التشكيليّة جانيت جرجس: لا أزال أبحث عن نفسي… وأترك للوحتي الحديث عن نفسها

رنا صادق

الفنّ أنواع. نوعٌ تطغى عليه الروح ونوعٌ آخر تطغى عليه الإرادة وفي كلتا الحالتين الروح من الإرادة والإرادة من الروح، قادرتان على إنتاج فنٍّ غنّي، فتيّ وابن العصر، وماذا لو كان الفنّ تشكيلياً ناطقاً بحروف الألوان في لوحات الفنانة التشكيلية جانيت جرجس. صاحبة الإرادة الفتّاكة والروح الناغمة على حافة اللوحة.

جانيت جرجس تشكيليّة من الطراز الأول، لاقت رسومها استحساناً وصدى في الوسط الثقافي، وأينما حلّت حلّ التعبير ووجد اللحن.

لحنُ لوحاتها عذبٌ، ونغمه خفيف على القلب والسمع، تسطّر فيها تجاربها، وتنفعل معها بأحاسيسها وتعيش لحظة بلحظة معها إلى أن تقوم بإنتاجها وتصويرها في حلّتها النهائية.

لا تقف عند حدود الموهبة، بل أثقلتها ووضعت مجهودها في تنمية تلك الموهبة بالتجريب والخبرة، إلى أن شاء أن تقوم بتجارب فريدة إبداعية.

«الحصاد» التقت الفنانة التشكيلية وعضو في الهيئة الإدارية في جمعية «تكوين» الثقافية جانيت جرجس وتعرّفت إلى مشاركتها في وضع بصمة جديدة في الإنتاج الإبداعي الثقافي التشكيليّ.

ولدت وترعرت وسط عائلة كبيرة، مؤلّفة من عشرة أبناء. طفولتها جميلة ومميزة، كان يسود جوّ من الألفة والمحبة بينها وبين إخوتها. لكنها تميّزت عن إخوتها بشغفها للفنّ. حين كانت تخربش على الحيطان والأرض بالطباشير وترسم رسمات عديدة.

تقول جرجس عن طفولتها «بدايتي مع الرسم كانت خلال مشاركتي في مسابقة للرسم أقامتها المدرسة، حيث حزتُ المرتبة الأولى عن لوحتي حمامة السلام وفي فمها غصن زيتونٍ، التي رسمتها على ورق بابيانو وألوان الباستيل. فكانت هذه أول تجربة فنية لي مع الرسم على صعيد عام. ثم نلت جائزة فنية من معهد «فبريانو». من هنا، قررت البدء بمشواري الفني في سنّ العاشرة.

اللوحة اختصار الحياة فينا

اللوحة إحساس رسّام ومدركاته الفنّية، زاوية تتضخم وزاوية تضيق وأخرى تطول ولكل منهم رؤيته التي يترجمها حسب كادره النفسي العاطفي الذي يتفاعل مع محيطه، حيث إنه بالنسبة إلى جانيت، فإن الرسم حالة مميّزة بحدّ ذاتها يمرّ بها الفنان. فالفنان إبن البيئة يتأثر بما يحيطه، من حبّ، جمال الطبيعة، ورائحة البحر وازرقاق السماء ونقائه، إلى الحروب التي يمرّ بها وتركت أثراً فيه، لذا كلّ هذه العوامل هي عوامل جذب للفنان، وعالم للغوص في أغوار اللوحات.

وتقول «كانت اللوحة تترجم ما نشعر به باختصار».

البحث عن النفس والميول إلى السريالية

حول المدرسة الفنّية التي تتبعها، تقول «جربت أساليب عدّة من المدارس، لكنني حتى اليوم لا أزال أبحث عن نفسي بين ألواني ولوحاتي، لكنني أميل إلى السريالية الرمزية. ويمكن أن أنتقل في المستقبل بأسلوبٍ وتقنياتٍ جديدة ولمن أحبّ أن أنوّه أنني دخلت أكاديمية خاصة تدعى «IP2Z « لمدة أربع سنوات تعلّمت خلالها أصول الرسم، ونميّت موهبتي الصغيرة وأثقلتها لأصل إلى ما أنا عليه الآن».

وتضيف: أجد نفسي الآن في المدرسة السريالية التعبيرية، لأنها تترجم أفكاري وخواطري، فأجد نفسي في كلمات وقصة ولوحة.

يقول فيكتور هوغو «لا تكثر الإيضاح فتفسد روعة الفنّ»، بعض الفنانين لا يوافقونه الرأي إلا أن جانيت جرجس ترى أن هوغو قد صدق بقوله، ومقولته تأتي عن تجربة فقد مزج بين الكلمات والرسم وبرع.

وتضيف «أنا انطلاقاً من هذا الفحوى أترك للوحتي الحديث عن نفسها، هي التي تخبر عن ألوانها ومحتواها وفكرتها، ويختلف حديثها من فرد إلى آخر، حيث يصفها ويراها المتلقي حسب ذاتيته وأناه».

الموهبة وحدها لا تكفي

الموهبة وحدَها بالنسبة لجانيت لا تكفي الفنان. فالتجارب والخبرات هي مَن تساعده في التنقل بين الأسلوب والمدارس. الواقعية هي البداية وأول السلم، ومنها تنطلق فكرة اللوحة ويبدأ التنقل من مدرسة إلى أخرى. حيث كانت لها تجارب عديدة، منها ثلاث رسوم لدواوين شعرية حصدت اهتمام الناس واستحساناً من الصحف على صعيد العالم العربي.

وتضيف: لوحتي «سلّم الحياة» كتب فيها الدكتور جمال زعيتر، حيث استطاع الغوص في أعماقها وتمكّن من تحليل كلّ جزئية خاصة فيها، وكلّ لون وقريباً سيُطرح الكتاب في الأسواق العربية. الأمر الذي جعلني سعيدة وطموحة أكثر من حيث انتقاء أفكار اللوحات المعبّرة التي تترك أثراً لدى الناس ولا تمرّ مرور الكرام، فلكلّ منها بصمة وحكاية.

الزيتية والملوكية

تفضّل جانيت الألوان الزيتية، حيث تجد نفسها بها، فتقول «المزج بين الألوان الزيتية يريحني، ويطلق العنان لفرشاتي وفكرتي. هي الألوان الملوكية لا تقارن مع غيرها. في الشقّ الآخر أحبّ استخدام أقلام الباستيل والطبشور لأنها تمكّن من مزج الألوان بكل راحة وانسيابية ودقّة. وبها أستخدم أصابيعي العشر لمزجها، فتصبح التوأم بين اللمس والطبشور، وهذه الصلة الكبيرة أحبّ تنفيذها على أوراقي الخاصة من الباستيل.

نوعٌ جديد من الإبداع

تعمل جانيت اليوم على رسم على القوالب الفخرية. وهو أمر شائع لدى الفنانين، لكن ما يميّز هذه الأعمال عن سواها هو نقل اللوحة وتجسيدها بأشخاص من فخار. فرسمت العروس والعريس والممرّضة والطفل، هذه الأجسام مرسومة بقوالب جميلة قريبة إلى الناس. وهذه القوالب الفخرية تغريك بالحصول عليها لتزيّن المنزل أو الشرفة والحديقة. ولا بدّ من الإشارة إلى أن التشكيلية جرجس اعتمدت في هذا العمل على معايير عدّة أهمّها إيجاد نوع جديد من التقديم للناس يرغّب الناس بالفنّ ويعطيهم صورة جديدة عن الرسم والتشكيل.

هذه اللوحات المتنقلة الفرحة والملّونة استطاعت أن تعطي الفنانة جانيت دفعة إلى الأمام في تمثيل شخصيات واقعية وجميلة.

روحية الفكرة المرسومة

تشير جانيت إلى أن مؤخراً الفكرة هي ما تستحوذ على لوحاتها، حيث ترسم الإنسان على شكل تمثال جامد، لكنها تضعه في قالب الحياة والطبيعة. لذا تكثر الألوان في رسومها تلك. وما بين الطبيعة والفرح عشرات الأفكار الفرحة التي تترافق مع فكرة لوحاتها الأساسية التي تبعث الحياة والأمل في هذا التمثال وتحرك كل ّجزء فيه.

تشير جانيت إلى أنها ترسم حين تكون بحالة نفسية سعيدة، أو حزن، أو أمل، فلوحتها تجسّدها تعيش معها، وتحتضنها فهي طفلتها الصغيرة المدللة… وتشعر بها تناجيها إلى أن جانيت تنسى نفسها في غرفة الرسم لساعات طويلة وسط لوحاتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى