مشروعية غياب ..

ولفة الخطيب

قد يكون الملل تسلل إلى أعماق حنا مينه من حياة متعبة أجحفت حقه كثيراً وأغمضت عينيها على عظمة وجوده، فبلّل قمصانها بعشق لذيذ للبحر تارة ولدمشق تارة أخرى، فسطّر أمنياته بأن ينتقل البحر إلى دمشق أو تنتقل هي إلى البحر فيكون هو هي وينام مينه في أحضانهما نوماً هنيئاً، يحاكي القمر والنجوم والمرأة وكل مبعث للجمال في الخريف والربيع، ينهض من المستنقع رجلاً شجاعاً وبجدارة أضاء المصابيح بالأزرق البهيج .

حنا مينه لم يكن رحيله غروباً بل كان شمساً في يوم غائم لعبت به الأقدار وأزاحت الستار عن قصة بطل من رحم الموت جاء فما كان موته إلا بقاءً وإنذاراً لولادة جديدة لكاتب الفرح والكفاح للإنسانية. تلك الإنسانية التي ظنّت أنّها كتمت صوت المينا بلعاب بعد لهاث. فما كان لحلمها أن يتحقق. فلا هي تملك مصباح علاء الدين ولا عصا موسى لطيّ مسيرته والاحتفاظ بها في الأدراج المغمورة. فبالرغم من إجهاض حنا مينه من بيت الاتحاد إن صحّت تسميته، ذلك البيت الذي لا يُخفى فضل مينه في وضع دعائمه وإرساء أسسه قد طرده خارج سوره العظيم بعد أن اكتمل البناء وأصبح مهيباً… فما ضرّه؟ ما ضرّ مينه أنه خرج من باب ذلك القصر المنيف للكتابة؟؟؟! التي ما كانت لتكون برونقها الأخاذ لولا أيدٍ مبدعة حملت الجمر في راحتيها لتكون أدباً عظيماً .

فما حاجة حنا مينه لاعتراف من غيره؟

إن كان هو الاعتراف بحد ذاته! إن كان الحضور لا يليق إلا بأمثاله ممن جعلوا للثلج لوناً يُرخي جدائله على النوافذ المناضلة الرازحة أمام عبء الموج الصاخب القاذف لغضبه على أعتابها، محطماً ما بقي منها من صور وأمل .

مينه حكاية البحر والبحار وحلم العروس في موسم القطاف، الرواية الكبرى للعواصف على الشواطئ الملأى باللظى، بالشوق، بالحب، بالموت، بالحياة …

مينه الإلهام الإلهي في المرفأ المنتظر للبعيد الآتي في غمرته في أشرعته الممزقة من الرحلة الطويلة الشاقة العابرة خلف الحدود المنسية لإنسان عاف اللقاء، عاف الزمن والأمنيات والأغاني العابثة وأقوال اللجاة والمواقف المبطنة بألف غطاء.. لإنسان كوهج النهار لمع في البدايات والنهايات.

باحثة سورية في المسرح

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى