بدلاً من بيت خالته السجن ، أجاب جميل بلهجة واثقة قاطعة: «لقد عرفنا مخاطر الطريق، حين رفعنا يدنا بالقسم، لا نخاف المزة ولا نخاف الموت».

لست بصدد سرد تفاصيل العملية، نظراً لضيق المجال، لذلك أكتفي بالخلاصة التالية: كان بعض رموز الحزب هدفاً للاعتقال او الخطف، وكانت الصحف المعادية للحزب في لبنان تنشر معلومات غير صحيحة، وفي أحسن الاحوال غير دقيقة، وفي طليعتها جريدتي «الشرق والانباء». هنا صمم سعيد تقي الدين ان يصيب عصفورين بحجر واحد: تضليل السلطة بالنسبة لأحد الرموز الحزبية المنوي خطفه، وإظهار مدى كذب القيمين على وسائل الاعلام، او البرهان على انهم جبال من الملح على حد تعبيره!..

حمل جميل رسالة تمويهية من سعيد الى القائد الحزبي المطلوب، وتوّجه مع ابن عمه عادل الى «دير الشعائر»، حيث اطلّع عمه شبلي آغا على الرسالة. ثم انطلق جميل وعادل الى دمشق ومعهما الرسالة التضليلية التي اعتبرها المقدم عبد الحميد السراج كنزاً ثميناً. وعلى الفور، سلّم حاكم الشام آنذاك صورة الرسالة الى كل الصحف الموالية ومنها «الانباء» و «الشرق». وراح يفاوض جميل العريان من اجل تسليم القائد الحزبي. وبالطبع، اشترط جميل الحصول على كمية محترمة من المال والسلاح، لقاء القيام بالصفقة. وهكذا في الوقت الذي نشرت الصحف المعادية للحزب القومي صورة زنكوغرافية للرسالة التمويهية على صفحاتها الاولى، متوّجة بمانشيتات متناسبة والوثيقة «الثمينة».

« انطلق جميل باتجاه دير العشائر، فالكفير، حيث يوجد القائد القومي على حد تأكيده للسراج للقيام بالصفقة.

في ذلك الوقت، كان سعيد تقي الدين قلقاُ على جميل العريان، لأن افتضاح أمر الرسالة، سوف يعرّضه للتعذيب، وربما للتصفية. لذلك، كان يصلّي من أجل مغادرته الشام بأقصى سرعة، وتحديداً قبل مرور 24 ساعة على نشر الوثيقة التضليلية. وفيما كان يرمي أعقاب السجائر كعادته في زوايا صالون منزله في رأس بيروت، ويتكلم مع نفسه بصوت عالٍ وهو يمشي: «راح جميل… راح» على حد تأكيد الأمين محمود غزاله، دخل جميل العريان الصالون، عانقه سعيد وهنأه، ولم ينس ان يذرف دموع الفرح في لحظة الانتصار تلك.

ثم دعا الى مؤتمر صحافي، حيث روى فيه جميل وقائع العملية البوليسية الاستخباراتية، التي بدأها وأنهاها في رأس بيروت، مروراً بالكفير وحاصبيا في الجنوب، ودير العشائر في البقاع، ودمشق عبد الحميد سراج. من جهته، سرد سعيد هدف العملية والخطة المرسومة، ولم ينس التأكيد بأن أصحاب ومحرري الصحف المعادية، جبال من الملح، بدليل نشرهم الرسالة وتأكيدهم على صحة مضمونها. وكانت النتيجة، ان سعيد برهن، مرة اخرى، على جدارته في قيادة العمليات الحزبية والإعلامية الصعبة، فيما برز في صفوف الحزب القومي رفيق مغمور، وقد أهلّته العملية البطولية الى احتلال مركز مرموق في لائحة الأعضاء العاملين الذين يضحّون بكل شيء في سبيل معتقدهم.

وفاته

بتاريخ 05/06/2001 وافت المنية الأمين جميل العريان بعد معاناة طويلة مع المرض،

في عددها حزيران تموز 2001 اوردت النشرة الاذاعية الصادرة عن عمدة الاذاعة، التغطية التالية عن المأتم الحاشد الذي ودعت فيه منفذية راشيا ومنفذيات البقاع، الأمين الذي عرفته عميداً ومنفذاً ومناضلاً عنيداً منذ رفع يمناه بالقسم عام 1947. قالت:

«بالامس أطل الأمين جميل بجسده للمرة الاخيرة على «قلعته» قبل ام ييمم الوجه الى «دير العشائر» حيث شاء لجسده ان يرقد على بضع خطوات من مسقط رأسه «حينه»، فاستقبلته جموع السوريين القوميين الاجتماعيين وأهالي راشيا والبقاع، الى جانب وفد مركزي يتقدمه رئيس الحزب الأمين جبران عريجي ونائب الرئيس الأمين محمود عبد الخالق وأعضاء المجلس الاعلى الامناء: اسعد حردان، د. مروان فارس، ناظم ايوب ويحي جابر والعمد: الأمين توفيق مهنا، الرفيق صبحي ياغي والأمين انطون غريب، حيث أقيم للأمين الراحل حفل تأبيني رسمي وشعبي حاشد شارك فيه

قائمقام راشيا دياب سلوم ممثلاً رئيس الجمهورية العماد اميل لحود، ورياض غنام ممثلا رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري، نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، النواب: فيصل الداوود، سامي الخطيب، انور الخليل، روبير غانم، محمود ابو حمدان، ايلي سكاف، محمد علي الميس، يوسف المعلوف، العقيد الركن منصور حداد ممثلاً قائد الجيش العماد ميشال سليمان، والسفير فؤاد الترك، والمطران جورج كفوري وحشد كبير من المشايخ إضافة الى عدد كبير من الفعاليات.

« قدّم الخطباء، مذيع مديرية راشيا الرفيق شوقي دلال، بكلمة عدد فيها مزايا ومآثر الأمين الراحل .

ثم القى الرفيق منير مهنا كلمة المديرية وجاء فيها: حين يهوى نسر من علاه، تنحني في وداعه الكلمات والسنابل، وتقف ساحات المدائن في انتظار لحظة وصوله إليها. وحدها الريح لا تستكين في زحام الزبد الخافق بأهازيج الحداء وألأغنيات.

فمن أين يبدأ الرحيل إليك… وقوافل المحبين تجيئك من كل الجهات.. من سفر الضوء فوق المشاعل وما ترامت إليه الذكريات.. كيف نعبر الى محرابك المعمّد بالجراح وظلامة السجون… وكيف نكسر لغة الحروف لنزيح اقفال الكلام عما تشعّ به مسيرة دربك من وقفات عز كنت فيها انت انت سيّد الرجال الرجال…

« لقد كان جميل العريان سيفاً من سيوف النهضة في كل مهمة أوكلت إليه.. كانت اولى مسؤولياته الحزبية «مفوض عام مفوضية حينه عام 1948» وبعدها … توالت عليه المسؤوليات.. عشية الثورة القومية الاجتماعية الثانية 1961، كان ناظراً للتدريب في منفذية الضاحية الشرقية، وقد اعتقل وحكم عليه بالاعدام ثم خفف الحكم الى المؤبد، ليسجن مع قادة الثورة في سجن ثكنة «المير بشير».. لينقل فيما بعد الى سجن القبة في طرابلس فإلى سجن القلعة في بيروت.. ليخرج بعد سبع سنوات في العام 1969 متحملاً مسؤوليات عدة محلية ومركزية .

ثم القى الرفيق حسن مدّاح قصيدة.

كلمة مركز الحزب القاها الأمين انطون غريّب وجاء فيها:

« فارس، لم يترك مرمح نضال إلا وكان له فيه وقفة عز واباء. اقتحم هيكل الشهادة مراراً فهاب الموت جسارته وتجنّب منازلته.

الأمين جميل العريان، نوّدعه اليوم، وفي القلب غصّة فراق وفي الوجدان لوعة، ولكنه مقيم دوماً في الذاكرة، سخي العطاء في النضال، قوي الشكيمة في قوله الحق، مقحام في مطارح الكرامة والإباء.

آمن بقيم الحق والخير والجمال، واعتنق مبادىء النهضة القومية الاجتماعية هدفاً لحياة وقفها لرفعة الأمة،وللنضال من اجل استعادة عزّتها وكرامتها وجدارتها في الحياة، جندياً في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي، منضبط المناقب، مواجهاً المخاطر، متحدّياً الصعاب.

« خانه الزمان وقسى عليه الدهر، لكن لم تهن له قناة ولم يفت له عزم ولم يتزعزع في وجدانه ايمان، فاستمر أميناً على وزنات الأمة وفياً لالتزامه الحزبي، يصون الاسرار في دهاليز سجون الطغاة، يتحمّل تنكيل السجّان والفم مطبق على البوح، والقلب صندوق مقفل على اسرار النهضة التي أقسم على حفظها تحت كل الظروف.

من منا لا يذكر المهمة الجلل التي نفّذها عام 1956 وكادت ان توصله الى الشهادة إنقاذاً لقيادة الحزب في مرحلة عصيبة، فكانت له شهادة على الملأ أدّاها بفخر رفيقه ورفيقنا الراحل سعيد تقي الدين يوم أتمّ المهمة وعاد بعد ان حسبناه من الشهداء او المفقودين.

كيف ننسى وسجون أنظمة الطغيان في أمتناعرفته نزيلاً دائماً بين عامي 1958 و 1961 حين حكم عليه بالسجن المؤبّد.

« تعب النضال من إقدامك، ولم تتعب لك همّة، فأنت الفارس القابض دوماً على سيف الحق في حمأة النزال.

لم يتعبك النضال وأنت سيد ساحته، لكنه المرض الغادر أسقط منك الجسد، فغادرتنا الى دنيا الحق، الى مراتع الخلود وأبقيت في ذاكرتنا رباطة جأشك عند الملمات كانبساط سهلنا الفسيح وصلابة الشكيمة كما صخور راشيا الصلدة، كما قلعتها العاصية على عاديات الزمان تشهد لتاريخ مجيد لأمة صنعت التاريخ وأعطت العالم مناهل حضارته. فاستكن في هدأة الخلد، فحزبك مقيم في الساح يضيء مشعل النهضة امام أجيال الأمة، ويبني بوقفات العز مجدها وسؤددها. ورفقاؤك على العهد يتخذون من نضالك مثالاً في الطريق الوعر المسالك، يعيدون للأمة أمانتها، ويحفظون لها كرامتها وعنفوانها.

عرفت فيه.. المحب العطوف، والرجل الصادق، الشهم، الكريم النفس، المترفع عن الصغائر، الناصر للضعيف والمقهور والمساعد للمحتاج والمظلوم.

وأضاف: لقد ذاق مرارة السجون، والاعتقالات، والتوقيفات، والتشريد والتنكيل.. فما لانت عزيمته ولا حنى جبينه للعاصفة. فإيمانه بحزبه كان مساوياً لحياته.. كان حزبه عالمه الكبير وعمله العظيم.. اليوم نودعك ونحن نعلم أنك باق أبداً في قلوبنا.. ونعاهدك بأن هذا البيت القومي الاجتماعي الذي أنشأت، سيكمل المسيرة ويتعلم من إيمانك دروساً وعبر».

ذكرى السنة على رحيله

بمناسبة مرور عام على وفاة الأمين جميل العريان، أقامت منفذية راشيا احتفالاً رسمياً وشعبياً حاشداً في قاعة المربي ضاهر المعلولي في راشيا بحضور قائمقام راشيا دياب سلوم ممثلاً رئيس الجمهورية، الدكتور رياض غنام ممثلاً رئيس مجلس النواب، قائمقام البقاع الغربي مانع المقداد ممثلاً رئيس مجلس الوزراء، النائبين محمود ابو حمدان وفيصل الداوود، الوزير السابق غازي سيف الدين، وممثل عن النائب روبير غانم، والشيخ علي غزالي ممثلاً شيخ عقل الطائفة الدرزية، والعقيد الركن مروان زاكي ممثلاً قائد الجيش، ووليد الطيبي ممثلاً نقيب الصحافة اللبنانية، ووكيل داخلية الحزب التقدمي الاشتراكي د. يحي خميس، وعضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية. القيادة العامة جمعة العبدالله وعدد من رؤساء البلديات والمخاتير وفاعليات المنطقة وحشود من المواطنين.

وحضر الاحتفال وفد مركزي من قيادة الحزب برئاسة نائب رئيس الحزب الأمين محمود عبد الخالق، وعضوية عميد الدفاع وائل حسنية وعضو المجلس الاعلى الأمين ناظم ايوب وأمناء من لبنان والشام ومنفذون عامون وحشد من السوريين القوميين الاجتماعيين .

بعد النشيدين الوطني اللبناني والحزبي الرسمي، القى ناظر الاذاعة والاعلام الرفيق شادي دهام كلمة تعريف، فكلمة منفذ عام راشيا الرفيق حمد زيتون الذي أشاد بالدور القومي والنضالي للراحل، كما القى الشاعر الأمين ابراهيم الزين قصيدة.

من كلمة عميد الإذاعة والإعلام الأمين توفيق مهنا

« قال الاديب القومي سعيد تقي الدين: الرجل الكبير لا ينتهي بمأتم. وقناعتنا ان الحياة الزاخرة، عنفواناً وبطولة. ايماناً وعطاء. حقاً وخيراً وامتلاء، لا تندثر، بحفنة تراب ترمى فوق جسد نودعه الارض.

فالقيم خالدة خلود المجتمع، والمجتمع رجال ناهضة بمبادىء، ومترهبنة لقضية تساوي الوجود. والمجتمع، امتداد يتخطى محدودية الزمان، واللحظة المعاشة، هو المستقبل الدائم والمنذور أبداً، لسجل الخالدين، والمبدعين، والابطال، والمرصع بالفضائل والمناقب والمعارف المفيدة للحياة الحرة اللائقة بحياة الانسان، والتي تسمو بوجوده لتميزه عن سائر المخلوقات.

ومن هذا المنظور، مثل الأمين الراحل عنوان انتصار الحياة بقيمها الباقية، على الموت بحقائقه الموجعة.

فالأمين الراحل قبس ضوء، وامتياز خاص، في معنى استمرار القيم، حية نابضة، في القلب والوجدان.

ومن منا نحن عارفيه ومحبيه ومرافقي نضاله والمقتدين برجولته في اوقات المحن والشدائد لا يتذكر على مفارق الحياة، نبض وقفات العز في مسيرته الصاخبة من الشام الى لبنان، ومن معترك نضالي الى آخر، ومن ذروة بطولية الى ذروة، ومن مسؤولية، لا تطيب له او تحلو، الا متى كانت تكليفاً بمهمات فوق العادة، تتطلب رجالاً فوق العادة.

الأمين الراحل، علامة فارقة، في تاريخنا النضالي، انه وشم عز على الجباه وفي القبضات، من أجل نهضة الامة السورية والعالم العربي.

انه صفحة مجد في كتاب ملحمة النضال القومي، روى سطورها بالعرق والاضطهاد والحرمان، وغذى حروفها بالدم السائل من سياط الجلادين في أقبية السجون، وأعلى بنيانها، في المنازلة الدائمة مع الموت، ومواجهة الاخطار.

لم تكن الحياة، تطيب له، بلا تحد، ولم تعنه، أبداً، أن تكون حياة سهلة وهينة، او رخيصة، او فارغة من معنى الالتزام، ومن التعاقد على أمر خطير، يتطلب ارتقاءً في الايمان الى مستوى تقبل الموت بابتسامة وتحدي الجلاد والهزء بالرصاص الغادر بكلمة شكر، تحول الثامن من تموز أسطورة انبعاث، هي من ابهى الاساطير، وأقواها فعلاً في النفس ورسوخاً في الوجود».

كلمتي عند رحيله

لاني لم اتمكن ان اكون مع محبي الأمين جميل عند رحيله، نشرت عنه هذه الكلمة التي لا تفيد سوى جزء من كثير يستحقه.

« إذا سأل أحد الناس ماذا فعلتم يا أيها القوميون الاجتماعيون، أشرنا إلى سنديانات عمّرتها النهضة، وتركناهم، هم، يتحدثون .

الأمين جميل العريان هو أحد تلك السنديانات. قد تختلف معه، إنما لا تستطيع إلا أن تقدر فيه عمق إيمانه وأصالة التزامه.

عرفت عنه في السجن وقد شارك في الثورة الانقلابية وخرج مع العفو، كما كنت قرأت عن مواقفه الحزبية وهي عديدة، ثم تعرفت عليه بعد خروجه، وواكبت نضالاته والمسؤوليات التي تولى، اختلفت معه في الرأي أحياناً، وتباعدنا في الانتظام أحياناً اخرى، إلا أني كنت دائماً أحبه وأرتاح إلى الحديث معه، وأجد فيه تلك الصخرة التي قُــدّت من صوان، والسنديانة التي امتدت جذورها إلى أعماق الأرض فلا ريح تزيحها ولا عاصفة تقلعها وترميها إلى جانب.

بعض الناس تشعر بهم أكثر، وقد رحلوا. منهم الأمين نواف حردان الذي أدرك اليوم، وكثيراً، كم كان يجب أن يبقى معنا، فلا نخسر برحيله، هذا الكمّ من الروائع التي رحلت معه.

الأمين جميل العريان هو منهم أيضاً، أشعر اليوم أنه كان يجب أن التقيه أكثر، وأن استمع إلى ما عنده أكثر، وأن يحكي لنا ما في أعماقه وذاكرته ووجدانه.

فيا أمين جميل،

اعذرني إن لم أتمكن من أن ألتقي بك كثيراً وأنت في أيامك الأخيرة، ولم أكن مع محبيك يوم رحلت. إنما ثق انك، وسنديانات هذا الحزب، تبقى وتستمر، وتظل أغصانك تورق وتطلق الأريج. ومثل الذين أعطوا الحزب وناضلوا وقدموا التضحيات، أنتَ مقيم في وجدان رفقائك والحزب، ودائم الحضور.

الكتاب الذكرى

في الذكرى السنوية الاولى لرحيل الأمين جميل العريان اصدر ابناؤه الرفقاء: نزيه، بديع، غسان، سوريانا، وتموز، كتاباً تضمن كتابات وفاء قيلت في الأمين الراحل، منها لحضرة الامناء والرفقاء: محمود عبد الخالق، توفيق مهنا، انطوان الغريب، عبدالله قبرصي، مروان فارس، اسعد حردان، ناظم ايوب، حافظ الصايغ، يوسف الدبس، ابراهيم الزين، حمد زيتون، عادل الطبري، د. عدنان ابو عمشة، محمود غزالة، كمال نادر، جان داية، منير مهنا، شوقي دلال، حسن مداح قصيدة ..

كتب ايضاً: النائب السابق ميشال معلولي، الدكتور نقولا شفيق معكرون، والاستاذ شوقي ابو لطيف.

والزوجة المناضلة

في الجزء الاول من مذكراته، يعرض الأمين مسعد حجل كيف تعاطت زوجات الرفقاء الاسرى ازاء المحنة التي تعرّضن لها، يقول تحت عنوان: «عائلات الرفقاء الأسرى تتعالى على حاجاتها»

« مع اني لم اكن احمل مسؤولية إدارية مركزية ولا فرعية محليّة، إلا أن عدداً كبيراً من الرفيقات اللائي يعانين من عسر الحال، كون ازواجهن إما في المعتقلات أو متوارين عن أنظار قوى الأمن او أنهم غادروا سراً، كنّ يأتين إليّ طلباً لأية مساعدة مالية أتمكن منها لتأمين بعض حاجيات بيوتهن.

طلبتُ من زوجتي الرفيقة ناديا الأمينة تحضير لائحة بأسمائهن والوقوف على المبلغ المطلوب لكل أسرة تماشياً مع عدد اعضاء العائلة.

تراوحت المبالغ بين الخمسين ليرة لبنانية ومئة ليرة وهو مبلغ جيد في تلك الفترة . حافظتُ على احترام التعهد رقماً ووقتاً، لكنني عدلت عن دعوتهن الى منزلي لهذا الغرض خوفاً من أن يذهب بعض المبلغ بدل نقليات، فأستأجرت سيارة وكلّفت احد الرفقاء للذهاب الى بيوتهن وتسليم المغلفات إليهن مباشرة.

موقفاً نبيلاً وقفته الرفيقة هند، زوجة الأمين جميل العريان، عندما أرجعت نصف المبلغ الذي كانت استلمته، لإعطائه الى عائلة اخرى ربما تكون بحاجة له أكثر منها، كون الرفيقة هند قد وجدت عملاً تجني منه مبلغاً يوازي نصف ما تحصل عليه من الحزب، فأرجعت المبلغ لتقديمه الى أسرة قومية اخرى».

ومنفذية راشيا تكرمها

قالت جريدة «البناء» في تغطيتها لحفل التكريم الذي اقامته منفذية راشيا للمناضلة هند ابو حرب، بتاريخ 11/10/2017 ما يلي:

« كرّمت منفذية راشيا المناضلة هند ابو حرب والدة الشهيد سعادة العريان، وزوجة الراحل الأمين المناضل جميل العريان، حيث تمّ تقليدها «وسام الصداقة» بإسم رئيس الحزب، وذلك بحضور عضو المجلس الاعلى أحمد سيف الدين ممثلاً رئيس الحزب الوزير علي قانصو، منفذ عام راشيا الرفيق خالد ريدان، منفذ عام البقاع الغربي الدكتور نضال منعم، اعضاء المجلس القومي: ناظم ايوب، حمد زيتون واليسار بدور، وعدد من مديري المديريات، وفاعليات بينهم: نادي قماش، شوقي دلال، ربيع الاعور، وزياد العريان، وعدد من القوميين والمواطنين.

بدّور

وفي هذه المناسبة، ألقت الأمينة اليسار بدور كلمة شكرت كل من حضر ليشارك في تكريم المناضلة هند أبي حرب، وأثنت على دور المكرمة وثباتها على النهج، والذي تجسّد في تربية وتأسيس عائلة قومية محصّنة ومؤمنة بقضية تساوي الوجود.

العريان

وفي كلمة له شكر رئيس بلدية راشيا السابق زياد العريان الحزب على هذه الالتفاتة الكريمة، وتحدّث عن المناضلة هند ابو حرب العريان خلال فترة سجن الأمين الراحل جميل العريان، وكيف تحملّت مسؤوليات العائلة لافتاً الى هذا البيت القومي المعروف بمواقفه الصلبة وتضحياته في سبيل الحزب.

سيف الدين

والقى الأمين سيف الدين كلمة مركز الحزب حيث اشاد بدور المناضلة المكرّمة لا سيما خلال فترة سجن زوجها المرحوم جميل العريان الذي عرفته ساحات النضال والعز القومي، ولفت الى معاناتها والجهود التي بذلتها لاستكمال مسيرة زوجها، والعمل من اجل انتصار قضية الحزب بكل إخلاص وعزيمة قومية .

وأكد سيف الدين ان الحزب يستمد وهج النضال والصراع من أبطاله الذين سجلّوا وقفات العز ومن بينهم الأمين الراحل جميل العريان، مؤكذا ان الحزب يواصل درب النضال ونهج الصراع والفداء من اجل ان ينتصر مفهوم الحق القومي ، وهذا ما يتجسّد من خلال الدور الذي يقوم به الحزب في الشام حيث يبذل ابطال نسور الزوبعة الدماء والتضحيات من اجل ان تنتصر الشام على الارهاب.

وقال: درب النضال كان ولم يزل هو دربنا، ويوم الفداء شرفنا وعزنا. إننا باقون في خط الصراع متمسكين بثوابتنا، مدافعين مصالحنا القومية، مؤمنين بقضيتنا وبصحة العقيدة ومضاء العزيمة.

وتابع: العمل القومي لم يكن يوماً وقفاً على الرجال، فالمرأة ايضاً أبدعت في النضال والفكر والثقافة، وسجلت في حزبنا أبهى وقفات العز وأكثرها إباء.

وأضاف: المناضلة هند ابو حرب والدة الشهيد سعادة العريان، وزوجة الأمين والمناضل الراحل جميل العريان، نموذج ومثال للنساء الرائدات اللواتي ضحيّن وصمدن وصبرن، لذا استحقت «وسام الصداقة» الذي يُمنح بموجب مرسوم من رئاسة الحزب.

وختم سيف الدين شاكراً كل من حضر من أجل المشاركة في تكريم المناضلة التي جسّدت أبهى معاني الايمان القومي والثبات على النهج والعقيدة القومية الاجتماعية، فكانت مثلاً للالتزام بمبادىء النهضة، وخير من عمل من اجل انتصار العقيدة القومية الاجتماعية .

بعد ان أطلعت مجدداً على تقرير كان رفعه الأمين جميل العريان بتاريخ 22/12/1998 الى رئاسة الحزب، قفز فوراً الى ذاكرتي ما كنت قرأته لعملاق الادب الرفيق سعيد تقي الدين في كتابه «انا والتنين» عندما شرح كيف كان وضعه المالي عندما وصل الى الوطن قادماً من الفيليبين، ثم كيف تدهور وضعه مما اضطره الى مغادرة الوطن متوجهاً الى أميركا اللاتينية فاستقراره في جزيرة «سان اندرس» في كولومبيا، الى ان وافته المنية.

من تقرير الأمين جميل، نقتطع التالي:

« كنت يومذاك أقيم في قرية «حينه» قضاء قطنا ونملك اراضي زراعية فيها، ولدينا فلاحين وجرار زراعي، وكان لنا في تلك القرية ثلث أملاكها انا وأعمامي شبلي العريان وأخوته وبعضا من أقاربي الذين كانوا من قرية عيحا قرب «راشيا الوادي»، واسمحوا لي اذا اوضحت بأن لآل العريان عموماً وهم من «راشيا الوادي» ونحن ايضاً من «راشيا الوادي»، أملاكاً شاسعة ضمن الاراضي الشامية وفي تلك القرية وقرى «مغر المير» و»دربل» وهذه بالاخص كانت لاجدادنا، وبالتحديد كان والدي وهو على قيد الحياة يستثمرها مع بعض اراضي لنا ايضا في مزرعة «بيت جن» كنا ورثناها عن جدنا المرحوم شبلي باشا العريان الذي حارب ابراهيم باشا المصري وهذا مذكور في التاريخ اللبناني. إذ أدلي بهذه المعلومات، وآتي على ذكر شبلي باشا، الذي كان والياً في بغداد ايضاَ، اوضح اني عندما التزمت بالحزب رفضتُ حمل اي من الالقاب الموروثة من الاتراك: باشا، بك وآغا..

هوامش

1 – للاطلاع على النبذة المعممة عن «حينه» الدخول الى قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 – عاونت الرفيقة اعتدال خير الدين في موضوع تاريخ الحزب، ثم توقفت بعد زواجها من الرفيق الإعلامي احمد شومان.

3 – الأمين جورج بلدي: للاطلاع على النبذة المعممة عنه مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

4 – منصور اللحام: للاطلاع على النبذة المعممة عنه مراجعة الموقع المذكور آنفاً.

5 – العم: الاسم الذي كان يطلقه الرفقاء في الخمسينات على الأمين جورج عبد المسيح.

6 – غيث: احد الاسماء المستعارة للرفيق المقدم الشهيد غسان جديد.

7 – ادمون شديد: من «جديدة مرجعيون». تولى مسؤوليات عديدة، منها نظارة التدريب. كان مراسلاً لجريدة «النهار» في الجنوب، تميّز بحضوره الحزبي الجيد، انشأ عائلة قومية اجتماعية. سنكتب عنه لاحقاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى