«سورية الديمقراطية» اسم حق أريدَ به باطل: الأكراد سيف البلاد وترسها وحماة وحدتها

اياد موصللي

بدأ اللعب بالنار في المناطق الشمالية من الشام وتحديداً منطقة محافظة الجزيرة التي تضمّ مدينة القامشلي التابعة للمحافظة ومركزها مدينة الحسكة..

فاللعب بالنار ظهر عندما أطلقت قوات شرطة ما يُعرف بتنظيم سورية الديمقراطية الرصاص على تظاهرة قام بهــا أهالي المنطقة اعتراضاً على قرار أصدرته «الهيئة التعليمية للإدارة الذاتية الكردية والذي يقضي بإغلاق كافة مدارس محافظة الحسكة ومنع تدريس المنهاج الحكومي الرسمي فيها، وفرض مناهج الإدارة على المدارس كافة!!

وتظاهر الأهالي أمام مدرسة الأمل في حي الوسطي قاموا برفع العلم السوري فوق المدرسة.

يأتي الاعتصام بعد ان هاجمت دوريات تابعة لقوات ما يسمّى بـ»السوتورو» التابعة لـ «قوات سورية الديمقراطية ـ قسد» مدارس السريان الخاصة. وقامت بطرد كافة العاملين فيها وإغلاقها بحجة «عدم الترخيص من الإدارة الذاتية ومخالفة قوانينها».

وبحسب مصادر في مطرانية السريان الأرثوذكس فإنّ الإدارة الذاتية الكردية ممثلة بما يسمّى «هيئة التعليم» طلبت من كافة المدارس الخاصة إيقاف التعليم بالمنهاج الحكومي الرسمي والترخيص لديها وتدريس مناهج الإدارة الذاتية.

واعتبرت المصادر أنّ هذه الخطوة تشكل «انتهاكاً لحقوق السوريين» مؤكدة انّ المدارس مرخصة منذ ثلاثينيات القرن المنصرم وتعمل وفق قانون الدولة السورية. «ولا يمكن ان تدرّس مناهج لا مستقبل لها، او ان تخرج عن قوانين الدولة السورية».

يذكرنا موقف هذه الجماعة المندسّة على الوطن السوري الحاملة للتوجيه والفكر «الاسرائيلي» بعنوان كردي لا يمتّ للأكراد لا بالروح ولا بالصلة، فإذا عدنا الى الصفحات 257 و258 من البروتوكول السادس عشر يظهر لنا أهمية المناهج التعليمية بالنسبة للصهيونية كأحد الأسلحة التي يعتمدونها في مهاجمة خصومهم. وهذا بعض مما جاء في البروتوكول المذكور…

يقول: انه لكي يتمّ لنا تخريب جميع القوى التي تعمل على تحقيق الانسجام الفكري، والتضامن الاجتماعي، ما عدا قوانا نحن علينا ان نبدأ بتفكيك حلقة المرحلة الأولى من هذا وهي الجامعات والطريقة ان تنقض أساليب التعليم من أساسها… وتعريف الجمهرة من الناس تعريفاً سيئاً ملتوياً لشؤون الدولة ومسائلها، وهم يأخذون هذا بعقول فجة، مما لا ينتج عنه سوى ظهور العنصر الذي يركبه الهوس والخيال، يرافقه المواطن الرديء السيرة ويسهل عليكم ملاحظة المثال على هذا، في ما ترونه من نتائج التعليم الشائع اليوم في العالم بين «الغوييم». فالواجب الذي علينا هو أن ننقلهم الى حيّز تعليم آخر يتعلمون فيه جميع المبادئ والقواعد والأصول، مما كان رائعاً في نسف نظامهم. لكن متى تسلّمنا نحن زمام الحكم والسلطة، سنزيل من المناهج كلّ موضوع شائك متعلق ونجعل من الشباب شباباً طائعين للسلطة، محبّين للحاكم، يرون في حكمه العون والأمل في بيئة السلام والطمأنينة».

هذه الخطوة الحمقاء من مجموعة دسّت وسط المجتمع السوري في الشام رافعة إسماً ما كان يوماً من أيام تاريخ هذه الأمة إلاّ عنواناً من عناوين الفخر والمجد والبطولة، الأكراد هم جزء أساسي في نسيجنا القومي.. فلا نقبل ان تحاول فئة من الخوارج تحويلهم الى جوكر في الأحداث الخارجية.

الانفصاليون أصحاب المصالح والمنافع الخاصة موجودون في كلّ الشعوب والأمم، وهم بالنسبة للتوجيهات والأيادي التي تحرّكهم ليسوا أكثر من جوكر في لعبة الأمم.

ونريد تذكير هذه الفئة التي تحمل اسماً مقدّساً عالياً عزيزاً في جزء من تكوين أمتنا الأكراد. نذكرهم بموقف الانكليز عندما قضت مصلحتهم باستمالة تركيا ورئيسها مصطفى كمال اتاتورك، ألغوا معاهدة لوزان 1923 وكذلك معاهدة سيفر 1920 التي كانت تعتبرهم جزءاً من الأقليات، وامتنا تعتبرهم كما هو واقعهم جزءاً أساسياً من مكونات هذه الأمة.

اليوم تحركت هذه المجموعات الانفصالية بتوجيه ورعاية أميركية «إسرائيلية» لتشعل لهيباً جديداً في جسد أمتنا.. وعندما تقتضي مصالح هؤلاء بالتخلي عنهم كما فعل قبلهم الانكليز لن يتوقفوا..

لمن لا يعرف ولم يعرف تقول:

الأكراد في إيماننا ويقيننا هم جزء أساسي حيوي من هذه الأمة فهم «قطبة» أساسية من النسيج الذي يتألف منه هذا المجتمع في هذه الأمة بقومياتها المتجانسة التي تنصهر فيها العصبيات المتنافرة وتضمحلّ في وحدتها التي تضع مصلحة الأمة والمتجمع فوق كلّ مصلحة.

لقد انصهر الأكراد في مختلف مراحل التاريخ في بوتقتهم الاجتماعية التي وجدوا فيها على هذه الأرض وتجانسوا مع المجموعات الأخرى التي عاشوا معها وتفاعلوا وكوّنوا مشتركين حضارة وسطروا تاريخاً وأبدعوا بدمائهم بطولات. وتبرز وحدتهم أكثر ما تبرز في بلاد الشام عكس تركيا وإيران ففي بلاد الشام وما بين النهرين وجدوا ذاتهم في مجتمعاتهم.

عندما تستوعب الأرض كلّ من عليها ولا ترفض أو تميّز بين هؤلاء الذين عاشوا عليها واندمجوا فيها يكون قد تكوّن لدينا جماعة من الناس لهم خبرة تاريخية مشتركة ورغبة في العيش معاً يجمعهم ولاء للدولة القومية، قوميتهم هم، أبناء الوطن والأرض التي يكنّون لها المحبة ويشعرون نحوها باعتزاز الانتماء، يشتركون معاً بالثقافة والترابط الاجتماعي الواحد بمؤسّساته الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وفي العمل والاندفاع والحماس من أجل سلامة هذه الجماعة ومجدها.

انّ إيمان كلّ من على هذه الأرض بأنّ القومية هي «ثقة القوم بأنفسهم واعتماد الأمة على نفسها»، وإيمانهم بوحدة مصيرهم هو وحده الكفيل بالقضاء على عوامل الفرقة والتشرذم ويرسخ إيماننا بأنّ كلّ ما فينا هو من أمتنا ولها حتى الدماء التي تجري في عروقنا متى طلبتها وجدتها.

انّ ظهور العصبيات بين بعض الأكراد مناف تماماً لتاريخهم الوطني والقومي العريق ولا مكان له ان يكون وليد عوامل محلية بحت. فالاختلافات التي تنشأ في المجتمع الواحد والجماعة الواحدة لا تترك ذيولاً انتقامية عصبية لذلك فإنّ ما نراه هو أمر غريب لم نعهده في تاريخ العلاقة بين أبناء الأمة الواحدة، هذه الأمة التي يشكل الأكراد في هذا المجتمع الكبير جزءاً أساسياً منها تعطينا صورة واضحة عن المكانة التي احتلها الأكراد في هذا الوطن وكيف ساهموا في صنع تاريخه التليد. فهم في صلب تكوين هذه الأمة ولم نقرأ أبداً في تاريخها كلمة عن المماليك «الأكراد» فيما امتلات صفحات التاريخ عن المماليك الأتراك او الشراكسة أو الارناؤوط وغيرهم، وعلى العكس كانت الدولة الأيوبية كياناً سورياً إسلامياً تحكمه اسرة كردية عراقية من بلدة تكريت أغنت تاريخنا بجليل إنجازاتها، فقد كانت ملحمة مهمة تعكس نضال أمة أبت ان يكون قبر التاريخ مكاناً لها في الحياة…

نسمع عن عرب وأكراد في الشام وأغرب منه ان نسمع بأحداث تصادمية عرقية بينهما، لأنّ تاريخ الشام البعيد والقريب غني بمؤشرات التلاحم الوطني والقومي الذي تعكسه الأحياء السكنية المشتركة ذات الأسماء الكردية في ركن الدين في دمشق المعروف عامياً بحي الأكراد والذي لم تحدث فيه ضربة كفّ منذ تكوّن حتى الآن وتفسّر على أساس عنصري. كما تعكسه الشخصيات الكردية التي حكمت البلاد ومثلت الشعب في مجلس النواب على أساس التمثيل الانتخابي العام لا تمثيل أقلية مذهبية أو عنصرية ناهيك عن أعلام الأدب واللغة والتاريخ، فما عدا مما بدا حتى يجري ما جرى ونسمع ما سمعنا «ويكاد المريب أن يقول خذوني».

فماذا نقول بالأكراد الذين حكموا سورية في العهد الاستقلالي ولعبوا دوراً هاماً فيها أمثال محسن البرازي، حسني البرازي: رئيسا وزارة، خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي ونائب في المجلس النيابي، علي بوظو نائب، علي ظاظا وزير الداخلية والحاكم العسكري في سورية، والايوبي رئيس الوزراء في عهد الرئيس الراحل حافظ الاسد.

ولم يكن أحد يسأل أو يعير انتباهه واهتمامه للعنصر الذي ينتمي اليه هذا الرئيس أو ذاك النائب أو الوزير، فلم يكن إشغالهم لمنصب «تمثيلاً» لعنصر أو مذهب أو طائفة.

ومن الأمثلة الكثيرة: محمد كرد علي رئيس المجمع اللغوي العربي في دمشق كان كردياً، أديب الشيشكلي رئيساً للجمهورية. الشاعر المعروف الأمين نذير العظمة، وزكي نظام الدين منفذ عام منفذية القامشلي، وكان شقيقه توفيق قائد الجيش الشامي وشقيقه الآخر عبد الباقي وزير الاقتصاد، وقائد الثورة السورية ابراهيم هنانو هو كردي من بلدة كفر تخاريم قضاء إدلب، أكراد في دم سوري. اننا نرفض رفضاً قاطعاً ان تقوم بين الأكراد عصبيات وتشنّجات تحجب عنهم رؤية الواقع، انّ المتطرفين والمتعصّبين يتحمّلون المقدار نفسه من المسؤولية التي يتحمّلها سواهم من العناصر الأخرى إذا وجدت.

انّ الأكراد بفعل انتمائهم القومي شخصية فاعلة في مجتمعنا ومصدر غنى وقوة واعتزاز وكما أغنى صلاح الدين الأيوبي تاريخنا بمواقف العز ننتظر ان يغني أكراد اليوم التاريخ كما بالأمس واليوم وغداً.

انّ الممارسات الخاطئة لا يمكن ان تبني وطناً ولا مجتمعاً قوياً متماسكاً. اننا نربأ بالأكراد ان يكونوا «جوكر» الأحداث التي تباغت أمتنا بين الحين والحين، فيتحرك بعضهم كلما رأى الأجنبي انّ له مصلحة في استخدام الورقة الكردية فيكثر من الحديث عن حقوق الإنسان وحرية تقرير المصير وغير ذلك…

فحقوق الإنسان اذا طالب بها كردي سوري هي نفس ما يطالب به الشامي واللبناني والعراقي والعربي عموماً وهو مطلب وطني.

ولا نريد تدخلاً أجنبياً يعيد اليوم تاريخ الأمس ولا نزال نذكر معاهدة سيفر عام 1920 يوم وعد الحلفاء الأكراد بوطن في كردستان العليا عندما كانت مصلحة الحلفاء في الحرب العثمانية تستدعي اجتذاب الأكراد لمحاربتها.

وعندما قضت مصلحة الانكليز بإستمالة مصطفى كمال اتاتورك واسترضائه ألغيت معاهدة «لوزان» 1923 ذلك الوعد ولم تشترط تلك المعاهدة ايّ معاملة مميّزة للأكراد بل تحدثت عن احترام الحريات لكلّ الأقليات…

وإذا كانت معاهدة لوزان قد اعتبرت الأكراد من الأقليات فنحن والأكراد لا نعتبرهم ولا يعتبرون أنفسهم كذلك. فهم اكثرية ان لم يكن عدداً فنوعية سياسية، ثقافية اجتماعية يملكون في أمتهم إرثاً حضارياً لأكثر الحضارات إشعاعاً للإنسانية كلها.

ولا نريد ان يحدث اليوم ما حدث بالأمس ويتصرف بعض المنحرفين تصرفاً يضرّ بهذه الأمة إرضاء لأجنبي على حساب وحدة الأرض والشعب.

يكفي ان ينتصب في ميسلون تمثال لبطل سوري استشهد في سبيل حرية وطنه وهو يوسف العظمة الكردي الشامي.

صدر الوطن واسع يتسع لجميع أبنائه دون تفرقة او تمييز.. ففي الوحدة القومية تضمحلّ العصبيات المتنافرة وتنشأ الوحدة القومية التي تتكفل بإنهاص الأمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى