البستاني لـ«البناء»: رئيس الجمهورية يدعم الرئيس المكلف واعتماد المعيار الواحد يسهّل تشكيل الحكومة نستطيع إنقاذ اقتصادنا الوطني ووضع حدّ للتدهور وتحويل المسار إلى الصعود والنهوض والنمو المضطرد

رمزي عبد الخالق

أكد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب الدكتور فريد البستاني أنّ اعتماد المعيار الواحد كفيل بحلّ العقد التي تحول دون تشكيل الحكومة الجديدة، لأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون داعم للرئيس المكلّف سعد الحريري، الذي يجب أن يتوجّه إليه حصراً الأفرقاء بمطالبهم، وليس أن يطالب فريق فريقاً آخر بحصة من هنا أو حقيبة من هناك.

وفي حديث موسع لـ «البناء» شدّد النائب البستاني على أنّ لبنان يمرّ بظرف استثنائي ومصيري يحتّم انعقاد مجلس الوزراء لاتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لمواكبة المبادرات المتعلقة بعودة النازحين، لافتاً إلى أنّ الوضع الاقتصادي لن يتحسّن إذا بقي عبء النزوح جاثماً على صدر لبنان…

وأيد وجهة نظر الرئيس نبيه بري بأنّ مجلس النواب يستطيع القيام بعمله كسلطة تشريعية بغضّ النظر عن الوضع الحكومي، مشيراً إلى أنّ المعالجات السابقة لأوضاعنا الاقتصادية كانت عبارة عن خطوات ارتجالية موضعية وغير شاملة… وشبيهة بـ «تعبئة الماء في السلة»!

وسأل البستاني: هل نسي الذين يروّجون الأجواء السلبية ويطلقون الإشاعات عن انهيارات نقدية وغيرها أنها تطال مؤيّديهم أيضاً مثل باقي اللبنانيين؟ وقال: لا بدّ من إنقاذ اقتصادنا الوطني ووضع حدّ لهذا التدهور الكارثي وتحويل المسار الاقتصادي إلى النهوض والصعود والنمو المضطرد.

وتطرّق النائب البستاني إلى شؤون وشجون شوفية عديدة، مركزاً بشكل أساسي على المشاريع الإنمائية والحياتية، وشارحاً المبادرات التي يقوم بها شخصياً على أكثر من صعيد صحي وبيئي وسياحي وزراعي…

وفي ما يلي وقائع الحوار:

بداية الحديث طبعاً من الملفّ الأوّل في لبنان وهو ملف تشكيل الحكومة الجديدة، حيث يواجه التشكيل استعصاء كبيراً نتيجة المواقف والمطالب المعروفة والمضخّمة لبعض الأطراف والكتل النيابية…؟

يرى النائب البستاني أنّ الحلّ الأمثل والأفضل لهذا الاستعصاء هو في تلبية الطرح المنطقي الذي تقدّم به تكتلنا النيابي، تكتل «لبنان القوي»، ورئيسه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، عندما دعا إلى اعتماد معيار واحد يأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات النيابية في تشكيل الحكومة، لأنّ المعيار الواحد يجعل الجميع سواسية ويسهّل التشكيل ويلغي أيّ اعتراض من أيّ فريق كان حتى لو أتى هذا الاعتراض من فريقنا.

وفي التفاصيل يقول الدكتور البستاني…

أولاً: لقد اعتبرنا جميعاً أنّ الانتخابات النيابية كانت محطة مفصلية، وشكلت نقلة نوعية من القانون الأكثري إلى القانون النسبي، حيث تحدّدت الأحجام ونال كلّ فريق ما يستحقّ، وإذا كنا لا نريد ترجمة نتائجها عملياً في مفاصل الحياة السياسية فلماذا أجريناها؟

ثانياً: أستغرب كلّ الاستغراب أن يتوجّه أيّ فريق سياسي إلى فريق آخر مطالباً بالحصول على عدد معيّن من الوزراء والحقائب، وعلى حقيبة سيادية أو خدماتية أو أساسية…! بينما المرجع الصالح لتلقي هذه المطالب هو الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة، لأنه هو مَن يقرّر إعطاء هذه الحصة أو تلك الحقيبة لهذا الفريق أو لتلك الكتلة النيابية.

لذلك أنا أتمنّى على الرئيس المكلّف أن يكون لديه المزيد من الحزم، وأن يحسم الأمور بهذا الاتجاه أو ذاك، حتى لا يستمرّ البعض في خربطة اللعبة والتجييش الإعلامي، كأن يٌقال مثلاً إنّ الوزير باسيل أو رئيس الجمهورية لا يريدان إعطاء حزب القوات اللبنانية حقيبة الدفاع أو غيرها، فيما الحقيقة هي أنّ الرئيس المكلّف هو الذي يعطي وهو الذي يسمّي وهو الذي يشكل…

ثالثاً: رئيس الجمهورية العماد ميشال عون داعم للرئيس المكلّف سعد الحريري الذي لا يستطيع أحد تغييره أو سحب التكليف منه، لا عرفاً ولا في الدستور، ولذلك يستطيع الرئيس المكلّف أن يأخذ وقته كما يريد، وأنا أتمنى أن يأخذ وقته لأنّ الحكومة يجب أن تتشكل بروية ويجب أن تكون حكومة وحدة وطنية، لأنها على الأرجح ستكون حكومة السنوات الأربع المقبلة، وستتخذ قرارات مصيرية للبلد وليست قرارات عادية.

عرقلة تشكيل الحكومة متعمّدة!

لذلك… عندما لم يستطع الراغبون في العرقلة إيجاد ثغرة في موقف رئيس الجمهورية أو في موقف تكتل «لبنان القوي»، أدخلوا العوامل الخارجية وقفزوا إلى البحث في البيان الوزاري وسياسة الحكومة العتيدة إزاء بعض الملفات، ومنها العلاقات اللبنانية ـ السورية، وهو ما دحضه الرئيس عون بحزم حين أكد أنّ كلّ ذلك سابق لأوانه ولا يمكن مناقشة البيان الوزاري قبل تشكيل الحكومة.

رابعاً: لم أستطع حتى الآن استيعاب الأمر الذي يمنع عقد جلسة لمجلس الوزراء في هذا الظرف الاستثنائي والمصيري، علماً أنّ حكومات سابقة كانت في مرحلة تصريف الأعمال وعقدت جلسات استثنائية فرضتها المصلحة الوطنية العليا، واليوم لدينا مصلحة وطنية عليا تفرض انعقاد جلسة لمجلس الوزراء لمناقشة مسألة عودة النازحين السوريين والمبادرات المحلية والخارجية بهذا الشأن، فليجلس الجميع إلى طاولة مجلس الوزراء وليتمّ التنسيق في ما بيننا وطنياً بالدرجة الأولى حتى نتخذ القرارات المناسبة الواجب اتخاذها في هذا الملف.

أنا لا أفهم معنى أن لا يكون هناك تنسيق وطني داخلي في قضية كهذه، بينما نذهب جميعاً إلى روسيا وغيرها، كما أنّ الرئيس ميشال عون سيذهب إلى الأمم المتحدة في شهر أيلول المقبل، ولدينا كذلك الكثير من الاستحقاقات الداخلية والخارجية التي يُفترض أن نواجهها بالحدّ الأدنى من الاتفاق الداخلي، وأن نتوصّل إلى نظرة موحدة حيالها.

اليوم لدينا إقرار من كلّ الأطراف، حتى لو صرّح البعض بذلك بشكل موارب، بأنّ موضوع النزوح السوري لا يُحلّ إلا بالتنسيق مع سورية. هناك مَن كان يقول بالتنسيق مع الأمم المتحدة أو غير ذلك من الاقتراحات، فقط لكي لا يتمّ التنسيق مع الحكومة السورية، لكن هذا البعض ينسى أننا نتحدث عن مواطنين سوريين يجب أن يعودوا إلى بلدهم، وهذا لا علاقة له بالموقف من النظام في سورية، لأنّ السوريين أنفسهم هم الذين يقرّرون ذلك.

في الفترة الأخيرة وضعت روسيا يدها على هذا الملف بالتفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية، ومع عدد من الدول الأوروبية أيضاً، وقد سلّمت الأطراف الداخلية جميعها بهذا الأمر، وها نحن نرى الوفود الذاهبة إلى روسيا من كلّ القوى السياسية في لبنان، حيث يريد البعض أن يستلحق نفسه بعدما وضع الوزير باسيل الأمور على السكة الصحيحة، وحيث يستمع هذا البعض إلى تفاصيل المبادرة الروسية التي تقول بوضوح تامّ إنّ المطلوب هو التنسيق مع الحكومة السورية لكي تتأمّن عودة النازحين السوريين كما يجب، والتنسيق هنا لا يعني الجانب الميداني بل التنسيق التقني في قضية محدّدة، وهذا بالضبط ما دعا إليه رئيس الجمهورية وما بدأ بتنفيذه من خلال تكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم بمتابعة هذا الملف.

خامساً: هذه النقطة مرتبطة بشكل عضوي بما سبقها، لأنّ اقتصادنا الوطني سيتحسّن بشكل ملموس وسريع جداً إذا نجحنا في تخفيف عبء نحو مليون نازح سوري عن كاهله. وبحسبة بسيطة نستطيع معرفة عدد فرص العمل التي ستكون في متناول اللبنانيين إذا عاد مليون نازح سوري إلى بيوتهم وأرضهم وقراهم ومدنهم في سورية، أليس هذا هو الاقتصاد؟ ألا يُقاس الاقتصاد بعدد فرص العمل التي يوفرها للمواطنين؟

كذلك هناك الأثر الإيجابي الكبير على البنى التحتية في لبنان، وهي أصلاً بنى ضعيفة جداً ولم تجر عليها تحسينات أساسية منذ نحو أربعة عقود، وهذا ينطبق على أكثر من ناحية… الكهرباء والطرقات والصحة والبيئة والنفايات… وصولاً غداً إلى المدارس التي تفتح أبوابها قريباً.

الدول المانحة لم تف بتعهّداتها تجاه النازحين

لذلك نقول إننا تحمّلنا عبء النازحين السوريين إنسانياً حين كانت هناك أوضاع أمنية سيئة في سورية، علماً أنّ الدول المانحة لم تف سوى بجزء بسيط جداً من تعهّداتها تجاهنا وتجاه النازحين أنفسهم، الأمر الذي جعل لبنان يتحمّل أكثر من طاقته وقدراته بأضعاف مضاعفة. أما اليوم فقد تبدّل المشهد وعاد السلام والأمن ليعمّ معظم المناطق والمحافظات السورية، وحصل العديد من المصالحات. لذلك نقول للدول المانحة إننا لا نريد منكم أن تساعدوا النازحين في لبنان بل نريد أن تساعدوهم في سورية، والنازحون بالتأكيد يفضّلون آلاف المرات أن يعيشوا بكرامتهم في أرضهم حتى ولو في الخيم، على أن يبقوا في الخيم في لبنان، لأنهم هناك يستطيعون زراعة أرضهم والقيام ببعض الأعمال التي كانوا يقومون بها، وأيضاً البدء بإعادة إعمار وبناء بيوتهم وممتلكاتهم.

ويتابع البستاني: أنا لا أشعر بأنّ الوضع الاقتصادي سيتحسّن إذا بقي عبء النزوح جاثماً على صدر لبنان واللبنانيين، هذا أمر فوق طاقة لبنان ونحن لا نستطيع أن نتحمّل أكثر من ذلك.

«تعبئة الماء في السلة»!

بالانتقال إلى الحديث التفصيلي عن الوضع الاقتصادي، يقول النائب البستاني وهو الخبير الضليع في هذا المجال إنّنا بالتأكيد نواجه مشاكل اقتصادية كبيرة، لكن طبعاً ليست طارئة ولا هي ناتجة عن عهد الرئيس ميشال عون، بل هي قديمة وتعود إلى سنوات وعقود سابقة، ولم يسع أحد لإيجاد الحلول المناسبة لهذه المشاكل والأزمات، وجلّ ما حصل كان خطوات ارتجالية موضعية وغير شاملة، وكانت المعالجات شبيهة إلى حدّ كبير بمن «يعبّئ الماء في السلة»!

أنا أرى الوضع الاقتصادي بطريقة خاصة ومختلفة عن السائد… اليوم لدينا رئيس جمهورية يتميّز بأنه عملي وصاحب قرار، ولن يسمح إطلاقاً باستمرار الأوضاع الاقتصادية كما هي عليه، بل سيدفع باتجاه إيجاد وابتكار الحلول المناسبة لكلّ المشاكل والأزمات.

ويستعين النائب البستاني بلغة الأطباء وهو الطبيب الناجح ليقول إنّ التشخيص الصحيح للداء هو نصف العلاج والنصف الآخر هو وصف الدواء الصحيح أيضاً.

لذلك أتى تقرير ماكينزي الشامل، لأننا لا نريد العمل بشكل عشوائي، بل نريد خططاً وخطوات مدروسة ومتناسقة مع بعضها البعض في كلّ القطاعات. ولكن كلّ ذلك لا يتحقق على أرض الواقع في ظلّ حكومة تصريف أعمال. وأنا من مؤيدي وجهة نظر الرئيس نبيه بري بأنّ مجلس النواب يستطيع القيام بعمله كسلطة تشريعية بغضّ النظر عن الوضع الحكومي. وهذا العمل التشريعي إنما يصبّ في مصلحة الحكومة الآتية التي ستحتاج حكماً إلى مجلس النواب لرفدها بالتشريعات والقوانين اللازمة التي يجب أن تعمل بموجبها، ولذلك الأفضل أن يبدأ مجلس النواب عمله، وحين تأتي الحكومة الجديدة تكون قد ربحت الوقت إذ تجد أمامها ورشة تشريعية كبيرة وعدداً من القوانين المنجَزة والجاهزة للإقرار والإصدار، فتضعها موضع التطبيق فوراً بدلاً من انتظار المزيد من الوقت لإقرارها وإصدارها والبدء في تطبيقها.

ورداً على سؤال عن الوضع المالي والنقدي يقول النائب البستاني إنّ التفكير السياسي السلبي ينعكس سلباً على الاقتصاد أيضاً. وها نحن نسمع كلّ يوم أقوالاً وإشاعات عن قرب انهيار الليرة، وهي أقوال وإشاعات لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، وهدفها فقط الإضرار بلبنان وشعبه واقتصاده ورئيسه، خاصة بعد إنجاز الانتخابات النيابية وما أسفرت عنه من آمال وتطلعات للبنانيين جميعاً في انطلاقة جديدة على كلّ المستويات السياسية والاقتصادية والإنمائية.

وضع الليرة سليم ومتين

ويطمئن الدكتور البستاني اللبنانيين إلى أنّ وضع الليرة سليم ومتين جداً ولن يحصل أيّ انهيار على الإطلاق، فلدى مصرف لبنان احتياطي كبير من العملات الصعبة يبلغ نحو 37 مليار دولار، فضلاً عن احتياطي الذهب. كما أنّ المصارف التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد هي في وضع سليم جداً، فلماذا هذا التكسير وهذا التيئيس؟ وما هي أهداف الذين يطلقون هذه الإشاعات والأقوال السلبية التي يطال ضررها اللبنانيين جميعاً ومنهم طبعاً مؤيدو الجهات التي تبث هذه الأجواء السلبية!

ويواصل النائب البستاني حديثه قائلاً: لدينا مشاكل مهمة في قطاعات أساسية كالكهرباء والماء والصحة والبيئة وغيرها… ومن المهمّ جداً مقاربة هذه المشاكل وحلولها بلغة علمية تقنية، بعيداً عن السياسة والتسييس، حيث لا يجوز أن يبقى الإنماء رهينة أهواء ومصالح هذا الفريق السياسي أو ذاك، وها هي قصة الباخرة «إسراء» أبرز مثال على ما أقول، فلو تمّ حلّ المسألة على طريقة الوزير سيزار أبي خليل لكنا استفدنا نحن في الشوف من ساعات تغذية إضافية بالتيار الكهربائي في هذا الصيف، لكنّ دخول السياسة على الخط جعل الباخرة ترسو في مكان آخر وتغذي منطقة كسروان العزيزة على قلوبنا أيضاً.

في الخلاصة يمكننا تحقيق خطوات صغيرة ومتعدّدة في المجال الاقتصادي، ولكن علينا أن نكون إيجابيّين إلى أبعد الحدود، لأنه إذا تمّ جمع النتائج المتراكمة لهذه الخطوات الصغيرة يتبيّن أننا حققنا إنجازات كبيرة وكبيرة جداً تدفعنا وتعطينا الحافز لنحقق خطوات أكبر وأكبر، وحينها يمكننا القول إننا على الطريق الصحيح لإنقاذ اقتصادنا الوطني من هذا التدهور الكارثي الذي لا بدّ من وضع حدّ له، وتحويل المسار الاقتصادي من التدهور إلى النهوض والصعود والنمو المضطرد.

لبنان المستفيد الأوّل من إعمار سورية

ولعلّ الخطوة الأبرز التي يجب التعويل عليها في المرحلة المقبلة هي عملية إعادة إعمار سورية، وهذه مسألة كبيرة جداً يجب أن نعرف كيف نتعاطى معها بعيداً عن الحسابات السياسية المحلية الضيقة، لأنّ الانعكاسات الإيجابية المتوخاة ستكون حتماً لمصلحة كلّ اللبنانيين، لأنّ تحسّن الوضع الاقتصادي يستفيد منه الجميع وليس فئة محدّدة من اللبنانيين.

ويضيف البستاني: أنا مؤمن بأننا إذا وضعنا كلّ مشاكلنا السياسية جانباً، وصمّمنا واتخذنا قرارات واضحة نستطيع جعل لبنان المستفيد الأوّل من إعادة إعمار سورية، والحديث هنا ليس سياسياً بل هو اقتصادي بحت، لأنّ لبنان وقطاعاته ومرافئه، لا سيما مرفأ طرابلس، ستنتعش حكماً نتيجة الورشة العمرانية الكبيرة المقبلة في سورية.

الحوض الرابع…!

وما دام الحديث وصل إلى المرافئ كان لا بدّ من السؤال عن موضوع الحوض الرابع وقصة ردمه التي تتكرّر كلّ فترة…؟

يجيب النائب البستاني: موضوع الحوض الرابع يثير مشكلة كلّ سنتين أو ثلاث، فنعود إلى القصة نفسها، علماً أننا اعتقدنا منذ سنتين أننا وجدنا الحلّ وأنه تمّ صرف النظر عن ردم هذا الحوض، وذلك بعد تدخل السلطات الكنسية، وبنتيجة الاجتماعات العديدة التي عُقدت في بكركي بمشاركة كلّ القوى السياسية من دون استثناء.

وإذا كانت حجة الداعين والعاملين أمس واليوم إلى ردم الحوض الرابع هي حاجة مرفأ بيروت إلى زيادة المساحات المخصّصة للحاويات، فإنّ بإمكان الإدارة الموقتة للمرفأ أن تزيد ساعات العمل، كما بإمكانها التفكير بالردم في أمكنة أخرى في الاتجاه الآخر، أيّ باتجاه الشمال، وبالتالي المحافظة على الحوض الرابع كونه حوضاً كبيراً وعميقاً وقادراً على استقبال أضخم السفن.

كذلك تجدر الإشارة إلى أنّ تفعيل مرفأ طرابلس المأمول والمرتقب من شأنه أنّ يخفّف قليلاً العبء عن مرفأ بيروت.

«… وبدأ العمل»

نصل الآن إلى الشوف، وهو الأحبّ إلى قلب النائب البستاني الذي سارع فور انتهاء الانتخابات النيابية إلى وضع ما وعد به في برنامجه الانتخابي موضع التطبيق العملي، وذلك تحت شعار «… وبدأ العمل»، وطبيعي أنّ هذا العمل يشمل الكثير من الملفات والقضايا التي سيأتي ذكرها تباعاً…

أوّلاً ماذا عن موضوع تأمين النقل من وإلى قرى الحرف في الشوف؟ يقول الدكتور البستاني بداية التجربة كانت من الحرف، مجد المعوش والقرى المجاورة، حيث أمّنا وسيلة نقل لكي تقلّ في كل صباح الموظفين والعاملين في بيروت إلى أماكن عملهم ثمّ تعيدهم مساء إلى بلداتهم، ويمكن لوسيلة النقل هذه وهي في طريق العودة من بيروت صباحاً أن تقلّ عدداً من أبناء قرى الحرف القاطنين في العاصمة وضواحيها والراغبين في تمضية يومهم في بيوتهم الجبلية والعناية بأرضهم وحدائقهم ومزروعاتهم، على أن تعيدهم مساء إلى بيروت وهي في طريقها لإعادة الموظفين والعاملين الذين كانت قد أوصلتهم صباحاً… بمعنى أننا نجرّب عملية نقل مزدوجة في اليوم نفسه من الريف إلى المدينة وبالعكس، وهذا ما نعتقد أنه مفيد ولو بنسبة ضئيلة في عملية التنمية، فالأمور تبدأ صغيرة ثم تتراكم وتكبر مع الوقت، خاصة إذا استطعنا تعميم هذه التجربة على كلّ قرى وبلدات الشوف.

وهنا يلفت البستاني إلى أنّ موضوع النقل العام واسع وكبير ولا بدّ من دور أساسي فيه للدولة، وقد تمّ التطرق إلى ذلك في مقرّرات مؤتمر «سيدر»، لأنّنا لا يمكن أن نقوّي الاقتصاد إذا بقيت مشكلة المواصلات كما هي من دون حلّ.

وفي هذا السياق، يشير الدكتور البستاني إلى أوتوستراد رشميا ـ مجد المعوش، والذي اتخذ قرار بشأنه في آخر جلسة لمجلس الوزراء، وأغتنم المناسبة هنا لأهنّئ الحكومة ولأخصّ بالتهنئة رئيس الجمهورية لأننا منذ زمن طويل ننتظر إقرار هذا المشروع، الذي يقرّب المسافات ويجعل الرحلة من مجد المعوش إلى بيروت تستغرق بين أربعين وخمسين دقيقة لا أكثر فيما تحتاج الرحلة من أدما باتجاه بيروت أو بالعكس إلى ساعتين على الأقلّ.

ثانياً: في ما يختصّ بموضوع النفايات في قرى الحرف، نحن اليوم بصدد شراء معمل لفرز النفايات وتوضيبها، وهو غير المعمل الذي نعمل على تشغيله في دير القمر، ونسعى إلى أن تنضمّ المزيد من قرى وبلدات الحرف إلى هذا المشروع، لأنّ الطرق المتبعة اليوم للتخلص من النفايات هي طرق عشوائية ومضرّة جداً بالبيئة وبالإنسان.

ويشير البستاني إلى أنّ ما يسعى للقيام به بالتعاون مع بلديات الحرف وفاعليات المنطقة ينسجم تماماً مع توجه وزارة البيئة إلى اللامركزية تطبيقاً لقرار مجلس الوزراء في هذا الشأن.

أما بشأن معمل فرز النفايات في دير القمر، فلم نوفّق في الحصول على مساحة مناسبة من الأرض لإقامته، ومن دون الدخول في التفاصيل قرّرنا نقل المعمل ووضعه في بلدة مجاورة، على أن يشمل عمله دير القمر بالطبع وعدد من البلدات المجاورة، وهذا المعمل هو هبة شخصية مني لبلدتي ولقرى الجوار.

المشروع السياحي انطلق…

ثالثاً: المشروع السياحي الذي كان البعض يشكّك بأنه لن ينتج… ولكن هذه هي الحافلة الأولى تذهب إلى الشوف مع مسؤولين في شركات السفر والسياحة حتى يختبروا عن كثب المسار الذي درسناه معاً، وهذا المسار سيخلق الكثير من فرص العمل وسيفتح الأبواب واسعة لتنمية لكلّ مجالات التجارة على هذا الطريق، وهذا الأمر لم يعد كلاماً بل هذا مشروع يتمّ تنفيذه حالياً.

… والزراعة أيضاً

رابعاً: كذلك في الموضوع الزراعي لم نكن ننظّر بل نعمل بشكل واقعي ومنظّم ومدروس، وها نحن بصدد تأسيس تعاونية زراعية في دير القمر ودير دوريت وسرجبال، ونأمل أن تتوسّع لتضمّ بعقلين وكفرحيم والمعاصر وبيت الدين وغيرها، هذه التعاونية ستكون بفكرتها الأساسية شبيهة بتعاونية رينيه معوض، حيث سنركز على الزراعات البديلة، وعلى إعادة توجيه المزارعين الذين ولدوا مزارعين ولم يأت إليهم أحد طوال عمرهم ليحدّثهم عن الطرق الحديثة في الزراعة، علماً أنّ لدينا مزارعين مبدعين ويستخرجون نباتاً وثمراً من الصخور، لكنهم لا يملكون تقنيات التسويق والتجارة، وهذا ما علينا مساعدتهم به من خلال التعاونية، التي لا نريد لها أيّ صبغة سياسية، بل فقط تعاونية زراعية تجمع المزارعين من كلّ أطياف الشوف، لكي نترجم نظرية الانصهار بعدما تخطينا نظرية العودة.

وهناك قضية مهمة وليست هامشية، ولها علاقة بالزراعة أيضاً، وهي قضية الصرف الصحي، لأننا نعاني في بعض الأماكن من اختلاط المجارير بالمياه التي تروي البساتين والمزروعات، وهذه المشكلة سنعمل على حلها أيضاً في سياق معالجتنا للموضوع الزراعي بشكل عام.

وعن الصناعات الغذائية وربطها بالزراعة عموماً، يلفت البستاني إلى أنّ مؤسسة رينيه معوض فعلت شيئاً كهذا، وقد أنتجوا البوظة هذه السنة، لكن هذه المسألة تأتي كخطوة ثانية لأنّنا نحتاج أولاً إلى تنمية القطاع الزراعي كما يجب، وعندما يصبح لدينا إنتاج زراعي جيد يمكن حينها الحديث عن ربط هذا الإنتاج بالصناعات الغذائية، وهي صناعات موجودة ومنتشرة أصلاً في قرانا، وإنْ كان بطرق تقليدية ومحدودة سيأتي وقت تنميتها والاهتمام بها.

طموحنا أن نحوّل الدامور وساحل الشوف إلى موناكو

وعن ساحل الشوف وعاصمته الدامور يقول البستاني إنّ التركيز على هذه المنطقة مهمّ جداً، وكما تعلم الدامور كانت مهدّمة، وخلال مسيرة العودة إليها بعد التهجير حصل بناء عشوائي شوّه طبيعة الدامور وصورتها الجميلة الراسخة في أذهاننا ونفوسنا.

نحن طموحنا أن نحوّل الدامور وساحل الشوف إلى موناكو، وإذا أردنا ترجمة هذا الطموح إلى واقع، علينا اولأً أن نحسّن الصورة ونجملها ونعيد إليها رونقها وألقها. ولا أكشف سراً إذا قلت إنّ هناك مشروعاً نعمل عليه مع البلدية، لأنّنا عازمون على أن نعطي الدامور الأهمية التي تستحقها، سواء على الصعيد السياحي الذي تحدّثنا عنه أو على صعيد مجالات ومشاريع أخرى نعمل عليها.

مستشفى دير القمر… ابريق الزيت

وبالعودة إلى دير القمر هناك موضع المستشفى الحكومي الذي تحوّلت قصته إلى ما يشبه قصة إبريق الزيت، والذي صدرت بشأنه تصريحات وتصريحات مضادة من وزير الصحة…

يشرح الدكتور البستاني الأمر قائلاً: أنا تكلّمت بطريقة علمية صحية واقتصادية، ولم أدخل في السياسة إطلاقاً، لقد قبت إنه منذ العام 2003 حتى العام 2018 خمسة عشر عاماً، تعال وانظر إلى مستشفى دير القمر، لا يزال مجرد بناء من الباطون المسلّح، أنا هنا لا أحاسب أحداً، أنا فقط أصف الواقع كما هو، وأطالب المسؤولين بأن يتحمّلوا مسؤولياتهم لا أكثر ولا أقلّ.

أنا أعرف أنه مرّ الكثير من الوزراء والنواب منذ البدء بإنشاء المستشفى حتى اليوم، وأنا لم استهدف في كلامي عن مستشفى دير القمر الوزير غسان حاصباني شخصياً، بل أوجه له التحية، ولكني قلت إنّ الحكومة الحالية التي مضى على تشكيلها عامان تقريباً لم تهتمّ كسابقاتها بموضوع المستشفى في دير القمر، وهذا ما أثبته الوزير في ردّه على تصريحي، حين قال إنه أرسل مذكرة بتاريخ 8 آب 2018 لكي يستفيد مستشفى دير القمر من الهبة الإيطالية! يعني منذ عشرين يوماً، أي بعد أن دخلت الحكومة مرحلة تصريف الأعمال! والله كثر خيركم على هذه الفتة الكريمة! نحن كنا نريد أن نضعها على جدول أعمال مجلس الوزراء ولم يتمّ ذلك للأسف. وأنا لن أدخل مع الوزير حاصباني في سجال من أجل ذلك، لأنه بالتأكيد إذا قال شيئاً ما فلا بدّ أن يكون قوله موثقاً، ولكن ما أريد قوله هو أنّ وزير الصحة لم يضع موضوع مستشفى دير القمر على جدول أعمال مجلس الوزراء، علماً أنّ مستشفيات حكومية عديدة في مناطق أخرى لن أسمّيها مرّت على مجلس الوزراء ونالت ما تريد! فما هي العبرة من ذلك، هل ينتظرون منا أن نصرخ ونعلي الصوت قائلين إنّ هذا مستشفى الحكومي هو للفقراء ولذوي الدخل المحدود فلماذا لم تنجزوا لهم هذا المستشفى؟!

وأريد توضيح نقطة أخرى مهمة جداً بالنسبة لي، وهي أنني أطرح رأيي في هذا الملف كطبيب أولاً وكاقتصادي أيضاً، ولا علاقة لما طرحته بمسألة تشكيل الحكومة، لأنّ هدفي ليس سياسياً بشأن المستشفى، أنا رجل علمي قادم من أصول أكاديمية علمية، وهذا الملف درسته شخصياً كطبيب وكوني أدرت مستشفيات كبيرة، فهذا مجالي ولو سمحتم لا تتشاطروا عليّ في مجالي.

دعنا نتكلم في الاقتصاد وفي مجال الصحة مع احترامي لمعالي الوزير الذي هو ليس بطبيب وليس لديه الخبرة في المجال الصحي، أنا أملك هذه الخبرة في المجالين الصحي والاقتصادي، صحيح أنني نائب جديد، إنما كلّ الذين يدخلون البرلمان للمرة الأولى يكونون نواباً جدداً، ولكن أنا مخضرم بالاقتصاد وبالصحة، وناجح بكلّ تواضع في المجالين، وعندما أنتقد الوزير أو أنتقد الحكومة فإنني أنتقد كلّ من مرّ على هذا الملف وأهمَلَه ولم يتقدّم فيه ولو خطوة واحدة، المشروع هو لدير القمر وهي بحاجة إليه ونحن عازمون على إنجازه كمشروع حيوي يفيد كلّ أبناء الشوف.

وعن التعاون بين نواب الشوف في هذا المشروع وفي غيره من المشاريع الإنمائية والحيوية للمنطقة بعيداً عن السياسة، يعبّر النائب البستاني بداية عن احترامه وتقديره لكلّ نواب الشوف خصوصاً والجبل عموماً، ويقول إنّ لكلّ منهم أولوياته، وأعتقد أنّ زميلي وابن بلدتي دير القمر الأستاذ جورج عدوان معني بمشروع المستشفى وبغيره من المشاريع في دير القمر وفي غيرها.

ويرى الدكتور البستاني أنّ المستشفى يحتاج بين ثلاث وأربع سنوات لإنجازه وتجهيزه بشكل متكامل، ويطالب بتشكيل لجنة رقابية تشرف على سير العمل خلال تجهيز المستشفى، علماً أنّ هناك مخططاً في هذا الشأن وُضع عام 2003 ونحن اليوم في العام 2018 حيث تغيّرت معايير المساحة وتغيّر تصنيف المستشفى ليصبح مستشفى طوارئ بدلاً من أن يكون مستشفى حكومياً، أيّ لم يعد هناك أسرّة، فيما المخطط يحدّد للمستشفى سبعين سريراً…! أكثر من ذلك، الطب يتطوّر بشكل مضطرد، كما تتطوّر المعدات الطبية، وهناك حاجة ضرورية إلى إعادة النظر في خرائط المستشفى من حيث التقطيع الداخلي، حيث لا بدّ مثلاً من تغيير مساحة قسم الأشعّة وغرف العمليات لأنّ حجم الماكينات تغيّر وما إلى ذلك من أمور تقنية وعلمية تفرض نفسها على هذا القطاع الحيوي. يعني باختصار هناك «خبيصة» ولا بدّ من العمل الجادّ لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى